الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَضْمَنُ وَأَحَالَهُ إلَى شَرِكَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَعْضِ الْفَتَاوَى ضَعِيفٌ وَأَنَّ الشَّرِيكَ ضَامِنٌ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ عَنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً.
. قَوْلُهُ (وَتَقَبُّلٌ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٌ بَيَانٌ لِشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّقَبُّلَ وَالْوُجُوهَ غَيْرُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ قَدْ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعَنَانًا فَالْعَنَانُ مَا يَكُونُ فِي تِجَارَةٍ خَاصَّةٍ، وَالْمُفَاوَضَةُ مَا تَكُونُ فِي كُلِّ التِّجَارَاتِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ فَائِدَةِ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ قَالُوا وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لَهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَا يَتَفَاوَتُ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ صَانِعَانِ، وَلَوْ حُكْمًا اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا حَلَالًا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَكَ مُعَلِّمَانِ لِحِفْظِ الصِّبْيَانِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ وَالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمَا إذَا كَانَ لَهُ آلَةُ الْقِصَارَةِ وَلِآخَرَ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي بَيْتِ هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَسَدَتْ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَدَاةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْجَمَّالِينَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ أَحَدُهُمْ الْجُوَالِقَ وَيَأْخُذَ الثَّانِي فَمَهَا وَيَحْمِلَهَا عَلَى الثَّالِثِ فَيَنْقُلَهُ إلَى بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، قَالَ رضي الله عنه فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْحَمَّالِينَ صَحِيحَةٌ إذَا اشْتَرَكَ الْحَمَّالُونَ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي تَقَبُّلِ كُتُبِ الْحُجَّاجِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ جَائِزَةٌ. اهـ.
وَقُلْنَا: وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي صَنْعَةٍ وَلَمْ يُحْسِنْهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْعَمَلِ حَلَالًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَمَلٍ حَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ. اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِي عَمَلِهِمْ وَلَا شَرِكَةُ الْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالزَّمْزَمَةِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا شَرِكَةُ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالسُّؤَالِ لَا يَصِحُّ وَلِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ الْقُرَّاءِ اشْتَرَكُوا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ وَالْأَلْحَانِ فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَكُوا فِيهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمْ اهـ.
وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَعْمَلَ الْآخَرُ أَوْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَقْطَعَهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْآخَرِ لِلْخِيَاطَةِ بِالنِّصْفِ جَازَ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لَكِنْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَوْ تَقَبَّلَ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السُّكُوتِ جَعَلَ إثْبَاتَهَا اقْتِضَاءً وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ النَّفْيِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا مَا إذَا شَرَطَاهُ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا
ــ
[منحة الخالق]
الْأَشْبَاهِ فِي الْوَدِيعَةِ.
[اشْتَرَكَ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا]
(قَوْلُهُ: قَالَ رضي الله عنه فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الْوَضِيعَةِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ وَتَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَكْثَرِ الشُّرُوطِ. اهـ. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقُلْنَا وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ لَا خُصُوصُ الْخِيَاطَةِ وَلِذَا قَالُوا مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ) لِأَنَّ عَمَلَ الدَّلَّالَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَلَّالًا يَبِيعُ لَهُ أَوْ يَشْتَرِي فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَجَلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْمُجْتَبَى.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِزُّ الصَّبْرُ أَوْ حُسْنُهُ كَالتَّعْزُوَةِ وَالزَّمْزَمَةُ الصَّوْتُ الْبَعِيدُ لَهُ دَوِيُّ وَتَتَابُعُ صَوْتِ الرَّعْدِ وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَأْتَمِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْأَمْوَاتِ مَعَ التَّمْطِيطِ، قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُؤَلِّفُ بَالَغَ فِي النَّكِيرِ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى هَذَا فِي زَمَانِهِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّمْطِيطِ وَمَنَعَ جَوَازَهَا وَجَوَازَ سَمَاعِهَا وَقَالَ بِوُجُوبِ إنْكَارِهَا وَأَطْنَبَ فِي إنْكَارِهَا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا مَطَّطَ تَمْطِيطًا يُؤَدِّي إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إذَا سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا اهـ.
أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَفَاوِتٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ فَإِنْ شَرَطَا الْأَكْثَرَ لِأَدْنَاهُمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ.
وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَتِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ قَبِلَ بِهِ كَنَصَرَ وَسَمِعَ وَضَرَبَ قُبَالَةً وَقَبَّلْت الْعَامِلَ الْعَمَلَ تَقَبُّلًا نَادِرٌ وَالِاسْمُ الْقُبَالَةُ وَتَقَبَّلَهُ الْعَامِلُ تَقْبِيلًا نَادِرٌ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) يَعْنِي فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا أَطْلَقَاهَا أَوْ صَرَّحَا بِالْعَنَانِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ جَرَيَانَهُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ هَذَا الْعَقْدُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ مُسْتَهْلَكٍ أَوْ أَجَّرَ أَجِيرًا، وَأُجْرَةُ بَيْتٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ مُوجِبُ الْمُفَاوَضَةِ.
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً لَوْ صَرَّحَ بِهَا لِيَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مَا أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُهُ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَمُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ تَمْضِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَحُكْمُهَا أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّوْكِيلُ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لَا يُحْسِنُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ قَدْ يَكُونُ عَنَانًا، وَقَدْ يَكُونُ مُفَاوَضَةً عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِمَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَتَى كَانَ عَنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ بِقَضِيَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنْ أُطْلِقَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ كَانَتْ عَنَانًا وَإِنْ شَرَطَا الْمُفَاوَضَةَ كَانَتْ مُفَاوَضَةً فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ وَالشَّرِكَةُ عَنَانٌ أَوْ مُفَاوَضَةٌ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ جَازَ إذَا كَانَا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ سَافَرَ أَوْ بَطَلَ فَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ الْأَجْرَ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ جُعِلَ كَتَقَبُّلِ الْآخَرِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْعَمَلِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِلْخِيَاطَةِ وَأَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِدَفْعِ الثَّوْبِ وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُتَفَاوِضِينَ فَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ وَأَخَذَ هُوَ بِالْقِيَاسِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ اهـ.
وَفِيهَا قَبْلَهُ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنَّهُ يَخِيطُ بِنَفْسِهِ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُ الْآخَرَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُسْتَأْجِرُ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْتُ: مَا صُورَةُ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فِيهَا؟ قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا جَمِيعًا الْأَعْمَالَ وَأَنْ يَضْمَنَا الْعَمَلَ جَمِيعًا عَلَى التَّسَاوِي وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَسْبُ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا أَمَّا الْعَامِلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .