المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في مسماه ما هو - شرح تنقيح الفصول

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في الاصطلاحات

- ‌الفصل الأول في الحد

- ‌الفصل الثاني في تفسير أصول الفقه

- ‌الفصل الثالث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل

- ‌الفصل الرابع في الدلالة وأقسامها

- ‌الفصل الخامس الفرق بين الكلي والجزئي

- ‌الفصل السادس في أسماء الألفاظ

- ‌الفصل السابع الفرق بين الحقيقة والمجاز وأقسامهما

- ‌الفصل الثامن في التخصيص

- ‌الفصل التاسع في لحن الخطاب وفحواه ودليله وتنبيهه واقتضائه ومفهومه

- ‌الفصل العاشر في الحصر

- ‌الفصل الحادي عشر خمس حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم وهي الأمر والنهي والدعاء والشروط وجزاؤه

- ‌الفصل الثاني عشر حكم العقل بأمر على أمر

- ‌الفصل الثالث عشر في الحكم وأقسامه

- ‌الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادة

- ‌الفصل الخاس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

- ‌الفصل السادس عشر في الرخصة والعزيمة

- ‌الفصل السابع عشر في الحسن والقبح

- ‌الفصل الثامن عشر في بيان الحقوق

- ‌الفصل التاسع عشر في العموم والخصوص والمساواة والمباينة وأحكامها

- ‌الفصل العشرون في المعلومات

- ‌الباب الثاني في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه

- ‌الباب الثالث في تعارض مقتضيات الألفاظ

- ‌الباب الرابع في الأوامر وفيه ثمانية فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

- ‌الفصل الثاني ورود الأمر بعض الحظر

- ‌الفصل الثالث في عوارضه

- ‌الفصل الرابع جواز تكليف ما لا يطاق

- ‌الفصل الخامس الأمر بالمركب أمر بأجزائه

- ‌الفصل السادس في متعلقه

- ‌الفصل السابع في وسيلته

- ‌الفصل الثامن في خطاب الكفار

- ‌الباب الخامس في النواهي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في لازمه

- ‌الباب السادس في العمومات

- ‌الفصل الأول في أدوات العموم

- ‌الفصل الثاني في مدلوله

- ‌الفصل الثالث في مخصصاته

- ‌الفصل الرابع فيما ليس من مخصصاته

- ‌الفصل الخامس فيما يجوز التخصيص إليه

- ‌الفصل السادس في حكمه بعد التخصيص

- ‌الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء

- ‌الباب السابع في أقل الجمع

- ‌الباب الثامن في الاستثناء

- ‌الفصل الأول في حده

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في أحكامه

- ‌الباب التاسع في الشروط

- ‌الفصل الأول في أدواته

- ‌الفصل الثاني في حقيقته

- ‌الفصل الثالث في حكمه

- ‌الباب العاشر في المطلق والمقيد

- ‌الباب الحادي عشر في دليل الخطاب وهو مفهوم المخالفة

- ‌الباب الثاني عشر في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول في معنى ألفاظه

- ‌الفصل الثاني فيما ليس مجملاً

- ‌الفصل الثالث في أقسامه

- ‌الفصل الرابع في حكمه

- ‌الفصل الخامس في ورقته

- ‌الفصل السادس في المبين

- ‌الباب الثالث عشر في فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الأول في دلالة فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني في اتباعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث في تأسيه عليه الصلاة والسلام

- ‌الباب الرابع عشر في النسخ

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الرابع فيما يتوهم أنه ناسخ

- ‌الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشر في الإجماع

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مستنده

- ‌الفصل الرابع في المجمعين

- ‌الفصل الخامس في المجمع عليه

- ‌الباب السادس عشر في الخبر

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في التواتر

- ‌الفصل الثالث في الطرق المحصلة للعلم غير التواتر وهي سبعة

- ‌الفصل الرابع في الدال على كذب الخبر وهو خمسة

- ‌الفصل الخامس في خبر الواحد

- ‌الفصل السادس في مستند الراوي

- ‌الفصل السابع في عدده

- ‌الفصل الثامن فيما اختلف فيه من الشروط

- ‌الفصل التاسع في كيفية الرواية

- ‌الفصل العاشر في مسائل شتى

- ‌الباب السابع عشر في القياس

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الدال على العلة

- ‌الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة

- ‌الفصل الخامس في تعدد العلل

- ‌الفصل السادس في أنواعها

- ‌الفصل السابع فيما يدخل القياس

- ‌الباب الثامن عشر في التعارض والترجيح

- ‌الفصل الأول هل يجوز تساوي الأمارتين

- ‌الفصل الثاني في الترجيح

- ‌الفصل الثالث في ترجيحات الأخبار

- ‌الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة

- ‌الفصل الخامس في ترجيح طرق العلة

- ‌الباب التاسع عشر في الاجتهاد

- ‌الفصل الأول في النظر

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث فيمن يتعين عليه الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في زمانه

- ‌الفصل الخامس في شرائطه

- ‌الفصل السادس في التصويب

- ‌الفصل السابع في نقض الاجتهاد

- ‌الفصل الثامن في الاستفتاء

- ‌الفصل التاسع فيمن يتعين عليه الاستفتاء

- ‌الباب العشرون في جمع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين

- ‌الفصل الأول في الأدلة

- ‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

الفصل: ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

‌الباب الرابع في الأوامر وفيه ثمانية فصول

‌الفصل الأول في مسماه ما هو

أما لفظ الأمر فالصحيح أنه أهم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات لأنه المتبادر للذهن منها، هذا مذهب الجمهور، وعند بعض الفقهاء مشترك بين القول والفعل، وعند أبي الحسين مشترك بينه وبين الشأن والشيء والصفة، وقبل هو موضوع للكلام النفساني دون اللساني وقيل هو مشترك بينهما.

يتحصل أن الأمر والهي وما سواهما مما يتعلق بالكلام هل ذلك موضوع للساني أو النفساني، أو مشترك بينهما؟ ثلاثة مذاهب. حجة الأول المبادرة للفهم، وحجة الثاني بيت الأخطل وهو:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليل

وحجة الاشتراك الجمع بين الأدلة، والاشتراك هو المشهور، وإذا قلنا بأنها حقيقة في اللساني فقط فيكون مدلولها لفظاً وهو القدر المشترك بين جميع صيغ الأوامر، وعلى هذا اختلفوا هل هي مشتركة بين القول المذكور وبين الفعل؟ نحو قولنا: كنا في أمر عظيم إذا كنا في الصلاة - وقال أبو الحسين هو موضوع مع القول المذكور للشيء أيضاً نحو قولنا ائتني بأمر ما، أي شيء، وللشأن نحو قوله

ص: 126

تعالى «وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر» (1) معناه ما شأننا في إيجادنا إلا ترتب مقدورنا على قدرتنا وإرادتنا من غير تأخر كلمح بالبصر، والصفة كقول الشاعر:

عزمت على إقامة ذي صباح

لأمر ما يُسوِّد من يَسُود

أي لصفة ما يسود من يسود.

وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر فهو موضوع عند مالك رحمه الله، وعند أصحابه للوجوب، وعند أبي هاشم للندب، وللقدر المشترك بينهما عند قوم، وعند آخرين لا يعلم حاله.

في الأمر سبعة مذاهب: للوجوب، للندب، للقدر المشترك بينهما - اللفظ مشترك

بينهما، لأحدهما، لا يعلم حاله، للإباحة، الوقف في ذلك كله، ذكرها الإمام فخر الدين في المحصول، والمعالم بعضها هنا وبعضها هنا، حجة الوجوب قوله عليه الصلاة والسلام «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» ولفظة (لولا) تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة، والندب في السواك ثابت، فدل على أن الأمر لا يصدق على الندب بل ما فيه مشقة، وذلك إنما يتحقق في الوجوب. وقوله تعالى لإبليس «ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك» (2) ذمه على ترك المأمور به، وذلك يقتضي الوجوب، لأن الذم لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرم. وقوله تعالى «وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون» (3) ذمهم على ترك الركوع إذ أمروا به، هو دليل الوجوب.

حجة الندب: أن الأمر ورد تارة للوجوب كما في الصلوات الخمس وتارة للندب كصلاة الضحى، ومن القسمين صور كثيرة في الشريعة، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو رجحان الفعل وجواز

(1) 50 القمر.

(2)

12 الأعراف.

(3)

48 المرسلات.

ص: 127

الترك، لأنه الأصل من جهة براءة الذمة، وهذا بعينه هو مدرك القدر المشترك بينهما، إلا أنا نسكت عن جواز الترك ونقول هو مستفاد من الأصل لا من اللفظ، وحجة أنه لأحدهما لا بعينه وروده في القسمين، والأصل عدم الاشتراك، ولم يدل دليل على أنه أخص بأحدهما، فيجزم بالوضع، ويتوقف في تعيين الموضوع له حجة الإباحة أن الأقسام كلها مشتركة في جواز الإقدام، فوجب القول به حتى يكون اللفظ حقيقة في الجميع، والأصل عدم اعتبار الخصوصيات.

وحجة القاضي في التوقف في جميع الأقسام: تردد الصيغة بينهما، فلو علم أنه موضوع لأحدهما بعينه فإما بالعقل ولا مجال له في اللغات، أو بالنقل وهو إما تواتر أو آحاد، والأول باطل، وإلا لحصل العلم وارتفع الخلاف. والثاني لا يفيد إلا الظن، وهو لا يكفي في القواعد الأصولية.

والجواب أن المعلوم من حال الصحابة رضوان الله عليهم المبادرة لحمله على الوجوب كقوله عليه الصلاة والسلام في المجوس «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب» لما رواه عبد الرحمن بن عوف، ولم يتوقفوا في حمله على الوجوب، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام «خذوا عني مناسككم» ، «صلوا كما رأيتموني أصلي» وغير ذلك من أوامره عليه الصلاة والسلام. وقال الله تعال «وما آتاكم الرسول فخذوه» (1)، وأما قول القاضي لو علم بالتواتر لحصل العلم فمسلم. قوله: وارتفع الخلاف ممنوع؛ فإن التواتر لا يلزم عمومه لجميع الناس، فقد تتواتر قضية في الجامع يوم الجمعة بأن المؤذن سقط من

أعلى المنار ولا يعلم بقية أهل البلد ذلك فضلاً عن البلاد النائية، وإذا لم يعلم أمكن الخلاف ممن لا يبلغه ذلك التواتر.

وهو عنده أيضاً للفور وعد الحنفية، خلافاً لأصحابنا المغاربة والشافعية وقيل بالوقف.

قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: الذي ينصره أصحابنا أنه على الفور، وأخذ

(1) الحشر.

ص: 128

من (1) قول مالك إنه للفور من أمره بتعجيل الحج، ومنعه من تفرقة الوضوء، وعدة مسائل في مذهبه، ووافق القاضي أبو بكر الشافعية في التراخي؛ واختلف العلماء هل صح في الوجوب فقط أو يعمهما؟ قال وهو الصحيح، واتفقوا على أن الخلاف لا يتصور إذا قلنا إنه للتكرار والدوام؛ بل يتعين الفور.

واختلف القائلون بالفور فقيل لا يتصور ذلك إلا إذا تعلق الأمر بفعل واحد، وقيل يتصور ذلك إذا تعلق مجمله أفعال. ثم اختلف القائلون بأنه يقتضي فعلاً واحداً فتركه، هل يجب عليه الإتيان بدله بنفس الأمر الأول أو لا يجب إلا بنص آخر؟ فأكثرهم على الأول.

والقائلون بالتراخي اختلفوا هل يجوز تأخيره إلى غير غاية، فقال بعضهم إلى غير غاية على الإطلاق، وقيل إلى غير غاية بشرط السلامة، فإن مات قبل الفعل أثم، وقيل لا إثم عليه إلا أن يغلب على ظنه فواته ولم يفعله، وفصَّل آخرون فقالوا إ، غلب على ظنه أنه لا يموت فمات لم يأثم كرامي السهم يغلب على ظنه السلامة، وهو مختار القاضي أبي بكر، والقائلون بالتأخير اختلفوا، فمنهم من قال لا يجوز التأخير إلا إلى بدل، وهو العزم على أدائه في المستقبل ليفارق المندوب، وقيل العزم ليس ببدل بل هو شرط في جواز التأخير. والقائلون بأنه بدل اختلفوا، فمنهم من قال بدل من نفس الفعل، وقيل بدل من تقديمه، واحتج من قال بأن التراخي لا يتأتى إلا في الواجب أن التراخي معناه لا يأثم بالتأخير، وذلك متعذر في المندوب، لتعذر الإثم في نفسه في المندوب، وجوابه: أنه قد يندب على التراخي كما في صدقة التطور، وقد يكون على الفور كما في تحية المسجد.

حجة التراخي في الواجب: أن الأمر إنما يدل على الطلب وهو أعم من الوجوب على التعجيل، فوجب أن لا يدل على الفور إلا بدليل فيكون مخيراً وهو التراخي.

(1) لعل لفظة (من) زائدة.

ص: 129

حجة الفور قوله لإبليس «ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك» (1) فلولا الفور لكان من حجة إبليس أن يقول إنك أمرتني بالسجود ولم توجب على الفور فلا أعتب، وحجة القول بأنه إذا فات لا يلزم مثله في وقت آخر إلا بدليل منفصل: إن الأوامر تابعة للمصالح، وكون الأوقات المستقبلة مساوية للوقت الحاضر أمراً مشكوكاً فيه، فوجب أن لا يجب إلا بأمر جديد يدل على مساواة الزمن الثاني للأول في المصلحة. فإن الأصل عدمها فضلاً عن مساواتها.

حجة القول بأنه يلمه في الزمن الثاني بالأمر الأول: أن الأمر دل على أصل الفعل والزمن الفوري والدال على المركب دال على مفرداته بالتضمن، وقد تعذر أحد الجزئين وهو الزمن الفوري، فيوجب أن يبقى الأمر متعلقاً بالجزء الآخر، وهو أصل الفعل، فيفعله المأمور في أي زمان شاء بعد ذلك.

وهو عنده للتكرار، قاله ابن القصار من استقراء كلامه، وخاله أصحابه وقيل بالوقف، لنا قوله تعالى لإبليس ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك رتب الذم على ترك المأمور به في الحال، وذلك دليل الوجوب والفور، وأما التكرار للصحة للاستثناء في كل زمان من الفعل.

قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: مذهب أصحابنا للمرة الواحدة، وقاله كثير من الحنفية والشافعية، قلت: وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في كتاب اللمع: إن القائلين بالتكرار قالوا بذلك في أزمنة الإمكان دون أوقات الضرورات، فيكون على هذا إطلاق غيره محمولاً على تقييده، وقولي في أصل الكتاب: عنده، أريد مالكاً، ويدل على التكرار أنه لو لم يكن للتكرار لامتنع ورود النسخ عليه بعد الفعل، ولأنه ضد النهي، وهو لتكرار، فيكون للتكرار؛ لأن العرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على مثله، كما نصبوا (بلا) قياساً على (أن) وهي ضدها، وحجة المرة الواحدة أنه ورد التكرار كما في الصلوات الخمس، وللمرة الواحدة كما في الصلاة على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والأصل عدم المجاز

(1) 12 الأعراف.

ص: 130

والاشتراك، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو أصل الفعل حجة الوقف تعارض الأدلة.

فإن علق على شرط فهو عنده وعند جمهور أصحابه، والشافعية للتكرار، خلافاً للحنفية.

القائلون بالتكرار عند عدم الشروط قائلون به مع الشرط بطريق الأولى، لأن الشروط اللغوية أسباب، والحكم يتكرر بتكرر سببه، فيجتمع أمران لتكرار الوضع والسببية. وأما من قال بعدم التكرار عد عدم التعليق، فاختلفوا عند التعليق، فمنهم من طرد أصله وقال بعدم

التكرار، ومنهم من خالف أصله لأجل السببية الناشئة من التعليق. قال القاضي عبد الوهاب: القائلون بعدم التكرار في الأمر المطلق قالوا به عند تكرار الشرط والصفة وهو قول كثير من أصحابنا وأصحاب الشافعي، وقال الباقون من أصحابنا وأصحاب الشافعي وأبي حنيفة: لا يقتضيه، قال وهو الصحيح.

واختلف في النهي إذا قلنا إنه لا يقتضي التكرار، فهل يتكرر عند تكرر الشرط والصفة؟ وقال الصحيح تكرار النهي عند التعليق بخلاف الأمر. حجة القول بعدم التكرار عند وجود الشرط كقوله: إن زالت الشمس فصل، أو الصفة كقوله تعالى «الزانية الزاني فاجلدوا» أن هذا ليس فيه إلا الربط بالشرط. والصفة، والربط أعم من كونه يوصف بالدوام، والدال على الأعم غير دال على الأخص، فوجب أن لا يدل على التعليق على التكرار، حجة التكرار أن الصفة والشرط يجريان مجرى العلة، والحكم يتكرر بتكرر علته.

مسألة: قال القاضي عبد الوهاب: فإن كرر الأمر كقوله اضرب زيداً اضرب زيداً أو صل ركعتين صل ركعتين. قال: فالصحيح التكرار؛ كأن الأمر أوجب أو الندب، ما لم يمنع مانع، وقيل لا يتكرر. وقال بعد الواقفية بالوقف، قال والخلاف في ذلك إنما يتصور في الأمر الثاني إذا كان من جنس الأمر، أما غير الجنس فيتعين أن يكون مستأنفاً، وهو متفق عليه نحو صل صم، وكذلك لا يتصور الخلاف أيضاً إلا قبل صدور الفعل الأول، فإذا قال له صم بعد أن صام

ص: 131

يوماً تعين الاستئناف، حجة التكرار أن الأصل أن الفظ يحقق مقتضاه وأن يفيد معناه، وقد تكرر فيتكرر المعنى، حجة عدم التكرار أن الأول محقق والثاني يحتمل أن يكون إنشاء ويحتمل التأكيد، فلا يحمل على الإنشاء إلا بدليل (1) لأن الأصل براءة الذمة.

مسألة: قال القاضي عبد الوهاب: موانع التكرار أمور: أحدها إنه يمتنع التكرار إما عقلاً كقتل المقتول وكسر المكسور، وكذلك صم هذا اليوم، أو شرعاً كتكرار العتق في عبد فإنه كان يمكن أن يكون العتق كالطلاق. يتكرر ويكمل بالثلاث، وثانيها أن يكون الأمر الأول مستغرقاً للجنس فيتعين حمل الثاني على الأول، وكذلك الخبر كقوله: اجلدوا الزناة، أو خلقت الخلق فيتعين حمل الثاني على الأول وثالثها أن يكون هنالك عهد أو قرينة حال يقتضي الصرف للأول.

مسألة: قال: وإذا عطف على الأول أمر آخر ليس ضد الأول بل خلافه حمل على

التكرار نحو: اركعوا واسجدوا، وإن كان ضده فكذلك؛ لأن الشيء لا يؤكد بضده، ويشترط في ذلك أن يكون في وقتين نحو أكرم زيداً وأهنه (2) ، وإن اتحد الوقت حمل على التخيير، ولا يحمل على النسخ، لأن من شرطه التراخي حتى يستقر الأمر الأول ويقع التكليف والامتحان به، وتكون الواو حينئذ بمعنى (أو) حتى يحصل التخيير، وإن ورد الثاني بمثل الأول، لأن العطف يقتضي التغاير، واختاره القاضي أبو بكر، وهو الذي يجيء على قول أصحابنا. وقيل يكون الثاني هو عين الأول، وكما أن العطف يقتضي التغاير فالأصل براءة الذمة، ولا بد في هذا المذهب من التفصيل المتقدم من إمكان التكرار واستحالته.

لنا اتفاق النحاة على أن الشيء لا يعطف على نفسه، ولذلك منعوا العطف في التأكيد نحو رأيت زيداً نفسه وعينه، لأن التأكيد غير المؤكد، ولم يمنعوه في النعت لأن النعت غير المنعوت نحو رأيت زيداً الظريف والعاقل.

(1) الأولى أن يقول: بدليل منفصل.

(2)

4 في الأصل أو أمنه، ولصواب ما أثبتناه.

ص: 132

فرع غريب: (1) إذا كان الأول مستغرقاً للجنس والثاني يتناول بعضه كقوله تعالى «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (2) قيل يكون الثاني نقضاً للأول. قال القاضي عبد الوهاب: والصحيح أن ذلك محمول على ما سبق للوهم عند السامع من التفخيم والتعظيم للاسم المذكور، ثانياً اهتماماً به، فأفرد بالذكر؛ لأن العرب إذا اهتمت بنوع من جنس أو فرد منه أفردته بالذكر اهتماماً، ومنعاً له من أن يعتقد أن العموم مخصوص به وأنه يجوز خروجه منه، فمع التنصيص يمتنع ذلك، وإن كان الثاني أعم من الأول نحو: اقتلوا أهل الأوثان، واقتلوا جميع المشركين ففيه الخلاف المتقدم. قال: والصحيح التفخيم أيضاً والبداءة بما هو أهم، وإن كان غالب الكلام أن يؤخر، فقد تقدم.

فرع: قال الإمام فخر الدين: إذا تكرر الأمر والأول منكَّر والثاني معرَّف، نحو صل ركعتي صل الركعتين، أو صل الصلاة. يصرف للأول لأنها لام العهد، فإن عطف نحو صل ركعتين وصل الركعتين أو صل الصلاة فعند أبي الحسين الأشبه الوقف لأن العطف يعارضه لام العهد، فيجب الوقف. قال: وعندي يحمل على التغاير، لأن لام الجنس كما تستعمل للعهد تستعمل لبيان حقيقة الجنس؛ كقول السيد لعبد اشتر لنا الخبز واللحم، فما تعينت معارضتها للعطف، قال والأشبه إذا عطف العام على الخاص الوقف لأنه ليس ترك ظاهر العموم أولى من ترك ظاهر العطف.

ويدل على الإجزاء عند أصحابه خلافاً لأبي هاشم؛ لأنه لو بقيت الذمة مشغولة بالفعل لم يكن أتى بما أمر به؛ والمقدر خلافه؛ وهذا خلف.

الكلام في هذه المسألة شبيه بالكلام في مفهوم الشرط، فإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فلم تدخل، يقول القاضي الشرط لا مفهوم له يدل على

(1) في واحدة من المخطوطات: مرتب.

(2)

238 البقرة.

ص: 133

عدم طلاقها عند عدم الدخول، بل عدم طلاقها مأخوذ من الاستصحاب في العصمة السابقة، والقائلون بالمفهوم يقولون عدم الطلاق من ذلك ومن مفهوم الشرط كذلك هنا الإنسان ولد بريئاً من الحقوق كلها، ورد الأمر باقتضاء شغل الذمة بذلك الفعل، فإذا أتى به كان الإجزاء وهو براءة ذمته بعد ذلك مستفاداً من الاستصحاب للبراءة لا من الإتيان بالمأمور به، وغيره يقول بل بالأمرين، والإجزاء عبارة عن سقوط التكليف.

وقولي عند أصحابه، أعني مالكاً رحمه الله، وما ذكرته من الدليل هو مستند الإمام في المحصول وليس بشيء؛ لأنه قال إن الأمر لو لم يدل على الإجزاء لبقي الأمر إما متعلقاً بذلك الفعل الواقع أو بغيره، والأول محال، لئلا يلزم تحصيل الحاصل، والثاني يقتضي أنه ما أتى بما أمر به، والمقدر خلافه فلا يبقى الأمر متعلقاً بعد الإتيان بالمأمور به.

هذا هو بسط ما ذكرته في الأصل، وهو قول الإمام في المحصول، غير أنه جعل عدم الدلالة نفس الدلالة على العدم، فإنه أنما بين أن الأمر لم يبق متعلقاً، وعدم تعلقه عدم دلالته، ومقصود هذه المسألة الدلالة على البراءة، وهي الدلالة على العدم وأين أحدهما من الآخر؟! فسورة الإخلاص فيها عدم الدلالة على وجوب الزكاة، وليس فيها دلالة على عدم وجوب الزكاة، فتأمل ذلك. واختلفت عبارة العلماء في هذه المسألة فبعضهم يقول الأمر يدل على الإجزاء بمعنى أنه يدل على وجوب فعل لو فعل أجزأ وبرئت الذمة، والأمر يدل بوسط، وبعضهم يقول الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء وهذا بغير وسط فهو أولى، قال القاضي عبد الوهاب: والذي يقتضيه مذهب أصحابنا المالكية أن الأمر يقتضي إجزاء المأمور به وهو قول جميع الفقهاء، قال وذهب أكثر من تكلم في الأصول إلى أنه لا يقتضي الإجزاء ومرادهم أنه لا يفيد بمجرده (1) أنه لا يلزم المكلف فعل مثله على وجه القضاء، لنا أنه يمتنع من العاقل الحكيم أن يقول لعبده افعل كذا فإذا فعلته على الوجه

(1) في الأصل بمجرد. بحذف الهاء.

ص: 134

المعتبر لا يجزى عنك ويجب عليك الإتيان بمثله، ثم يلزم ذلك في المثل أيضاً، وذلك مخالف لطريقة العقلاء، بل المقصود حصول المصلحة، فإذا حصلت اكتفى العقلاء بها، هذه هو شأن اللغة.

وأما جواز تكليف ما لا يطاق وعدم اعتبار حصول المصالح حصلت أم لا فهذا إنما يبحث (1) بالنسبة إلى ما لا يحوز على الله تعالى، لا بالنسبة إلى اللغة، وكلامنا في اللغة من حيث هي لغة هل هي من هذا القبيل أم لا، لا في جهة الربوبية وما كان يجوز عليها.

والجواب عن الأول: أن كلامنا في الفعل المستجمع للشرائط في نفس الأمر لا في ظن المكلف فقط. وعن الثاني: أن تلك الأفعال مجزئة عن الأمر الوارد بالتمادي. وعن الثالث: أنا لا نسلم أن النهي لا يدل شرعاً على الفساد بل يدل عليه.

وعل النهي عن أضداد المأمور به عند أكثر أصحابه من المعنى لا من اللفظ خلافاً لجمهور المعتزلة وكثير من أهل السنة.

أريد بالضمير في قولي وأصحابه: مالكاً رضي الله عنه، وقولي من المعنى أريد به أن الأمر يدل بالالتزام لا بالمطابقة، قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: قال المتكلمون ومن وافقهم في إثبات الصفات ونفي خلق القرآن أن الأمر بالشيء نهي عن ضده إذا كان ذا ضد واحد، وعن جميع أضداده إذا كان له أضداد، وقاله الأشعري

(1) في نسخة: يجب.

ص: 135

وغيره، وقيل يشترط في ذلك أن يكون وجوباً لا ندباً، حكاه القاضي أبو بكر، وقال: ويشترط فيه أيضاً أن يكون مضيقاً لأن الموسع لا ينهى عن ضده لقبول الوقت لهما، وقال القاضي هو نهي عن ضده كان وجوباً أو ندباً، وقالت إن كان وجوباً نظاهر وإن كان ندباً يكون النهي عن الضد على سبيل الكراهة، وفي الأول على سبيل التحريم.

ومن محاسن العبارة في هذه المسألة أن يقال: إن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، فإذا قال له اجلس في البيت فقد نهاه عن الجلوس في السوق والحمام والمسجد والطريق وجميع المواضع، فإذا قال لا تجلس في البيت؛ فقد أمره بالجلوس في أحد المواضع ولم يأمره بالجلوس في كلها. لنا أن الأمر بالشيء يدل على الوجوب؛ ومن لوازم الوجوب ترك جميع الأضداد، والدال على الشيء دال على لوازمه؛ فالأمر دال بالالتزام على ترك جميع الأضداد.

احتجوا بأن الآمر بالشيء قد يكون غافلاً عن ضده والغافل عن الشيء لا ينهى عنه.

وجوابه: أن القصد إنما يشترط في الدلالة باللفظ التي هي استعمال اللفظ، أما دلالة اللفظ فلا، وهذا من قبيل دلالة اللفظ لا من قبيل الدلالة باللفظ، وقد تقدم الفرق بينهما، وأن دلالة الالتزام من هذه دون تلك.

واعلم أن هذه المباحث تتعلق بالكلام اللساني. أما الكلام القديم النفساني فنفس الأمر هو نفس ما هو نهي؛ لأن كلام الله تعالى واحد، ولا يقال بالالتزام بل هو هو، ولا دلالة للنفساني توصف بالتزام (1) ولا مطابقة، بل الفرق بينهما من حيث التعلق فقط والحقيقة واحدة.

ولا يشترط فيه علو الآمر، خلافاً للمعتزلة، واختار الباجي من المالكية والإمام فخر الدين وأبو الحسين والمعتزلة الاستعلاء، ولم يشترط غيرهم

(1) في الأصل: بالالتزام.

ص: 136

الاستعلاء ولا العلو، والاستعلاء في هيئة الأمر من الترفع وإظهار القهر؛ والعلو يرجع على هيئة الآمر من شرفه وعلو منزلته بالنسبة إلى المأمور.

قال القاضي عقد الوهاب في الملخص: الذي عليه أهل اللغة وجمهور أهل العلم اشتراط العلو واختاره هو أيضاً أعني القاضي عبد الوهاب، وقال الإمام فخر الدين إن الذي عليه المتكلمون أنه لا يشترط لا علو ولا استعلاء لأنه صيغة موضوعة لمعنى، فيصح مع هذه الصفات وأضدادها كالخبر والاستفهام والترجي والتمني، فإنها تصدق مع العلو والدنو والاستعلاء والتواضع، ولا يختلف الحال بحسب اختلاف حال المتكلمين بها، حجة العلو أنه لا يحسن في العادة أمرت الله إذا دعوته، ولا أمرت الملك ولا أمير المدينة، مع أن قولنا اهدنا واغفر لنا يا ربنا هي صيغة الأمر، وكذلك مخاطبات الملوك والأمراء، ولما تعذر تسمية ذلك أمراً في العرف وجب أن يقال إنه لغة كذلك، لأن الأصل عدم النقل والتغيير، فوجب أن يكون العلو شرطاً وتكون هذه الصيغة مع الدنو مسألة، وفي حق الله تعالى خاصة تسمى دعاء، ومع التساوي تسمى التماساً.

حجة الاستعلاء في أن من صدر منه الأمر برفق لا يقال آمر ومع الاستعلاء يقال له آمر، ولذلك يصفون من فعل ذلك بالحمق، ويقولون للعبد أتأمر سيدك إذا استعلى في لفظه، وإذا لم يستعل لا يقولون له ذلك، فدل على أن الاستعلاء شرط، ويرد على الفريقين أن الله تعالى يقال لهذه الصيغة في كتابه أمر إجماعاً، مع أن الله تعالى خاطب عباده أحسن الخطاب وألينه، فقال «اتفقوا الله الذي تساءلون به» (1) وفي موضع آخر «الذي خلقكم من نفس واحدة» إلى غير ذلك من التذكير بجميل نعمه وجزيل إحسانه، ومعلوم أن هذا ضد الاستعلاء، وقالت بلقيس لقومها «ماذا تأمرون» (2) وهي أعلى منهم، وقال دريد بن الصمة:

(1) 1 النساء.

(2)

1 النساء.

ص: 137

أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

وكان المأمور من هو أعظم منه في قومه، وقال عمرو بن العاص لمعاوية رضي الله عنهما:

أمرتك أمراً جازماً فعصيتني

فأصبحت مسلوب الإمارة نادماً

ومعاوية أعلى منه؛ فدل على عدم اشتراط العلو.

وأما كوننا لا نسمي طلبنا من الله تعالى أمراً فللأدب، وكذلك مع الملك وغيرهم، ولا يلزم من ترك إطلاق اللفظ للأدب أن لا يكون لغة كذلك، كما أنا لا نسمي الله تعالى علامة ولا سبحيا وإن كانت المسميات بذلك موجودة، ولكن حصل المنع لأجل إيهام التأنيث في العلامة (1) وأن العطاء بالسبحية التي لا تكون إلى في جسم؛ فكذلك هنا.

ولا يشترط فيه إرادة المأمور به ولا إرادة الطلب خلافاً لأبي علي وأبي هاشم من المعتزلة؛ لنا أنها معنى خفي يتوقف العلم به على اللفظ فلو توقف اللفظ عليها لزم الدور.

الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة في الإرادة ثلاثة مواطن: أحدها أنه هل يشترط إرادة استعمال اللفظ في الوجوب أم لا؟ فقالوا صيغة الأمر تستعمل في خمسة عشر محملاً. منها الوجوب، والندب، والتهديد، والتخيير، وغير ذلك، فلا يتعين الوجوب إلا بالإرادة. وأجيبوا بأنها موضوعة للوجوب، فينصرف للوجوب بمجرد الوضع كسائر الألفاظ، والمحتاج للنية إنما هو المجاز.

وثانيها: إرادة المأمور به فعندهم لا يأمر الله تعالى إلا بما يريد وعندنا ليس بين الأمر والإرادة ملازمة بل يأمر بما يريد في حق الطائع وربما لا يريد في حق

(1) في الأصل: إيهام تاء التأنيث في العلامة. والأولى حذف لفظة التاء.

ص: 138