الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاء الله تعالى، وأما الكلام النفساني الذي هو قائم بذات الله تعالى فلا يمكن البيان به، لأن الصفات الربانية كلها مدلولة دلالة، وإنما يدلنا ما ظهر لحواسنا، والذي يظهر لحواسنا في مجاري العادات إنّما هو اللساني لا النفساني، وإذا تعذر تجويز البيان على الله تعالى بالبيان القولي وأنه يخلقه في بعض عباده، جاز أن يبين تعالى بالفعل والكتابة والإشارة، بأن يخلق هذه الأمور في بعض مخلوقاته، ويقع بياناً كما قلناه في الأصوات، ولا فرق بينهما إلاّ في الصورة.
الفصل الرابع في حكمه
يجوز ورود المجمل في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم خلافاً لقوم، لنا أن آية الجمعة وآية الزكاة مجملتان وهما في كتاب الله تعالى.
حجة المنع أن الوارد في الكتاب والسنة إما أن يكون المراد به الإفهام أو لا، والثاني عبث، والأول إما أن يكون مع ذلك المجمل بيانه أو لا، والأول تطويل بغير فائدة، وإن لم يكن معه بيانه جاز أن لا يصل إلى السامع فيلزم التضليل وكل ذلك مفسدة ينزه الكتاب والسنة عنها.
وجوابه: أن عندنا يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يستحيل عليه تعالى إيقاع المكلف في الجهالة والضلالة، وأما على أصول المعتزلة ونحن أيضاً - إذا سلمنا ذلك - فلنا أن نقول في ذلك فوائد ومصالح: إحداها امتحان العبد حتى يظهر تثبته وفحصه عن البيان فيعظم أجره، أو إعراضه فيظهر تخلفه وعصيانه. وثانيتها: إذا ورد المجمل وورد بعده البيان ازداد شرف العبد بكثرة مخاطبة سيده له. وثالثتها: أن الحروف إذا كثرت الأجور لقوله عليه الصلاة والسلام: «من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات» ،
ويعظم أيضاً أجر الحفظ والضبط والكتابة وغير ذلك. فهذه مصالح تترتب على الإجمال.
ويجوز البيان بالفعل خلافاً لقوم. وإذا تطابق القول والفعل فالبين القول والفعل مؤكد له، وإن تنافيا نحو قوله عليه الصلاة والسلام:«من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما طوافاً واحداً» وطاف عليه الصلاة والسلام لهما طوافين، فالقول مقدم لكونه يدل بنفسه، ويجوز بيان المعلوم بالمظنون خلافاً للكرخي.
حجة المنع من البيان بالفعل أن الفعل تطويل، وتأخير البيان مع إمكانه وتيسره عبث من المبين وهو على الله تعالى محال.
جوابه: أن البيان بالقول قد يكون أطول من البيان بالفعل كالأشياء الغامضة الدقيقة فإنَّها لا تظهر بألفاظ كثيرة وتكرار كثير جداً، ومجرد الفعل مرة واحدة يصير ضرورية عند من شاهد ذلك الفعل، سلمنا أنه أطول لكنه قد وقع كما تقدم بيانه في الحج وغيره، ثم ما فيه من التطويل معارض بأن البيان بالفعل أقوى عند النفس وأثبتن ولذلك أن الصنائع تنضبط بمشاهدة الأفعال دون الأقوال المجردة، كالتجارة والصياغة وغيرهما، وإنما قدم القول على الفعل في البيان، لأن القول يدل بمجرد الوضع، والفعل لا يدل إلاّ بالقول الدال على كونه دليلاً، كما دل قوله تعالى:«وما آتاكم الرسول فخذوه» (1) ولولا ذلك لم يكن الفعل حجة، وما هو حجة بنفسه أولى مِمّا لا يكون حجة بنفسه.
وتمثيلي بكونه عليه الصالة والسالم طاف لهما طوافين، مبني على أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع متمتعاً، وهي مسألة ثلاثة أقوال: قيل متمتعاً، وقيل مفرداً، وقيل قارناً. والإمام فخر الدين مثَّل بذلك فاتبعته.
وأما بيان المعلوم بالمظنون فيريد به بيان المتواتر بالآحاد، وذلك كما بين عليه الصلاة والسلام:«فيما سقت السماء العشر» ومعنى ذلك أن الحديث إذا بلغ إلينا جاز أن نعتمد عليه في البيان، وإن
(1) 7 الحشر.