الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العاصي وبسط هذا في كتاب أصول الدين (1) .
ونقول الآن: إن الله تعالى علم أن الكافر لا يؤمن وعلم أن خلاف معلومه تعالى محال، وعلم أن الإرادة لا تتعلق بالمحال، فمن المحال إرادته تعالى الإيمان للكافر مع أنه مأمور به إجماعاً، فقد وجد الأمر بدون الإرادة.
وثالثها: أن هذه الإرادة التي هي إرادة المأمور به هل تفيد الصيغة أمرية فتصير أمراً، ومع غير هذه الإرادة الصيغة تكون تهديداً أو غيره، فقيل لهم هذه الصيغة التي هي الأمرية
إن قامت بحرف واحد كان ذلك الحرف وحده أمراً وإن قامت بأكثر من حرف قام الشيء الواحد بمحلين وهو محال.
الفصل الثاني ورود الأمر بعض الحظر
إن ورد بعض الحظر اقتضي الوجوب عند الباجي ومتقدمي أصحاب مالك وأصحاب الشافعي والإمام فخر الدين، خلافاً لبعض أصحابنا وأصحاب الشافعي في قولهم بالإباحة، كقوله تعالى «وإذا حللتم فاصطادوا» (2) بعد قوله تعالى «لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم» (3) لأن الأصل استعمال الصيغة في مسماها.
قال القاضي عبد الوهاب في الملخص الحظر قسمان تارة يرد معلقاً بغاية أو شرط
(1) الله تعالى يفعل ما يريد ويحم بما شاء. فالإرادة غير الأمر فهو يأمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه وينهاه عن الكفر ويريده منه. وإني أرى أن المعتزلة قد جانبهم الصواب في مسائل حينما قاسوا الله عز شأنه على البشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
(2)
2 المائدة.
(3)
95 المائدة.
أو علة، فإذا ورد الأمر بعد زوال ما علق الحظر عليه أفاد الإباحة عند جمهور أهل العلم، كقوله عليه الصلاة والسلام «كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الرأفة، (1) فكلوا منها وادخروا» وكالآية المتقدمة وكذلك «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض» (2) بعد قوله تعالى «وذروا البيع» (3) وتارة يرد غير معلل بعلة عارضة ولا معلق بشرط، فمذهب مالك وأصحابه أنه للإباحة ولذلك احتج على عدم لزوم الكتابة بقوله إنما ذلك توسعة من الله على عباده.
وقال أكثر أهل الأصول أنه يقتضي الوجوب، وأنه يحمل على ما كان يحمل عليه ابتداءً من وجوب أو ندب، إن قلنا إنه موضوع للندب، أو على الوقف إن قلنا بالوقف.
وحكى الإمام فخر الدين أن الحظر إذا ورد بعد الأمر هل يحمل على التحريم أم لا؟ قولان. وتقرير هذا الفصل أن الوجود والعدم مستويان بالنسبة إلى الفعل لأنه ممكن وكل ممكن يستوي الوجود والعدم بالنسبة إليه، والأمر يرجح جهة الوجود، والنهي يرجح جهة العدم؛ فالوجود والعدم بالنسبة إلى الفعل ككفتي الميزان، والأمر والنهي يرجحان، فإذا ورد الأمر ابتداءً ورد على استواء من الكفتين فيحصل به الرجحان في كفة الوجود، وإذا ورد بعد الحظر ورد بعد ترجيح كفة العدم بالنهي فيحص هو في الكفة الأخرى فيحصل التساوي فهذا هو الفرق بين حصول الأمر ابتداء وبعد الحظر عند من فرَّق، ومقتضي هذا الفرق أن يحمل النهي على الإباحة إذا ورد بعد الوجوب، فمنهم من طرد أصله في الفرق، ومنهم من ترك الفرق وفرَّق بين الأمر والنهي، فقال إن النهي يعتمد المفاسد والأمر يعتمد المصالح،
وعناية صاحب الشرع والعقلاء بدرء المفاسد أعظم من غايتهم بتحصيل المصالح، فلذلك راعينا هذا الفرق في الأمر وحملنا الأمر على الإباحة
(1) وفي رواية الدافة، وهي الجماعة التي تأتي من بلد إلى بلد.
(2)
10 الجمعة.
(3)
9 الجمعة.