الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبِي بَكْرٍ أَسَاءَ عَبْدُهُ لَا يُعَزِّرُهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَهُ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] . اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(كِتَابُ السَّرِقَةِ)
.
لَمَّا كَانَتْ صِيَانَةُ الْأَمْوَالِ مُؤَخَّرَةً عَنْ صِيَانَةِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ أُخِّرَ زَاجِرُ ضَيَاعِهَا وَهِيَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي خَفَاءٍ وَحِيلَةٍ يُقَالُ سَرَقَ مِنْهُ مَالًا وَسَرَقَهُ مَالًا سَرَقًا وَسَرِقَةً وَيُسَمَّى الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ سَرِقَةً مَجَازًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَلَهَا تَعْرِيفَانِ تَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَتَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (هُوَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) أُطْلِقَ فِي الْأَخْذِ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فَالْأَوَّلُ هُوَ أَنْ يَتَوَلَّى السَّارِقُ أَخْذَ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي هُوَ أَنْ يَدْخُلَ جَمَاعَةٌ مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ وَيَأْخُذُوا مَتَاعَهُ وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّ الْكُلَّ يُقْطَعُونَ اسْتِحْسَانًا وَسَيَأْتِي فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُمَا مَخْصُوصَانِ مِنْ آيَةِ السَّرِقَةِ لَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ سَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ قُطِعَ وَلَوْ سَرَقَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ يُدْرَأُ عَنْهُمْ الْقَطْعُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلَوْ آبِقًا وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخُفْيَةِ مَا أُخِذَ جَهْرًا مُغَالَبَةً أَوْ نَهْبًا أَوْ اخْتِلَاسًا، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ الْأَخْذَ خُفْيَةً إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْخُفْيَةُ وَقْتَ الْأَخْذِ أَوْ دُخُولُ الْحِرْزِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، وَأَمَّا الْخُفْيَةُ فِي الِانْتِهَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهِيَ شَرْطٌ أَيْضًا وَمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ مِنْ النَّهَارِ.
وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ دَخَلَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَالنَّاسُ مُنْتَشِرُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ لَيْلًا فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةِ مَنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْخُفْيَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهَا خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَهِيَ رَبَاعِيَةٌ فَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَعَلِمَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَيْضًا فَلَا قَطْعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فَيُقْطَعُ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ السَّارِقِ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ زَعَمَ اللِّصُّ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ عَلِمَ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي التَّبْيِينِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ سَرِقَةِ مَا دُونَهَا وَأُطْلِقَ فِي الدَّرَاهِمِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَضْرُوبَةِ عَمَّا إذَا سَرَقَ تِبْرًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مَضْرُوبَةً تَأْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَضْرُوبِ فَلَا يُسَمَّى دِرْهَمًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ عِنْدَنَا وَلَوْ سَرَقَ دِينَارًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَوْمَ الْقَطْعِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةً فَانْتَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانِ السِّعْرِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ ثَمَّةَ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ دُرِئَ
ــ
[منحة الخالق]
كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْمُعَلِّمَ لَا يَضْمَنُ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ.
[كِتَابُ السَّرِقَةِ]
عَنْهُ الْقَطْعُ وَإِذَا وَجَبَ تَقْوِيمُ الْمَسْرُوقِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُقَوَّمُ بِأَعَزِّ النُّقُودِ أَوْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي يُرَوَّجُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ فَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ.
وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ لِتَقْوِيمِ الْوَاحِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا مَا ثَبَتَ بِهِ السَّرِقَةُ فَلَا قَطْعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأُطْلِقَ فِي قَدْرِ النِّصَابِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ نِصَابًا مِنْ جَمَاعَةٍ قُطِعَ وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ نِصَابًا مِنْ وَاحِدٍ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا فَالْعِبْرَةُ لِلنِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحِرْزُ وَاحِدًا فَلَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَنْزِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا قَطْعَ وَالْبُيُوتُ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ فِي دَارِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً وَفِيهَا حَجَرٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ مَا إذَا سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخَذَ ثَوْبًا آخَرَ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَأَخْرَجَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْخُوذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأُطْلِقَ فِي الدَّرَاهِمِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْجِيَادِ فَلَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً فَلَا قَطْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْجِيَادِ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُقَوَّمًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا كَالْمُغَيَّرَةِ فَلَا قَطْعَ فِي حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً وَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لِمَا سَيُصَرَّحُ بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ السَّارِقِ لَيْسَ بِأَخْرَسَ وَلَا أَعْمَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ ادَّعَى شُبْهَةً وَالْأَعْمَى جَاهِلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مُحْرَزَةً بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْحِرْزِ عَلَى قِسْمَيْنِ حِرْزٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٌ الدُّخُولَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ وَحِرْزٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كُلُّ مَكَان غَيْرِ مُعَدٍّ لِلْإِحْرَازِ وَفِيهِ حَافِظٌ كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ فِي الْمَفَازَةِ يُقْطَعُ. اهـ.
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ عَدْلٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْبَغْيِ فَلَوْ سَرَقَ بَعْضُ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبَعْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأُخِذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ وَعَلَيْهِ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَعَلَى طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ لَا يُقْطَعُ وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَةِ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ لَا يُقْطَعُ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْكِيسُ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَخَرَجَ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَتَغَوَّطَهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُخْتَصَرِ قَاصِرٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ نَاطِقٍ يَصِيرُ صَاحِبَ يَدٍ يُسْرَى وَرِجْلٍ يُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ أَوْ مِقْدَارَهَا مَقْصُودَةً ظَاهِرَةَ الْإِخْرَاجِ خُفْيَةً مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمَعْمُولِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَتَأْوِيلٍ فِي دَارِ الْعَدْلِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ عَلِمْت فَوَائِدَ الْقُيُودِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَرَطَ أَصْحَابُنَا لِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنْ تَكُونَ الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الشُّرُوطِ وَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَصْلَحَ النَّقْبَ أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ.
أَيْ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ، وَقَدْ رَأَيْته فِي الْجَوْهَرَةِ صَرَّحَ بِهِ فَيَتَقَيَّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَقْدِسِيَّ عِنْدَ مَسْأَلَةِ النَّبَّاشِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ عَلِمَ مَا فِي الثَّوْبِ وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورَةً عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَالَ يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ قَصْدِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَصْدَ النِّصَابِ مِنْ الْمَالِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذِهِ فَمَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بِالْمَصْرُورِ وَعَدَمِهِ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعِلْمِهِ بِمَا فِي الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ دَلَالَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كِيسًا فِيهِ الدَّرَاهِمُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أَقْصِدْ لَمْ أَعْلَمْ. اهـ. وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ.
الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ هُوَ رُكْنُهَا
(قَوْلُهُ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِهَا وَسَبَبِ ثُبُوتِهَا وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةً رَدٌّ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحُجَّتَيْنِ فَتُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ ظَهَرَتْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ، وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَمِنْ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ لَوْ قَالَ: أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ، وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ كُلِّهَا إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ. اهـ.
بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ التَّقَادُمِ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ وَشَرْطُ فِي الْبَيِّنَةِ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُتَقَادِمَةٍ قُطِعَ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدَّمْنَاهُ وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأُطْلِقَ فِي الْمُقِرِّ فَشَمِلَ الْحُرَّ، وَالْعَبْدَ وَسَيَأْتِي تَفَاصِيلُهَا فِي الْعَبْدِ وَقَيَّدَ بِالرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِحَصْرِ الْحُجَّةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِقْرَارَ بِالطَّوَاعِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ قَالَ مَا لَمْ يُقْطَعْ اللَّحْمُ وَلَا يَتَبَيَّنُ الْعَظْمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. اهـ.
وَفِي التَّجْنِيسِ لَا يُفْتَى بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ جَوْرٌ وَلَا يُفْتَى بِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هَلْ يَنْبَغِي لِلسَّارِقِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْمَتَاعِ أَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَهُ إنْ كَانَ لَا يَخَافُ أَنْ يَظْلِمَهُ مَتَى أَخْبَرَهُ يُخْبِرُهُ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ لَا يُخْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِ الْإِخْبَارِ وَلَكِنْ يُوصَلُ الْحَقَّ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبَابُ الرُّجُوعِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ رَفْعُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ) وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَعَ التَّنْوِينِ يُحْتَمَلُ الْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ مَعَ الْإِضَافَةِ أَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ أَيْضًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
هَذَا وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ قُلْت: وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ بِإِحْرَازِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ أَمَّا لَوْ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي فَوَجَبَ ضَمَانُهُمَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْمِائَةِ صَحَّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَدَّعِي الْمِائَتَيْنِ الْمُقَرَّ بِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدَّعِي الْمِائَةَ الَّتِي أَضْرَبَ عَنْهَا بِانْفِرَادِهَا فَقَطْ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ فَلَا يَنْتَفِي وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ: وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ صِحَّتُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَالْقَطْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَكَيْفَ يُقْطَعُ مَعَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ فِي حَقِّ تَضْمِينِهِ الْمَالَ فَقَطْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ
مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي إنَّمَا كُنْت أَوْدَعْته أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ قَالَ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ السَّارِقَ حَتَّى لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ أَسَرَقَ مَا إخَالُهُ سَرَقَ» وَلِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ وَقَوْلُهُ إخَالُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعْنَاهُ أَظُنُّهُ وَبِالْفَتْحِ كَذَلِكَ وَكِلَاهُمَا فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَهِيَ الظَّنُّ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ بِالْكَسْرِ وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَا يُقْطَعُ الْكَافِرُ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ ثَوْبًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهُ مَرْوِيٌّ بِسُكُونِ الرَّاءِ ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافٍ اعْتِبَارًا بِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرَ فِي نُسْخَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُؤَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ. اهـ.
زَادَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ إذْ سَرِقَةُ كُلِّ مَالٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ فَالسُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَأَنْ نَقَّبَ الْجِدَارَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِإِطْلَاقِهَا عَلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَالنَّقْصِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ وَعَلَى الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ السَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُخَاصِمُ، وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ السَّارِقِ أَوْ زَوْجًا فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَأَمَّا سُؤَالُ الْمُقِرِّ، فَإِنَّهُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ وَقْتَ الْقَطْعِ كَحُضُورِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَا قَطْعَ وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ شُرِطَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمِعَا، وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أَيْ لَوْ كَانَ السَّارِقُ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَخْذِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مَعْتُوهٌ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانُوا خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَقَيَّدَ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
ــ
[منحة الخالق]
وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يُسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ وَكَأَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُسْأَلُ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ لِلْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ الْأَخِيرِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَكَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الشُّهُودِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ) قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ وَأَخَاهُ تَبِعَا صَاحِبَ الْفَتْحِ قُلْت اسْتِثْنَاءُ الرَّجْمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَيُقَامُ حَدُّ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِاشْتِرَاطِ بُدَاءَةِ الشُّهُودِ بِهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي، وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرُوا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ.
فَهَذَا تَصْرِيحُ الْحَاكِمِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
قُلْت وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَشْعَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي، وَإِنْ شَرَطَ بُدَاءَةَ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ حُضُورُهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ وَبُدَاءَتُهُمْ وَمَا هُنَا حُضُورُهُمْ إلَى تَمَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَمَّا فِي الْقَطْعِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْصِيلُ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا بَقِيَتْ الْمُنَافَاةُ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ، فَإِنَّ مَا هُنَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرْجَمُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْحَاكِمِ الْمَنْقُولَةِ آنِفًا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الرَّجْمِ مِنْ الْقَطْعِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلْإِمَامِ لَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الْكَافِي الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَأَخُوهُ سَقَطَا فَسَقَطَ مِنْهَا الْقَوْلُ الثَّانِي فَلِذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الثَّانِي الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ.
دِرْهَمًا مِنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ يُقْطَعُ لِكَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ
(قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ بِخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَطَيْرٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنَوْرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَالطِّبَاعُ لَا تَضُنُّ بِهِ فَقَلَّ مَا يُوجَدُ آخِذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ أَلَا يُرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ، وَالطَّيْرُ يَطِيرُ، وَالصَّيْدُ يَقِرُّ وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا أُطْلِقَ الْخَشَبُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ، فَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا قُطِعَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا يُقْطَعُ فِي الْحُصُرِ الْبَغْدَادِيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْرُزُ كَالسَّاجِ، وَالْأَبَنُوسِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ وَأُطْلِقَ السَّمَكُ فَشَمِلَ الطَّرِيَّ، وَالْمَالِحَ، وَالطَّيْرُ فَشَمِلَ الدَّجَاجَ، وَالْبَطَّ، وَالْحَمَامَ
وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمَةِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ، وَالْمَغْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الطِّينُ الْأَحْمَرُ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَأَلْحَقَ فِي الْمُجْتَبَى بِمَا ذُكِرَ الْفَحْمَ، وَالْأُشْنَانَ، وَالزُّجَاجَ، وَالْمِلْحَ، وَالْخَزَفَ، وَاسْتَثْنَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الطَّيْرِ الدَّجَاجَ فَأَوْجَبَ الْقَطْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ أَوْ عَلَى شَجَرٍ أَوْ عَلَى لَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ، وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ» وَقَالَ عليه السلام «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ، وَالتَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالسُّكَّرِ إجْمَاعًا وَلَا إحْرَازَ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ وَفِي زَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَلِتَأَوُّلِ السَّارِقِ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ الْإِرَاقَةَ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَيَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِ، وَالطُّنْبُورُ مِنْ الْمَعَازِفِ أَطْلَقَ فِي الْفَاكِهَةِ فَشَمَلَ الْعِنَبَ، وَالرُّطَبَ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَسَادَ مِنْ وَجْهٍ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ فَإِذَا سَرَقَ شَيْئًا لَا يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِالرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْيَابِسَةِ وَيُقْطَعُ فِي الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَأَطْلَقَ فِي اللَّحْمِ فَشَمِلَ الْقَدِيدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَقَيَّدَ بِالْأَشْرِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْعَسَلِ، وَالْخَلِّ إجْمَاعًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِيُّ عَنْ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً. اهـ.
فَلَا يُدَّعَى الْإِجْمَاعُ وَأَطْلَقَ فِي الْأَشْرِبَةِ فَشَمِلَ الْحُلْوَ، وَالْمُرَّ وَمَا إذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَشَارَ بِالطُّنْبُورِ إلَى جَمِيعِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ أَمَّا فِيهَا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ هِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ وَعَنْهُ عليه السلام «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةٍ مُضْطَرَّةٍ» وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ
(قَوْلُهُ وَمُصْحَفٍ وَلَوْ مُحَلًّى) أَيْ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ مُصْحَفٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ، وَالْأَوْرَاقِ، وَالْحِلْيَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُو عَلَى النِّصَابِ وَكَمَنْ سَرَقَ صَبِيًّا حُرًّا وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَوَجَدَ فِي جَيْبِهِ عَشَرَةً مَصْرُورَةً لَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ أَقْطَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهَا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ وَهِيَ الْكُتُبُ شَرْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَبَابِ مَسْجِدٍ)
ــ
[منحة الخالق]
قَوْلُهُ) : وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِي إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُحْمَلُ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى مَا لَمْ يَصِرْ خَمْرًا أَوْ أَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ.