الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث عشر في فعله عليه الصلاة والسلام
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في دلالة فعله عليه الصلاة والسلام
إن كان بياناً لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل في الوجوب أو الندب أو الإباحة وإن لم يكن بياناً وفيه قربة فهو عند مالك رحمه الله تعالى والأبهري وابن القصار والباجي وبعض الشافعية للوجوب، وعند الشافعي للندب، وعند القاضي أبي بكر هذا والإمام وأكثر المعتزلة على الوقف، وأما ما لا قربة فيه كالأكل والشرب فهو عند الباجي للإباحة، وعند بعض أصحابنا للندب وأما إقراره عن الفعل فبدل على جوازه.
البيان يعد كأنه منطوق به في ذلك المبين، فبيانه عليه الصلاة والسلام الحج الوارد في كتاب الله تعالى يعد منطوقاً به في آية الحج، كأن الله تعالى قال:«ولله على الناس حج البيت» (1) على هذه الصفة، وكذلك بيانه عليه السلام لآية الجمعة فعلها بخطبة وجماعة وجامع وغير ذلك، فصار معنى الآية:«يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة» التي هذا شأنها «من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله» (2) وإذا كان البيان يعد منطوقاً به في المبين كان حكمه حكم ذلك المبين إن واجباً فواجب أو مندوباً فمندوب أو مباحاً فمباح، وحجة الوجوب القرآن والإجماع والمعقول.
أما القرآن فقوله تعالى: «وما أتاكم الرسول فخذوه» (3) والفعل ما أتى به، فوجب أخذه، لأن ظاهر الأمر الوجوب وقوله تعالى: «إن كنتم تحبون الله
(1) 97 الأنعام.
(2)
9 الجمعة.
(3)
7 الحشر.
فاتبعوني يحببكم الله» (1) جعل تعالى اتباع نبيه من لوازم محبتنا الله، ومحبتنا الله تعالى واجبة، ولازم الواجب واجب؛ فاتباعه عليه الصلاة والسلام واجب، وقوله تعالى «فاتبعوه» والأمر للوجوب.
وأما الإجماع فلأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لما أخبرتهم عائشة رضي الله عنها بأنه عليه الصلاة والسلام اغتسل من النقاء الختانين رجعوا إلى ذلك بعد اختلافهم، وذلك يدل على أنه عندهم محمول على الوجوب، ولأنهم واصلوا الصيام لما واصل،
وخلعوا نعالهم لما خلع عليه الصلاة والسلام، وكانوا شديدين الاتباع له عليه الصلاة والسلام في أفعاله.
وأما المعقول فمن وجهين: الأوّل أن فعله عليه الصلاة والسلام يجوز أن يكون المراد به الوجوب، ويجوز أن لا يكون، والاحتياط يقتضي حمله على الوجوب. الثاني: أن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب إجماعاً والتزام مثل فعله على سبيل الوجوب من تعظيمه فيتعين.
حجة الندب أن الأدلة السابقة دلت على رجحان الفعل، والأصل الذي هو براءة الذمة دل على عدم الحرج فيجمع بين المدركين، فيحمل على الندب.
ووجوابه، أن ذلك الأصل ارتفع بظواهر الأوامر الدالة على الوجوب.
حجة الوقف، تعارض المدارك ولأنه عليه الصلاة والسلام قد يفعل ما هو خاص به وما يعمه مع أمته والأصل التوقف حتى يرد البيان.
والجواب عن الأوّل قد ذهب التعارض بما تقدم من الجواب عن أدلة الخصوم وعن الثاني: أن الأصل استواؤه عليه الصلاة والسلام مع أمته في الأحكام إلاّ ما دل الدليل عليه حجة الإباحة فيما لا قربة فيه، أن الأصل أن الطلب يتبع المصالح والقربات ولا قربة فلا مصلحة فتعنيت الإباحة لعصمته عليه الصلاة والسلام من المنهي عنه، أو لأنه خلاف ظاهر حالة عليه الصلاة والسلام. حجة الندب:
(1) 31 آل عمران.