الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَقَالَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِقْرَارِ، وَالْآخَرُ بِالْإِنْشَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ
قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةٍ بِزِنًا
حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ وَبَيَّنَّا مِنْ الْإِجْمَاعِ قَيَّدَ بِالْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ عَجْزِ الْقَاذِفِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا، فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا فَأَغْنَى ذِكْرُ الْإِحْصَانِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا فَرَفَعَهُ الْمَقْذُوفُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ الْقَاذِفُ: عِنْدِي شُهُودٌ عُدُولٌ عَلَى مَا قُلْت وَأَقَامَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَهَلْ يُحَدُّ الْمَقْذُوفُ إنْ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا قَبْلَ الْقَذْفِ إنْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ حُدَّ فَكَذَلِكَ هُنَا اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ قَذْفًا شَرْعًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا حَدَّ بِقَوْلِهِ وَطِئَكِ فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ جَامَعَكِ حَرَامًا وَأَطْلَقَ فِي الزِّنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا قَالَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِي أَوْ أَنْت أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ بِالتَّاءِ لَا يُحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَكُونُ قَاذِفًا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي يَجِبُ الْحَدُّ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ وَهُوَ حَذْفُ آخِرِ الْكَلِمَةِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا أَوْ قَالَ: كُلُّكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا أَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَحَدُكُمَا زَانٍ فَقِيلَ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ نَعَمْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَدِّقِ وَلَوْ قَالَ لَهُ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا وَلَوْ أَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا رَأَيْنَا فُلَانًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ ثُمَّ قَالُوا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مُتَّصِلًا لَا حَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ وَلَا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَطَعُوا الْكَلَامَ ثُمَّ قَالُوا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَانَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَوْ قَالَ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قُلْت لَا حَدَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْت تَزْنِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ مَا رَأَيْت زَانِيَةً خَيْرًا مِنْك لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك كَانَ قَذْفًا وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَى فَخِذُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: زَنَى فَرْجُك كَانَ قَاذِفًا وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُخْبِرْت أَنَّك زَانٍ أَوْ قَالَ أُشْهِدْت عَلَى ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك يَكُونُ قَاذِفًا لَهُمَا وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك شَاهِدٌ لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَيْضًا لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقُولَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ وَقُلْ لَهُ يَا زَانِي فَلَا حَدَّ عَلَى الْآمِرِ وَهَلْ يُحَدُّ الْمَأْمُورُ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك يَا زَانِي لَمْ يُحَدَّ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَهَذَا مَعَك قَالَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْفٍ لِلثَّانِي وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَهَذَا مَعَك كَانَ قَاذِفًا لَهُمَا.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَهَذَا وَلَمْ يَقُلْ مَعَك فَهُوَ قَاذِفٌ لِلثَّانِي رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَلَوْ قَالَ زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ زَنَيْت بِنَاقَةٍ بِذَلِكَ لَك أَوْ بِدِرْهَمٍ بِذَلِكَ لَك فِي الزِّنَا، فَإِنْ قِيلَ بَلْ مَعْنَى كَلَامِهِ زَنَيْت بِدِرْهَمٍ اُسْتُؤْجِرْت عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَالْأَبْدَالَ قِيلَ لَهُ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمَلٌ فَيَتَقَابَلُ الْمُحْتَمَلَانِ وَيَبْقَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِقْرَارِ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ يُفِيدُ قَبُولَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَلَامُهُ فِي النَّهْرِ يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَنَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَذْفِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِمْ.
[قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةٍ بِزِنًا]
(قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) كَذَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا قَالَ: أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ الزَّانِي أَوْ مِنْ فُلَانٍ مِثْلَ أَزَنَى النَّاسِ وَأَزْنَى مِنِّي تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي النَّهْرِ قَالَ وَفِي أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ مِنْ فُلَانٍ خِلَافٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذْ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَجَزَمَ قَاضِي خَانْ بِوُجُوبِهِ بِهِ وَكَذَا فِي أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَجَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ. اهـ.
وَأَوْضَحَ الْمُرَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْت أَزَنَى النَّاسِ أَنْت أَزَنَى مِنْ الزُّنَاةِ أَنْت أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ الزَّانِي أَنْت أَزَنَى فُلَانٍ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ الْحَدُّ وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ
(قَوْلُهُ زَنَيْت فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ بِأَمَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ وَيَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قَالَ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى ضَبْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا لُوطِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى اللِّوَاطَةُ صَرِيحًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يُحَدُّ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْحَدِّ حَتَّى لَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلُ أَنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِطَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَلَمَّا كَانَ الطَّلَبُ ثُمَّ الْحَدُّ لِدَفْعِ الْعَارِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ، وَالْحَشْوِ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ.
وَأَمَّا الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ فَيَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ كُلُّهَا إلَّا الْإِزَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَشْوِ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ كَالْمُضَرَّبِ بِالْقُطْنِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ مِنْ إيصَالِ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا.
(قَوْلُهُ: وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامَ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَقَذْفُ الْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتِبًا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عَلَى قَاذِفِهِ لَا الْحَدَّ وَخَرَجَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ
ــ
[منحة الخالق]
بِنِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى فِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ ذَكَرِهِ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ إلَى آخِرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ: هَذَا الرَّجُلُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أَخَذَ الْمَالَ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت بِدَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَنْ لَا يُحَدَّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ بِدَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى قَوْلِهِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ بِأَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ إلَّا فِي الْأَمَةِ خَاصَّةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) زَادَ فِي النَّهْرِ فِي قَذْفِ مَنْ لَا يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ الْخَصِيَّ وَالْمَمْلُوكَ لِلْقَاذِفِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْخُنْثَى الَّذِي بَلَغَ مُشْكِلًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَلِكَ إذَا قَذَفَ الرَّتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْتَفٍ وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عَذْرَاءَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُتَصَوَّرٌ. اهـ.
فَكَانَ الصَّوَابُ تَرْكَ الْخَصِيِّ وَكَذَا الْمَمْلُوكُ لِمَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الَّذِي سَيَأْتِي مَا إذَا قَذَفَ أُمَّ مَمْلُوكِهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَقَذْفُهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكَهُ أَوْ مُلُوكَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ أَيْضًا تَعْلِيلَهُ بِمَسْأَلَةِ الْخُنْثَى بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ الْبَاتِّ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ. اهـ.
قُلْت بَلْ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بَشَّيْنِ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ قُلْت وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِقَذْفِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ كُلٍّ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ وَيَأْتِيَهُ غَيْرُهُ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَذَفَ خُنْثَى بَلَغَ مُشْكِلًا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ لَمْ يُحَدَّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَ النَّهْرِ حَمْلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ الْخُنْثَى الْمَذْكُورَ وَدَخَلَ فَقَذَفَهُ آخَرُ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِكَوْنِ نِكَاحِهِ مَوْقُوفًا لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ) قَالَ فِي الشرنبلالية فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا
وَعَلَى حَدِّ الْعَبِيدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اهـ.
وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ.
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَهِيَ فِي الْحَالِ مُسْلِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ اللِّعَانُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ وَهِيَ فِي الْحَالِ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: قَذَفْتُك وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ وَأَنْتِ أَمَةٌ اهـ.
وَخَرَجَ غَيْرُ الْعَفِيفِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فَالْقَاذِفُ صَادِقٌ فَالشَّرَائِطُ الْخَمْسَةُ لِلْإِحْصَانِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَفِي الْقُنْيَةِ قُذِفَ وَهُوَ مُصْلِحٌ ظَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فِي السِّرِّ يُعْذَرُ فِي مُطَالَبَةِ الْقَاذِفِ بِالْحَدِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ رضي الله عنه فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فِي السِّرِّ إِنَّهُ مِنْ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَكَيْفَ يُعْذَرُ اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْعِفَّةَ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ حُدَّ قَاذِفُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ثُمَّ كُلُّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ حَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَأَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ وَطِئَ أَمَته فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي أَمَتِهِ صَحِيحٌ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا فَأَحْبَلَهَا أَوْ لَمْ يُحْبِلْهَا، فَإِنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَنْ دَرَأْت الْحَدَّ عَنْهُ وَجَعَلْت عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَأُثْبِتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً لِرَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَخَلَ بِهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهَا أُخْتُهُ حُدَّ قَاذِفُهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ سَمَّوْهَا وَوَصَفُوا الزِّنَا فَأَثْبَتُوهُ، وَالْمَرْأَةُ غَائِبَةٌ فَرُجِمَ الرَّجُلُ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا قَذَفَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْغَائِبَةَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي الَّذِي قَضَى عَلَى الرَّجُلِ بِالرَّجْمِ قَالَ الْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا لَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَحُدَّ قَاذِفَهَا ثُمَّ قَالَ وَكَمَا يَزُولُ الْإِحْصَانُ بِالزِّنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَزُولُ بِالزِّنَا مِنْ وَجْهٍ فَكُلُّ وَطْءٍ حَرُمَ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ زِنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكُلُّ وَطْءٍ حَرُمَ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِعَارِضٍ كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَا يَزُولُ بِهِ الْإِحْصَانُ.
وَإِذَا وَطِئَ أَمَته الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَزُولُ إحْصَانُهُ لِقِيَامِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ بِالْإِجْمَاعِ
ــ
[منحة الخالق]
وَأَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ اللِّعَانِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَلَوْ أَسْنَدَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ مَعْهُودٌ وَهِيَ الْآنَ أَهْلٌ فَلَا لِعَانَ بِخِلَافِ وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ تَلَاعَنَا لِاقْتِصَارِهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالُ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَذْفِ حَالُ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ لَزِمَ أَنْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت بِك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فِي الصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِقَذْفٍ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْهَا إذْ ذَاكَ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ إحْصَانُهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْكَافِرَةِ فَيُحَدُّ لِتَصَوُّرِهِ وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ فَلَمْ يَدْخُلْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصْلِ. اهـ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ لَمْ يُحَدَّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ: قَالَ رضي الله عنه فِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ رَفْعَ الْعَارِ مُجَوِّزٌ لَا مُلْزِمٌ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَأُجْبِرَ عَلَى الدَّعْوَى وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. اهـ.
قُلْت بَلْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ وَحَسَنٌ أَنْ لَا يُرْفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْقَاضِي وَلَا يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ وَحَسَنٌ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لِلْمَقْذُوفِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا أَوْ دَعْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْعِفَّةُ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ) نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْوَطْءِ الْحَرَامِ الَّذِي لَيْسَ بِزِنًا الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْوَطْء بِشُبْهَةٍ مَعَ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْعِفَّةُ عَنْهُمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَرَامَ لِغَيْرِهِ وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي آخِرَ الْمَقُولَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يَدْرِ أَبُو وَلَدِهَا إلَخْ فَرَاجِعْهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا إلَخْ) أَقُولُ: قَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَوَّلَ بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ أَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ.