الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن فيما اختلف فيه من الشروط
قال الحقيقة إذا لم يقبل راوي الأصل الحديث لا تقبل رواية الفرع، قال الإمام إن جزم كلّ واحد منهما لم يقبل وإلا عمل بالراجح، وقال أكثر أصحابنا والشافعية والحنفية إذا شك الأصل في الحديث لا يضر ذلكن خلافاً للكرخي.
حجة الحنفية: أن اعتبار الفرع: فرع اعتبار الأصل، والأصل أنكر أن يكون الفرع روي عنه فلا يقبل الفرع، كما لو قال الأصل في الشهادة: لم أعلم هذه الشهادة، أو أجزم بعدم تحملها فإن الشهادة لا تقبل.
قال الإمام فخر الدين: إذا لم يجزم بعدمه بل قال لا أذكر أنه رواه عني قبلت رواية الفرع، لأن عدالته تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافي صدقه، فلمثبت مقدم على النافي، وإن جزم الأصل بعدم الرواية ولم يجزم الفرع بل قال: الظاهر أني رويته، قدم الأصل لجزمه، وإن جزم كلّ واحد منهما: هذا بالرواية وهذا يعدمها حصل التوقف، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر.
ووجه قول أصحابنا. أنه يقبل في شك الأصل أن عدالة الفرع تمنعه الكذب والشك من الأصل لا يعارض اليقين.
والمنقول عن مالك أن الراوي إذا لم يكن فقيهاً فإنه كان يترك روايته ووافقه أبو حنيفة وخالفه الإمام فخر الدين وجماعة.
حجة مالك: أن غير الفقيه يسوء فهمه فيفهم الحديث على خلاف وضعه، وربما خطر له أن ينقله بالمعنى الذي فهمه معرضاً عن اللفظ، فيقع الخلل في مقصود
الشارع، فالحزم أن لا يروى عن غير فقيه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«نصر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه إلى من ليس بفقيه» فجعل الحامل إما فقيهاً وغيره أفقه منه، أو غيره جاهلاً، ولم يجعل من جملة الأقسام أن الحامل جاهل.
حجة الجواز قوله عليه السلام: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله» ولم يشترط الفقه، فكان ساقطاً عن الاعتبار، ولأن العدالة تمنع من تبديل اللفظ إلاّ بشروطه، ومتى كان هذا هو لفظ صاحب الشرع أو بدل لفظه بشروط، أمنا الخلل فإن من شرط تبديل اللفظ مساواته في الدلالة.
قال الإمام فخر الدين لا يخل بالراوي تساهله في غير الحديث، ولا جهله بالعربية، ولا الجهل بنسبه، ولا مخالفة أكثر الأمة لروايته، وقد اتفقوا على أن مخالفة الحفاظ لا تمنع من القبول، ولا كونه على خلاف الكتاب، خلافاً لعيسى بن أبان.
المقصود ضبط الشرائع فالتساهل في غيرها لا يضر، إذا علم ضبطه وتشديده في الحديث، وإذا جهل العربية عدالته تمنعه أن يروي إلاّ كما سمع وعلى إعرابه وصورته، وأنه متى شك في شيء تركه. هذا كله أثر العدالة وهي موجودة فيكتفى بها، والجهل بنسبه إنّما يتوقع منه التدليس به، وتزكنه على نسب آخر فيقع التدليس ولكن هذا أمر يتعلق بالراوي عنه الذي يدلس به، أما هو فلا، ومخالفة الأكثر لروايته أو الحفاظ لا تقدح لأنه قد ينفرد بما لم يطلعوا عليه.
حجة عيسى بن أبان: ما روي عن رسولا لله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتبا الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه» .
جوابه أنه معارض بقوله تعالى: «لتبين للناس ما نزل إليهم» (1) ومن البيان
(1) 44 النحل.
التخصيص والمخصص مخالف للعام المخصص، فكان يلزم رده وليس كذلك لظاهر الآية، ولأن ظاهر الحديث يقتضي رده وإن كان متواتراً وليس كذلك بل يحمل الحديث على ما إذا دلت قواطع الكتاب نقيض مقتضاه مع تعذر التأويل.
ولا كون مذهبه على خلاف روايته وهو مذهب أكثر أصحابنا، وفيه أربعة مذاهب، قال الحنفية إن خصصه رجع إلى مذهب الراوي لأنه أعلم. وقال الكرخي ظاهر الخبر أولى. وقال الشافعي إن خالف ظاهر الحديث رجع إلى الحديث، وإن كان أحد الاحتمالين رجع إليه. وقال القاضي عبد الجبار إن كان تأويله على خلاف الضرورة ترك وإلا وجب النظر في ذلك.
هذه المسالة عندي ينبغي أن تخصص ببعض الرواة، فتحمل على الراوي المباشر للنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يحسن أن يقال هو أعلم بمراد المتكلم أما مثل مالك ومخالفته الحديث بيع الخيار الذي رواه وغيره من الأحاديث فلا يندرج في هذه المسألة، لأنه لم يباشر المتكلم حتى يحسن أن يقال فيه لعله شاهد من القرائن الحالية أو المقالية ما يقتضي مخالفته، فلا تكون المسألة على عمومها.
حجة الاعتماد على الحديث مطلقاً: أن الحجة في لفظ صاحب الشرع لا في مذهب الراوي فوجب المصير إلى الحديث.
حجة الحنفية: أن المباشر يحصل له من القرائن ما يقتضي تخصيص العام فيرجع إليه في التخصيص، كما يرجع إليه في أصل الحديث.
حجة الشافعي: أن الحديث إذا كان له ظاهر يرجع إليه، لأن الحجة في ظواهر الشريعة لا في مذاهب الرواة، أما إذا لم يكن له ظاهر فقد سقطت الحجة منه فيعتمد على تفسير الراوي، لأنه أعلم بحال المتكلم ولم يعارضه ظاهر سرعي، وهذا كاللفظ المشتركن كما إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اعتدّي بقرء وقرء وقرء» فحمله الراوي على الإظهار صح ذلك.
وأما مذهب القاضي عبد الجبار فقد حكى خلافاً وذلك عسر؛ لأن ما هو على خلاف الضرورة كيف يمكن أحد أن يقول هن معتبر، فكأنه تفسير لا خلاف. وأما قوله نظر في ذلك فهو خلاف لمن جزم بتقديم الخبر أو المذهب، ووجهه أنه موضع تعارض لما تقدم من المدارك المتعارضة، فينظر في كلّ مادة ما يقتضي ترجيح بعض ذلك على بعض.
وإذا ورد الخبر في مسألة علمية وليس في الأدلة القطعية ما يعضده، رد لأن الظن لا يكفي في القطعيات وإلا قبل.
مسائل أصول الدين المطلوب فيها اليقين وهو المكلف به فيها عند الجمهور، فإذا ورد ما يفيد الظن وفي الأدلة العقلية ما يقتضي ذلك المطلوب بعينه حصل المقصود بذلك القطعي
وبقي السمعي مؤكداً له ومؤنساً؛ فإن اليقين ما ورد فيه السمع والعقل بخلاف العقل وحده (1) وإن لم يكن غيره رد لعدم الفائدة فيه، لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر، فسقط اعتباره.
وإن اقتضى عملاً تعم به البلوى قبل عند المالكية والشافعية، خلافاً للحنفية. لنا حديث عائشة المتقدم في التقاء الختانين.
قالت الحنفية: ما تعم به البلوى شأنه أن يكون معلوماً عند الكافة، لوجود سببه عندهم، فيحتاج كلّ منهم لمعرفة حكمه فيسأل عنه ويروى الحديث فيه، فلو كان فيه حكم لعلمه الكافة، فحيث لم يعلمه الجمهور دل ذلك على بطلانه.
وقد نقضوا أصلهم بأحاديث قبلوها فيما تعم به البلوى، فأثبتوا الوضوء من القهقهة والحجامة والفصادة بأحاديث أخبار آحاد، مع أن هذه الأمور مِمّا تعم بها البلوى، وكذلك الوضوء من القيء والرعاف ونحو ذلك. واحتجوا أيضاً بقوله تعالى:«إن الظن لا يغني من الحق شيئاً» (2) خالفناه في قبول الواحد إذا لم تعم
(1) في نسخة: فإن النفس بما ورد فيه السمع والعقل آلس بخلاف العقل وحده.
(2)
36 يونس.