الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِدُونِ ضَمَانِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلِلْآخَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَكَا عَنَانًا وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ جَارِيَةً، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّنَانِيرُ فَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَرِبْحُهَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ وَخُمُسَانِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَالَ شِرَائِهَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ قَائِمَةً وَبِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ لَا تُنْتَقَضُ الشَّرِكَةُ وَالرِّبْحُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ وَمِقْدَارُ رَأْسِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ خُمُسَانِ لِأَحَدِهِمَا وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْآخَرِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْجَارِيَةِ، وَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ رَجَعَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ عَلَيْهِ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ بِهَا غُلَامًا وَالْآخَرُ بِأَلْفِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَا وَهَلَكَا يَهْلِكَانِ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حِينَمَا اشْتَرَى كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ كَانَ فَاسِدًا. اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ لَا الشَّرِكَةُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ خواهر زاده فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ، وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحَ عَشَرَةٍ أَوْ فِي الشَّرِكَةِ تَبْطُلُ لَا؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ تَنْتَفِي بِهِ الشَّرِكَةُ وَعَسَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ.
[لِكُلِّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ]
(قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ وَيُودِعَ وَيُضَارِبَ وَيُوَكِّلَ) بَيَانٌ لِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَهُ أَمَّا الْبِضَاعَةُ فَلِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَاضِعُ الشَّرِيكُ وَالْجَمْعُ بَضْعٌ مِنْ بَضَعَ كَمَنَعَ بُضُوعًا اهـ.
وَالْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِآخَرَ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ فَلِكَوْنِهِ مُعْتَادًا بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَتَّجِرَ لَهُ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ، وَأَمَّا الْإِيدَاعُ فَجَوَازُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْفَاظٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَلِكَوْنِهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَلِذَا قَالَ وَيُضَارِبُ وَلَمْ يَقُلْ وَيُشَارِكُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طَلَبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِ الشَّرِيكِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ فَمِنْهَا الْعَارِيَّةُ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِنْ أَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا
ــ
[منحة الخالق]
بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ خُصُوصًا فَالْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ فَالْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ تَأَمَّلْ
[مَا تَبْطُلُ بِهِ شَرِكَة الْعَنَان]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ) لَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ وَرَقَةٍ.
أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا. اهـ.
وَمِنْهَا الرَّهْنُ فَإِنْ كَانَ شَرِيكَ عَنَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَرْهَنُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا لَا يَرْتَهِنُ رَهْنًا بِدَيْنٍ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا إذَا وَلِيَ عَقْدَهُ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُوَلِّيهِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِمَنْ وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا نِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يُضَارِبُ مَعْنَاهُ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً.
وَأَمَّا أَخْذُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَفِيهِ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْت وَمِنْهَا تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا الدَّيْنَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَجَّلَهُ الْعَاقِدُ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ وَلَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَجَّلَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِمُوَكِّلِهِ عِنْدَهُمَا وَهُنَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُنَا لَوْ أَقَالَ الْعَقْدَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ، فَلَمَّا مَلَكَ إنْشَاءَ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَأَنْ يَمْلِكَ التَّأْجِيلَ فِيهِ أَوْلَى، وَلَوْ أَجَّلَ غَيْرُ الْعَاقِدِ أَوْ عَقَدَا جَمِيعًا فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ، وَلَوْ مُفَاوِضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إعَادَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَهِيَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ قِيَاسًا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَارِيَّةٌ وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا فَلِذَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ السَّفَرَ بِالْمَالِ هُوَ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُودِعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ مَا لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ فَيَجُوزُ لَهُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ دُونَ شَرِيكِ الْعَنَانِ وَلَا يَجُوزُ لِلْكُلِّ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقُ عَلَى الْمَالِ وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ وَأَكْلُ طَعَامِهِ وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآكِلِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ.
وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْفَاكِهَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَأَشْبَاهِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُفَاوِضُ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَنَهَاهُ الْآخَرُ صَحَّ نَهْيُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ حَتَّى اشْتَرَى يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا آخَرَ عَنَانًا جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ أَخَصُّ وَأَدْوَنُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ مُفَاوَضَةً جَازَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَبِدُونِ إذْنِهِ تَنْعَقِدُ عَنَانًا.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ تَبَيَّنَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْهَدِيَّةِ بِالْمَأْكُولِ لَيْلًا، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمُفَاوِضِ فَاتِّفَاقِيٌّ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالشَّرِيكِ لَكَانَ أَوْلَى قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ.
أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ الشَّرِيكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَإِنْ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ الشَّرِكَةِ فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِعْ جَازَتْ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ جَازَ، وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ بِلَا عَيْبٍ جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ جَازَ عَلَيْهِمَا.
وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالسَّفَرِ وَالْخَلْطِ بِمَالِهِ وَالشَّرِكَةِ بِالْغَيْرِ لَا الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ قَبْضُ الثَّمَنِ.
وَكَذَا دَيْنٌ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ بَرِئَ مِنْ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الدَّائِنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ أَيْضًا. اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَيْعُ الْمُفَاوِضِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ إجْمَاعًا أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا بَاعَ صَاحِبُهُ وَقَبَضَ الَّذِي بَاعَ وَتَوْكِيلُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَارَ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِتَقَاضِي ثَمَنِ مَا بَاعَ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى نَيْسَابُورَ وَلَا تُجَاوِزْ فَجَاوَزَ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَمَا اشْتَرَى الشَّرِيكُ الثَّالِثُ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَالًا لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرْفِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا تَلْزَمُهُ خَاصَّةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ فَيَضُرُّهَا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ عَنْ الْمُحِيطِ زِيَادَةٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُشْتَرَكًا تَضَمَّنَ إيجَابَ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ إلَخْ) أَيْ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ الثَّمَنَ أَيْ أَجَّلَهُ عَلَيْهِ لِلْعَيْبِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جَازَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ حَطَّ الثَّمَنَ أَوْ وَهَبَ بَعْضَ الثَّمَنِ. اهـ.
فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ بِقَرِينَةِ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَنْ نَصِيبِهِ اهـ.
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ عَيْبٍ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ، ثُمَّ هَذَا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ كَمَا سَيَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ مَالًا إلَخْ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَا اسْتَقْرَضَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهَا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا طُولِبَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَوَّلِ بَابِ الشَّرِكَةِ: تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ فَلَمَّا أَرَادَا الْقِسْمَةَ قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَقْرَضْت مِائَةَ دِينَارٍ وَآخُذُ عِوَضَهَا إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ اهـ.
وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ مَا نَصُّهُ أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَمِينٌ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقُولُ: لَوْ قَالَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِي كَذَا يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ فِيمَا بِيَدِهِ أَنَّهُ لَهُ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ تَأَمَّلْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَبِهِ أَفْتَيْت اهـ. كَلَامُهُ.
لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ وَتَعْلِيلِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ
اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ وُهِبَ غَيْرُ الْبَائِعِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إجْمَاعًا
قَوْلُهُ (: وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ) أَيْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَبِالثَّانِي الرَّهْنُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى شَرِيكِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي الْوَكَالَةِ يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ادَّعَى الْأَمِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ الدَّفْعَ فِي الْحَيَاةِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّحْلِيفِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ دَفْعَ الْمَالِ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ الْمَالِ يَحْلِفُ الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْمَالُ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى خُوَارِزْمَ وَلَا تَتَجَاوَزْ عَنْهُ صَحَّ فَلَوْ جَاوَزَ عَنْهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالنَّقْدِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَكَا عَنَانًا عَلَى أَنْ يَبِيعَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً صَحَّ. اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ أَفْتَيْت فِيهِمَا الْأُولَى نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَ فَأَفْتَيْت بِنَفَاذِهِ فِي حِصَّتِهِ وَبِتَوَقُّفِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ أَجَازَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ فَخَرَجَ، ثُمَّ رَبِحَ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ غَاصِبٌ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالْإِخْرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. وَالثَّانِيَةُ السُّلْطَانُ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَزْوِ وَغَنِمُوا وَأَوْدَعَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْغَانِمِينَ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثَةُ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَوْدَعَ غَيْرَهُ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
إذَا اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ وَالْحُكْمُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ الصَّغِيرَةِ بِخَطِّ مُلَّا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ أَمِينِ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَاجَعْت الظَّهِيرِيَّةَ فَرَأَيْته قَالَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ قَالَ دَفَعْته إلَيْهِ صُدِّقَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لَكِنْ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ، وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ فِيمَا يَحْكِي بِنَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الدَّيْنَ فِيمَا يُحْكَى يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ ضَمَانُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ فَلَا يُصَدَّقُ. اهـ.
فَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي دَعْوَى الْقَبْضِ وَإِنْكَارِ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ لَا فِي دَعْوَى الدَّفْعِ فِي الدَّفْعِ إذْ لَوْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ فِي الْقَبْضِ وَأَنْكَرَتْ الدَّفْعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى فَتَصَرَّفَ فِي الْعِبَارَةِ فَأَفْسَدَهُ.
(قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ) فِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ. اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا إذْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ.
(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدَ) التَّقْيِيدُ بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَخْرَجَ غَيْرَهُ كَمُتَوَلِّي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي حَاشِيَةِ