الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس عشر في الخبر
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول في حقيقته
وهو المحتمل للصدق والكذب لذاته، احترازاً من خبر المعصوم والخبر عن خلافا الضرورة.
الخبر من حيث هو خبر يحتمل الصدق وهو المطابقة، والكذب وهو عدم المطابقة، والتصديق هو الإخبار عن كونه صدقاً، والتكذيب هو الإخبار عن كونه كذباً، فالصدق والكذب نسبتان بين الخبر ومتعلقه عدميتان لا وجود لهما في الأعيان بل في الأذهان، والتصديق والتكذيب. خبران وجوديان في الأعيان: ثم الخبر من حيث هو خبر يحتمل ذلك، أما إذا عرض له من جهة المتكلم به ما يمنع الكذب والتكذيب فإنه لا يقبلهما؛ ولذلك إذا قلنا الواحد نصف الاثنين يمتنع الكذب والتكذيب، أو الواحد نصف العشرة يمتنع الصدق والتصديق، ولكن ذلك النظر إلى متعلقه لا بالنظر إلى ذاته، فلذلك قلت - في الحد - لذاته.
سؤال: التصديق والتكذيب نوعان من الخبر والنوع لا يعرف إلاّ بعد معرفة الجنس، فتعريف الجنس به دَور والصدق والكذب نسبتان بين الخبر ومتعلقه
والنسبة بين الشيئين لا تعرف إلاّ بعد معرفتهما، فتعريف الخبر بهما تعريف الشيء بما لا يعرف إلاّ بعد معرفته فهذا دور أيضاً.
جوابه: إنه تقدم في أول الكتاب أن التحديد بمثل هذا يجوز، وإن الحد هو شرح اللفظ وبيان مسماه دون تخليص الحقائق بعضها من بعض، وبسطته هنالك فليطالع ثمّة.
وقال الجاحظ (1) : يجوز عروِّه عن الصدق والكذب، والخلاف لفظي.
قال أهل السنة: لا واسطة بين الصدق والكذب، لأنه لا واسطة بين المطابقة وعدمها.
وقالت المعتزلة: لفظ الكذب ليس موضوعاً لعدم المطابقة كيف كانت، بل لعدم المطابقة مع القصد لذلك، وبهذه الطريقة ثبتت الواسطة، فإنه قد لا يكون مطابقاً ولا يقصد ذلك ولا يعلم؛ فلا يكون صدقاً لعدم المطابقة ولا كذباً لعدم القصد لعدم المطابقة.
حجتنا قوله عليه السلام، من كذب علي متعمداً ليتبوأ مقعده من النار، فلما قيده بالمعمد دل على تصوره بدون العمد، كما قال تعالى:«ومن قتله منكم متعمداً» (2) وقال عليه السلام: «كفى بالرجل كذباً أن يحدث بكل ما سمع» فجعله كاذباً إذا حدث بكل ما سمع، وإن كان لا يعلم عدم مطابقته، فدل على أن القصد لعدم المطابقة ليس شرطاً في تحقق مسمى الكذب.
حجة المعتزلة قوله تعالى حكاية عن الكفار: «افترى على الله كذباً أم به جنة» (3) . فجعلوا الجنون قسيم الكذب لعدم القصد فيه، مع أن خبره على التقديرين غير مطابق فدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب.
وجوابهم: أنهم لم يقولوا كذب، بل افترى، والافتراء هو ابتداء الكذب
(1) عمرو بن بحر 775-868م كاتب ولد ومات بالبصرة، انضم إلى المعتزلة وأجاد مذهبهم وأحاط بمعارف عصره. ألف أكثر من 250 كتاباً صور فيها جميع مظاهر النشاط في المجتمع الإسلامي من أشهر كتبه الحيوان، البيان والتبيين، المحاسن والأضداد.
(2)
95 المائدة.
(3)
15 الكهف.
واختراعه، فهم نوعوا الكذب إلى اختراع وجنون، لا أنهم قسموا كلامه إلى كذب وغيره، فيرجع الخلاف في ذلك إلى أن العرب هل وضعت لفظ الكذب لغير المطابق كيف كان، أو لعدم المطابقة مع القصد لذلك وهو معنى قولي؟ والخلاف لفظي.
واختلفوا في اشتراط الإرادة في حقيقة كونه خبراً، فعند أبي علي وأبي هاشم الخبرية معلنة بتلك الإرادة، وأنكره الإمام لخفائها، فكان يلزم أن لا يعلم خبر البتة، ولاستحالة قيام الخبرية بمجموع الحروف لعدمه، ولا ببعضه وإلا لكان خبراً، وليس فليس.
الخلاف في هذه المسألة مثل مسالة الأمر، قالوا الخبر قد يكون دعاء نحو غير الله لنا، وتهديداً نحو قوله تعالى:«سنفرغ لكم أيها الثقلان» (1) وأمراً نحو قوله تعالى: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين» (2) وإذا اختلف موارد استعماله لا يتعين للخبر إلاّ بالإرادة، كما قالوا لا تتعين صيغة الأمر للطلب إلاّ بالإرادة.
والجواب: واحد، وهو أن الصيغة حقيقة في الخبر، فينصرف لمدلولها بالوضع لا بالإرادة، وإذا فرعنا على هذه الإرادة فهي علة عند أبي هاشم للخبرية وهي كون اللفظ خبراً، وفهم عنهم الإمام أن الخبرية أمر وجودي، فقال تلك الخبرية الموجودة لا يمكن أن يكون محلها مجموع الحروف؛ لأن مجموع الحروف لا يوجد، بل يستحيل أن يوجد من الحروف دائماً إلاّ حرف واحد؛ لأن الكلام من المصادر السيالة، والمعدوم لا يكون محلاً
للوجود، ولا يمكن أن يكون محلها بعض الحروف؛ لأن المحل يجب اتصافه بما قام به، فإذا قام السواد بمحل يجب أن يكون أسود، والعلم يجب أن يكون عالماً، كذلك إذا قامت الخبرية ببعض الحروف يجب أن يكون خبراً، لكن بعض الحروف لا يكون خبراً إجماعاً.
(1) 31 الرحمن.
(2)
233 البقرة.