الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ جَزَمَ بِهِ وَسَاقَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاتِّفَاقِ أَوْ الصَّحِيحِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الشُّرُوطِ لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ الْوَاقِفُ لَا لِمَا كَتَبَ فِي مَكْتُوبِ الْوَقْفِ فَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِشَرْطٍ تَكَلَّمَ بِهِ الْوَاقِفُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَكْتُوبِ عُمِلَ بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ أَشَرْنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ لَا عَلَى مَا كَتَبَ الْكَاتِبُ فَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الصَّكِّ أَعْنِي كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اهـ.
وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِوَلَدِهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ شَمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالذَّكَرِ لَا تَدْخُلُ الْأُنْثَى كَالِابْنِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لِوَلَدِ الِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ اشْتَرَكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ ابْنِهِ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ دُخُولَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي وَلَدِي وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي فَمَاتَ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ فِي كُلِّ بَطْنٍ إلَّا بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا ذَكَرَ الْبُطُونَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهَا لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ النِّصْفُ وَنِصْفُ الْمَيِّتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِوَلَدِهِ فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ صُرِفَ الْكُلُّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدُ ابْنٍ كَانَتْ لَهُ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لَهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مُحْتَاجِي وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ مُحْتَاجٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا كَانَ الْكُلُّ لَهُ لَا لِلْفُقَرَاءِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَلَوْ عَيَّنَ الْأَوْلَادَ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِأَخَوَاتِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدًا أَوْ عَلَى بَنِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ هَكَذَا سَوَّى بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَبْنَاءِ فِي الْخَانِيَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ فِي الْأَوْلَادِ يَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ الْكُلَّ وَفِي الْبَنِينَ لَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَقَالَ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ لَا تَسْتَحِقُّ الْبَنَاتُ كَعَكْسِهِ وَبَقِيَّةُ التَّفَارِيعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ مَعْلُومَةٌ فِي الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ
وَفَرَّعَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَ مُحَمَّدٌ الشَّرْطَ وَصَحَّحَ الْوَقْفَ وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ مِنْ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَيَكُونُ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأُولَى فَإِنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ وَقْفًا عَلَى وَجْهِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْوَقْفِ إذَا قَلَّ نُزُلُهَا لِآفَةٍ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا تَفْضُلُ غَلَّتُهَا عَنْ مُؤَنِهَا وَيَكُونُ صَلَاحُ الْوَقْفِ فِي الِاسْتِبْدَالِ بِأَرْضٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ شَرْطُ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الِاسْتِبْدَالِ.
وَلَوْ شَرَطَ بَيْعَهَا بِمَا بَدَا لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا عَبْدًا أَوْ يَبِيعَهَا وَلَمْ يَزِدْ فَسَدَ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ شَرَطَ وِلَايَةَ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَتَحْوِيلٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ أَنَّ الشَّرْطَ وَالْوَقْفَ صَحِيحَانِ وَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ
ــ
[منحة الخالق]
[جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ]
(قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ جَزَمَ بِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: كَيْفَ يُتَّجَهُ لَهُ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ ضَعِيفًا وَقَدْ قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ أَنَّ أَكْثَرَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ وَصَفَهُ بِالضَّعْفِ مَعَ مَا يَقْضِي بِوَصْفِ الْقُوَّةِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إفْتَائِهِمْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِلُزُومِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ إفْتَاؤُهُمْ بِقَوْلِهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَعَلَّهُ جَعَلَ التَّصْحِيحَ الْمَنْقُولَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ تَصْحِيحًا لِهَذَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قنلي زَادَهُ فِي الِاسْتِبْدَالِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا قَوْلُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ بِهَذَا الْوَجْهِ صَحِيحًا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْوَقْفَ وَالشَّرْطَ كِلَاهُمَا بَاطِلَانِ كَمَا نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا خِلَافٌ لَكِنْ الصَّحِيحُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ. اهـ.
وَرَأَيْتُ فِي رِسَالَةِ تَحْرِيرِ الْمَقَالِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ لِلشَّيْخِ الْمُؤَلِّفِ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً ظَاهِرًا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهُ أَيْ قَاضِي خَانْ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بِمَا إذَا قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونَ وَقْفًا عَلَى شُرُوطِ الْأُولَى فَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أَسْتَبْدِلَهَا بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ وَصَرَّحَ بِالِاسْتِبْدَالِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا إلَخْ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
أَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ إلَّا الْقَاضِي إذَا رَأَى
الْمَصْلَحَةَ
فِي ذَلِكَ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيقَافِهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا قُتِلَ خَطَأً وَاشْتَرَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ عَبْدًا آخَرَ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خِدْمَتِهِ وَالْمُدَبَّرِ إذَا قُتِلَ خَطَأً فَاشْتَرَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ آخَرَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الثَّانِيَةَ بِأَرْضٍ ثَالِثَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَلَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِدَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ الشَّرْطِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا تَخْلُو عَنْ وَظِيفَةٍ إمَّا الْعُشْرَ وَإِمَّا الْخَرَاجَ وَلَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ وَلَوْ قَيَّدَ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تَقَيَّدَ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضِ الْحَوْزِ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْحَوْزِ بِمَنْزِلَةِ الْأَكَّارِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَطْلَقَ الِاسْتِبْدَالَ فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ مَلَكَ الِاسْتِبْدَالَ بِجِنْسِ الْعَقَارِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ وَلَوْ بَاعَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ.
وَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجِيزُ الْوَقْفَ بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لَأَجَازَ بَيْعَ الْقَيِّمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ وَمَاتَ مُجْهَلًا كَانَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَلَوْ وَهَبَ الثَّمَنَ صَحَّتْ وَضَمِنَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَلَوْ بَاعَهَا بِعُرُوضٍ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَصِحُّ ثُمَّ يَبِيعُهَا بِنَقْدٍ ثُمَّ يَشْتَرِي عَقَارًا أَوْ يَبِيعُهَا بِعَقَارٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهَا إنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا هُوَ عَقْدٌ جَدِيدٌ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ثَانِيًا وَإِنْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَلَكَ بَيْعَهَا ثَانِيًا.
وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا أُخْرَى ثُمَّ رُدَّتْ الْأُولَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِالْأُخْرَى مَا شَاءَ وَالْأُولَى تَعُودُ وَقْفًا وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ فِي الْأُولَى وَلَا تَبْطُلُ الْوَقْفِيَّةُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِالْأُولَى لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَاسْتُحِقَّتْ الْأُولَى لَا تَبْقَى الثَّانِيَةُ وَقْفًا اسْتِحْسَانًا لِبُطْلَانِ الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ إلَى وَصِيِّهِ لَا يَمْلِكُ وَصِيُّهُ الِاسْتِبْدَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَلَوْ شَرَطَهُ لِكُلِّ مُتَوَلٍّ صَحَّ وَمَلَكَهُ كُلُّ مُتَوَلٍّ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ لِفُلَانٍ وِلَايَةَ الِاسْتِبْدَالِ فَمَاتَ الْوَاقِفُ لَا يَكُونُ لِفُلَانٍ وِلَايَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ عَزْلِ الْوَاقِفِ الْمُتَوَلِّي فَكَانَ وَكِيلُهُ فَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِوَفَاتِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ لَا الْوَاقِفِ وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَ نَفْسِهِ مَلَكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ وَحْدَهُ الْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي مَوْضِعٍ جَوَّزَهُ لِلْقَاضِي بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَفِي مَوْضِعٍ مِنْهُ وَلَوْ صَارَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِلَا شَرْطٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنْ
ــ
[منحة الخالق]
مِمَّا يَتَرَاءَى أَنَّهُ تَوْفِيقٌ فَبَعِيدٌ لِلْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الثَّانِيَةَ بِأَرْضٍ ثَالِثَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ لَهُ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ بِأَرْضِ الْحَوْزِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَرْضُ الْحَوْزِ مَا حَازَهُ السُّلْطَانُ عِنْدَ عَجْزِ أَصْحَابِهَا عَنْ زِرَاعَتِهَا وَأَدَاءِ مُؤَنِهَا بِدَفْعِهِمْ إيَّاهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ مَنْفَعَتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ مَقَامَ الْخَرَاجِ وَرَقَبَةِ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا فَلَوْ وَقَفَهَا مَنْ أَدْخَلَهُ السُّلْطَانُ لِعِمَارَتِهَا لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مُزَارِعًا اهـ.
كَذَا فِي الْإِسْعَافِ لِلطَّرَابُلُسِيِّ وَقَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَقْفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ بَاعَ مَا شَرَطَ اسْتِبْدَالَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ إنْ عَادَ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا ثَانِيًا لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ عَادَ بِمَا هُوَ كَعَقْدٍ جَدِيدٍ كَالْإِقَالَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ثَانِيًا لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا جَدِيدًا فَيَصِيرُ وَقْفًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا أُخْرَى بَدَلَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. اهـ.
(قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَفِي الْخَامِسِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ زِيَادَةُ شَرْطٍ آخَرَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ كَوْنُهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهُ فِي رِسَالَتِهِ فِي شَرَائِطِ الِاسْتِبْدَالِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا ذَكَرُوهُ فِيمَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا كَانَ شَرْطًا فِيهِ فَلَأَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيمَا لَمْ يَشْتَرِطْ بِكِتَابِ الْوَقْفِ أَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ اسْتِبْدَالَهَا بِأَرْضٍ وَبِالْعَكْسِ أَوْ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تُفِيدُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِلِاسْتِغْلَالِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ عَلَى الْمَنْظُورِ فِيهَا كَثْرَةُ الرِّيعِ وَقِلَّةُ الْمَرَمَّةِ وَالْمُؤْنَةِ وَقَابِلِيَّةُ الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَبْدَلَ الْحَانُوتَ أَوْ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ لِلِاسْتِغْلَالِ بِأَرْضٍ تُزْرَعُ وَتَحْصُلُ مِنْهَا الْغَلَّةُ قَدْرَ إجَارَةِ الْأُولَى كَانَ أَحْسَنَ وَأَوْلَى لِاحْتِمَالِ الْمُسَقَّفَاتِ لِلْفِنَاءِ
لَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمَّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَشَرَطَ فِي الْإِسْعَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرِ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ كَيْ لَا يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا. اهـ.
وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعَقَارٍ لَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّا قَدْ شَاهَدْنَا النُّظَّارَ يَأْكُلُونَهَا وَقَلَّ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا بَدَلٌ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ يُفَتِّشُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي زَمَانِنَا مَعَ أَنِّي نَبَّهْتُ بَعْضَ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ وَهَمَّ بِالتَّفْتِيشِ ثُمَّ تَرَكَ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ زِدْتَ هَذَا الشَّرْطَ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ يَرُدُّهُ قُلْتُ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ مَا صُورَتُهُ وَهَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَجَابَ الِاسْتِبْدَالُ إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَثَمَّ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ وَيُعْطِي بَدَلَهُ أَرْضًا أَوْ دَارًا لَهَا رِيعٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَالِاسْتِبْدَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ وَلَكِنْ يَرْغَبُ شَخْصٌ فِي اسْتِبْدَالِهِ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا أَكْثَرَ رِيعًا مِنْهُ فِي صُقْعٍ أَحْسَنَ مِنْ صُقْعِ الْوَقْفِ جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ.
فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ فَدَلَّ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمَحَلَّةُ مَمْلُوكَةً خَيْرًا مِنْ الْمَحَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْتَبْدِلَ أَوْ يَكُونَ النَّاظِرُ مَعْزُولًا قَبْلَ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ إذَا هَمَّ بِالِاسْتِبْدَالِ انْعَزَلَ هَلْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ إنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَبْدِلَ إذَا رَأَى
الْمَصْلَحَةَ
فِي الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا فَرْعٌ مُهِمٌّ وَقَعَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِينَ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا جَعَلَ لِنَفْسِهِ التَّبْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ وَالْإِخْرَاجَ وَالْإِدْخَالَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ فَسَّرَ التَّبْدِيلَ بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا
ــ
[منحة الخالق]
بِالْحَرِيقِ وَانْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَاحْتِيَاجِهَا إلَى التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَرَاضِيِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّهَا أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ الْكُلْفَةِ وَالْخَرَاجُ عَلَيْهَا اهـ.
قُلْتُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ لِلِاسْتِغْلَالِ مُرَادُ الْوَاقِفِ مِنْهَا انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِغَلَّتِهَا وَإِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ لِلْقَاضِي لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْأُولَى فَيَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ وَأَطْلَقَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِثَمَنٍ يَسْتَبْدِلُهَا بِجِنْسِ الْعَقَارِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ لِلسَّكَنِ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي اسْتِبْدَالُهَا يَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَ الدَّارِ بِدَارٍ لِظُهُورِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْمَنْفَعَةُ بِالسُّكْنَى فَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا اسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمُرَادَةُ لِلْوَاقِفِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَحَلَّةِ أَوْ كَوْنُ الثَّانِيَةِ أَحْسَنَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ بِرَدِّهِ إلَى قَوْلِهِ. اهـ.)
قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يُخَالِفُ قَاضِي خَانْ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْجَوَازِ بِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مُدَّعَاكَ أَصْلًا وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ.
قُلْتُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُنْكِرْ مُخَالَفَتَهُ لِقَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا مَنَعَ الِاسْتِبْدَالَ بِالدَّرَاهِمِ فِي زَمَانِهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَاضِي خَانْ وَمَنْ قَبْلَهُ لَوْ عَلِمُوا بِمَا حَدَثَ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْبَدَلِ لَمَنَعُوهُ أَشَدَّ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى التَّمْثِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ قَاضِي خَانْ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا كَثُرَ إيرَادُهُ وَنَقَلَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ.
فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمَوَالِي يَمِيلُ إلَى هَذَا أَيْ تَعْيِينِ الْعَقَارِ لِلْبَدَلِ وَيَعْتَمِدُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ إذَا كَانَ هُوَ قَاضِي الْجَنَّةِ فَالنَّفْسُ بِهِ مُطْمَئِنَّةٌ وَلَا يُخْشَى الضَّيَاعُ مَعَهُ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِنَا إجَابَةِ السَّائِلِ بِاخْتِصَارِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَعَلَيْكَ بِهِ مُسْتَغْفِرًا لِمُؤَلِّفِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا شَرْطٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي
وَهَلْ تَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ سَقَى اللَّهَ عَهْدَهُ صَوْبَ الرِّضْوَانِ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَلَفْظُ التَّبْدِيلِ مُحْتَمِلٌ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى يُغَايِرُهُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مُؤَكَّدًا بِهِ وَبَلَغَنِي مُوَافَقَةُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَمُخَالَفَةُ الْبَعْضِ ثُمَّ رُفِعَ سُؤَالٌ آخَرُ عَنْ الْوَاقِفِ إذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اشْتَرَطَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّرْطِ أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِوَقْفِهِ إذَا رَأَى مَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَهَلْ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا فَاضْطَرَبَ فِيهِ إفْتَاءُ أَصْحَابِنَا وَكُنْتُ مِمَّنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَكَوْنُهُ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ وَافَقَنِي عَلَى ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ سِيَّمَا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَأَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لِذَلِكَ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتَ مُجْهَلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا. اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ لِلْفَتْوَى إحْدَاهُمَا بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ فِي الْوَكَالَةِ ثَانِيَتُهُمَا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْتَبْدِلِ وَبَاعَهُ الْوَقْفَ بِالدَّيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ بِالْعُرُوضِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى وِزَانِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْمَعَالِيمِ إذَا شَاءَ وَيَزِيدَ وَيُخْرِجَ مَنْ شَاءَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِقَيِّمِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَإِذَا أَدْخَلَ وَأَخْرَجَ مَرَّةً لَيْسَ لَهُ ثَانِيًا إلَّا بِشَرْطِهِ وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ لِأَنَّ الْآخَرَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ لَا تُبَاعُ امْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ وَإِذَا شَرَطَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَالْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهُ غَيْرَ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ مَوْتِهِ وَمَا شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا ثُمَّ لِلْمُتَوَلِّي مِنْ بَعْدِهِ صَحَّ وَلَوْ جَعَلَهُ لِلْمُتَوَلِّي مَا دَامَ الْوَاقِفُ حَيًّا مَلَكَاهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَ وَلَيْسَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ يُوصِيَ بِهِ لَهُ وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الِاسْتِبْدَالَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَالْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لِلْمُتَوَلِّي وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَ حَيًّا اهـ.
مُلَخَّصًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَ غَلَّتَهَا مَنْ شَاءَ لَهُ الْمَشِيئَةُ فِي صَرْفِهَا إلَى مَنْ شَاءَ وَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ وَإِنْ شَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَانِعِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَإِنْ شَاءَ غَنِيًّا مُعَيَّنًا جَازَ كَفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ وَامْتَنَعَ التَّحْوِيلُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ شَاءَ الصَّرْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ بَطَلَتْ الْمَشِيئَةُ وَإِنْ شَاءَ صَرْفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ جَازَتْ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَشَاءَ وَاحِدًا مِنْهُمْ جَازَ وَلَوْ شَاءَ كُلَّهُمْ بَطَلَتْ وَتَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَعِنْدَهُمَا جَازَتْ وَتَكُونُ لِبَنِي فُلَانٍ اسْتِحْسَانًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عِنْدَهُ وَلِلْبَيَانِ عِنْدَهُمَا وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُفَضِّلَ مَنْ شَاءَ فَلَهُ مَشِيئَةُ التَّفْضِيلِ دُونَ مَشِيئَةِ التَّخْصِيصِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ عَلَى أَنَّ لِي إخْرَاجَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مُعَيَّنًا صَحَّ ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ غَلَّةٌ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ ذَكَرَ هِلَالٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا خَاصَّةً وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الْغَلَّةِ أَبَدًا فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ الْغَلَّةُ الْمَوْجُودَةُ وَمَا يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَبَدًا وَعَلَى رِوَايَةِ هِلَالٍ لَهُ الْمَوْجُودُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مُبْهَمًا بِأَنْ قَالَ أَخْرَجْتُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا جَازَ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى مَاتَ فَالْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى رُءُوسِ الْبَاقِينَ وَيَضْرِبُ لِهَذَيْنِ بِسَهْمٍ فَإِنْ اصْطَلَحَا أَخَذَاهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَبَيَا أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا وَقَفَ الْأَمْرُ
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ كَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَنَرَى كَثِيرًا مِنْ هَذَا فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ (قَوْلُهُ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُطْلَقُ لَهُ ذَلِكَ
حَتَّى يَصْطَلِحَا وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ السَّنَةِ صَحَّ وَكَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَبَعْدَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْبَعْضِ وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِيثَارُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ وَمَا يَبْدُو لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَوَادِثُ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ مِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَدْخَلَ إنْسَانًا أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ إخْرَاجِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ هَلْ يَخْرُجُ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ هَلْ يَسْقُطُ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ الْإِدْخَالَ إلَى آخِرِهِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِمَنْ شَاءَ فَشَرَطَهُ لِغَيْرِهِ وَشَرَطَ لَهُ مَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَشَرَطَهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِآخَرَ فَأَرَادَ مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ جُعِلَ هَذَا الشَّرْطُ لَهُ وَأَرَادَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْجَاعِلَ فَهَلْ هُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ هَلْ يَبْطُلُ مَا كَانَ لَهُ أَوْ يَبْقَى لَهُ وَلِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَهُ وَلِفُلَانٍ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِيهَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ أَنَّ الْحَقَّ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْمَسِيلِ الْمُجَرَّدِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْوَارِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ وَصَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ لَوْ قَالَ وَارِثٌ تَرَكْتُ حَقِّي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إذْ الْمِلْكُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّرْكِ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْغَانِمِينَ قَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَرَكْتُ حَقِّي بَطَلَ حَقُّهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْتُ حَقِّي فِي حَبْسِ الرَّهْنِ يَبْطُلُ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قُلْتَ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
قُلْتُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشَّهَادَاتِ فَالْحَقُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ وَقْفٌ مُطْلَقٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يَصِحُّ إبْطَالُهُ وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَمِثْلُهُ فِي الْهِبَةِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْتُ حَقِّي فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَا يَسْقُطُ اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ إذَا قَالَ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ لَا حَقَّ لِي فِيهَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ وَلَا دَعْوَى فَهَلْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَلِذَا قَالَ الْخَصَّافُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى زَيْدٍ عُمِلَ بِإِقْرَارِهِ مَا دَامَ حَيًّا حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَنْ اخْتِصَاصِهِ وَأَشْرَكَ مَعَهُ زَيْدًا إلَى آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا سُئِلْتُ فِيمَنْ لَهُ الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ كُلَّمَا بَدَا لَهُ فَأَدْخَلَ إنْسَانًا فَمَا الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ بَعْدَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَسْأَلَةَ شَرْطِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ عَلَى وِزَانِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ أَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْفِرَادُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ وَلِفُلَانٍ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَا شَرَطَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لِنَفْسِهِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَهُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَصِحُّ انْفِرَادُهُ فَكَانَ كَالْعَدَمِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِجَوَازِ عَزْلِ الْمُتَوَلِّي بِلَا شَرْطٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْوَاقِفُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ وَكَذَا الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ لِلْوَاقِفِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ أَقْوَامٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ إلَخْ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعَةِ وَبَقِيَ التَّوَقُّفُ فِي الثَّالِثَةِ.
وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْت حَقِّي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ كَلَامٍ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي وَظِيفَةٍ تَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ) .
ظَاهِرُ هَذَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ يَسْقُطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَهُ رِسَالَةٌ صَرَّحَ فِيهَا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ وَكَذَا الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي فَتْوَاهُ مَشَى
مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لِلْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ فِيهِ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ كَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصْبِ الْمُؤَذِّنِ فِيهِ وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا بَاطِلَانِ اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ هِلَالٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي عَزْلِ الْقَيِّمِ وَاسْتِبْدَالِهِ لَهُمْ وَمَا هُوَ مِنْ نَوْعِ الْوِلَايَةِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمُتَوَلِّي جَازَ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا وِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَصِيٌّ لَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّهِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ فِي حَيَاتِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْقَيِّمِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي جَازَ عِنْدَهُ ابْتِدَاءُ شَرْطِ التَّوْلِيَةِ إلَى نَفْسِهِ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ ومُحَمَّدٌ لَمَّا شَرَطَهُ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْكَلَامُ هُنَا فِي النَّاظِرِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي أَهْلِهِ وَفِيهِ بَيَانُ عَزْلِهِ وَعَزْلِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ الثَّانِي فِي النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ الثَّالِثُ فِي النَّاظِرِ مِنْ الْقَاضِي الرَّابِعُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِيهِ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَمَالَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّالِحُ لِلنَّظَرِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ الْوِلَايَةَ لِلْوَقْفِ وَلَيْسَ فِيهِ فِسْقٌ يُعْرَفُ قَالَ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ النَّاظِرُ مَا إذَا ظَهَرَ بِهِ فِسْقٌ كَشُرْبِهِ الْخَمْرَ وَنَحْوِهِ. اهـ.
وَفِي الْإِسْعَافِ لَا يُوَلَّى إلَّا أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَكَذَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. رَجُلٌ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ قَالُوا لَا يُعْطَى لَهُ وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرَائِطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ إذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَشْرَفُ مِنْ التَّوْلِيَةِ وَيُحْتَاطُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّوْلِيَةِ وَالْعَدَالَةُ فِيهِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَإِذَا فَسَقَ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فَكَذَا النَّاظِرُ وَيُقِرُّ أَيُخْرَجُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْهُمَامِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبِرَ تَكُونُ
ــ
[منحة الخالق]
عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا عَبْدِ الْحَيِّ ثُمَّ رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ الطُّورِيِّ رِسَالَةً مَشَى فِيهَا أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ فَرَاجِعْهُ يَقُولُ الْفَقِيرُ جَامِعُ هَذِهِ الْحَوَاشِي كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَرَأَيْت بَعْدَهُ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمُحَشِّي مَا نَصُّهُ قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ تَحْقِيقًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ فَرَاجِعْهُ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ عَزْلُهُ بِجُنْحَةٍ وَغَيْرِ جُنْحَةٍ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا وَسَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ) إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ عِشْرِينَ وَرَقَةً (قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ لَمَّا شَرَطَهُ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ التَّوْلِيَةِ لِنَفْسِهِ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْعَدَالَةَ فِي النَّاظِرِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ بِقَرِينَةِ جَمْعِهِ الشَّرَائِطَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِلنَّظَرِ بُلُوغُهُ إلَخْ) أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْحَلَبِيِّ فَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ وَيَصْلُحُ وَصِيًّا وَنَاظِرًا وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَكَانَهُ بَالِغًا إلَى بُلُوغِهِ كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ الْوَصَايَا. اهـ.
أَقُولُ: وَرَأَيْتُ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مَا نَصُّهُ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ رحمه الله الْقَاضِي إذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ وَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ إذْنَ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَتَجُوزُ التَّوْلِيَةُ إلَى الْعَبْدِ الْغَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ. اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَهْلًا فَتَدَبَّرْ
الْوِلَايَةُ لَهُ وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي الْوِلَايَةِ كَحُكْمِ الصَّغِيرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ.
وَلَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ لِلصِّحَّةِ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ عَبْدًا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَهْلِيَّتِهِ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ الْمَوْقُوفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى يَنْفُذُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فِي الْحُكْمِ كَالْعَبْدِ فَلَوْ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِمَا اهـ.
وَأَمَّا عَزْلُهُ فَقَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَوَّزَ عَزْلَهُ لِلْوَاقِفِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَشَرْطٍ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لَهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِجُنْحَةٍ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ جَعَلَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَوَلِيُّ عَيْنِهِ مَأْمُونًا لِأَنَّ مَرْجِعَ الْوَقْفِ لِلْمَسَاكِينِ وَغَيْرُ الْمَأْمُونِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ تَخْرِيبٍ أَوْ بَيْعٍ فَيَمْتَنِعُ وُصُولُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ أَوْصَى الْوَاقِفُ إلَى جَمَاعَةٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ مَأْمُونٍ بَدَّلَهُ الْقَاضِي بِمَأْمُونٍ وَإِنْ رَأَى إقَامَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقَامَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الثَّالِثَ عَشَرَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ وَصِيٍّ وَقَيِّمٍ مَعَ بَقَاءِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَقَيِّمِهِ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمَا وَمِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَعْزِيًّا إلَى فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ وَلَّاهُ هَلْ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا قَالَ لَا. اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ حُرْمَةَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَعَدَمَ صِحَّتِهَا لَوْ فَعَلَ وَفِي الْقُنْيَةِ نَصَّبَ الْقَاضِي قَيِّمًا آخَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي فِي الْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ
بِالْمَصْلَحَةِ
لَا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ فَلَوْ فَعَلَ مَا يُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا
لِمَصْلَحَةٍ
ظَاهِرَةٍ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا الْقَاضِي إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَجَعَلَ لَهُ مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لِلْفَرَّاشِ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: فِي تَقْرِيرِ الْفَرَّاشِ
مَصْلَحَةٌ
قُلْتُ: يُمْكِنُ خِدْمَةُ الْمَسْجِدِ بِدُونِ تَقْرِيرِهِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمُتَوَلِّي فَرَّاشًا لَهُ وَالْمَمْنُوعُ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةٍ تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَلِذَا صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي بَقِيَّةِ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَشَهَادَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَطَلَبٍ بِالْأَوْلَى وَحُرْمَةِ الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ بِالْأَوْلَى وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا غَابَ الْمُتَوَلِّي الْمُتَعَلِّمُ عَنْ الْبَلَدِ أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَ وَطَلَبَ وَظِيفَتَهُ فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى وَكَذَا إذَا خَرَجَ وَأَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَطَلَبِ الْقُوتِ وَالرِّزْقِ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَتَبْقَى حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِقْدَارَ شَهْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا زَادَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ لِلتَّعَلُّمِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا كَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ تَحِلُّ لَهُ الْوَظِيفَةُ وَإِنْ لِعَمَلٍ آخَرَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ. اهـ.
لِقَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَوَظِيفَتَهُ فَإِذًا حَرُمْ الْأَخْذُ مَعَ الْغَيْبَةِ فَكَيْفَ مَعَ الْحَضْرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَحِلُّ عَزْلُ الْقَاضِي لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ جَوَازُ إخْرَاجِ الْوَظَائِفِ بِحُكْمِ الشُّغُورِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لِعَمَلٍ آخَرَ لَا تَحِلُّ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَظِيفَتِهِ وَحُجْرَتِهِ وَإِنَّ الشُّغُورَ إنَّمَا هُوَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِصْرِ وَإِقَامَتِهِ زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِتَرْكِهِ الْمُبَاشِرَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَأَمَّا عَزْلُهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِلَا جُنْحَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. اهـ.
فَانْظُرْهُ قَرِيبًا فِي كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمَوْضِعِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَفْتُ عَلَى مَصَالِحِهِ فَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَنَا كِتَابَةٌ حَسَنَةٌ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْتَ (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْإِحْدَاثِ يَعْنِي فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقَةِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَمَّا مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَاقْتَضَتْهُ
الْمَصْلَحَةُ
كَخِدَامَةِ الرَّبْعَةِ الشَّرِيفَةِ وَقِرَاءَةِ الْعَشْرِ وَالْجِبَايَةِ وَشَهَادَةِ الدِّيوَانِ فَيَرْفَعُ إلَى الْقَاضِي وَيُثْبِتُ عِنْدَهُ الْحَاجَةَ فَيُقَرِّرُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَيُقَدِّرُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاظِرِ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَالنَّصُّ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ إلَخْ) أَيْ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِخِلَافِ النَّاظِرِ الَّذِي وَلَّاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهُ عَزْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَإِنَّ لَهُ عَزْلَ مَنْ وَلَّاهُ قَاضٍ آخَرُ لِلْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا زَادَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْصِبْ نَائِبًا يَنُوبُ عَنْهُ أَمَّا إذَا نَصَّبَ نَائِبًا يُبَاشِرُ عَنْهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْوَظِيفَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ عَنْهَا وَفِي قَوْلِهِ لَا يُؤْخَذُ بَيْتُهُ إنْ غَابَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْوَظِيفَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُدَرِّسًا إذْ الْمَقْصُودُ يَقُومُ بِهِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّ الدَّرْسَ يَقُومُ بِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْوَظِيفَةِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بَلْ الْمُرَادُ بِالْوَظِيفَةِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَاضِي خَانْ فِي الْوَقْفِ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ فَالْمُرَادُ سُقُوطُ سَهْمِهِ فَيُعْطَى لِذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْمَعْلُومِ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعَزْلِ فِي غَيْرِ فَرْضٍ كَالْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَأْخُذُ الْمَعْلُومَ وَهَذَا كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ لَا يُقَالُ فِيهِ يَنْبَغِي بَلْ هُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَسْتَدِلُّ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ أَوْ الطَّلَبَةِ بِمَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ بِلَا حُضُورِ الدَّرْسِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَالطَّلَبَةِ حُضُورَ الدَّرْسِ فِي الْمَدْرَسَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ إلَّا مَنْ بَاشَرَ خُصُوصًا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ إنَّ مَنْ غَابَ عَنْ الْمَدْرَسَةِ يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَيْهِ زَمَنَ غَيْبَتِهِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ مَنْ زَادَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى كَذَا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَلَوْ لَمْ يَعْزِلْهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا كَانَ لَهُ دَرْسٌ فِي جَامِعٍ وَلَازَمَهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي مَدْرَسَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْمَدْرَسَةِ قُلْتُ: لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إذَا بَاشَرَ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِكِتَابِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ فَإِنْ قُلْتُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ وَشَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ وَصَرَّحُوا فِي الْوَصَايَا بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ.
قُلْتُ: لَا يَدُلُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ أَخْذَ شَيْءٍ لِلْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلِذَا يَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَيَلْزَمُ التَّعْيِينُ وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَمَسَّكُ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ فَكَذَا إذَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ النَّاذِرَ لَوْ عَيَّنَ فَقِيرًا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْوَاقِفُ لَوْ عَيَّنَ إنْسَانًا لِلصَّرْفِ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ صَرَفَ النَّاظِرُ لِغَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا فَكَيْفَ يُقَاسُ الْوَقْفُ عَلَى النَّذْرِ.
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَدَّمْتَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ وَكَلَامُنَا عِنْدَ الِاشْتِرَاطِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَبَّلَ مُصْحَفًا فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لِلْقِرَاءَةِ اهـ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلِهَا فَإِنْ قُلْتَ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ أُجْرَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صِلَةٌ قُلْتُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّ فِيهِ شَوْبَ الْأُجْرَةِ وَالصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الْأُجْرَةِ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الصِّلَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَرِّسِ إذَا قَبَضَ مَعْلُومَهُ وَمَاتَ أَوْ عُزِلَ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ حِصَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَأَعْمَلْنَا شَائِبَةَ الصَّدَقَةِ فِي تَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ قُرْبَةٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُلَاحَظَةُ جَانِبِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَهُ إنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ لِلْغَنِيِّ
فَإِذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ قُلْتُ لَا يَدُلُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَلِصِلَةِ الْقَارِئِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسْأَلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْسَانٍ. اهـ.
يَعْنِي لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ. اهـ.
قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الِاخْتِيَارِ فَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُهُ عَلَى التَّعْلِيمِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا مَرَّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ حُكْمَ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِمَّا يَأْخُذُونَهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي التَّهَالِيلِ وَالْخُتُومَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ
مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ مِنْهُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطَى بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكِهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا فِي جِهَاتِ الْبِرِّ.
وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِالْقَاهِرَةِ فَأَفْتَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ مِنْ اعْتِبَارِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ يَفْرُغُ عَنْ وَظِيفَتِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ وَقَدْ كَانَ بَاشَرَ غَالِبَ السَّنَةِ فَيُنَازِعُهُ الْمَنْزُولُ لَهُ وَيَتَمَسَّكُ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مِنْ قِسْمَتِهِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَكِنْ بِالْقَاهِرَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْأَقْسَاطُ فَإِنَّهُمْ يُؤَجِّرُونَ الْأَوْقَافَ بِأُجْرَةٍ تُسْتَحَقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَيُقْسَمُ الْقِسْطُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّعْلِيقَةِ فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ لِابْنِ الصَّائِغِ وَهُوَ بِخَطِّهِ قَالَ وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْمَدَارِسِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لِعَدَمِ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْخُذُهَا بَلْ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى حَبْسِ أَنْفُسِهِمْ لِلِاشْتِغَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الدَّرْسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالٍ وَتَعْلِيقٍ جَازَ أَخْذُهُمْ الْجَامِكِيَّةَ وَلَمْ يَعْزُهَا إلَى كِتَابٍ لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ قَاضِي خَانْ مَا يَشْهَدُ لَهُ حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْلِيمِ قُلْتُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْقَافِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ دَرْسٍ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَاقِفُ مَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ رَقَمَ الْأَوْقَافَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ قِيلَ التَّرْجِيحُ
ــ
[منحة الخالق]
فِي بَيْتِ الْيَتَامَى وَمِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ أَفْتَى بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى رُوحِ الْمُوصِي وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ بَعْدَ تَمَامِ سَنَةٍ مُدَرِّسًا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَا هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ نُقُولٍ رَمَزَ لَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَهَذِهِ الْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِيهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَالْإِمَامَ وَالْمُؤَذِّنَ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ وَقْتُ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ لِهَذِهِ الْوَظَائِفِ شَوْبَ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَرِّسَ يَتَرَدَّدُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَيَقْرَأُ وَيُفِيدُ الطَّلَبَةَ وَيُهْدِي ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ إلَى الْوَاقِفِ وَكَذَا الْفَقِيهُ وَالْإِمَامُ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْعَمَلِ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ مَثَلًا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطِي بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ زَمَانُ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكُهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ كَذَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَفِيهَا سُئِلَ فِي كَرْمٍ مَوْقُوفٍ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ مَاتَ وَلَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ زَهْرِهِ وَصَيْرُورَتِهِ حِصْرِمًا هَلْ حِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ أَمْ لِمَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بَعْدَهُ أَجَابَ هِيَ مِيرَاثٌ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِطُلُوعِ الْغَلَّةِ أَوْ خُرُوجِهَا أَوْ مَجِيئِهَا فِي كَلَامِهِمْ صَيْرُورَتُهَا ذَاتَ قِيمَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَهُ قِيمَةٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَحِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ مِيرَاثٌ وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ قَالَهُ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ يَوْمَ تَجِيءُ الْغَلَّةِ وَتَأْتِي الْغَلَّةُ عَلَى ظُهُورِ الزَّرْعِ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّهْرِ مِنْ الْغُصُونِ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَالُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ صِحَّةِ مَا بَحَثَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَرَجَتْ الْغَلَّةُ وَأَحْرَزَهَا النَّاظِرُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُ الْمُسْتَحِقِّ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ وَإِنْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي لَا يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا إذَا أُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُقَاتِلِينَ يُورَثُ نَصِيبُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُورَثُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِثْلَ الْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَقَدْ عَلِمْتَ
بِالْحَاجَةِ وَقِيلَ بِالْفَضْلِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ فَرَّقَ الطَّرَسُوسِيُّ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ وَصَرِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى يُخَالِفُهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ غَلَّةَ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْحَصَادِ يَسْتَحِقُّهُ وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْحَاكِمِ فِي خِلَالِ السَّنَةِ وَكَذَا حُكْمُ الطَّلَبَةِ فِي الْمَدَارِسِ. اهـ.
قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْإِمَامِ حِصَّةً مَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ مُطْلَقًا أَوْ بِعُذْرٍ أَمْ لَا مُطْلَقًا قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ قَالَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ حَلَّتْ بِهَذَا الْقَيِّمِ آفَةٌ مِنْ الْآفَاتِ مِثْلُ الْخَرَسِ وَالْعَمَى وَذَهَابِ الْعَقْلِ وَالْفَالِجِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ الْقَيِّم عَلَى الْوَقْف قَائِمًا أَمْ لَا قَالَ إذَا حَلَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَالْأَجْرُ لَهُ قَائِمٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ شَيْءٌ. اهـ.
قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فَاسْتَنْبَطْنَا مِنْهُ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ وَاقِعَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ أَوْ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ كَانَ مُبَاشِرًا شَيْئًا مِنْ وَظَائِفِ الْمَدَارِسِ إذَا مَرِضَ أَوْ حَجَّ وَحَصَلَ لَهُ مَا يُسَمُّونَهُ النَّاسُ عُذْرًا شَرْعِيًّا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ مَرْسُومَهُ الْمُعَيَّنَ بَلْ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ مُدَّةَ ذَلِكَ الْعُذْرِ.
فَالْمُدَرِّسُ إذَا مَرِضَ أَوْ الْفَقِيهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْعَوَارِضَ عُذْرًا فِي عَدَمِ مَنْعِهِ عَنْ مَعْلُومِهِ الْمُقَرَّرِ لَهُ بَلْ أَدَارَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشِرِ فَإِنْ وُجِدَتْ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْلُومٌ وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ وَاسْتَخْرَجْنَا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ وَالتَّقْرِيرِ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ لَا تَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْخَصَّافَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ قِيَامِ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَوْ كَانَتْ الِاسْتِنَابَةُ تَجُوزُ كَأَنْ قَالَ وَيَجْعَلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى أَنْ يَزُولَ عُذْرُهُ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ اهـ.
وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْن وَهْبَانَ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ لِلْحَجِّ أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ عَلَيْهِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ خَلِيفَةً فِي
ــ
[منحة الخالق]
الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ إلَخْ) أَقُولُ: فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَصَادِ فَمَنْ كَانَ يُبَاشِرُ الْوَظِيفَةَ وَقْتَ الْحَصَادِ اسْتَحَقَّ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَدْ كَتَبَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ رِسَالَةً فِي هَذَا وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْتَبِرُونَ وَقْتَ الْحَصَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْتَبِرُونَ زَمَنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْزِيعِ (قَوْلُهُ قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ رَأَيْتُ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ الْحَنَفِيِّ الْمِصْرِيِّ وَتَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ خَلِيفَةً لِيَؤُمَّ فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إمَامُ الْجَامِعِ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الصَّيْرَفِيَّةِ فِي الْكَرَاهِيَةِ مَا نَصُّهُ حَانُوتٌ وُقِفَ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَغَابَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَخَلَّفَ خَلِيفَةً يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ حَضَرَ فَأُجْرَةُ الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي غَابَ يَجُوزُ أَخْذُهَا أَمْ لَا قَالَ يَجُوزُ إنْ كَانَ هُوَ أَوْ رَجُلٌ آخَرَ أَجَّرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ وَلَكِنْ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ احْتِيَاطًا اهـ.
فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَنْطُوقِ الْقُنْيَةِ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ جَائِزَةٌ وَمِنْ مَفْهُومِهِ أَنَّ الْغَائِبَ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَنِيبُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَمِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا وَمِنْ عِبَارَةِ الصَّيْرَفِيَّةِ جَوَازُهَا وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ رَجُلٌ آجَرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إمَامٌ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِاسْتِرَاحَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ. اهـ.
وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخَصَّافِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُصَادِمُ كَلَامَ الْخَصَّافِ وَلِذَلِكَ نَصَّ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعْلُومُ مَنْ حَجَّ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْخَصَّافِ فِي الْقَيِّمِ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا نُصِبَ لِأَجْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ