المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس في أنواعها - شرح تنقيح الفصول

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في الاصطلاحات

- ‌الفصل الأول في الحد

- ‌الفصل الثاني في تفسير أصول الفقه

- ‌الفصل الثالث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل

- ‌الفصل الرابع في الدلالة وأقسامها

- ‌الفصل الخامس الفرق بين الكلي والجزئي

- ‌الفصل السادس في أسماء الألفاظ

- ‌الفصل السابع الفرق بين الحقيقة والمجاز وأقسامهما

- ‌الفصل الثامن في التخصيص

- ‌الفصل التاسع في لحن الخطاب وفحواه ودليله وتنبيهه واقتضائه ومفهومه

- ‌الفصل العاشر في الحصر

- ‌الفصل الحادي عشر خمس حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم وهي الأمر والنهي والدعاء والشروط وجزاؤه

- ‌الفصل الثاني عشر حكم العقل بأمر على أمر

- ‌الفصل الثالث عشر في الحكم وأقسامه

- ‌الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادة

- ‌الفصل الخاس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

- ‌الفصل السادس عشر في الرخصة والعزيمة

- ‌الفصل السابع عشر في الحسن والقبح

- ‌الفصل الثامن عشر في بيان الحقوق

- ‌الفصل التاسع عشر في العموم والخصوص والمساواة والمباينة وأحكامها

- ‌الفصل العشرون في المعلومات

- ‌الباب الثاني في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه

- ‌الباب الثالث في تعارض مقتضيات الألفاظ

- ‌الباب الرابع في الأوامر وفيه ثمانية فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

- ‌الفصل الثاني ورود الأمر بعض الحظر

- ‌الفصل الثالث في عوارضه

- ‌الفصل الرابع جواز تكليف ما لا يطاق

- ‌الفصل الخامس الأمر بالمركب أمر بأجزائه

- ‌الفصل السادس في متعلقه

- ‌الفصل السابع في وسيلته

- ‌الفصل الثامن في خطاب الكفار

- ‌الباب الخامس في النواهي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في لازمه

- ‌الباب السادس في العمومات

- ‌الفصل الأول في أدوات العموم

- ‌الفصل الثاني في مدلوله

- ‌الفصل الثالث في مخصصاته

- ‌الفصل الرابع فيما ليس من مخصصاته

- ‌الفصل الخامس فيما يجوز التخصيص إليه

- ‌الفصل السادس في حكمه بعد التخصيص

- ‌الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء

- ‌الباب السابع في أقل الجمع

- ‌الباب الثامن في الاستثناء

- ‌الفصل الأول في حده

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في أحكامه

- ‌الباب التاسع في الشروط

- ‌الفصل الأول في أدواته

- ‌الفصل الثاني في حقيقته

- ‌الفصل الثالث في حكمه

- ‌الباب العاشر في المطلق والمقيد

- ‌الباب الحادي عشر في دليل الخطاب وهو مفهوم المخالفة

- ‌الباب الثاني عشر في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول في معنى ألفاظه

- ‌الفصل الثاني فيما ليس مجملاً

- ‌الفصل الثالث في أقسامه

- ‌الفصل الرابع في حكمه

- ‌الفصل الخامس في ورقته

- ‌الفصل السادس في المبين

- ‌الباب الثالث عشر في فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الأول في دلالة فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني في اتباعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث في تأسيه عليه الصلاة والسلام

- ‌الباب الرابع عشر في النسخ

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الرابع فيما يتوهم أنه ناسخ

- ‌الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشر في الإجماع

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مستنده

- ‌الفصل الرابع في المجمعين

- ‌الفصل الخامس في المجمع عليه

- ‌الباب السادس عشر في الخبر

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في التواتر

- ‌الفصل الثالث في الطرق المحصلة للعلم غير التواتر وهي سبعة

- ‌الفصل الرابع في الدال على كذب الخبر وهو خمسة

- ‌الفصل الخامس في خبر الواحد

- ‌الفصل السادس في مستند الراوي

- ‌الفصل السابع في عدده

- ‌الفصل الثامن فيما اختلف فيه من الشروط

- ‌الفصل التاسع في كيفية الرواية

- ‌الفصل العاشر في مسائل شتى

- ‌الباب السابع عشر في القياس

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الدال على العلة

- ‌الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة

- ‌الفصل الخامس في تعدد العلل

- ‌الفصل السادس في أنواعها

- ‌الفصل السابع فيما يدخل القياس

- ‌الباب الثامن عشر في التعارض والترجيح

- ‌الفصل الأول هل يجوز تساوي الأمارتين

- ‌الفصل الثاني في الترجيح

- ‌الفصل الثالث في ترجيحات الأخبار

- ‌الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة

- ‌الفصل الخامس في ترجيح طرق العلة

- ‌الباب التاسع عشر في الاجتهاد

- ‌الفصل الأول في النظر

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث فيمن يتعين عليه الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في زمانه

- ‌الفصل الخامس في شرائطه

- ‌الفصل السادس في التصويب

- ‌الفصل السابع في نقض الاجتهاد

- ‌الفصل الثامن في الاستفتاء

- ‌الفصل التاسع فيمن يتعين عليه الاستفتاء

- ‌الباب العشرون في جمع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين

- ‌الفصل الأول في الأدلة

- ‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

الفصل: ‌الفصل السادس في أنواعها

أن يقع بهما في حالة عدم وقوعه بهما، وأن لا يقع بهما حالة وقوعه بهما، وهو جمع بين النقيضين، لأن الوقوع بكل واحد منهما سبب عدم الوقوع من الآخر فلو حصل العلتان وهو الوقوع بهما لحصل المعلولان وهو عدم الوقوع بهما، ولأن تعليل الحكم بعلتين يفضي غلى نقض العلة وهو خلاف الأصل.

بيانه: أنه إذا وجدت إحدى العلتين ترتب عليها الحكم، فإذا وجدت الأخرى بعدها لا يترتب عليها شيء، فقد وجدت العلة الثانية بدون الترتيب لتقدم الترتيب عليها بناءً على العلة الأخرى، فيلزم وجود العلة بدون وجود مقتضاها، وهو نقض عليها.

والجواب: عن الأول (1) أن علل الشرع معرفات لا مؤثرات، والمحال المذكور إنما يلزم من المؤثرات، ويجوز اجتماع معرفين فأكثر على مدلول واحد كما يعرف الله تعالى وصفاته العلية بكل جزء من أجزاء العالم.

وعن الثاني: أن النقض لقيام المانع لا يقدم في العلة كما تقدم في النقض فيقول به، هذا في المنصوصتين، أما المستنبطتان فلا سبيل إلى التعليل بهما، لأن الشرع إذا ورد بحكم مع أوصاف مناسبة وجب جعل كل واحد منهما جزء علة لا علة مستقلة، لأن الأصل عدم الاستقلال حتى ينص صاحب الشرع على استقلالهما، أو أحدهما فيستقل.

‌الفصل السادس في أنواعها

وهي أحد عشر نوعاً الأول التعليل بالمحل فيه خلاف، قال الإمام فخر الدين إن جوزنا أن تكون العلة قاصرة جوزناه كتعليل الخمر بكون خمراً أو البر يحرم الربا فيه لكونه براً.

والعلة القاصرة هي العلة التي لا توجد في غير محل النص، كوصف البر والخمر إذا قلنا إن الخمر خاص بما عصر من العنب على صورة خاصة، والخلاف

(1) في الأصول: «والجواب عليهما وعن الأول» . فحذفنا كلمة «عليهما» ليستقيم المعنى ولأنه بعد سطور سيذكر الجواب عن الثاني.

ص: 405

في العلة القاصرة هو مع الحنفية منعوها وأجازها الجمهور، غير أن الفرق بين المحل والعلة القاصرة من حيث الصورة والمعنى لا من حيث جواز التعليل أن العلة القاصرة قد تكون وصفاً اشتمل عليه محل النصر لم يوضع اللفظ له، والمحل ما وضع اللفظ له، كوصف البرية مثلاً إذا قيل إن

البر اشتمل على نوع من الحرارة والرطوبة لاسم به مزاج الإنسان ملاءمة لا تحصل بين الإنسان والأرز، فإن الأرز حار يابس يبساً شديداً ينافي مزاج الإنسان، فحرم الربا في البر، ومنع بدل واحد منه باثنين لأجل هذه الملاءمة الخاصة التي لا توجد في غير البر، فهذا علة قاصرة لا محل، وأما وصف البرية بما هي برية فهو المحل، فلذلك حسن من الإمام تخريج التعليل بالمحل على التعليل بالعلة القاصرة، ولو كان شيئاً واحداً لم يحسن التخريج ولا التفريع، إذا ظهر لك الفرق بينهما فكل ما يذكر في العلة القاصرة من الحجاج بين الفريقين نفياً وإثباتاً فهو بعينه ههنا، فيكتفى بذلك عن ذكره ههنا.

الثاني: الوصف إن لم يكن منضبطاً جاز التعليل بالحكمة وفيه خلاف، والحكمة هي التي لأجلها صار الوصف علة، كذهاب العقل الموجب لجعل الإسكار علة.

ومن الحكمة اختلاط الأنساب، فإنه سبب جعل وصف الزنا سبب وجوب الجلد، وكضياع المال الموجب لجعل وصف السرقة سبب القطع.

حجة الجواز: أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة، لأنها أصله، وأصل الشيء لا يقصر عنه، ولأنها نفس المصلحة والمفسدة وحاجات الخلق، وهذا هو سبب ورود الشرائع، فالاعتماد عليها أولى من الاعتماد على الفرع.

حجة المنع: أنه لو جاز التعليل بالحكمة لما جاز التعليل بالوصف، لأن الأصل يعدل عنه إلى فرعه إلا عند تعذره، والحكمة ليست متعذرة، فلا يجوز العدول عنها فيعلل بها، ومتى علل بها سقط التعليل بالوصف، فظهر أنه لو صح التعليل بالحكمة لامتنع التعليل بالوصف، لكن المنع من الوصف خلاف إجماع القائسين ولأنه لو جاز التعليل بالحكمة (1) للزم تخلف الحكم عن علة وهو خلاف الأصل بيانه أن وصف الرضاع سبب حرمة النكاح، وحكمته أن جزء

(1) في الأصول: ولأنه لو جاز التعليل بالوصف، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 406

المرأة صار جزءاً للرضيع، لأن لبنها جزؤها صار لحماً للجنين، فأشبه منها الذي صار جزءاً للجنين، فكما أن ولد الصلب حرام فكذلك ولد الرضاع، وهو سر قوله عليه الصلاة والسلام:«الرضاع لحمه كلحمة النسب» إشارة إلى الجزئية، فإذا كانت هذه هي الحكمة، فلو أكل الجنين قطعة من لحم امرأة فقد صار جزؤها جزأه، فكان يلزم التحريم ولم يقل به أحد، وكذلك إذا كانت الحكمة في وصف الزنا اختلاط الأنساب، فإذا أخذ رجل صبياناً صغاراً وفرقهم إلى حيث لم يرهم آباؤهم حتى صاروا رجالاً ولم يعرفهم آباؤهم، فاختلطت أنسابهم حينئذ، فينبغي أن يجب عليه حد الزنا لوجود حكمة وصف الزنا، لكنه خلاف الإجماع، فعملنا أنه لو جاز التعليل بالحكمة للزم

النقض وهو خلاف الأصل، فلا يجوز التعليل بالحكمة وهو المطلوب.

والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإن عدم العلة علة لعدم المعلول.

حجة المنع: أن العدم نفي محض لا تمييز فيه، وما لا تمييز فيه لا يمكن جعله علة، فإن العلة فرع التمييز، ولأن العلة وصف وجودي لأنها نقيض أن لا علية المحمولة على العدم وأن لا علية عدم، فتكون العلة وجودية، والوصف الوجودي لا يقوم بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشك في وجود الأجسام، لأنا لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوزنا قيام الصفات الوجودية بالمعدوم، جوزنا أن تكون هذه الألوان قائمة بالمعدوم فلا نجزم بوجود شيء من أجزاء العالم وهو خلاف الضرورة.

والجواب عن الأول: أن العدم الذي يقع التعليل به لا بد أن يكون عدم شيء بعينه فهو عدم متميز فيصح التعليل به، كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة، لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عدم ثبت التطهير والإباحة وعن الثاني: أن قولنا لا علية، حرف سلب دخل على اسم سلب، لأن العلية عندنا نسبة وإضافة، والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب إذا دخل على السلب صار ثبوتاً فلا عليه ثبوت لا سلب، فلا يتم مقصودكم فتكون العلية عدمية، فأن نقيضها ثبوت.

الرابع: المانعون من التعليل بالعدم امتنعوا من التعليل بالإضافات لأنها عدم.

ص: 407

النسب والإضافات كالأبوة والبنوة، والتقديم والتأخير، والمعية، والقبلية والبعدية وجودية عند الفلاسفة عدمية عندنا، غير أن وجودها ذهني فقط، فهي موجودة في الأذهان لا في الأعيان، والأوصاف العدمية عدم مطلقاً في الذهن والخارج، فهذا هو الفرق بينهما، واستوى القسمان في العدم في الخارج فلذلك من منع هناك منع هنا.

الخامس: يجوز التعليل بالحكم الشرعي للحكم الشرعي خلافاً لقوم، كقولنا نجس فيحرم.

حجة الجواز: أن علل الشرع معرفات، فللشارع أن ينصب حكماً على حكم آخر كما ينصب النجاسة التي هي حكم شرعي على تحريم البيع أو الأكل الذي هو حكم شرعي.

حجة المنع: أن الحكم شأنه أن يكون معلولاً، فلو صار علة لانقلبت الحقائق ولأن الحكمين متساويان في أن كل واحد منهما حكم شرعي، فليس جعل أحدهما علة للآخر أولى من العكس.

والجواب عن الأول: ليس في ذلك قلب الحقائق، بل يكون ذلك الحكم معلولاً لعلته

وعلة معرفة الحكم آخر غير علته فإن ادعيتم أن شأن الحكم أن لا يكون علته البتة فهذا محل النزاع. وعن الثاني: أن المناسبة تعين أحدهما للعلية والآخر للمعلولية، كما تقول نجس فيحرم، وطاهر فيجوز به الصلاة، فإن النجاسة مناسبة للتحريم، والطهارة مناسبة لإباحة الصلاة، فما وقع الترجيح إلا بمرجح، ولو عكس هذا وقيل لا يجوز بيعه فيحرم لم ينتظم، فإنه قد يحرم بيعه لغصبه أو لعجز عن تسليمه أو غير ذلك.

السادس: يجوز التعليل بالأصواف العرقية كالشرف والخسة، بشرط اطرادها وتميزها عن غيرها.

أما الجواز: فإن الشرف يناسب التكريم والتعظيم وتحريم الإهانة ووجوب الحفظ، والخسة: تناسب ضد هذه الأحكام من تحريم التعظيم وإباحة الإهانة، فهذا وجه جواز التعليل بها، وأما اشتراط اطرادها فإن ذلك الحكم إذا لم يوجد في جميع صور ذلك الوصف ويوجد الحكم بدونه ومعه فهو عدم التأثير، وهو يدل على عدم اعتبار ذلك الوصف، وأما التمييز فلأن التعليل بالشيء فرع تمييزه عن غيره، لأن الحكم يعتمد التصور.

ص: 408

السابع: يجوز التعليل بالعلة المركبة عند الأكثرين كالقتل العمد العدوان.

حجة الجواز: أن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب، فإن الوصف الواحد قد يقصر، كما تقول إن وصف الزنا لا يستقل بمناسبة وجوب الحد إلا بشرط أن يكون الواطئ عالماً بأنها أجنبية، فلو جهل ذلك لم يناسب وجوب الحد، وكذلك القتل وحده لا يناسب وجوب القصاص حتى يضاف إليه العمد العدوان.

حجة المنع: أن القول بتركيب العلة الشرعية يفضي إلى نقض العلة العقلية. بيانه أن القاعدة العقلية إن عدم جزء المركب علة لعدم ذلك المركب، فإذا فرضنا علة شرعية مركبة أو عقلية فعدم جزء منها فلا شك أن ذلك المركب يعدم وتعدم تلك العلية تبعاً له، فإذا عدم جزء آخر بعد ذلك لم يترتب عليه عدم ذلك المركب ولا تلك العلية لتقدم ذلك على عدمه، وإلا لزم تحصيل الحاصل، فقد وجدت العلة العقلية بدون أثرها وهو نقض العلة العقلية وهو محال.

فإن قلت: هذا يقتضي أن لا يوجد مركب في العالم وهو خلاف الضرورة.

قلت: لا معنى للمركب في الخارج إلا تلك الأجزاء، والمجموع إنما هو صورة ذهنية، أما العلية فهي حكم شرعي خارجي عرَض لذلك المركب فافترقا.

والجواب: أن نقض العلة العقلية غير لازم، لأنه إذا عدم جزء من الثلاثة عدمت الثلاثة والباقي بعد ذلك هو جزء الاثنين لا جزء الثلاثة، فإذا عدم أحد الاثنين الباقيين الآن

يعدم مجموع الاثنين، فعدمه علة لعدم الاثنين لا لعدم الثلاثة لأن عدم الباقي ليس جزء الثلاثة؛ فإن جزئية الثلاثة أمر نسبي يذهب عند ذهاب أحد الطرفين وهو الثلاثة.

الثامن: يجوز التعليل بالعلة القاصرة عند الشافعي وأكثر المتكلمين خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه إلا أن تكون منصوصة، لأن فائدة التعليل عند الحنفية التعدية للفرع وقد انتفت. وجوابهم: بقي سكون النفس للحكم والاطلاع على مقصود الشرع فيه.

قال القاضي عبد الوهاب بالقاصر، قال أصحابنا وأصحاب الشافعي وانبنى على ذلك تعليل الذهب والفضة بأنهما أصول الأثمان والمتمولات، ومنعها أكثر العراقيين، وفضل بعضهم بين المنصوصة والمستنبطة، فمنع المستنبطة، إلا أن ينعقد فيها إجماع.

ص: 409

حجة المنع مطلقاً: أن القاصرة غير معلومة من طريقة الصحابة رضوان الله عليهم فلا تثبت، لأن القياس وتفاريعه إنما يتلقى من الصحابة، ويلزم من عدم المدرك عدم الحكم.

حجة من فصل بين المنصوصة وغيرها: أن النص تعبد من الشارع يجب تلقيه بالقبول أما استنباطنا نحن فلا يجوز أن يكون إلا للتعدية.

والجواب عن الأول: أن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم الفحص عن حكم الشريعة وأسرارها بحسب الإمكان، ومن حكمة الشريعة الاطلاع على حكم الشرع في الأصل، فيكون ذلك أدعى لطواعية العبد وسكون نفسه للحكم.

وعن الثاني: أنا نستنبط لما تقدم من الفوائد، ولأنه قد يجتمع في الأصل مع القاصرة وصف متعد، والحكم منفي عنه بالإجماع، فيكون ذلك الوصف المتعدي إنما ترك لأجل عدم القاصرة، فإن عدم العلة علة لعدم المعلول، فإن لم يعتبر القاصرة يكون المتعدي قد ترك بلا معارض. وهذه فائدة أخرى في اعتبار القاصرة.

التاسع: اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم العاشر، اختار الإمام أنه لا يجوز التعليل بالأوصاف المقدرة خلافاً لبعض الفقهاء كتعليل العتق عن الغير بتقدير الملك.

أما الاسم بمجرده فلأنه طردي محض والشرائع شأنها رعاية المصالح ومظانها أما ما لا يكون مصلحة ولا مظنة لمصلحة فليس دأب الشارع اعتبارهن وأما المقدرات فقد اشتد نكير الإمام فخر الدين عليها، وأنها من الأمور التي لا يجوز أن تعتقد في الشرائع، وأنكر كون الولاء للمعتق عن الغير معللاً بتقدير الملك له، وأنكر تقدير الأعيان في الذمة، وأنها لا تتصور.

واعلم أن المقدرات في الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه، وقد بسطت ذلك في كتاب الأمنية. وكيف يتخيل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحد بغير أمر مطالب به،

وكيف يكون الطالب بلا مطلوب؟! وكذا المطلوب يمتنع أن يكون معيناً في السلم وإلا لما كان سلماً، فيتعين أن يكون في الذمة، ولا نعني بالتقدير إلا هذا، وكيف صح العقد على أردب من الحنطة وهو غير معين ولا مقدر في الذمة، فحينئذ هذا عقد بلا معقود عليه، بل لفظ بلا معنى، وكذلك إذا باعه

ص: 410

بثمن إلى أجل هذا الثمن غير معين، فإذا لم يكن مقدراً في الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمن يتصور، وكذلك الإجارة لا بد من تقدير منافع في الأعيان حتى يصح أن يكون مورد العقد، إذ لولا تخيل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقفها وعاريتها وغير ذلك من عقود المنافع، وكذلك الصلح على الدين وغيره لا بد من تخيل المصالح عليه حتى يقابل بالطرف الآخر ويكون متعلق عقد الصلح، وإذا لم يقدر الملك للمعتق عنه كيف يصلح القول ببراءة ذمته من الكفارة التي أعتق عنها وكيف يكون له الولاء في غير عبد يملكه وهو لم يملكه محققاً؟! فتعين أن يكون مقدراً، وكذلك لا يكون يعرى باب من أبواب الفقه عن التقدير، فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات.

الحادي عشر: يجوز تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي ولا يتوقف على وجود المقتضى عند الإمام خلافاً للأكثرين في التوقف وهذا هو تعامل انتفاء الحكم بالمانع فهو يقول المانع هو ضد علة الثبوت والشيء لا يتوقف على ضده.

وجوابه: أنه لا يحسن في القادة أن يقال للأعمى أنه لا يبصر زيداً للجدار الذي بينهما، وإنما يحسن ذلك في البصير.

مدرك الجماعة العوائد والشرائع، أما العوائد فكما تقدم في الضرير ونحوه، أما الشرائع فلا نقول في الفقير إنه لا يجب عليه الزكاة لأن عليه ديناً، وإنما نقول لأنه فقير، ولا نقول في الأجنبي إنه لا يرث لأنه عبد بل لأنه أجنبي.

وأما حجة الإمام: فلأن المانع ضد المقتضى، وأحد الضدين لا يكون شرطاً في الآخر، لأن من شرط الشرط إمكان اجتماعه مع المشروط والضد لا يمكن اجتماعه مع ضده.

والجواب عنه: أن المانع ليس ضد المقتضى، بل أثره ضد أثره، فالتضاد بين الأثرين لا بين المؤثرين، فالدين والنصاب لا تضاد بينهما فيكون مديوناً وله نصاب من غير منافاة، لكن أثر الدين عدم وجوب الزكاة، واثر النصاب وجوب الزكاة، والزكاة وعدمها متناقضان، ونحن لم نقل بأن أحد الأثرين شرطاً في الآخر بل نفينا أحد الأثرين جزماً، وإنما قلنا أحد المؤثرين شرط في الآخر فأين أحد البابين من الآخر؟!.

ص: 411