الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَطَعَ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ نِصَابًا بَعْدَ الشَّقِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ
سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا
لَا) أَيْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ صَنَعَ السَّارِقُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ صُنِعَ الْمَسْرُوقُ مِنْ النَّقْدِ آنِيَةً كَانَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالنَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرَانِ جَعَلَهُ أَوَانِيَ، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا تَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يُرَدُّ وَلَا يَضْمَنُ) بَيَانٌ لِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْأَوَّلُ وُجُوبُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ بِاعْتِبَارِ سَرِقَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا، وَالْمَمْلُوكُ لِلسَّارِقِ إنَّمَا هُوَ الْمَصْبُوغُ فَصَارَ كَمَا إذَا سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ، وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ الثَّانِي: عَدَمُ رَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْغَصْبِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ أَيْ لَا يَرُدُّهُ حَالَ قِيَامِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ حَالَ اسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ فَاءِ التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّبْغَ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ.
وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلُ لَا قَطْعَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْوَدَ يُرَدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَهُ السَّارِقُ أَسْوَدَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا مَرَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ قَالُوا: وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي زَمَنِهِ وَيَلْبَسُونَهُ فِي زَمَنِهِمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَرَقَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّبْغِ الْأَحْمَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)
.
بَيَانٌ لِلسَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَلِذَا لَزِمَ التَّقْيِيدُ بِالْكُبْرَى قَالُوا: إنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخْتَصَّةَ بِهَا ثَلَاثَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ أَوْ وَاحِدٌ كَذَلِكَ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كَمَا بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ
ــ
[منحة الخالق]
عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْفَتْحِ.
[سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا]
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ لَمْ يَرُدَّهُ تَأَمَّلْ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ صَبَغَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَمِنْ أَيْنَ يُفِيدُ كَوْنُ الصَّبْغِ بَعْدَ الْقَطْعِ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ مَا عَزَاهُ إلَى الْهِدَايَةِ لَيْسَ عِبَارَتَهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا، فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ قُطِعَ إلَخْ.
[بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
النَّاسِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا وَمَا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا، وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ أَوْ صُلِبَ أَوْ قُتِلَ وَصُلِبَ) بَيَانٌ لِأَحْوَالِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَرْبَعٌ الْأُولَى: لَوْ أُمْسِكَ بَعْدَمَا قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا عَلَى أَحَدٍ وَحُكْمُهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَتُوبَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] فَالنَّفْيُ بِمَعْنَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَدْ عُهِدَ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّعْزِيرَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي أَخْذِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا بِمَاذَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِوُقُوفِهِ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِخَافَةِ الْمَارِّينَ، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ حَقِيقَةً فَبِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ فَقَطْ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ عَائِدًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَكَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِخَافَةِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالتَّوْبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَلْبِ لَكِنْ لِحُصُولِهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ غَايَةً لِلْحَبْسِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَحُكْمُهُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَعْصُومًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَخَرَجَ مَالُ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْزِيَةَ مُتَوَزِّعَةٌ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ وَلَمَّا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَفْحَشَ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا تَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَلِذَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا قِصَاصًا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِهِمْ وَأَشَارَ بِكَوْنِهِ حَدًّا إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ، وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمُحَارَبَتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيُقْتَلُ الْكُلُّ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ حَدًّا، الْقَاتِلُ وَالْمُعِينُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ أَحَدِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُمْ بِسَيْفٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِهَا وَيَصِيرُ كَالْجَمَاعَةِ قَتَلُوا وَاحِدًا بِهِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ. اهـ.
الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ، وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَالْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَتْلِ وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الصَّلْبِ وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنَعَ مُحَمَّدٌ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَالرَّجْمِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكُونُ بِالْإِضَافَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَيَكُونُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ) أَيْ لَهَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ تَبِعَ فِيهِ الْعَيْنِيَّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ تَعَسُّفٌ بَلْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَدَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْمَتْنِ وَعَلَى مَا ادَّعَاهُ الْعَيْنِيُّ لَا تَكُونُ الْإِخَافَةُ مِنْهُ أَصْلًا قَالَ وَلَمْ يَنْتَبِهْ فِي الْبَحْرِ إلَى هَذَا فَمَشَى مَعَ الْعَيْنِيِّ وَعَيَّنَ الشَّارِحُ الْبَحْرَ. اهـ.
وَأَجَابَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَتْلُ النَّفْسِ وَأَخْذُ الْمَالِ صَحَّ جَعْلُ الضَّمِيرِ رَاجِعًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ إشَارَةً إلَيْهِ إذْ مُجَرَّدُ الْإِخَافَةِ لَيْسَ مِنْ مَقْصُودِهِ
(قَوْلُهُ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ إنَّ التَّخْيِيرَ يُنَافِي مَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ
يَمُوتَ) تَشْهِيرًا لَهُ وَاسْتِعْجَالًا لِمَوْتِهِ وَمَعْنَى يُبْعَجُ يُشَقُّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالصَّلْبُ حَيًّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْهَا تَوَقِّيًا عَنْ تَأَذِّي النَّاسِ، فَإِذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَذَ) يَعْنِي بَعْدَمَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَضْمَنْ مَا فَعَلَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَالْمُبَاشِرِ) يَعْنِي فِي الْأَخْذِ، وَالْقَتْلِ حَتَّى تَجْرِيَ الْأَحْكَامُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رَدًّا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَالَتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَحَقَّقَ (قَوْلُهُ:، وَالْعَصَا، وَالْحَجَرُ كَالسَّيْفِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ وَبَطَلَ الْجَرْحُ) بَيَانٌ لِلْحَالَةِ الْخَامِسَةِ لَهُمْ وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَيَجْرَحَ إنْسَانًا فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ فَتَابَ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ لَمْ يُحَدُّ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا) بَيَانُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى: لَوْ جَرَحَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَلِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَيَظْهَرُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ مِمَّا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمَجْرُوحِ لَا لِوَلِيِّهِ، فَإِنْ أَفْضَى الْجُرْحُ إلَى الْقَتْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ وَلَمَّا كَانَ أَخْذُ الْمَالِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ هُنَا هُوَ النِّصَابَ كَأَنْ أَخَذَ مَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَإِذَا أَخَذَ مَا دُونَ النِّصَابِ وَجَرَحَ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ وَكَذَا إذَا أَخَذَ مَالًا يُقْطَعُ فِيهِ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَسَارَعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ لَا يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَهِيَ طَعْنُ عِيسَى، فَإِنَّهُ قَالَ: الْقَتْلُ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالَ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَقْصِدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ وَأُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَدَّهَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ازْدِيَادَ الْجِنَايَةِ أَوْرَثَ الْخِفَّةَ الثَّانِيَةَ لَوْ قَتَلَ فَتَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا حَدَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ، وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُخْتَصِّ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتَنْقَطِعَ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانْ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَضْمَنْ مَا فَعَلَ لَكَانَ أَوْلَى) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ قَتْلَهُ بِمُقَابَلَةِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَجَرْحِهَا رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ تَرِكَتِهِ إذْ لَمْ يُقَابَلْ بِشَيْءٍ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُرَادُ بِالْأَوْلِيَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَجْرُوحَ فَهُوَ وَلِيُّ نَفْسِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَنَحْوُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ) أَيْ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَتَلَ فَقَطْ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا أَقُولُ: وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ إذَا كَانَ قَصْدُهُمْ الْقَتْلَ لَمْ يَكُونُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ وَإِذَا فُرِضَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِ قَلِيلٌ أَوْ تَافِهٌ صَارَ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُمْ قَتَلُوا فَقَطْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدُّوا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا انْفَرَدَ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْحَدِّ فَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ قَتْلَهُمْ سَبَبًا لِلْمَالِ حُكْمًا وَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَخْذُ مَالٍ نُظِرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مُنِعَ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُمْنَعْ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِهِ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ أَطْلَقَ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَشَارَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِي الْمَبْسُوطِ تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدًا لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ الْخَامِسَةُ لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إنْ قَتَلَ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِمُثْقَلٍ عِنْدَهُمَا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ أَوْ اُسْتُهْلِكَ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَقَدَّمْنَا الْمُفْتَى بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) أَيْ مِرَارًا كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَالْخَنْقُ عَصْرُ الْحَلْقِ قَيَّدَ بِتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا قَتْلَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَ التَّكْرَارِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَمِنْهَا مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ فَمَا ضُرِبَ عَشْرَةً حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا. اهـ.
وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةٍ كَانَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى السَّارِقِ الْيَمِينُ، وَالضَّرْبُ خِلَافُ الشَّرْعِ فَلَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فَتْوَى الْمُفْتِي يَجِبُ أَنْ يُطَابِقَ الشَّرْعَ لِصٌّ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَتِهِ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلزَّجْرِ لِتَوْبَتِهِ مَشْرُوعٌ رَجُلٌ اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشْرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ لِقَوْلِهِ عليه السلام «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ اللِّصُّ إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مَا دَامَ الْمَتَاعُ مَعَهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» ، فَإِنْ رَمَى بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَطَلَبَ مِنْ السُّلْطَانِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَضَرَبَهُ السُّلْطَانُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى السِّجْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فَخَافَ الْمَحْبُوسُ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَالضَّرْبِ فَصَعِدَ السَّطْحَ لِيَفِرَّ فَسَقَطَ مِنْ السَّطْحِ وَمَاتَ، وَقَدْ لَحِقَهُ غَرَامَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا صَاحِبَ السَّرِقَةِ بِدِيَةِ أَبِيهِمْ وَبِالْغَرَامَةِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَصَلَ بِتَسْبِيبِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَيْ مِرَارًا) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ أَرَادَ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً