الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه مدارك قطعية توجب حينئذ أن الحكم كان دائماً في اعتقادنا لا في نفس الأمر، فالناسخ مزيل للدوام في اعتقادنا لا في نفس الأمر، وحينئذ يكون النسخ كتخصيص العام، ولذلك قيل النسخ تخصيص في الأزمان، وهذا التفسير يحسن فيما يتناول أزماناً أما ما لا يكون إلاّ في زمن واحد كذبح إسحق عليه الصلاة والسلام (1) فلا يكون تخصيصاً في الأزمان، بل رافعاً لجملة الفعل بجميع أزمانه.
الفصل الثاني في حكمه
وهو واقع وأنكره بعض اليهود عقلاً وبعضهم سمعاً، وبعض المسلمين هؤلاء لما وقع من ذلك بالتخصيص. لنا أنه تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته غير توأمته، وقد نسخ ذلك.
أما وقوع النسخ فلأن الله تعالى أوجب وقوف الواحد منا للعشرة من الكفار في الجهاد، ثم نسخه بقوله تعالى:«الآن خفف الله عنكم» (2) وصار الحكم أن يقف الواحد منا للاثنين لقوله تعالى: «فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين» (3) ونسخ تعالى آيات الموادعة، ويقال إنها نيف وعشرون آية بآية السيف وهي قوله تعالى:«يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم» (4) وبغيرها من الآيات الدالة على القتال، وهو كثير في الكتاب والسنة.
وأما إنكار بعض اليهود له عقلاً فاحتجوا عليه بأنه النهي يعتمد المفاسد الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك لزم تجويز أرم الله تعالى وإذنه في فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك على الله تعالى محال، بناءً على التحسين والتقبيح، وقالوا عبارة عامة: إن الفعل إما أن يكون حسناً أو قبيحاً، فإن كان حسناً استحال النهي عنه، أو قبيحاً استحال الإذن فيه، فالنسخ محال على التقديرين.
(1) هذا أحد قولين في الذبيح والقول الثاني هو إسماعيل.
(2)
66 الأنفال.
(3)
66 الأنفال.
(4)
73 التوبة.
وجوابهم: أنا نمنع قاعدة الحسن والقبح، أو نسلمها ونقول لمَ لا يجوز أن يكون الفعل مفسدة في وقت مصلحة في وقت، وذلك معلوم بالعوائد؟ بل اليوم الواحد يكون الفعل فيه حسناً في أوله قبيحاً في آخره، كما نقول في الأكل والشرب وليس الفراء وشرب الماء البارد وغيره، ويحسن جميع ذلك ويقبح باعتبار وقتين من الشتاء والصيف، والحر والبرد، والصوم والفطر، والشبع والجوع، والصحة والسقم.
احتج منكروه سمعاً بوجهين: أحدهما أن الله تعالى لما شرع لموسى عليه الصلاة والسلام شرعه، فاللفظ الدال عليه إما أن يدل على الدوام أو لا، فإن دله على الدوام فإما أن يضم إليه ما يقتضي أنه سينسخه أولاً، فإن كان الأوّل فهو باطل من وجهين: الأوّل: أنه يكون متناقضاً وهو عبث ممنوع: الثاني: أن هذا اللفظ الدال على النسخ وجب أن ينقل متواتراً، إذ لو جوزنا نقل الشرع غير متواتر أو نقل صفته غير متواترة لم يحصل لنا علم بأن شرع الإسلام غير منسوخ، ولأن ذلك من الوقائع العظيمة التي يجب اشتهارها، فلا يكون نص على النسخ وحينئذ لا يكون منسوخاً؛ لأن ذكر اللفظ الدال على الدوام فهذا مطلق يكفي في العمل به مرة واحدة، وينقضي بذاته، فلا يحتاج للنسخ ويتعذر النسخ فيه.
والوجه الثاني: أنه ثبت بالتوراة قول موسى عليه الصلاة والسلام: تمكنوا بالسبت أبداً، وقال تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض، وهو متواتر والتواتر حجة.
والجواب عن الأوّل: أن نقول اتفق المسلمون على أن الله تعالى شرع لموسى شرعه بلفظ الدوام، واختلفوا هل ذكر معه ما يدل على أنه سيصير منسوخاً؟ فقال أبو الحسين يجب ذلك في الجملة وإلا كان تلبيساً. وقال جماهير أصحابنا وجماهير المعتزلة لا يجب ذلك، وقد تقدم البحث في ذلك في تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والجواب على رأي أبي الحسين: أن ذلك القيد لم ينقل لوقوع الخلل في اليهود
في زمن بختتصر فإنه أباد اليهود حتى لم يبق منهم من يصلح للتواتر، وبه يظهر الجواب عن شرعنا نحن لسلامته عن الآفات.
وعن الثاني: أن هذا النقل أيضاً لا يصح الاعتماد عليه لانقطاع عدد اليهود كما تقدم، ولأن لفظ الأبد منقول في التوراة وهو على خلاف ظاهره، قال في العبد يستخدم ست سنين ثم يعتق في السابعة، فإن أبى العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبداً، مع تعذر الاستخدام أبداً، بل العمر، فأطلق الأبد على العمر فقط.
وثانيها: قال في البقرة التي أمروا بذبحها تكون لكم سنة أبداً، ومعلوم أن ذلك ينقطع بخراب العالم وقيام الساعة.
وثالثها: أُمروا في قصة دم الفصح (1) أن يذبحوا الجمل ويأكلوا لحمه ملهوجاً (2) ولا يكسروا منه عظماً ويكون لهم هذا الجمل سنة أبداً ثم زال التعبد بذلك أبداً.
وقال في السفر الثاني - فروا إلى كلّ يوم خروفين خروفاً غدوة وخروفاً عشية قرباناً دائماً لأحقابكم - وهم لا يفعلون ذلك، ثم مذهبهم منقوض بصور إحداها أن في التوراة أن السارق إذا سرق في المرة الرابعة تثقب أذنه ويباع، وقد اتفقوا على نسخ ذلك.
وثانيتها: اتفق اليهود والنصارى على أن الله تعالى فدى ولد إبراهيم من الذبح وهو نص التوراة، وهذا أشد أنواع النسخ، لأنه قبل الفعل الذي منعه المعتزلة، وإذا جاز في الأشد جاز في غيره بطريق الأولى.
وثالثتها: أن في التوراة أن الجمع بين الحرة والأمة في النكاح كان جائزاً في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام لجمعه بين سارة الحرة وهاجر الأمة وحرمته التوراة.
ورابعتها: أن التوراة قال الله تعالى فيها لموسى عليه السلام: أخرج أنت وشيعتك لترثوا الأرض المقدسة التي وعدت بها أباكم إبراهيم، أن أرثها نسله فلما ساروا إلى التيه قال الله تعالى - لا تدخلوها لأنكم قد عصيتموني - وهو عين النسخ.
وخامسها: تحريم السبت فإنه لم يزل العمل مباحاً إلى زمن موسى عليه
(1) الفصح كالفطر لفظاً ومعنى.
(2)
اللحم الملهوج الذي لم يتم نضجه.
الصلاة والسلام وهو عين النسخ، وقد ذكرت صوراً كثيرة غير هذه في شرح المحصول وفي كتاب (الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى) .
وأما من أنكر النسخ من المسلمين فهو معترف بنسخ تحريم الشحوم وتحريم السبت
وغير ذلك من الأحكام، غير أنه يفسر النسخ في هذه الصورة بالغاية وأنها انتهت بانتهاء غايتها، فلا خلاف في المعنى.
ويجوز عندنا وعند الكافة نسخ القرآن خلافاً لأبي مسلم الأصفهاني لأن الله تعالى نسخ وقوف الواحد للعشرة في الجهاد بثبوته لاثنين وهما في القرآن.
وثانيها: أن الله تعالى أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد حولاً بقوله تعالى: «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول» (1) ثم نسخ بقوله تعالى: «يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا» (2)، ونسخ وجوب التصدق الثابت بقوله تعالى:«فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» (3) .
احتج أبو مسلم بأن الله تعالى وصف كتابه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلو نسخ لبطل.
وجوابه: أن معناه لم يتقدمه من الكتب ما يبطله ولا يأتي بعده ما يبطله ويبين أنه ليس بحق، والمنسوخ والناسخ حق، فليس من هذا الباب.
فائدة: أبو مسلم كنيته، واسمه عمرو بن يحيى قاله أبو إسحاق في اللمع.
ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه عندنا خلافاً لأكثر الشافعية والحنفية والمعتزلة كنسخ ذبح إسحق عليه الصلاة والسلام قبل وقوعه.
(1) 240 البقرة.
(2)
234 البقرة.
(3)
12 المجادلة.
المسائل في هذا المعنى أربع: إحداهن أن يوقت الفعل بزمان مستقبل فينسخ قبل حضوره. وثانيها: أن يؤمر به على الفور فينسخ قبل الشروع فيه. وثالثها: أن يشرع فيه فينسخ قبل كماله. ورابعها: أن يكون الفعل يتكرر فيفعل مراراً ثم ينسخ. فأما الثلاثة الأولى فهي في الفعل الواحد غير المتكرر. وأما الرابعة: فوافقنا عليها المعتزلة لحصول مصلحة الفعل بتلك المرات الواقعة قبل النسخ، ومنه نسخ القِبْلة وغيرها، ومنعوا قبل الوقت وقبل الشروع لعدم حصول المصلحة من الفعل، وترك المصلحة عندهم ممتنع على قاعدة الحسن والقبح. والنقل في هاتين المسألتين في هذا الموضع قد نقله الأصوليون. وأما بعد الشروع وقبل الكمال فلم أر فيه نقلاً، ومقتضى مذهبنا جواز النسخ في الجميع.
ومقتضى مذهب المعتزلة التفصيل لا المنع مطلقاً ولا الجواز مطلقاً، فإن الفعل الواحد قد لا يحصل مصلحته إلاّ باستيفاء أجزائه، كذبح الحوان، وإنقاذ الغريق، فإن مجرد قطع الجلد لا يحصل مقصود الذكاة من إخراج الفضلات وزهوق الروح على وجه السهولة، وإخراج الغريق إلى قرب البر وتركه هناك لا يحصل مقصود الحياة، وقد تكون المصلحة متوزعة على أجزائه كسقي العطشان وإطعام الجيعان وكسوة العريان، فإن كلّ جزء من ذلك
يحصل جزءاً من المصلحة الري والشبع والكسوة، ففي القسم الأوّل مقتضى مذهبهم المنع لعدم حصول المصلحة، وفي الثاني الجواز لحصول بعض المصلحة المخرجة للأمر الأوّل عن العبث، كما انعقد الإجماع على حسن النهي عن القطرة الواحدة من الخمر، مع أن الإسكار لا يحصل إلاّ بعد قطرات، لكنه لا يتعين له بعضها دون بعض بل يتوزع عليها، فكذلك هنا، فتنزل الأجزاء منزلة الجزئيات، كذلك يكتفى ببعض الأجزاء. غير أن هنا فرقاً أمكن ملاحظته، وهو أن المصلحة في الجزئيات الماضية في صورة المنقول عنه مصالح تامة أمكن أن يقصدها العقلاء قصداً كلياً دائماً، بخلاف جزء المصلحة في نقطة الماء ونحوها، فإن القصد إليها نادر، ومع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع مطلقاً في هذا القسم من غير تفصيل.
واحتج الشيخ سيف الدين الآمدي في هذه المسألة بنسخ الخمسين صلاة ليلة الإسراء حتى بقيت خمساً، ويرد عليه أنها خبر واحد فلا يفيد القطع، والمسألة
قطعية ولا نسخ قبل الإنزال (1) وقبل الإنزال لا يتقرر علينا حكم، فليس من صورة النزاع.
والنسخ لا إلى بدل خلافاً لقوم كنسخ الصدقة في قوله تعالى: «فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» (2) لغير بدل.
قيل إن ذلك زال لزوال سببه وهو التمييز بين المؤمنين والمنافقين، وقد ذهب المنافقون فاستغنى عن الفرق.
جوابه: روى أنه لم يتصدق إلاّ عليٌّ رضي الله عنه فقط مع بقاء السبب بعد صدقته ثم نسخ حينئذ.
احتجوا بقوله تعالى: «ما ننسخ آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» (3) فنص تعالى على أنه لا بد من البدل أحسن أو مثل.
جوابه: أن هذه صيغة شرط وليس من شرط الشرط أن يكون ممكناً فقد يكون متعذراً كقولك إن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان وهذا الشرط محال والكلام صحيح عربي، وإذا لم يستلزم الشرط الإمكان لا يدل على الوقوع به مطلقاً فضلاً عن الوقوع ببدل، سلمناه لكنه قد يكون رفع الحكم لغير بدل خيراً للمكلف باعتبار مصالحه والخفة عليه وبعده من الفتنة وغوائل التكليف.
ونسخ الحكم إلى الأثقل خلافاً لبعض أهل الظاهر كنسخ عاشوراء برمضان.
ونسخ الحبس في البيوت إلى الجلد والرجم، والرجم أشد من الحبس. احتجوا بقوله تعالى:«نأت بخير منها أو مثلها» (4) وبقوله تعالى: «يريد الله أن يخفف عنكم» (5) ، و «يريد الله بكم اليسر» (6) والأثقل لا يكون خيراً ولا مثلاً ولا يسراً.
(1) في المخطوطة: ولأنه نسخ قبل الإنزال.
(2)
12 المجادلة.
(3)
106 البقرة.
(4)
106 البقرة.
(5)
28 النساء.
(6)
185 البقرة.
والجواب عن الأوّل: قد يكون الأثقل أفضل للمكلف وخيراً له باعتبار ثوابه واستصلاحه في أخلاقه ومعاده ومعاشه. وعن الثاني أنه محمول على اليسر في الآخرة حتى لا يتطرق إليه تخصيصات غير محصورة فإن في الشريعة مشاق كثيرة.
ونسخ التلاوة دون الحكم كنسخ - الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله - مع بقاء الرجم، والحكم دون التلاوة كما تقدم في الجهاد، وهما معاً لاستلزام إمكان المفردات إمكان المركب.
لأن التلاوة والحكم عبادتان مستقلتان، فلا يبعد في العقل أن يصيرا معاً مفسدة في وقت أحدهما دون الآخر، وتكون الفائدة في بقاء التلاوة دون الحكم ما يحصل من العلم بأن الله تعالى أنزل مثل ها الحكم رحمة منه بعباده. وعن أنس نزل في قتلى بئر معونة - بلغوا إخواننا أننا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا - وعن أبي بكر كنا نقرأ من القرآن - لا ترغبوا عن أبائكم فإنه كفر بكم - ومثال التلاوة والحكم معاً ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان فيما أنزل الله - عشر رضعات - فنسخن - بخمس - وروي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة.
ونسخ الخبر إذا كان متضمناً لحكم عندنا، خلافاً لمن جوزه مطلقاً ومنعه مطلقاً وهو أبو علي وأبو هاشم وأكثر المتقدمين. لنا أن نسخ الخبر يوجب عدم المطابقة وهو محال فإذا تضمن الحكم جاز نسخه لأنه مستعار له ونسخه الحكم جائز كما لو عبر عنه بالأمر.
قال الإمام فخر الدين: إذا كان الخبر خبراً عما لا يجوز تغييره، كالخبر عن حدوث العالم، فلا يتطرق إليه النسخ، وإن كان عما يجوز تغييره وهو إما ماضٍ أو مستقبل، والمستقبل إما وعد أو وعيد أو خبر عن حكم كالخبر عن وجوب الحج فيجوز النسخ في الكل، ومنع أبو علي وأبو هاشم وأكثر المتقدمون الكل.
قال: لنا أن الخبر إذا كان عن أرم ماض نحو عمرت نوحاً ألف سنة، جاز أن
يبين من بعد بأنه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وإن كان خبراً عن مستقبل كان وعداً ووعيداً فهو كقوله لأعاقبن الزاني ابداً فيجوز أن يبين أنه أراد ألف سنة، وإن كان عن حكم الفعل في
المستقبل فإن الخبر كالأمر في تناوله الأوقات (1) المستقبلة فيجوز أن يراد بعضها.
احتجوا بأن نسخ الخبر يوهم الخلف.
قال: وجوابه أن نسخ الأمر أيضاً يوهم البداء، قلت أسماء الأعداد نصوص لا يجوز فيها المجاز وأراد المتكلم بالألف ألفاً إلاّ خمسين عاماً مجاز فلا يجوز، وأما إطلاق الأبد على ألف سنة فهو تخصيص في الخبر وهو مجمع عليه، إنّما النزاع في النسخ فأين أحدهما من الآخر؟! وقد تقدمت الفروق بينهما.
وأما قولهم يوهم الخلف: ذلك مدفوع بالبراهين الدالة على استحالة الخلف على الله تعالى والبداء عليهن والبداء هو إحدى الطرق التي استدلت بها اليهود على استحالة النسخ، ومعناه أمر بشيء ثم بدا له أن المصلحة في خلافه، وذلك إنّما يتأتى في حق من تخفى عليه الخفيات، والله تعالى منزه عن ذلك.
وجوابهم: أن الله تعالى عالم بأن الفعل الفلاني مصلحة في وقت كذا مفسدة في وقت كذا، وأنه نسخه إذا وصل وقت المفسدة، فالكل معلوم في الأزل، وما تجدد العلم بشيء، فما لزم من النسخ البداء فيجوز.
ويجوز نسخ ما قال فيه افعلوه أبداً خلافاً لقوم؛ لأن صيغة أبداً بمنزلة العموم في الأزمان، والعموم قابل للتخصيص والنسخ.
احتجوا بأن صيغة (أبداً) لو جاز أن لا يراد بها الدوام لم يبق لنا طريق إلى الجزم بخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، لأن ذلك كله مستفاد من قوله تعالى:«خالدين فيها أبداً» (2) .
والجواب: أن الجزم إنّما حصل في الخلود ليس بمجرد لفظ (أبداً) بل بتكرره تكرراً أفاد القطع بسياقاته وقرائنه على ذلك، أما مجرد لفظة واحد من أبداً فلا يوجب الجزم، والكلام في هذه المسألة إنّما هو في مثل هذا.
(1) في الأصول: في تناول الأوقات.
(2)
لأهل الجنة: 122 النساء. ولأهل النار: 169 النساء.