الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَطَعَ يَدَيْ آخَرَ وَرِجْلَيْ آخَرَ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَدَاءً لِحَقِّهِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَتَّى لِكُلِّ قِصَاصٍ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الرَّجُلُ مُمَثَّلًا بِهِ أَيْ مُثْلَةً ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ، وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ، وَالنَّصْرِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالٌ كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الرُّءُوسِ إذَا كَانَ فِيهِ غَيْظٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْ إفْرَاغُ قَلْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَمَلَ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ هَذَا رَأْسُ عَدُوِّك أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا فِرْعَوْنِي وَفِرْعَوْنُ أُمَّتِي كَانَ شَرُّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي أَعْظَمَ مِنْ شَرِّ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى وَأُمَّتِهِ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ.
[وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ فِي الْجِهَاد]
(قَوْلُهُ: وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) أَيْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، وَالْمَقْطُوعُ الْيَمِينِ، وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالرَّاهِبُ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ وَأَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مَقْتُولَةً قَالَ هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ كَانَ مَلِكًا فَقَدْ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى الْعِبَادِ وَلَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ شَامِلٌ لِلصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِقَابِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ السَّبْيُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُقْتَلُ الْمَعْتُوهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقْتَلُ، مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدُّوا الَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَقْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ، وَالْمُمَيِّزِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ: وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَنَقْتُلُ الْأَخْرَسَ، وَالْأَصَمَّ، وَالْمَقْطُوعَ الْيُسْرَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا نَقْتُلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَلَا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِهِمْ طَلَبًا لِلْمَالِ، وَإِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى حَمْلِ مَنْ لَا يَقْتُلُ وَإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَعْتُوهًا وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدًا وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُولَدُ لَهُمْ فَفِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُلَقِّحُ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا مَا كَانُوا مِمَّنْ لَا
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لَمْ نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَتَبِعَهُ أَخُوهُ.
(قَوْلُهُ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ) نَظَرَ فِيهِ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ مَا يُحْذَرُ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِنَا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يُقْتَلُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ وَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْآتِي قَرِيبًا فِي النَّهْرِ عَمَّا قَتَلَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَأَرَادَ بِهِمْ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَهَذَا كَمَا تَرَى يُغَايِرُ الْأَوَّلَ. اهـ.
كَلَامُ النَّهْرِ الْأَوَّلُ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الشرنبلالية لَكِنْ أَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ بِأَنْ وُجِدَ مِنْ الصَّبِيِّ الْقِتَالُ أَوْ الصِّيَاحُ فَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ أَوْ يُحَرِّضَانِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمَا وَبَعْدَمَا صَارَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتُلُوهُمَا، وَإِنْ قَتَلُوا غَيْرَ وَاحِدٍ. اهـ. فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ هَاهْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ هَاهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ
يُصِيبُونَ النِّسَاءَ كَذَلِكَ الْعَجُوزُ الَّذِي لَا يُرْجَى وَلَدُهَا، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخْرَجَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ إلَّا التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) أَيْ نُهِينَا عَنْ ابْتِدَاءِ أَبِيهِ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (قَوْلُهُ وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) أَيْ لِيَمْتَنِعَ الِابْنُ مِنْ إطْلَاقِهِ وَقَتْلِهِ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ يَشْغَلُهُ بِالْمُحَاوَلَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ أَوْ يَطْرَحَهُ مِنْ فَرَسِهِ وَيُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَتَلَ أَصْلِهِ الْمُشْرِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْأَبَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَأَجْدَادَهُ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ فَلَا يَبْتَدِئُهُمْ بِالْقَتْلِ وَخَرَجَ فَرْعُهُ، وَإِنْ سَفَلَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ ابْنِهِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَكَذَا أَخُوهُ وَخَالُهُ وَعَمُّهُ، وَالْمُشْرِكُونَ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدْنَا بِالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ يَكْرَهُ ابْتِدَاءَ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ
وَأَمَّا فِي الرَّجْمِ إذَا كَانَ الِابْنُ أَحَدَ الشُّهُودِ فَيَبْتَدِئُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بِأَنْ يَرْمِيَهُ مَثَلًا بِحَصَاةٍ.
(قَوْلُهُ: وَنُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ لَوْ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ أَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمَّنَ مَنْ أَمَّنُوهُ وَصَارَ فِي حُكْمِهِمْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَرَادَ بِالصُّلْحِ الْعَهْدَ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَرْوِيِّ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ فَشَمِلَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَعَكْسَهُ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ مَعْنًى وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ الْمَالِ فَبِالْمَالِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِمْ حَاجَةٌ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ يَصْرِفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ، وَالثَّانِي لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَلُحُوقِ الْمَذَلَّةِ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ لَوْ دَخَلَ الْمُوَادِعُونَ بَلْدَةً أُخْرَى لَا مُوَادَعَةَ مَعَهُمْ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَهَؤُلَاءِ آمِنُونَ لِبَقَاءِ الْأَمَانِ وَلَوْ أَسَرَ مِنْ الْمُوَادِعِينَ أَهْلَ دَارِ أُخْرَى فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُوَادَعَةِ بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَسِيرِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ ثُمَّ سَرَقَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ وَكَذَا إنْ أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَسَبَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الشِّرَاءُ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ السَّابِقَةَ كَافِيَةٌ فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ وَالْعِصْمَةِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْمَصَالِحِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مُوَادَعَةَ الْمُسْلِمِ أَهْلَ الْحَرْبِ جَائِزَةٌ كَإِعْطَائِهِ الْأَمَانَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ أَخَذَهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ أَمْضَاهَا وَأَخَذَ الْمَالَ وَإِلَّا أَبْطَلَهَا وَرَدَّ الْمَالَ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْبَعْضِ رَدَّ كُلَّ الْمَالِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ أَنَّ قَوْلَهُ {وَصَاحِبْهُمَا} [لقمان: 15] الْآيَةَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ فَتَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِابْنُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْأَبِ.
اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَادَعَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَقَبَضَ الْمَالَ كُلَّهُ ثُمَّ أَرَادَ الْإِمَامُ نَقْضَهَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثُّلُثَيْنِ لِتَفْرِيقِ الْعُقُودِ هُنَا بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ وَلَوْ وَادَعَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ إلَيْنَا وَفِيهَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دَخَلُوا تَحْتَ الْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ سَنَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ لَهُمْ ثُمَّ يُعْطُوهُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ جَازَ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ تَحْتَ الْأَمَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مُبْقِينَ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْرِ، فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ صَارُوا ذِمَّةً وَلَا يَسَعُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ صَارُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ وَنَنْبِذُ لَوْ خَيْرًا) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَلِأَنَّ
الْمَصْلَحَةَ
لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَارًا وَإِبْقَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مِلْكُهُمْ بَعْدَ عَمَلِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ، فَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ وَفِي الْمُغْرِبِ نَبَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ طَرَحَهُ وَرَمَى بِهِ نَبْذًا وَنَبَذَ الْعَهْدَ نَقَضَهُ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَرْحٌ لَهُ وَفِي النِّهَايَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إعْلَامُ نَقْضِ الْعَهْدِ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ النَّبْذَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يُكْتَفَى بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ كَالْحَجْرِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَهَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِنَا بِأَمَانٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ
(قَوْلُهُ: وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ أَطْلَقَ فِي خِيَانَةِ مَلِكِهِمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ذُو مَنَعَةٍ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ كَانَ نَقْضًا وَقَيَّدَ بِمَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ الْخَائِنِينَ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ، وَإِنْ أُخِذَ لَمْ يُرَدَّ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ وَلَا نَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَعْصُومَةٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الصُّلْحِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَلَا يَرُدُّهَا حَالَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ صُلْحِ الْمُرْتَدِّينَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ مِنْ السِّلَاحِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ فَدَخَلَ الْكُرَاعُ، وَالْحَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالْكُرَاعُ الْخَيْلُ وَدَخَلَ الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ كَافِرًا وَخَرَجَ الطَّعَامُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عليه السلام نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَلْيَقَ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَبْدَأْ أَهْلَ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَمِّيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَمَنْ تَلَقَّى الْقِصَّةَ وَذَكَرُوهَا.