الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِفَايَةٍ فِيهَا وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحِرَاسَةُ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ الثَّالِثُ افْتِرَاضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَؤُنَا لِلْعُمُومَاتِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] فَمَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ ثَغْرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْأَعْدَاءَ، فَإِنَّ ضَعُفَ أَهْلُ الثَّغْرِ مِنْ الْمُقَاوَمَةِ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ لِيَكُونَ الْجِهَادُ قَائِمًا، وَالدُّعَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ دَائِمًا
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ مَشْغُولَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالْأَعْمَى وَنَحْوُهُ عَاجِزُونَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: 17] أَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ أَمَّا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةَ بِالْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَا نَقُولُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالرُّوحِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لِخِطَابِ الرَّبِّ جل جلاله بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُمْ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَةُ الزَّوْجِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي أَمْرِهِ إضْرَارٌ بِهَا، فَإِنَّهَا تَأْثَمُ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَتَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْجِهَادَ نَعَمْ هُوَ فِي الْعَبْدِ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ إذَا طَاقَ الْقِتَالَ بِالْخُرُوجِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَهْذِيبُهُ لَا إتْلَافُهُ فَهُوَ كَتَعْلِيمِهِ السِّبَاحَةَ وَكَخَتْنِهِ وَقَيَّدَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ بِأَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْحَجَرِ فَوْقَ الْحِصْنِ أَوْ بِالنُّشَّابِ أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ لِلْبِرَازِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ. اهـ.
وَأَشَارَ بِالْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ إلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَالِ كَفِيلٌ كَفَلَ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الطَّالِبِ خَاصَّةً كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْكَفِيلِ إذَا تَعَذَّرَ
ــ
[منحة الخالق]
[وَلَا يَجِبُ الْجِهَاد عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ]
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَأَمْرُ الزَّوْجِ لَهَا إذْنٌ وَفَكُّ الْحَجْرِ. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْوُجُوبُ فِي الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِيهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ يَذْهَبُ مَعَهَا لِلْجِهَادِ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ لَهَا فِي الْحَجِّ وَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ. اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا فِيهِ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ حَيْثُ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ بِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ ثُمَّ قَالَ وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ أَيْ فَرْضُ الْجِهَادِ ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْعَبْدِ بِأَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ الْمَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ وَأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ قَالَ أَبُو السُّعُودِ فَمَا فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهَا كِفَايَةً لَيْسَ بِظَاهِرٍ. اهـ.
قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ وَفِي الْجِهَادِ قَدْ يَنْكَشِفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ كَمَا ظُنَّ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مُسَلَّمٌ فِي الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذَا طُلِبَ مِنْهُ، وَقَدْ يَذْهَبُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ، فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ مَنَعَهُ مِنْ السَّفَرِ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَأَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يُسَافِرَ فَمَنَعَهُ الْكَفِيلُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ ضَمَانُهُ إلَى أَجَلٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إمَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ أَوْ بِبَرَاءَةٍ مِنْهُ وَفِي كَفَالَةِ النَّفْسِ بِرَدِّ النَّفْسِ اهـ.
1 -
إحْضَارُهُ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ وَلَمْ يُبَرِّئْهُ فَالْمُحْتَسِبُ لَهُ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَوْجَبُ، فَإِنْ غَزَا فَلَا بَأْسَ وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَالْأَفْضَلُ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَائِهِ. اهـ.
وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ أَوْ جَدَّتَانِ فَأَذِنَ لَهُ أَبٌ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ أَبَ الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا سَفَرُ التِّجَارَةِ، وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ، وَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ عَنْ خِدْمَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجَيْنِ فَلَا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ.
وَتَعْبِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحُرْمَةِ تَسَامُحٌ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ الْكَرَاهَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَلَّتْ الْعِلَّةُ عَلَى الْتِحَاقِ الْخُرُوجِ إلَى الْعِلْمِ بِالْحَجِّ، وَالتِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى التِّجَارَةِ لَمَّا جَازَ لَأَنْ يَجُوزَ لِلْعِلْمِ أَوْلَى. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَكَرِهَا خُرُوجَهُ إلَى الْجِهَادِ أَوْ كَرِهَ الْكَافِرُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَا يَلْحَقُهُمَا مِنْ التَّفْجِيعِ، وَالْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ كَرَاهَةِ قِتَالِ الْكُفَّارِ يَخْرُجُ، فَإِنْ شَكَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا أَنَّ مَنْ سِوَى الْأُصُولِ إذَا كَرِهُوا أَخْرَجُوهُ لِلْجِهَادِ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَأَلَّا يَخْرُجَ وَكَذَا امْرَأَتُهُ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعُ وَأَرْبَابُهَا غُيَّبٌ، فَإِنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدَائِعَ إلَى أَرْبَابِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِهَادِ، وَالْعَالِمُ الَّذِي لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَحَدٌ أَفْقَهَ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّيَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِقَامَةِ الْكُلُّ فَيَفْتَرِضُ عَلَى الْكُلِّ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مُقْنِعًا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ وَأَفَادَ خُرُوجَ الْوَلَدِ بِغَيْرِ إذْنِ، وَالِدَيْهِ بِالْأَوْلَى وَكَذَا الْغَرِيمُ يَخْرُجُ إذَا صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ بِغَيْرِ إذْنِ دَائِنِهِ وَأَنَّ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى إذَا مَنَعَا أَثِمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ فَخَرَجَ الْمَرِيضُ الْمُدْنَفُ أَمَّا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ دُونَ الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَالْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً، وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُجُومُهُ عَلَى بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَهْلِهَا كِفَايَةٌ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِمَّنْ يَقْرُبُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَقْرُبُ كِفَايَةً أَوْ تَكَاسَلُوا وَعَصَوْا وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَوَّلًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا عَجْزًا وَجَبَ عَلَى مَنْ بِبَلْدَتِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ مَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ مُتَّجِهٍ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ وَقُعُودِهِ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا دَخَلَ الْمُشْرِكُونَ أَرْضًا فَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَسَبَوْا الذَّرَارِيَّ، وَالنِّسَاءَ فَعَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَكَانَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحُرْمَةِ تَسَامُحٌ) حَيْثُ قَالَ وَعَنْ هَذَا حَرُمَ الْخُرُوجُ إلَى الْجِهَادِ وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كَارِهٌ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي خُصُوصِهِ أَحَادِيثَ إلَخْ قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُفِيدُ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِمَا وَقَوْلُ التَّجْنِيسِ الْمَارُّ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَى هُنَا الْأَرْجَحُ فِي التَّقْدِيمِ فَحَيْثُ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ يَكُونُ خِلَافُهُ حَرَامًا
مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَيَسَعُهُمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوهُمْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْل الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مِنْ الْأَسْرِ مَا لَمْ تَدْخُلْ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ. اهـ.
وَمُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يُشْتَهَرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّيَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ وَعُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ، وَالْجُعْلُ بِضَمِّ الْجِيمِ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالزَّادِ، وَالْفَيْءُ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى غَنِيمَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ وَكَانَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي الذَّخِيرَةِ، والولوالجية إنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] وَحَقُّ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ وَمَنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ كِفَايَتَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ: إذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلشَّاخِصِ خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاغْزُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِئْجَارٍ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْهُ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي فَهَذَا اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِيَغْزُوَ بِهِ عَنْهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ لَهُ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ كَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ عَنِّي، وَإِنْ قَالَ اُغْزُ بِهِ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَنْ دَفَعَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الْمَالَ وَأَشَارَ إلَيْهِ إشَارَةً فَلَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِإِشَارَتِهِ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك فَاسْكُنْهَا وَهَذَا الثَّوْبُ لَك فَالْبَسْهُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَلَا يَلْبَسَهُ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهَذَا فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَتَفَرَّعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ إمْسَاكَ الْفَضْلِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِمْسَاكَ لِنَفْسِهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهُ بَلْ أَبَاحَ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَغْزُوَ أَصْلًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مُخْتَصَرًا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْوِيَةُ الْمُسْلِمِينَ بَيْضَاءَ، وَالرَّايَاتُ سَوْدَاءَ، وَاللِّوَاءُ لِلْإِمَامِ، وَالرَّايَاتُ لِلْقُوَّادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ لِكُلِّ قَوْمٍ شِعَارًا حَتَّى إذَا ضَلَّ رَجُلٌ عَنْ رَايَتِهِ نَادَى بِشِعَارِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَالشِّعَارُ الْعَلَامَةُ، وَالْخِيَارُ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْتَارَ
ــ
[منحة الخالق]
قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ اُغْزُ بِهِ عَنِّي مَعَ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ