المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث في مخصصاته - شرح تنقيح الفصول

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في الاصطلاحات

- ‌الفصل الأول في الحد

- ‌الفصل الثاني في تفسير أصول الفقه

- ‌الفصل الثالث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل

- ‌الفصل الرابع في الدلالة وأقسامها

- ‌الفصل الخامس الفرق بين الكلي والجزئي

- ‌الفصل السادس في أسماء الألفاظ

- ‌الفصل السابع الفرق بين الحقيقة والمجاز وأقسامهما

- ‌الفصل الثامن في التخصيص

- ‌الفصل التاسع في لحن الخطاب وفحواه ودليله وتنبيهه واقتضائه ومفهومه

- ‌الفصل العاشر في الحصر

- ‌الفصل الحادي عشر خمس حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم وهي الأمر والنهي والدعاء والشروط وجزاؤه

- ‌الفصل الثاني عشر حكم العقل بأمر على أمر

- ‌الفصل الثالث عشر في الحكم وأقسامه

- ‌الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادة

- ‌الفصل الخاس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

- ‌الفصل السادس عشر في الرخصة والعزيمة

- ‌الفصل السابع عشر في الحسن والقبح

- ‌الفصل الثامن عشر في بيان الحقوق

- ‌الفصل التاسع عشر في العموم والخصوص والمساواة والمباينة وأحكامها

- ‌الفصل العشرون في المعلومات

- ‌الباب الثاني في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه

- ‌الباب الثالث في تعارض مقتضيات الألفاظ

- ‌الباب الرابع في الأوامر وفيه ثمانية فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

- ‌الفصل الثاني ورود الأمر بعض الحظر

- ‌الفصل الثالث في عوارضه

- ‌الفصل الرابع جواز تكليف ما لا يطاق

- ‌الفصل الخامس الأمر بالمركب أمر بأجزائه

- ‌الفصل السادس في متعلقه

- ‌الفصل السابع في وسيلته

- ‌الفصل الثامن في خطاب الكفار

- ‌الباب الخامس في النواهي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في لازمه

- ‌الباب السادس في العمومات

- ‌الفصل الأول في أدوات العموم

- ‌الفصل الثاني في مدلوله

- ‌الفصل الثالث في مخصصاته

- ‌الفصل الرابع فيما ليس من مخصصاته

- ‌الفصل الخامس فيما يجوز التخصيص إليه

- ‌الفصل السادس في حكمه بعد التخصيص

- ‌الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء

- ‌الباب السابع في أقل الجمع

- ‌الباب الثامن في الاستثناء

- ‌الفصل الأول في حده

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في أحكامه

- ‌الباب التاسع في الشروط

- ‌الفصل الأول في أدواته

- ‌الفصل الثاني في حقيقته

- ‌الفصل الثالث في حكمه

- ‌الباب العاشر في المطلق والمقيد

- ‌الباب الحادي عشر في دليل الخطاب وهو مفهوم المخالفة

- ‌الباب الثاني عشر في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول في معنى ألفاظه

- ‌الفصل الثاني فيما ليس مجملاً

- ‌الفصل الثالث في أقسامه

- ‌الفصل الرابع في حكمه

- ‌الفصل الخامس في ورقته

- ‌الفصل السادس في المبين

- ‌الباب الثالث عشر في فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الأول في دلالة فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني في اتباعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث في تأسيه عليه الصلاة والسلام

- ‌الباب الرابع عشر في النسخ

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الرابع فيما يتوهم أنه ناسخ

- ‌الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشر في الإجماع

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مستنده

- ‌الفصل الرابع في المجمعين

- ‌الفصل الخامس في المجمع عليه

- ‌الباب السادس عشر في الخبر

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في التواتر

- ‌الفصل الثالث في الطرق المحصلة للعلم غير التواتر وهي سبعة

- ‌الفصل الرابع في الدال على كذب الخبر وهو خمسة

- ‌الفصل الخامس في خبر الواحد

- ‌الفصل السادس في مستند الراوي

- ‌الفصل السابع في عدده

- ‌الفصل الثامن فيما اختلف فيه من الشروط

- ‌الفصل التاسع في كيفية الرواية

- ‌الفصل العاشر في مسائل شتى

- ‌الباب السابع عشر في القياس

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الدال على العلة

- ‌الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة

- ‌الفصل الخامس في تعدد العلل

- ‌الفصل السادس في أنواعها

- ‌الفصل السابع فيما يدخل القياس

- ‌الباب الثامن عشر في التعارض والترجيح

- ‌الفصل الأول هل يجوز تساوي الأمارتين

- ‌الفصل الثاني في الترجيح

- ‌الفصل الثالث في ترجيحات الأخبار

- ‌الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة

- ‌الفصل الخامس في ترجيح طرق العلة

- ‌الباب التاسع عشر في الاجتهاد

- ‌الفصل الأول في النظر

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث فيمن يتعين عليه الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في زمانه

- ‌الفصل الخامس في شرائطه

- ‌الفصل السادس في التصويب

- ‌الفصل السابع في نقض الاجتهاد

- ‌الفصل الثامن في الاستفتاء

- ‌الفصل التاسع فيمن يتعين عليه الاستفتاء

- ‌الباب العشرون في جمع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين

- ‌الفصل الأول في الأدلة

- ‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

الفصل: ‌الفصل الثالث في مخصصاته

‌الفصل الثالث في مخصصاته

وهي عند مالك عشر، فيجوز عند مالك وأصحابه تخصيصه بالعقل خلاف القوم، كقوله تعالى:«الله خالق كلّ شيء» (1) خصص العقل ذات الله تعالى وصفاته.

الخلاف محكى على هذه الصورة، وعندي أنه عائد على التسمية، فإن خروج هذه الأمور من هذا العموم لا ينازع فيه مسلم، غير أنه لا يسمى التخصيص إلاّ ما كان باللفظ، هذا ما يمكن أن يقال. أما بقاء العموم على عمومه فلا يقوله مسلم.

وبالإجماع والكتاب بالكتاب، خلافاً لبعض أهل الظاهر.

مثال ما خصص بالإجماع قوله تعالى: «أو ما ملكت أيمانكم» (2) خرج منه الأخت من الرضاعة وغيرها من مؤطوءات الآباء والأبناء، والمخصص بالكتاب وهو قوله تعالى:«والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» (3) عام في كلّ مطلقة خصصه قوله تعالى: «وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن» (4) احتجوا بقوله تعالى: «لنبين للناس ما نزل إليهم» (5) وهو يقتضي أن البيان لا يكون إلاّ بالسنة، والتخصيص بيان، فوجب أن يكون بالسنة فلا يكون الكتاب مخصصاً.

جوابه قوله تعالى في القرآن: «تبياناً لكل شيء» (6) وهو نفسه شيء، فيبين نفسه وهو المطلوب.

(1) 16 الرعد. 0

(2)

3 النساء.

(3)

228 البقرة.

(4)

4 الطلاق.

(5)

44 النحل.

(6)

89 النحل.

ص: 202

وبالقياس الجلي والخفي للكتاب والسنة المتواترة.

ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة والأشعري وأبو الحسين البصري.

وخالفنا الجبائي وأبو هاشم في القياس مطلقاً، وقال عيسى بن أبان إن خص قبله بدليل مقطوع جاز وإلا فلا، وقال الكرخي إن خص قبله بدليل منفصل جاز وإلا فلا، وقال ابن سريج وكثير من الشافعية يجوز بالجلي دون الخفي، واختلف في الجلي والخفي فقيل الجلي قياس المعنى والخفي قياس الشبه، وقيل الجلي ما تفهم علته كقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقضي القاضي وهو غضبان» ، وقيل ما ينقض القضاء بخلافه، وقال الغزالي إن استويا توقفنا وإلا طلبنا الترجيح، وتوقف القاضي أبو بكر وإمام الحرمين، وهذا إذا كان أصل القياس متواتراً، فإن كان خبر واحد كان الخلاف أقوى.

لنا أن اقتضاء النصوص تابع للحكم، والقياس مشتمل على الحكم فيقدم.

لنا أن القياس دليل شرعي والعموم دليل شرعي وقد تعارضا، فأما إن يعمل بهما فيجتمع النقيضان أو لا يعمل بهما فيرتفع النقيضان أو يقدم العام على الخاص وهو محال، لأن العام دلالته على ذلك الخاص أضعف من دلالة الخاص على ذلك الخاص، لجواز إطلاقه بدون إرادة ذلك الخاص، والخاص لا يجوز إطلاقه بدون إرادة ذلك الخاص، والأضعف لا يقدم على الأقوى، فيتعين تقديم الخاص عليه وهو المطلوب. وبيانه بالمثال قوله تعالى:«وأحل لكم البيع» (1) يقتضي حل بيع الأرز متفاضلاً ونسيئة، والقياس على البر يمنعه، فإن أعملناهما أبحنا التفاضل بالآية ومنعناه بالقياس؛ فيجتمع النقيضان، أو ألغيناهما فنلغي الحل من الآية والتحريم من القياس فيحل ولا يحل، وهو ارتفاع النقيضين أو الجمع بين النقيضين؛ فإن إلغاء العموم يقتضي أن لا يحل، وإلغاء القياس يقتضي أن لا يحرم، وإن قدمنا العموم لزم تقديم الأضعف، فإن العموم يجوز إطلاقه بدون إرادة

(1) 275 البقرة.

ص: 203

الأرز، وقياس الأرز لا يمكن أن يثبت بدون التحريم في الأرز، وهذه الدلالة مطردة في جميع صور التخصيص على هذا التقدير.

احتجوا على منع القياس مطلقاً بأن (1) القياس فرع النصوص، وكل ما هو شرط في النصوص فهو شرط في القياس من غير عكس، فلو قدم القياس على النص لزم تقديم الفرع على الأصل وتقديم (2) ما هو أكثر مقدمات على ما هو أقل، وهو باطل، فإن الأقل أرجح مِمّا هو أكثر مقدمات وتقديم المرجوح على الراجح محال.

والجواب أن النص الذي هو من أصل القياس غير النص المخصوص بالقياس، فلم يتقدم الفرع على الأصل فحديث عبادة بن الصامت في الربا في الأشياء الستة هو أصل القياس مثلاً، والنص المخصوص هو الآية فما (3) قدم فرع على أصل.

حجة عيسى بن أبان: أنه إذا خص قبل القياس بدليل مقطوع فقد قطعنا بدخول المجاز فيه فقطعنا بضعفه، فجاز تسليط القياس عليه، أما إذا خص بدليل مظنون فلم يقطع بضعفه، أو لم يدخله التخصيص البتة فلا يتسلط القياس عليه.

حجة الكرخي أن التخصيص بالمخصص المتصل وهو أربعة: الاستثناء والشرط والغاية والصفة، وهذه أمور لا يمكن استقلالها بأنفسها فينبغي (4) أن تكون مع الكلام الذي دخلت عليه كلاماً واحد، موضوعاً لما بقي بعد التخصيص، فيكون حقيقة، فلا يتسلط القياس عليه لضعفه عن الحقيقة، أم المخصص المنفصل فكقوله عليه الصلاة والسلام: «لا

تبيعوا البر بالبر» الحديث ولا يمكن جعله مع الكلام المخصوص كلاماً واحداً موضوعاً لما بقي بعد التخصيص حتى يكون حقيقة، بل يتعين أن يكون مجازاً، وإذا كان مجازاً ضعف فأَسْلِط القياس عليه، وقياس المعنى كقياس الأرز على البر بجامع الطعم والنبيذ على الخمر بجامع السكر ونحو ذلك.

(1) في نسخة: فإن.

(2)

في نسخة وبتقديم.

(3)

ما: هنا نافية.

(4)

في المخطوطة: فيتعين.

ص: 204

وقياس الشبه قال القاضي وغيره هو الذي لا يكون مناسباً في ذاته ويكون مستلزماً للمناسب، كقولنا في الخل إنه لا يزيل النجاسة مائع لا تبنى القنطرة على جنسه، فلا يجوز أن تزال به النجاسة كالدهن، فقوله لا تبنى القنطرة على جنسه ليس فيه مناسبة، لكن هذا الوصف يشعر بالعلة؛ فإن عدم البناء يدل على قلته لأن العادة جرت بأن القناطر لا تبنى إلاّ على المائع الكثير، فما لا تبنى عليه قنطرة فهو غير كثير، والطهارة مشروع عام يقتضي اللطف بالمكلف أن لا يشرع إلاّ بما هو متيسر موجود في كلّ مكان وزمان، فالعلة تناسب حينئذ المنع، فهذه هو المناسب الذي استلزمه ذلك الوصف الطردي.

ولا شك أن هذا قياس ضعيف بالنسبة إلى قياس المعنى فلا يتعين عند هذا القائل أن يسلطه على النصوص، حتى أن القاضي قال قياس الشبه ليس بدليل شرعي البتة، ومرادهم بقولهم ما تفهم علته أن يسبق إلى الفهم من كلام الشارع ما يعين علته (1) عند سماع اللفظ فإن قوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقضي القاضي وهو غضبان» يفهم منه أن المانع ما يشوش الفكر، فيتعدى للجائع والحاقن وغيرهما بجامع ما يشوش الفكر، وأما قول الآخر ما ينقض القضاء بخلافه فهو تفسير يلزم منه الدور، وذلك أن الفقهاء يقولون ينقض قضاء القاضي إذا خالف الإجماع أو النص أو القياس الجلي أو القواعد، فينبغي أن يكون القياس الجلي معلوماً قبل النقض، وإذا عرف بالنقض توقف كلّ واحد منهما على معرفة الآخر فلزم الدور.

وأما قول الغزالي، فتقريره أن القياس تختلف مراتبه في الظنون، فالمنصوص علته يفيد الظن أكثر من المستنبطة علته، والقياس على أصل مجمع عليه أولى من القياس على أصل منصوص عليه مختلف فيه، والثابت علته بالنص أولى من الثابت علته بالإيماء، وبالإيماء أقوى من المناسبة، وبالمناسبة أقوى من الطردي، إلى غير

(1) في المخطوطة: ما يعين على علته.

ص: 205

ذلك، كما يذكر (1) في ترجيح الأقيسة، فظهر أن إفادة القياس المطلوب تختلف رتبته في ذلك، وكذلك العموم، فإن العموم متى كان قليل الأنواع كانت إفادته للظن أقوى مِمّا كثرت أنواعه، فإن احتمال التخصيص فيه أقل، والعام من اللفظ الذي لم تجر العادة باستعماله مجازاً يفيد الظن أكثر من

الذي جرت العادة باستعماله مجازاً، والمختلف في دخول التخصيص فيه أضعف مِمّا لم يجر الخلاف في تخصيصه بغير ذلك القياس، فرتب الظنون أيضاً مختلفة في العموم، وإذا كانت الرتبة مختلفة في القياس والعموم، فإذا تعارض قياس وعموم نظرنا بين الرتبتين، فإن وجدنا الظنين في أنفسنا سواء توقفنا حتى يحصل مرجح من خارج أو يسقطان، وإن وجدنا ظن أحدهما أقوى قدمنا الراجح، وهذا مذهب حسن بعضده قوله عليه الصلاة والسلام:«أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر» .

وأما توقف إمام الحرمين والقاضي فلتعارض المدارك. فهذه ستة مذاهب، وأما إذا كان أصل القياس ثابتاً بأخبار الآحاد كان المنع من التخصيص به أظهر، لأنه أظهر لضعف اصله.

وبجوز عندنا تخصيص السنة المتواترة بمثلها، وتخصيص الكتاب بالسنة المتواترة كانت قولاً أو فعلاً خلافاً لبعض الشافعية.

لنا أن الخاص والعام إذا اجتمعا فإما أن يعمل بهما، أو لا يعمل بهما، أو يقدم العام على الخاص، أو الخاص على العام، والأقسام الثلاثة الأوّل باطلة فتعين الرابع، وقد تقدم بسطه وتصوير هذه المسألة في السنتين المتواترتين في زماننا عسر فإن التواتر في الأحاديث قل في زماننا أو انقطع لقلة العناية برواية الحديث، ولم يبق فيها إلاّ ما يفيد الظن، حتى قال بعض الفقهاء ليس في السنة متواتر إلاّ قوله عليه الصلاة والسلام:«الأعمال بالنيات» ، وعند التحقيق لا نجده متواتراً عندنا، وأين العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! غايتنا أن نرويه عن اثنين عن ثلاثة عن عشرة وهو عزيز إسناداً

(1) في المخطوطة: مِمّا يذكر.

ص: 206

متصلاً وهذا لا يحصل العلم فلا يكون متواتراً، بل يتصور هذه المسألة باعتبار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فإن الأحاديث كانت في زمانهم متواترة، أعني كثيراً منها، لقرب العهد بالمروي عنه، ولشدة العناية في الرواية، فيكون حكم الله تعالى مِمّا تقدم باعتبار تلك القرون، أما نحن فلا، أما تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، أما بالقول فقوله تعالى:«يوصيكم الله في أولادكم» (1) الآية. قال الأصوليون: خصص بقوله عليه الصلاة والسلام: «القاتل لا يرث» وبقوله صلى الله عليه وسلم: لا يتوارث أهل القبلتين (2) وأهل الملتين» وأما الفعل فخصصوا قوله تعال: «الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة» (3) مِمّا تواتر عنه عليه الصلاة والسلام من رجم المحصن في قصة ماعز وغيره.

وهنا سؤالان: الأوّل ما تقدم في الحديث المتواتر (4) وجوابه ما تقدم، والثاني أن

قوله عليه الصلاة والسلام «القاتل لا يرث» ليس بتخصيص، لأنه تقدم أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات، فيقتضي توريث كلّ ولد في حالة غير معينة، فالذي يناقضه أن بعض الأولاد لا يرث في حالة ما فإن الموجبة الجزئيّة إنّما يناقضها السالبة الكليّة، ولم نجد ولداً لا يرث في حالة ما بل الجميع يرثون في حالة ما، ولا يلزم من كون بعض الأولاد لا يرث في حالة خاصة أن لا يرث في حالة ما فإن نفي الخاص لا يلزم منه نفي العام، فإذا قلنا في الدار رجل، لا يناقضه ليس في الدار زيد، لأن (رجلاً) بصفة التنكير لم يتعين لزيد، فلا يلزم من نفي زيد نفيه، كذلك هنا لا يلزم من نفي الإرث في حالة القتل أو غيره من الأحوال الخاصة نفي التوريث في حالة منكرة، وكذلك يلزم أن يكون قوله تعالى:«اقتلوا المشركين» (5) غير مخصوص أما بالنساء فلأنهن لم يندرجن في

(1) 11 النساء.

(2)

أهل القبلتين ساقطة من المخطوطة.

(3)

2 النور.

(4)

في المخطوطة: ما تقدم على حديث التواتر.

(5)

5 التوبة.

ص: 207

الصيغة لأنها صيغة تذكير، وأما الصبيان فلأنهم يقتلون في حالة ما وهي إذا كبروا وكذلك الرهبان يقتلون إذا قاتلوا، وهي حالة ما، وكذلك أهل الذمة، فلا يتصور فيه تخصيص بناء على هذه القاعدة؛ فإنا لم نجد فرداً من هذا العموم لا يقتل في حالة ما، وإنما يتصور ذلك في قوله تعالى:«الله خلق كلّ شيء» (1) فإن واجب الوجود لا يقبل هذا الحكم في حالة ما، وقوله تعالى:«وأوتيت من كلّ شيء» (2) فإنَّها لم تؤت النبوة، أو ملك الدنيا، أو الشمس أو القمر، وغير ذلك ي حالة ما، وقوله تعالى:«تدمر كلّ شيء بأمر ربها» (3) ،

لم تدمر الجبال، ولا السماء في حالة ما، فهذا تخصيص محقق لما فيه ن المناقضة للعموم، ومن شرط المخصص أن يكون مناقضاً للعموم، ولا تناقض بين ثبوت الحكم في حالة ما وبين عدم ثبوته في حالة مخصوصة، بل الناقض عدم ثبوته في جميع الحالات، وبهذه الطريقة يظهر لك أن أكثر ما يعتقد فيه التخصيص ليس مخصوصاً؛ فإن تلك الأفراد إنّما خرجت في أحوال خاصة لا في جميع الحالات، فلا يحصل التناقضز

ويجوز عندنا وعند الشافعي وأبي حنيفة تخصيص الكتاب بخبر الواحد وفصَّل ابن أبان والكرخي كما تقدمن وقيل لا يجوز مطلقاً، وتوقف القاضي فيه.

لنا أنهما دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخص من العموم فيتقدم على العموم؛ لأن تقديم العموم عليه يقتضي إلغاء خبر الواحد بالكلية، وتقديم الخبر على العموم لا يبطل العموم، بل يبقى في غير ما يتناوله الخبر فكان أولى، ولإجماع الصحابة - رضوان الله عليهم - على تخصيص آية الإرث بقوله عليه الصلاة والسلام «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وقوله تعالى: «وأحل الله البيع» (4) بخبر ابن مسعود في تحريم الربا، وقوله تعالى:«وأحل لكم ما وراء ذلكم» (5) بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» .

(1) 102 الأنعام.

(2)

23 النمل.

(3)

25 الأحقاف..

(4)

275 البقرة.

(5)

24 النساء.

ص: 208

احتجوا بأن الكتاب مقطوع، وخبر الواحد مظنون، فلا يقدم على المقطوع، ولقول عمر رضي الله عنه في خبر فاطمة بنت قيس لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أم كذبت، ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعاً، وبالقياس على النسخ.

والجواب عن الأول: أن الكتاب مقطوع السند متواتر اللفظ أما دلالة العموم وتناوله الصورة التي تناولها خبر الواحد فأضعف من دلالة خبر الواحد عليها لما تقدم في دليلنا. وعن الثاني: أن الرد معلل بالتهمة بالنسيان أو الكذب ونحن نساعد عليه، إنّما النزاع إذا سلم الخبر عن المطاعن. وعن الثالث: الفرق أن النسخ إبطال لما ثبت أنه المراد فيحتاط فيه، أما التخصيص فبيان المراد من العموم، لا إبطال ما ثبت أنه مراد مجازه، وأما حجج الجماعة من التفرقة لعيسى بن أبان والكرخي فهي ما تقدم في التخصيص بالقياس، وكذلك مدرك التوقف.

فائدة: يلزم الغزالي أن ينظر هنا إلى مراتب الظنون كما تقدم له في القياس؛ فإن مراتب خبر الواحد في إفادة الظن مختلفة، وكذلك العموم، وليس له أن يقول خبر الواحد أقوى من القياس، لأنا نقول هب أنه أقوى، غير أن ذلك المدرك المتقدم موجود بعينه هنا، فيلزم انتقاضه، وهو خلاف الأصل والفرق لا ينجى من ذلكن فإن الفرق إن كان معتبراً لزم أن ينعطف منه وصف آخر مضافاً لما ذكرته من المدرك.

فائدة: أكثر النحاة والمحدثين على منع أبان من الصرف وهو مشكل، فإن وزنه في ظاهر الحال فعال وهو عربي فلم يبق فيه إلاّ العلمية، والعلة والواحدة لا تمنع الصرف على الصحيحن والنون فيه أصلية لأنه من أبَانَ.

وجوابه: أن وزنه أفعل، وأصله أبين ثم انقلبت الياء ألفاً لتحركها، ونقل حركتها لما قبلها، فمنع من الصرف مراعاة لأجل وزنه، فاجتمع وزن الفعل والعلمية كأحمد، فإن قيل يشكل ذلك برجل سُمي بِيع أو قِيل ونحوه من الأفعال المعتلة المبنية لما لم يُسم فاعله، فإن وزن ما لم يسم فاعله هو أولى في منع الصرف

ص: 209

من وزن الفعل المضارع؛ لأنه خاص بالأفعال ووزن المضارع يغلب في الأفعال ولا يخصها بدليل أفعل التفضيل، ومع ذلك فقد نصُّوا على جواز صرف هذا النوع وشبهه وقالوا إنه صار إلى وزن ما هو أصل في الأسماء نحن ديك وفيل، وأما أبان فلم يرجع بعد التغيير إلى بناء أصلي، فامتنع صرفه، فهذا هو الفرق، وأما من صرفه فزعم أن أصله فَعَال لا أفعل من التبيين، حكى ذلك ابن يعيش في المفصل.

وعندنا تخصيص فعله عليه الصلاة والسلام وإقراره الكتابة والسنة.

وفصل الإمام فقال إن تناوله العام كان الفعل مخصصاً له ولغيره إن علم بدليل أن حكمه كحكمه، لكن المخصص فعله مع ذلك الدليل، وكذلك إن كان العام متناولاً لأمته فقط وعلم بدليل أن حكمه حكم أمته، وكذلك الإقرار يخصص الشخص المسكوت عنه لما خالف العموم، ويخصص غيره إن علم أن حكمه على الواحد حكم على الكل.

أما تخصيص الفعل والإقرار للكتاب والسنة فلما تقدم من تخصيص خبر والواحد لهما خلافاً ومدركاً وسؤالاً وجواباً، والفعل والإقرار أضعف دلالة من القول؛ لأن القول يدل بنفسه والفعل لا يكون مدركاً شرعياً إلاّ بدليل من القول يدل على أنه حجة، كقوله تعالى:«ما أتاكم الرسول فخذوه» (1) وقوله عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم وصلوا كما رأيتموني أصلي» .

وأما تفضيل الإمام فمثاله قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا» فهذا متناول للأمة دونه عليه الصلاة والسلام، ثم روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صعد على ظهر بيت حفصة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين لقضاء الحاجة مستقبلاً بيت المقدس مستدبراً الكعبة، وقد علم بالدليل أن حكم أمته يتناوله، فيكون فعله عليه الصلاة والسلام مخصصاً له من حكم هذا النص الذي ثبت التعميم في حقه منه بالدليل، ومن

(1) 7 الحشر.

ص: 210

العلماء من حمل فعله على حالة، وهو أن هذا حكم الأبنية، والنهي محمول على الصحارى والأفضية، ومثال ما يتناوله عليه الصلاة والسلام خاصة قوله عليه الصلاة والسلام:«نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً» فهذا خاص به من حيث اللفظ، وعلم بالدليل أن حكم أمته كحكمه، ومثال المتناول له عليه الصلاة والسلام لأمته قوله تعالى:«يوصيكم الله في أولادكم» (1) وغير ذلك من النصوص العامة، فإذا ثبت أنه عليه الصلاة والسلام فعل ما يقتضي أنه غير مراد بها فإن علم أن غيره كحكمه تخصص معه، وإذا أقر شخصاً على غير خلاف هذه النصوص نعلم أن ذلك الشخص غير مراد بتلك العمومات، فإن دل الدليل على مساواة غير ذلك الشخص له خصص الثاني كما خصص الأوّل، وقولنا إن علم أن حكمه كحكمه، لا يمكن أن يريد به جملة ما يصدق عليه أنه غيره، لأن ذلك يؤدي إلى خروج جملة الأفراد من ذلك اللفظ، ولا يبقى منه شيء، فيكون هذا نسخاً تخصيصاً وبياناً، بل يريد به بعض الأشخاص تحقيقاً للتخصيص.

وعندنا العوائد مخصصة للعموم، قال الإمام إن علم وجودها في زمن الخطاب وهو متجه.

القاعدة: أن من له عرف وعادة في لفظ إنّما يحمل لفظه على عرفهن فإن كان المتكلم

هو الشرع حملنا لفظه على عرفه وخصصنا عموم لفظه في ذلك العرف إن اقتضى العرف تخصيصاً، أو على المجاز إن اقتضى المجاز وتركا الحقيقة، أو إضمار أو غيرهن وبالجملة دلالة العرف مقدمة على دلالة اللغة، لأن العرف ناسخ للغة، والناسخ يقدم على المنسوخ، أما العوائد الطارئة بعد النطق لا يقضى بها على النطق فإن النطق سالم عن معارضتها، فيحمل على اللغة، وتظهيره إذا وقع العقد في البيع، فإن الثمن يحمل على العادة الاضرة في النقد، وما يطرأ بعد ذلك من العوائد في النقود لا عبرة به في هذا البيع المتقدم، وكذلك النذر والإقرار والوصية إذا تأخرت العوائد عليها لا تعتبر، وإنما تعتبر من العوائد ما كان مقارناً لها، فكذلك نصوص الشريعة لا تؤثر في تخصيصها إلاّ ما قارنها من العوائد.

(1) 11 النساء.

ص: 211

فائدة: العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصاً ومجازاً وغيره، بخلاف العوائد الفعلية، مثاله ما إذا كان الملك لا يلبس إلاّ الخز ويطلق دائماً الثوب على الخز وغيره، فإذا حلف لا يلبس ثوباً حنث بالخز وغيره، وعادته الفعلية لا تقضي على لفظه فتصيره خاصاً بالخز فلا يحنث بغيره، بل يحنث بالجميع، وسببه أن العوائد اللفظية الناسخة ناقلة للغة ومعارضة لها، من جهة أن الناسخ مقدم على المنسوخ ومبطل له، وأما ترك ملابسه بعض أنواع المسمى أو ملابسة بعضه فلا يؤثر في سبق الذهن إلى ذلك المسمى من حيث هو ذلك المسمى، فكون زيد لا يركب الفرس أو يركبه لا يقدح في أنه إذا قال ركبت حيواناً يتعين حمله على الفرس، إذا كانت عادته يطلق لفظ الحيوان على الجميع، أما إن كان لا يطلق لفظ الحيوان إلاّ على الفرس فهذه عادة لفظية تقضي على لفظه بحمله على الفرس، كذلك إذا قال الملك أو غيره لا دخلت في هذا النهار بيتاً فدخل بيتاً لم يدخله قط حنث، وإن كانت عادته بدخول غير هذا البيت، فتأمل ذلك تجده لا يعارض اللفظ في وضعه في اللغة أصلاً، بل ذلك عُرْف الإطلاق هو المؤثر ليس إلاّ، أما الفعل والملابسة فلا.

وقد حكى فيه الإجماع وليس منه قول العلماء: العرف الخاص هل يقدم على العرف العام؟ قولان، فإن مرادهم بالعرف الخاص عادة خاصة بالإطلاق لا بالفعل والمباشرة، فتأمل ذلك فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية وغيرهم، حتى جعل بعضهم أن ما وقع للمالكية من حملهم أيمان المسلمين في الحلف على صوم شهرين متتابعين والحج دون الاعتكاف، أنه من باب العرف الفعلي، وأن عادة الناس يصومون كثيراً ويحجون كثيراً دون الاعتكاف. وليس كما قالوا، بل هو لأن عادتهم إذا نطقوا في الأيمان يحلفون بالتزام الحج والصوم، ولم تجر عادتهم بنطقهم في الأيمان بالتزام الاعتكاف، فلذلك لم يندرج الاعتكاف في أيمان المسلمين، ولذلك قالوا إذا حلف لا يأكل رؤوساً فمنهم من حنثه برؤوس الأنعام التي جرت العادة بأكلها خاصة، ومنهم من حنَّثه بجميع الرؤوس، فقال أيضاً منشأ الخلاف

العادة الفعلية بأكل هذه الرؤوس دون غيرها، وليس كما قالوا، بل منشأ الخلاف أن عبادة الناس إذا نطقوا بلفظ الرؤوس في الأيمان يخصون هذا النوع دون غيره، فهذه عادة نطقية، واختلفوا - أعني الفقهاء - هل وصلت هذه الغلبة في النطق إلى حد

ص: 212

النقل فتكون هذه العادة ناسخة للغة أم لم تصل إلى حد النقل؟ فهذا منشأ الخلاف في الحالف هل يحنث بجميع الرؤوس أم الفعلي فلا.

وكذلك لو قال رأيت رأساً لم يختلفوا في أن ذلك صادق على جميع الرؤوس، ولا يختص ذلك برؤوس الأنعام، لأن هذا التركيب لم يحصل فيه نقل وإنما حصل النقل في لفظ أكلت مع الرؤوس، أما إن ركب مع الرأس غيره من الأفعال نحو رأيت وأبصرت وأعلمت فلا يلزم ذلك، فالعرف الفعلي (1) لا مدخل له في الألفاظ البتة، وسببه عدم تعرضه للوضع الأولن بخلاف العرف القولي، فتأمل ذلك.

وعندنا تخصيص الشرط والاستثناء (2) للعموم مطلقاً، ونص الإمام، ونص الإمام على الغاية والصفة قال وإن تعقبت الصفة جملاً جرى فيها الخلاف الجاري في الاستثناء والغاية، حتى وإلى، فإن اجتمع غايتان كما لو قالوا لا تقربوهن حتى يطهرن حتى يغتسلن، قال الإمام فالغاية في الحقيقة الثانية والأولى سميت غاية لقربها منها.

تقدمت حقيقة الشرط في باب ما توقف عليه الحكم، وأما صورة التخصيص به فكقوله تعالى اقتلوا المشركين إن حاربوا، فهذا الشرط يقتضي إخراج من لم يحارب، وقد كان يقتل لولا هذا الشرط. واعلم أنه على ما تقدم من أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال يقتضي أن يكون الشرط مقيداً لتلك الحالة المطلقة لا مخصصاً، وكذلك الغاية والصفة؛ فإن المقتول عند الغاية الخاصة والصفة الخاصة والشرط الخاص مقتول في حالة ما لأنه مقتول في حالة معينة، والمعين يستلزم المطلق، وكل فرد من العموم يقتل في هذه الحالة فلم يعارض هذه التقييدات العموم، بل قيدت الحالة المطلقة فيها، وأما الاستثناء فيه حالتان إن استثنى نوعاً أو شخصاً وجعلناه لا يقتل في حالة فهذا تخصيص، لأنه لا يقتل في حالة ما، وإن استثنى

(1) في الأصل: بالعرف والفعلي..

(2)

في الأصل: ذكر بعد لفظه الاستفهام.

ص: 213

موصوفاً بصفة تمكن زوالها فهو مقيد لا مخصص لأن الحاصل اشتراط نقيض تلك الصفة فيئول إلى الشرط، وقد تقدم أنه تقييد لا تخصيص، مثال الأوّل اقتلوا المشركين إلاّ زيداً وإلا بني تميم، مثال الثاني إلاّ من يحارب فهذا غَوْر (1) بعيد لم أره لأحد، ويكاد الناس الكل على خلافه فتأمله.

فائدة: قال الشيخ سيف الدين الشرط شرطان شرط السبب وشرط الحكم، فإن كان عدمه مخلاً بحكمة السبب فهو شرط السبب، كالقدرة على التسليم في البيع، وما كان عدمه مشتملاً على حكمه مقتضاها نقيض حكم السبب مع بقاء حكم المسبب، فهو شرط الحكم كعدم الطهارة مع الصلاة، مع الإتيان بمسمى الصلاة، كما أن المانع مانعان مانع السبب ومانع الحكم، فمانع السبب كلّ وصف يخل وجوده بحكمة السبب نفياً كالدين في باب الزكاة مع ملك النصاب، ومانع الحكم هو كلّ وصف وجودي حكمته مقتضاها نقيض حكمة السبب، كالأبوة في باب القصاص مع القتل العمد العدوان.

فائدة: قال الإمام فخر الدين الشرط الداخل على الجمل، اتفق الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما أنه يعم الجمل، قلت والفرق بينه وبين الاستثناء الذي خالف أبو حنيفة على عوده على جميع الجمل وخصصه بالجملة الأخيرة، أن الشروط اللغوية أسباب كما تقدم في باب ما يتوقف عليه الأحكام، والسبب شأنه تضمن الحكم والمقاصد، فيتعين عموم تعلقه بجميع الجمل تكثيراً لتلك المصلحة، بخلاف الاستثناء إنّما هو إخراج ما هو غير مراد، ولعله لو بقي لم يخل بحكمة المذكور المراد فالاستثناء ضعف.

فائدة: قال الإمام فخر الدين: اتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام، بخلاف الاستثناء اختلفوا في جواز تأخيره بالزمن، قلت: والفرق ما تقدم من تضمنه للحكمة والمصلحة، فيقوى الاهتمام به فلا يتأخر، بخلاف الاستثناء.

فائدة: قالا لإمام فخر الدين يجوز تقديم الشرط في النطق وتأخيره، قاله

(1) في الأصول: فهذا أغور.

ص: 214

والتقديم أحسن لأنه مؤثر فهو متقدم طبعاً فيتقدم وضعاً، وأجاز بعضهم التأخير لأنه لا يستقل بنفسه فأشبه الاستثناء.

ونص على الحس نحو قوله تعالى: «تدمر كلّ شيء بأمر ربها» (1) .

لأن البصر بشاه بقاء الجبال والسموات فيعلم العقل أنها غير مرادة بالعموم ويقرب من هذا الباب تخصيص يسمونه التخصيص بالواقع وقد لا يتعين ولا يعلم لنا كقوله تعالى: «ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم» (2) يقطع بأن الواقع أن بعض من صدق عليه العصيان لا يعذب، إما لأنه تاب أو بفضل الله تعالى لقوله تعالى:«ويعفو عن كثير» (3) أو بالشفاعة، لكن هذا الذي خصص من هذه الأنواع غير معلوم لنا الآن عدده ولا أشخاصه ولا صفته، وكذلك عموم قوله تعالى:«فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» (4) بعض عامل الخير لا يرى خيراً لأنه ارتد أو ظلم فأخذ منه ذلك الخير في ظلمه، ومن عمل شراً لا يرى شراً لما تقدم.

وفي المفهوم نظر، وإن قلنا إنه حجة لكونه أضعف من المنطوق، لنا في سائر طرق النزاع أن ما يدعي أنه مخصص لا بد وأن يكون منافياً وأخص من المخصص، فإن أعملا أو ألغيا اجتمع النقيضان، وإن أعمل العام مطلقاً بطلت جملة الخاص، بخلاف العكس فيتعين، وهو المطلوب.

رأيت الجماعة من الأصوليين أن المفهوم يخصص من غير توقف، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام:«في كلّ أربعين شاة شاة» هذا عام، ثم قال:«في الغنم السائمة الزكاة» ومقتضى مفهومه عدم الزكاة في المعلوفة؛ فمنهم من رجح العموم لأنه منطوق، والمنطوق أولى من المفهوم، ويقول بوجوب الزكاة في المعلوفة، ومنهم من يقول المفهوم أخص من العموم لأنه لم يتناول إلاّ المعلوفة والأخص مقدم على العموم، وهو قول الشافعي في خصوص مسألة الزكاة هذه.

(1) 35 الأحقاف.

(2)

14 النساء.

(3)

15 المائدة.

(4)

7 الزلزلة.

ص: 215