الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخِرِ بَابِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ أَيْضًا. اهـ.
وَيُنْدَبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ كَيْفِيَّةَ كِتَابَتِهَا فَقَالَ هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ قَدْرَ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَقُولُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا وَشَتَّى وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ مَلَكَهُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لَا يَمْلِكُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ يَكْتُبُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَكَذَلِكَ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
شَرِكَةِ الْعَقْدِ
أَنَّهَا مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ وَتَقَبُّلٌ وَوُجُوهٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ رحمه الله أَنَّهَا سِتَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَرِكَةٌ بِالْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَكُلٌّ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِلشَّيْخَيْنِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوهِمُ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَا يَكُونَانِ مُفَاوَضَةً وَلَا عَنَانًا
قَوْلُهُ (: وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُفَاوَضَةُ الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُسَاوَاةُ. اهـ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَ الشَّرِكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ قَالَ قَائِلُهُمْ
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ
…
وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
أَيْ مُتَسَاوِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَذَلِكَ بِالْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُهُ الْآخَرُ فَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، قَوْلُهُ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ تَسَاهُلٌ إذْ هِيَ مَادَّةٌ أُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِقَاقُ، بَلْ هِيَ مِنْ التَّفْوِيضِ أَوْ مِنْ الْفَوْضِ الَّذِي مِنْهُ فَاضَ الْمَاءُ إذَا عَمَّ وَانْتَشَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْمُسَاوَاةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ فَإِنْ صَرَّحَا بِهَا ثَبَتَ أَحْكَامُهَا إقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ إتْمَامَ مَعْنَاهَا بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ شَارَكْتُك فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ، وَقَدْرِ مَا تَمْلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَاتِ وَالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَعَلَى أَنَّ كُلًّا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَمْرِ كُلِّ بَيْعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ خَاصَّةً أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْمُفَاوَضَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شَرِكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَالْمُرَادُ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَصَائِصِهَا، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ حُكْمَهَا صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَةِ فِي النِّصْفِ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا سُودٌ وَلِلْآخَرِ بِيضٌ جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي الْقِيمَةِ لَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ وَالْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالصَّبِيَّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، أَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ وَالصَّبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّيْنِ لَيْسَا أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا الْعَبْدَانِ وَإِنْ كَانَا أَهْلًا لَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَكِنْ يَتَفَاضَلَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ، وَقَضِيَّةُ الْمُفَاوَضَةِ صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِجَمِيعِ مَا لَزِمَ صَاحِبَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[شِرْكَة الْمُفَاوَضَة بَيْن وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ]
(قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي
ــ
[منحة الخالق]
يَجُوزَ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ كَيْفَ يَجُوزُ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ
[شَرِكَة الْعَقْدِ]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ اللَّفْظُ دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ. اهـ
الدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّفْعَوِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ لَا يَصِحُّ أَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: شَارَكَ الْمُسْلِمُ الْمُرْتَدَّ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا لَمْ تَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ أَسْلَمَ جَازَتْ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ الْعَنَانُ دُونَ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدَّةً صَحَّتْ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْمُفَاوَضَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَسَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ وَضَمَانِهَا كَالْمُسْلِمِ مَعَ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ لَهُمَا أَنَّهَا وَإِنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ لَكِنَّهَا أَدْوَنُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي بَعْضِ مَا يُسْتَفَادُ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ اشْتَرَتْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِهَا وَلَا يَقَرُّ عَلَى مِلْكِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ.
وَغَيْرُ الْمُتَقَرَّرِ لَا يُسَاوِي الْمُتَقَرَّرَ وَقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ يُطَالَبُ بِهِ الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمُعِينِ أَوْ الْأَجِيرِ، وَهَذَا الْمَجُوسِيُّ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ صَحَّ كَالْقَصَّارِ مَعَ الْخَيَّاطِ إذَا تَفَاوَضَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِمُعِينٍ أَوْ أَجِيرٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ أَصْلًا، وَقَالَا تَصِيرُ عَنَانًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى السِّرَاجِيَّةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ اهـ.
يَعْنِي: شَرِكَةَ عَنَانٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعَنَانِ كَانَ عَنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْعَنَانِ إذْ هُوَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا، وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا اهـ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّهَا عَامٌّ لَا غَيْرُ. اهـ. وَفِيهِ مَا عَلِمْت سَابِقًا.
(قَوْلُهُ: وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ يَقَعُ مُشْتَرَكًا إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا الصَّرْفُ مِنْ مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ضَرُورَةً، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ فَشَمِلَ شِرَاءَ بَيْتٍ لِلسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِئْجَارَ لِلسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبَ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْإِدَامُ وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَطَؤُهَا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ وَمَا مَعَهُ مِنْ الشَّرِكَةِ دُونَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ فَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ حَتَّى كَانَ لِبَائِعِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَيَرْجِعَ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا فِي الْجَارِيَةِ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَتَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفُ رَأْسِ مَالِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالنِّصْفِ لِنَفْسِهِ وَالنِّصْفِ لِصَاحِبِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ وَغَصْبٍ وَكَفَالَةٍ لَزِمَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُ كَفِيلٌ فَدَخَلَتْ تَحْتَ التِّجَارَةِ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ وَقِيمَتُهُ فِي الْفَاسِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَكًا أَوْ لِنَفْسِهِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَأُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَصْبِ مَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ فَيَدْخُلُ ضَمَانُ الِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ الْمَجْحُودَةِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ لَهُ تَمَلُّكَ الْأَصْلِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ.
وَأَمَّا لُزُومُ صَاحِبِهِ بِكَفَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ بِمَا يُؤَدِّي عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ يَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ وَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، أَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ إعَادَةٌ فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُفَاوَضَةً، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْرَاضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ وَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَعَنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ كَطَعَامِ أَهْلِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ التَّاجِرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَالْجَمْعُ تُجَّارٌ وَتِجَارٌ وَتَجْرٌ، وَتَجْرٌ كَرِجَالٍ وَعُمَّالٍ وَصَحْبٍ وَكُتُبٍ، وَقَدْ تَجَرَ تَجْرًا وَتِجَارَةً اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ كُلَّ دَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا آجَرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَبْدًا فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةَ الْآخَرِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ لِلْآخَرِ أَخْذَ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَبْدًا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ شَيْئًا لَهُ خَاصَّةً لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهُ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ فِي التِّجَارَةِ وَكَفِيلٌ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا فَأَمَّا إجَارَةُ عَبْدٍ لَهُ خَاصَّةً خَرَجَتْ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا آجَرَ عَبْدَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ نَقْدًا إلَّا إذَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَامْرَأَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ أَيْضًا إلَّا لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِمُعْتَدَّتِهِ الْمُبَانَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُقْبَلُ، وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ يَلْزَمُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةِ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا مِنْ شَرِيكِهِ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا لِنَفْسِهِ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِأَجْلٍ التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً لِيَطَأَهَا أَوْ طَعَامًا لِيَجْعَلَهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِالتِّجَارَةِ لَزِمَ الْآخَرَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ فِي صُورَةِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ فَيُقَالُ إلَّا إذَا كَانَ الدَّائِنُ الشَّرِيكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلُزُومِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الثَّوْبِ فَتَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ.