الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى يُحْكَى أَنَّ أَمِيرًا بِبَلْخٍ أَتَاهُ بَعْضُ الشُّرْطَى بِسُكُونِ الرَّاءِ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَقْرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَقَالَ السَّكْرَانُ لِلْأَمِيرِ اقْرَأْ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ أَوَّلًا فَلَمَّا قَالَ الْأَمِيرُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ: قِفْ فَقَدْ أَخْطَأْت مِنْ وَجْهَيْنِ تَرَكْت التَّعَوُّذَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ وَتَرَكْت التَّسْمِيَةَ وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُرَّاءِ، فَخَجِلَ الْأَمِيرُ وَجَعَلَ يَضْرِبُ الشُّرْطِيَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَيَقُولُ: أَمَرْتُك أَنْ تَأْتِيَنِي بِالسَّكْرَانِ فَجِئْتنِي بِمُقْرِئِ بَلْخٍ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ كَانَ حَفِظَهَا فِيمَا حَفِظَ مِنْهُ لَا مَنْ لَمْ يَدْرُسْهَا أَصْلًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا بَلْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، فَإِنَّهُ طَرِيقُ سَمَاعِ تَبْدِيلِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَكْرَانَ إذَا قِيلَ لَهُ اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] يَقُولُ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ بَلْ يَنْدَفِعُ قَارِئًا فَيُبَدِّلُهَا إلَى الْكُفْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ أَحَدًا بِطَرِيقِ ذِكْرِ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاخَذَ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَحَدُّ السُّكْرِ، وَالْخَمْرِ وَلَوْ شَرِبَ قَطْرَةً ثَمَانُونَ سَوْطًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ «السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نَأْتِي بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَنَقُومُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرَ إمْرَةِ عُمَرَ رضي الله عنه فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ» وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُسَنَّ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا ثُمَّ قَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى ثَمَانِينَ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى تَعْيِينِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَعْلُومُ عَنْهُ عليه السلام عَدَمُ تَعْيِينِهِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ عليه السلام انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ لِزِيَادَةِ فَسَادٍ مِنْهُ ثُمَّ رَأَوْا أَهْلَ الزَّمَانِ تَغَيَّرُوا إلَى نَحْوِهِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ حَتَّى عَتَوْا وَفَسَقُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الزَّمَانَ كُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ فَسَادُ أَهْلِهِ أَكْثَرَ فَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ حُكْمَهُ عليه السلام فِي أَمْثَالِهِمْ، وَالسُّكْرُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ كَذَا السَّمَاعُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي لَا السَّكَرَ بِفَتْحَتَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْأَشْرِبَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ فَيُحَدُّ بِقَلِيلِهِ وَحُرْمَةُ غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا يُحَدُّ إلَّا بِالسُّكْرِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلِلْعَبْدِ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ هَذَا الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهم قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِلنِّعْمَةِ، وَالْعُقُوبَةِ عَلَى مَا عُرِفَ.
(قَوْلُهُ: وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ الرَّأْسُ وَلَا الْوَجْهُ وَلَا الْفَرْجُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَأَنَّهُ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا تَمْرَةَ لَهُ وَأَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ إذَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا اهـ.
وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ أَخَفُّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا كَمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ قَدْرًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْرُوبَ فِي الْحُدُودِ، وَالتَّعْزِيرِ يُجَرَّدُ عَلَى ثِيَابِهِ إلَّا الْإِزَارَ احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ إلَّا الْحَشْوَ، وَالْفَرْوَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ.
[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]
هُوَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ وَفِي الشَّرْعِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ــ
[منحة الخالق]
بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)