الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتضح له ذلك فلا يحل له الاستفتاء لأن دين الله تعالى لا يؤخذ على غير أهله، قال الله تعالى:«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (1) وقد قال تعالى: «فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون» (2) فتعين أهل الذكر بالنطق يقتضي بالمفهوم تحريم سؤال غيرهم، والتخيير والسقوط عند استواء المفتين، فقد قيل بهما في الأمارتين إذا استويا فمذهب القاضي والجمهور التخيير، ومذهب بعض الفقهاء السقوط.
وجه التخيير عند الرجحان في العلم والاستواء في الدين: أن تقليد الأعلم غير واجب على المشهور وغاية هذا أن يكون أعلم فيتخير المستفتي.
حجة تقديم الأعلم: أن المقدم في كلّ موطن من مواطن الشريعة من هو أقوم بمصالح ذلك الموطن؛ فيقدم في الحروب من هو أعلم بمكايد الحروب وسياسة الجيوش، وفي القضاء من هو أعلم بالتفطن بحجاج الخصوم، ولأمانة الحكم من أعلم بتنمية الأموال وضبطها وأحوال الأيتام في مصالحها. ولذلك قدم في الصلاة الفقيه على القارئ لأن الفقيه أقوم بمصالح الصلاة في سهوها وعوارضها، وكذلك الفتوى الأعلم أخص بها من الدَّيِّن.
الفصل التاسع فيمن يتعين عليه الاستفتاء
الذي تنزل به الواقعة إن كان عامياً وجب عليه الاستفتاء، وإن كان عالماً لم يبلغ درجة الاجتهاد ال فالأقرب أنه يجوز له الاستفتاء وإن بلغ درجة الاجتهاد وكان قد اجتهد وغلب على ظنه حكم فقد اتفقوا على تعيينه في حقه، وإن كان لم يجتهد فأكثر أهل السنة على أنه لا يجوز له التقليد وهو مذهب مالك رحمه الله، وقال أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وسفيان الثوري يجوز مطلقاً، وقيل يجوز تقليد العالم للأعلم وهو قول محمد بن الحسن، وقيل يجوز فيما يخصه دون ما يفتى به، وقال ابن سريج إن ضاق وقته عن الاجتهاد جاز وإلا فلان فهذه خمسة أقوال. لنا قوله تعالى:«فاتقوا الله ما استطعتم» (3) ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهد
(1) 9 الزمر.
(2)
43 النحل.
(3)
16 التغابن.
ولا للعوام عند الجمهور لقوله تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم» (1) ولعظم الخطأ والخطر في جوانب الربوبيةن بخلاف الفروع لأنه ربما كفر في الألو ويثاب في الثاني جزماً.
العامي ليس له أهلية فيتعين أن يقلد كما في القبلة، والعالم الذي لم يبلغ درجة
الاجتهاد احتمالات الخطأ في حقه موجودة غير أنها أقل من العامي، فهذا وجه التردد، وكما اتفقوا على تعيين الحكم في حق المجتهد فكذلك من قلده، ومعناه لو فرض موصوفاً بسببه وغلا فقد يجتهد في الغنم وزكاتها ولا غنم له أو في الجنايات ولا جناية له ولا عليه، بل قد يجتهد في أحكام الحيض والعدة وغيرها مِمّا لا يوصف بد منه، وقد تقدم أول الكتاب حجة منع التقليد على المجتهد مطلقاً أن الأصل أن لا يجوز الظن لقوله تعالى:«ولا تقف ما ليس لك به علم» (2) خالفناه في أعلى مراتب الظنون الناشئة عن الاجتهاد فيبقى ظن التقليد الضعيف على مقتضى الدليل.
حجة الجواز مطلقاً: أن غاية المجتهد في اجتهاده أن يحصل مثل ما حصله غيره وكما يجوز أن يكون الثاني أقوى يجوز أن يكون أضعف فيتساقطان فيبقى التساوي وأحد المثلين يقوم مقام الآخر، وبهذا يظهر تفنيد العالم للأعلم، لأن الظاهر أن اجتهاد الأعلم أقرب للصواب، وأما ما يخصصه فلأن الحاجة تدعو إليه بخلاف الفتيا فله أن يحيل المستفتي على غيرهن وكذلك إذا ضاق الوقت كانت حالة ضرورة بخلاف اتساعه، وأما أصول الدين فقد تقدم حكاية إمام الحرمين في الشامل أنه لم يخالف في ذلك إلاّ الحنابلةن وقول الإسفرايني أنه لم يخالف فيه إلاّ أهل الظاهر، مع أني سألت الحنابلة قالوا مشهور مذهبنا منع التقليد، والغزالي يميل إليه وجماعة، وقد حكى القاضي عياض في الشفاء ذلك عن غيره.
(1) 36 الإسراء.
(2)
36 الإسراء.