الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقال فقه بكسر القاف إذا فهم وبفتحها إذا سبق غيرها للفهم وبضمها إذا صار الفقه له سجية (1) .
كذلك نقله ابن عطية في تفسيره، وقاعدة العرب أن اسم الفاعل من فعَل وفعِل هو فاعل نحو ضرب فهو ضارب وسمع فهو سامع، ومن فعُل فعيل نحو ظرف فهو ظريف وشرف فهو شريف، فلذلك كان فقيه من فقه بالضم دون الآخرين.
الفصل الثالث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل
فإنها تلتبس على كثير من الناس، فالوضع يقال بالاشتراك على جعل اللفظ دليلاً على المعنى كسمية الولد زيداً وهذا هو الوضع اللغوي، وعلى غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهر فيه من غيره وهذا هو وضع المنقولات الثلاثة الشرعي نحو الصلاة والعرفي العام نحو الدابة والعرفي الخاص نحو الجوهر والعرض عند المتكلمين. والاستعمال إطلاق اللفظ وإرادة مسماه بالحكيم وهو الحقيقة، أو غير مسماه لعلاقة بينهما وهو المجاز. والحمل اتقاد السامع مراد المتكلم من لفظه أو ما اشتمل على مراده
(1) الفقه: العلم بالشيء والفهم له وغلب على علم الدين لسيادته. قال ابن الأثير واشتقاقه من الشق والفتح.
…
وقد جعله العرف خاصاً بعلم الشريعة شرفها الله تعالى وتخصصاً بعلم الفروع منها. وقال غيره من علماء اللغة: الفقه في الأصل: الفهم. قال الله تعالى «ليتفقهوا في الدين» أي ليكونوا علماء به.
ودعا النبي b لابن عباس فقال: «اللهم علمه الدين وفقهه في التأويل» أي فهمه تأويله.
أنظر في ذلك المعاجم وكتب اللغة.
فالمراد كاعتقاد المالكي أن الله تارك وتعالى أراد بلفظ القرء الطهر والحنفي أن الله تعالى أراد الحيض (1) ، والمشتمل نحو حمل الشافعي رضي الله عنه اللفظ المشترك على جملة معانيه عند تجرده عن القرآن لاشتماله على مراد المتكلمين احتياطاً.
أريد بصيرورة شهرته على غيره أن يصير هو المتبادر إلى الذهن ولا يحمل على غيره غلا بقرينة كحال الحقيقة اللغوية مع المجاز، ولذلك أن المنقولات حقائق عرفية وشرعية ولكنها مجازات لغوية؛ فالدابة منقولة عن مطلق ما دب، إلى الحمار مخصوصة بمصر،
وإلى الفرس مخصوصة بالعراق، فلا يفهم غير هذين إلا بقرينة صارفة عنهما، وتسمية العرف خاصاً لاختصاصه بعض الفرق كالمتكلمين، أو النحاة في الفعل والفاعل، ولفظ الدابة يشملهم مع العوام، ولا يشترط عمومه في الأقاليم ولا في إقليم كامل؛ فربما خالف صعيد إقليم مصر شمالها، غير أنه في كل بقعة يشمل أهل تلك البقعة كلهم، فمن قال رأيت أسداً وأراد مسماه الذي هو الحيوان المفترس فهو حقيقة، أو رجلاً شجاعاً فهو مجاز، وكلاهما استعمال، والعلاقة لا بد منها في حد المجاز، لأنها لو فقدت كان نقلاً لا مجازاً كتسمية الولد جعفراً، ولا علاقة بين الولد والنهر الصغير؛ فإنه الذي يسمى جعفراً لغة.
(1) القَرء والقُرء: الحيض والطهر، ضد. وذلك أن القرء هو الوقت، والوقت يكون للحيض أو الطهر. هكذا قال أبو عبيد. قال: وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت. وتمسك الحنفية بحديث: «دعي الصلاة أيام أقرائك» على أن اللفظ يدل على الحيض. وقد وافق الشافعي مالك في تأويله لقوله تعالى «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» أنها الأطهار، مستدلاً بأن ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض فاستفتى عمر رضي الله عنه النبي b فقال مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء.
ويحقق هذا الفهم قول الأعشى:
…
لما ضاع فيها من فروء نسائكاً
فالقروء هنا الأطهار، لأن النساء إنما يؤتين في أطهارهن لا في حيضهن.
أنظر في ذلك كتب الفروع الفقهية وكتب اللغة المطولة.
وأما حمل الشافعي المشترك على جميع معانيه عند التجرد فهي مسألة اختلفوا فيها؛ فالجمهور خالفوه وقالوا كما يحصل الاحتياط إذا قال له انظر للعين فنظر لجميع العيون فيحصل المراد قطعاً ويضيع الاحتياط (1) من جهة أخرى فإنه قد ينظر إلى عين امرأته أو ذهب (2) وذلك يسوؤه فيقع في المخالفة؛ فالصواب التثبت حتى يرد البيان، والمأمور معذور عند عدم البيان وغير معذور إذا هجم بغير علم ولا ظن عند حصول الإجمال.
فاعتقاد الشافعي إن قلنا به هو مشتمل على المراد لا أنه المراد؛ فإن فرعنا على عدم صحته أسقطناه من الحد.
ويتلخص من هذا الفصل أن الوضع سابق والحمل لاحق والاستعمال متوسط، وهذا فرق جلي بينها وبقي من الوضع قسم ثالث لم أذكره وهو ما يذكره جماعة من العلماء في قولهم هل من شرط المجاز الوضع أم ليس من شرطه؟ قولان، ويريدون بالوضع هنا مطلق الاستعمال ولو مرة يسمع من العرب استعمال ذلك النوع من المجاز فيحصل الشرط؛ فصار الوضع جعل اللفظ دليلاً على المعنى أو غلبة الاستعمال، وأصل الاستعمال من غير غلبة في المواطن المذكورة خاصة فحصل الفرق بين الجميع.
(1) في نسخة يضيع بحذف الواو.
(2)
فالعين قد تطلق على الباصرة والذهب كما ذكر وقد تطلق أيضاً على عين الماء الجارية.