المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان - شرح تنقيح الفصول

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في الاصطلاحات

- ‌الفصل الأول في الحد

- ‌الفصل الثاني في تفسير أصول الفقه

- ‌الفصل الثالث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل

- ‌الفصل الرابع في الدلالة وأقسامها

- ‌الفصل الخامس الفرق بين الكلي والجزئي

- ‌الفصل السادس في أسماء الألفاظ

- ‌الفصل السابع الفرق بين الحقيقة والمجاز وأقسامهما

- ‌الفصل الثامن في التخصيص

- ‌الفصل التاسع في لحن الخطاب وفحواه ودليله وتنبيهه واقتضائه ومفهومه

- ‌الفصل العاشر في الحصر

- ‌الفصل الحادي عشر خمس حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم وهي الأمر والنهي والدعاء والشروط وجزاؤه

- ‌الفصل الثاني عشر حكم العقل بأمر على أمر

- ‌الفصل الثالث عشر في الحكم وأقسامه

- ‌الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادة

- ‌الفصل الخاس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

- ‌الفصل السادس عشر في الرخصة والعزيمة

- ‌الفصل السابع عشر في الحسن والقبح

- ‌الفصل الثامن عشر في بيان الحقوق

- ‌الفصل التاسع عشر في العموم والخصوص والمساواة والمباينة وأحكامها

- ‌الفصل العشرون في المعلومات

- ‌الباب الثاني في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه

- ‌الباب الثالث في تعارض مقتضيات الألفاظ

- ‌الباب الرابع في الأوامر وفيه ثمانية فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

- ‌الفصل الثاني ورود الأمر بعض الحظر

- ‌الفصل الثالث في عوارضه

- ‌الفصل الرابع جواز تكليف ما لا يطاق

- ‌الفصل الخامس الأمر بالمركب أمر بأجزائه

- ‌الفصل السادس في متعلقه

- ‌الفصل السابع في وسيلته

- ‌الفصل الثامن في خطاب الكفار

- ‌الباب الخامس في النواهي وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول في مسماه

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في لازمه

- ‌الباب السادس في العمومات

- ‌الفصل الأول في أدوات العموم

- ‌الفصل الثاني في مدلوله

- ‌الفصل الثالث في مخصصاته

- ‌الفصل الرابع فيما ليس من مخصصاته

- ‌الفصل الخامس فيما يجوز التخصيص إليه

- ‌الفصل السادس في حكمه بعد التخصيص

- ‌الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء

- ‌الباب السابع في أقل الجمع

- ‌الباب الثامن في الاستثناء

- ‌الفصل الأول في حده

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الفصل الثالث في أحكامه

- ‌الباب التاسع في الشروط

- ‌الفصل الأول في أدواته

- ‌الفصل الثاني في حقيقته

- ‌الفصل الثالث في حكمه

- ‌الباب العاشر في المطلق والمقيد

- ‌الباب الحادي عشر في دليل الخطاب وهو مفهوم المخالفة

- ‌الباب الثاني عشر في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول في معنى ألفاظه

- ‌الفصل الثاني فيما ليس مجملاً

- ‌الفصل الثالث في أقسامه

- ‌الفصل الرابع في حكمه

- ‌الفصل الخامس في ورقته

- ‌الفصل السادس في المبين

- ‌الباب الثالث عشر في فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الأول في دلالة فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني في اتباعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث في تأسيه عليه الصلاة والسلام

- ‌الباب الرابع عشر في النسخ

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الرابع فيما يتوهم أنه ناسخ

- ‌الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشر في الإجماع

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مستنده

- ‌الفصل الرابع في المجمعين

- ‌الفصل الخامس في المجمع عليه

- ‌الباب السادس عشر في الخبر

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في التواتر

- ‌الفصل الثالث في الطرق المحصلة للعلم غير التواتر وهي سبعة

- ‌الفصل الرابع في الدال على كذب الخبر وهو خمسة

- ‌الفصل الخامس في خبر الواحد

- ‌الفصل السادس في مستند الراوي

- ‌الفصل السابع في عدده

- ‌الفصل الثامن فيما اختلف فيه من الشروط

- ‌الفصل التاسع في كيفية الرواية

- ‌الفصل العاشر في مسائل شتى

- ‌الباب السابع عشر في القياس

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الدال على العلة

- ‌الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة

- ‌الفصل الخامس في تعدد العلل

- ‌الفصل السادس في أنواعها

- ‌الفصل السابع فيما يدخل القياس

- ‌الباب الثامن عشر في التعارض والترجيح

- ‌الفصل الأول هل يجوز تساوي الأمارتين

- ‌الفصل الثاني في الترجيح

- ‌الفصل الثالث في ترجيحات الأخبار

- ‌الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة

- ‌الفصل الخامس في ترجيح طرق العلة

- ‌الباب التاسع عشر في الاجتهاد

- ‌الفصل الأول في النظر

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث فيمن يتعين عليه الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في زمانه

- ‌الفصل الخامس في شرائطه

- ‌الفصل السادس في التصويب

- ‌الفصل السابع في نقض الاجتهاد

- ‌الفصل الثامن في الاستفتاء

- ‌الفصل التاسع فيمن يتعين عليه الاستفتاء

- ‌الباب العشرون في جمع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين

- ‌الفصل الأول في الأدلة

- ‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

الفصل: ‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

‌الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان

وهي إما نقل أو إسقاط أو قبض أو إقباض أو التزام أو خلط أو إنشاء ملك أو اختصا أو إذن أو إتلاف أو تأديب أو زجر.

النقل يقسم إلى ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض، أو في المنافع كالإجارة ويندرج تحتها المساقاة والقراض والمزارعة والجعالة، وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعمري والهبات والصدقات والكفارات والزكوات والغنيمة والمسروق من أموال الكفار. الإسقاط إما بعوض كالخلع والعفو على مال والكتابة وبيع العبد من نفسه والصلح عن الدين والتعزيز، فجميع هذه تسقط الثابت ولا تنقله للباذل، أو بغير عوض كالبراءة من الديون والقصاص أو التعزيز أو حد القذف والطلاق والعتاق وإيقاف المساجد، فجميع هذه تسقط الثابت ولا تنقله.

مع العوض يقع النقل مع أحد الجانبين في العوض والإسقاط من الجانب الآخر، وقد يقابل الإسقاط بالإسقاط عند تساوي الديون في باب المقاصة ولا نقل فيه، فإن ما كان لأحدهما من المطالبة لا ينتقل للآخر فيصير يطالب نفسه كما حصل النقل في العوض الذي كان للباذل فيه التصرف صار لمن بذل له وبهذا يمتاز لك النقل من الإسقاط، ولهذا قلنا الطلاق والعتاق إسقاط؛ لأن لمرأة لم ينتقل إليها إباحة وطء نفسها، ولا العبد إباحة بيع نفسه، بل سقط ما كان على المرأة من العصمة وما كان على العبد من الملك ولم يصر يملك نفسه، فالمقاصة سقوط قبالة سقوط كما أن البيع نقل قبالة نقل، أو يقال المقاصة مقابلة إسقاط إسقاط.

القبض وهو إما بإذن الشرع وحده كاللقطة والثوب إذا ألقنه الريح من دار إنسان ومال اللقيط وقبض المغصوب من الغاصب وأموال الغائبين وأموال بيت المال والمحجوز

عليهم والزكاوات، أو بإذن غير الشرع كقبض المبيع بإذن البائع والمستلم (1) والبيع الفاسد والرهون والهبات والصدقات والعواري والودائع، أو بغير إذن من الشرع ولا من غيره كالغصب.

(1) في نسخة الخط: والمسنام. وهو من يساوم السلعة للبيع.

ص: 455

يقبض المغصوب من الغاصب ولاة الأمور إجماعاً وفي قبض آحاد الناس خلاف بين العلماء، ويلحق بالغائبين المحبوسين الذين لا يلحقون بأموالهم لا يقدرون على حفظها فتحفظ لهم، وكذلك المودع إذا مات وترك الوديعة ورثته غائبون ومات الذي هي عنده فإن كان حياً فيحتمل أن يقال الإمام أولى من الذي هي تحت يده، لأن إذن الأوّل انقطع بموته وهو لم يوص للثاني وهذا هو ظاهر الفقه ويحتمل أن يستصحب حفظه لها حتى يوصلها إلى مستحقها. وقبض المضطر لما يدفع به ضرورته هو بإذن الشرع وكذلك قبض الإنسان إذا ظفر بجنس حقه أو بغير جنسه على الخلاف في ذلك والمذهب منعه، والقبض بغير إذن من الشرع قد يكون مع العلم كالغصب فيأثم أو بغير علم فيعتقد أنه ماله فلا يقال إن الشرع أذن له في قبضه بل غفا عنه بإسقاط الإثم، كما إذا وطئ أجنبية يظنها امرأته لا يقال إن الشارع أذن له بل عفا عنه، ولا حكم لله تعالى في فعل المخطئ والناسي ولا وطء الشبهات بل العفو فقط وكذلك قتل الخطأ، بل هذه الأفعال في حق هؤلاء كأفعال البهائم ليس فيها إذن ولا منع.

الأقباض كالمناولة في العروض والنقود وبالوزن والكيل في الموزونات والمكيلات وبالتمكين في العقار والأشجار، أو بالنية فقط كقبض الوالد وإقباضه لنفسه من نفسه لولده.

ومن الإقباض أن يكون للديون حق في يد رب الدين فيأمره بقبضه من يده لنفسه فهو إقباض بمجرد الإذن ويصير قبضهه له بالنية كقبض الأب من نفسه لنفسه مال ولده إذا اشتراه منه.

الالتزام بغير عوض كالنذور والضمان بالوجه أو بالمال الخلط إما بشائع وإما بين الأمثال وكلاهما شركة.

الشائع كنصيب من دار يقابض به نصيب آخر، فيصير قد خلط ملكه بملك من صارت الشركة معه والأمثال كالزيت الذي يخلط بمثله أو البر ونحوه، بخلاف خلط الغنم ونحوها فليست شركة بل خلط يوجب أحكاماً أخرى غير الشركة.

إنشاء الأملاك في غير مملوك كإرهاق الكفار وإحياء الموات والاصطياد والحيازة في الحشيش ونحوه.

ص: 456

ومن ذلك حيازة المعادن والجواهر من البحر وغيرها.

الاختصاص بالمنافع كإقطاع والسبق إلى المباحات ومقاعد الأسواق ولمساجد ومواضع النسك كالمطاف ولمسعى وعرفة ومزدلفة ومنى ومرعى الجمار والمدارس والربط والأوقاف.

يلحق بذلك الاختصاص بالحانات المسبلة في الطرقات والاختصاص بالكلاب التي للصيد وجلد الميتة فإنا وإن منعنا بيع الكلب وجلد الميتة فإنا نمنع من أخذه ممن هو بيده وكذلك الأرواث وإن منعنا بيعها فإنا نمنع من أخذها ممن حازها، وإن قلنا بالاختصاص ببيوت المدارس والخوانق فمعناه أن لهم أن ينتفعوا لا أنهم ملكوا تلك المنافع فلذلك له أن يسكن وليس له أن يؤجر ولا يسكن غيره وممن لم يقم بشرط الواقع فإن بذلك المنفعة للغير بعوض أو بغير عوض فرع ملكها وهو ليس بحاصل، بل له أن ينتفع بنفسه إذا قام بشرطها فقط دون أن ينقل المنفعة لغيره.

الإذن إما في الأعيان كالصياغات أو في المنائح أو في المنافع كالعواري والاصطناع في الحلق والحجامة، أو في التصرف كالتوكيل والإبضاع.

الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذن له في تناوله، واشترط بعضهم الإذن بالقول وهو بعيد قياساً على البيع وله أن يأكل بنفسه وليس أن يبيع ولا مقدار حاجته فلا يتعدى موجب الإذن؛ لأن استصحاب الملك السابق بحسب الإمكان، ونقل عن الشافعية خلاف في الزمن الذي يحصل به الملك للضيف هل هو بالتقديم أو بالازدراد ولا معنى للقول بالازدراد لأن لملك هو إذن الشارع في التصرف وبعد الازدراد انقطع ذلك، بل مقتضى الفقه أن يقال لا ملك هنا البتة بل غذن في أن يتناول بأكله مقدار حاجته، وألحق بذلك ما دلت العادة على الإذن فيه من طعام الهر ونحو ذلك فالعادة كالقول في الإذن فكلما دلت العادة عليه فهو كالمصرح به في هذا وفي غيره، وكذلك إن كتب الرسائل التي تسير للناس تلك الأوراق كانت على ملك مرسلها، وذلك الغزالي أنها بعد الإرسال يحتمل أن يكون انتقلت إلى ملك المرسل إليه ويحتمل أن يقال إنه لم يحصل فيها إلاّ إسقاط الملك السابق فقط وبقيت بعد تحصيل المقصود منها مباحة للناس أجمعين ما لم

ص: 457

يمكن فيها سر وما يحافظ عليه فإن كان كذلك فقد تدل العادة على رده لمرسله بعد الوقوف عليه، وقد تدل على تحفظ الثاني به من غير رد، وقد تدل العادة على تمليك الثاني لتلك الرقعة كالتوقيع التي يكتبها

الخلفاء والملوك لتشريف المكتوب غليه فإنَّها تبقى عند الأعقاب تذكيراً بذلك الشرف وعظم المنزلة، فكل ما دلت عليه العادة من ذلك اتبع وكان كالمنطوق، والمنائج الشاة تعطى لمن يأكل لبها مع بقائها على ملك ربها والأفقار الإذن في ركوب البعير والإسكان الإذن في سكنى الدار والعمرى إسكانه عمره والعرية هبة ثمرة النخل.

الإتلاف إما للإصلاح في الأجساد والأرواح كالأطعمة والأدوية والذبائح وقطع الأعضاء المتآكلة أو المدفع كقتل الصوال والمؤذى من الحيوان، أو لتعظيم الله كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم وإفساد الصلبان، أو لتعظيم الكلمة كقتال البغاة أو المزجر كرجم الزنا وقتل الجناة.

البغاة هم الذين يقاتلون بالتأويل من أهل الإسلام، سموا بغاة إما لبغيهم أو لأنهم يبغون الحق على زعمهم، وكان قتالهم للكلمة عنهم فرقوها بخروجهم عن الطاعة ومن ذلك أعني القتال للإتلاف قتال الظلمة لدفع ظلمهم وحسم مادة فسادهم وتخريب ديارهم وقطع أشجارهم وقتل دوابهم إذ لم يمكن دفعهم إلا بذلك ومن ذلك قتل من كان دأبه أذية المسلمين طبعاً له وذلك متكرر منه لا لعذر وعظم ضرره وفساده في الأرض ولم يمكن دفعه إلاّ بقتله قتل بأيسر الطرق المزهقة لروحه وكذلك من طلق امرأته ثلاثاً وكان يهجم على الزنا بها فإن لها مدافعته بكل طريق ولو لم تقدر إلاّ بقتله قتلته بأيسر الطرق في ذلك وكذلك إتلاف ما يعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي.

فائدة: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهر المؤذي هل يجوز أم لا فكتب رحمه الله عليه وأنا حاضر إذا خرجت أذيته عن عادة القطط وتكرر ذلك منه قتل؛ فاحترز بالقيد الأوّل عما هو في طبع الهر من ألك اللحم إذا ترك سائباً أو عليه شيء يمكن رفعه للهر فإذا رفعه وأكله لا يقتل ولو تكرر ذلك منه لأنه طبع، واحترز بالقيد الثاني من أن يكون ذلك منه على وجه القلة فإن ذلك لا يوجب قتله إنّما يكون في المأيوس من صلاحه واستصلاحه من الآدميين والبهائم.

ص: 458

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا أذت الهرة وقصد قتلها فلا تعذب ولا تخنق بل تذبح بموسي حادة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» ومن هذا الباب مسألة السفن وما يطرح منها خوف الغرق على المال أو النفس فإنه إتلاف لصون النفس والمال.

مسألة: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحد لا يرجى هل يذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟ الذي رأيته المنع إلاّ أن يكون مِمّا يذكى لأخذ جلده كالسباع. وأجمع الناس على منع ذلك في حق الآدمي، وإن اشتد ألمه واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن الإهانة بالذبح فلا يتعدى ذلك إلى غيره.

التأديب والزجر إما مقدر كالحدود أو غير مقدر كالتعزير وهو مع الإثم في المكلفين أو بدونه في الصبيان والمجانين والدواب.

فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها لتنشأ له الفروق ولمدارك في الفروع.

يلحق بالتأديب تأديب الآباء والأمهات للبنين والبنات والسادات للعبيد والإماء بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراط وكذلك تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلكن وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول لا يجوز العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك فالزيادة مفسدة بغير مصلحة فتحرم حتى قال إمام الحرمين إذا كانت العقوبة المناسبة لتلك الجناية لا تأثر في استصلاحه على تلك المفسدة فلا يحل أن يزجر أصلاً أما بالمرتبة فلعدم الفائدة وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له فيحرم الجميع حتى يتأتى استصلاحه بما يجوز أن يترتب على تلك الجناية.

فهذه فوائد جليلة وقواعد جميلة نفع الله بها واضعها وكاتبها وسامعها وختم لنا بخير أجمعين في القول والعلم بمنِّه وكرمِه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وهذا آخر شرح الكتاب المسمى بتنقيح الفصول في اختصار المحصول، نفع الله به المسلمين إنه على كلّ شيء قدير.

ص: 459

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.

وكان الفراغ من تأليفه يوم الاثنين لتسع ليال مضت من شهر شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة.

يقول العبد الذليل الفقير إلى رحمة ربه العزيز الجليل طه عبد الرؤوف سعد.

وبعد: فلقد تم بعناية الله وحسن توفيقه طبع هذا الكتاب الجليل والمؤلف الخطير الذي يعتبر على الرغم من صغر حجمه نسبياً من أحسن الكتب التي كتبت في هذا الفن العظيم، فن أصول الفقه.

والله أرجو أن ينتفع قارؤوه بما فيه وأن يثيبني منه فضلاً من عنده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

وصلى الله على أشرف خلقه سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع طريقه. . . آمين.

ص: 460