الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ مَصْرِفًا لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ خَرَاجَ أَرْضِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَصْرِفًا لَهُ وَلَوْ تَرَكَ لَهُ عُشْرَ أَرْضِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ وَيُعْطِيه لِلْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) فِي الْجِزْيَةِ
.
(الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ لَا يَعْدِلُ عَنْهَا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي وَقَدْ صَالَحَ عليه السلام بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ وَالْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ جِزًى كَلِحْيَةٍ وَلِحًى لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الْقَتْلِ أَيْ تَقْضِي وَتَكْفِي فَإِذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي وَإِنَّمَا وُضِعَتْ قَهْرًا بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةٌ لِلْمُقَاتِلَةِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْدِ وَقَتْلِهِ فَكَذَا مَا هُوَ بَدَلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ حَدَّ الْغِنَى وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقْرِ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ غَنِيٌّ وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَالْفَقِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَإِنَّمَا الْحَوْلُ تَخْفِيفٌ وَتَسْهِيلٌ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِرْهَمَانِ وَمِنْ الْفَقِيرِ دِرْهَمٌ وَهَذَا الْأَجَلُ التَّسْهِيلُ عَلَيْهِ لَا بَيَانَ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
وَأَطْلَقَ الْفَقِيرُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ غَيْرُ الْمُعْتَمِلِ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَفِي السِّرَاجِ الْمُعْتَمِلُ الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْحِرْفَةَ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْمُكْتَسَبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعْتَمِلِ كَمَنْ قَدَرَ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْزَمُ الزَّمَنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُفَرِّطًا فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفُهَا كَمَا فِي الشَّرْحِ فَلَوْ حَذَفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ اهـ.
وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ
ــ
[منحة الخالق]
الرُّبْعَيْنِ لِنَفْسِهِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا اهـ. مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ.
[فُرُوعٌ لَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ]
(قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُصَرِّفًا لَهُ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا سَيَأْتِي آخَرَ الْفَصْلِ الْآتِي.
[فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ]
(قَوْلُهُ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ لَمَا أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ الْحَالِ وَالْغَنِيُّ مَعْلُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ لَا تَجِبُ عَلَى زَمِنٍ اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ أَيْ مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ بِأَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ مُعْتَمِلٌ فَيَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فَيَنْدَفِعُ حِينَئِذٍ تَوَهُّمُ تَقْيِيدِ الْفَقِيرِ فِيمَا مَرَّ بِالْمُعْتَمِلِ وَتَوَهُّمُ أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ فِي الْفَقِيرِ فَقَطْ وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ حَذْفُ الْمُعْتَمِلِ مِمَّا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ وَقَوْلُهُ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُعْتَمِلَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا اعْتَبَرُوا وُجُودَهَا فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ فَقِيرًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفَقْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا غَنِيًّا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يَجِبَ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَعَمْ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ الْإِلْزَامِ إذْ هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْآخَرِ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ جِزْيَةِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي آخِرِهَا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا اهـ.
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهُ الذِّمِّيُّ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَقِيرًا فِي الْبَعْضِ قَالُوا إنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي النِّصْفِ فَقِيرًا فِي النِّصْفِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَسَطِ الْحَالِ اهـ.
إذْ هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ فَلَا يَنْبَغِي إيرَادُ هَذَا عَلَى الْفَتْحِ وَلَا عَلَى الْمُؤَلِّفِ نَعَمْ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَسَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ أَيْسَرَ فِي آخَرِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ
وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الْآيَةُ وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَشَارَ بِتَقْيِيدِ الْوَثَنِيِّ بِالْعَجَمِيِّ دُونَ الْأَوَّلِينَ إلَى أَنَّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَالْكِتَابِيُّ شَامِلٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَيَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةِ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْفِرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَجُوس عَبَدَةُ النَّارِ وَالْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا وَتَعْبُدُهَا وَالْعَجَمُ جَمْعُ الْعَجَمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ أَيْ عَدَمُ إفْصَاحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ فِيهِ وَلَا صُورَةَ تُعْبَدُ.
(قَوْلُهُ لَا عَرَبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ وَمُكَاتَبٌ وَزَمِنٌ وَأَعْمَى وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٌ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ فِي عِبَارَتِهِ عَرَبِيُّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ فَخَرَجَ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَتَوَالَدُوا فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ أَعْجَمِيًّا فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنَّ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ قُتِلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ.
وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الْمَمْلُوكِ فَلِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَشَمِلَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ فَلَوْ أَدُّوا عَنْهُمْ لَكَانَ وُجُوبُهَا مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا عَدَمُهَا عَلَى الْعَاجِزِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ كَمَا ذَكَرْنَا
ــ
[منحة الخالق]
الْمُحِيطِ يَسْقُطُ الْبَاقِي فِي جِزْيَةِ السَّنَةِ إذَا صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَرِيضًا نِصْفٌ أَوْ أَكْثَرُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا قَالُوا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْعَرَبِيِّ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا (قَوْلُهُ فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ كَانَ عَرَبِيَّ الْأَصْلِ وَقَدْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ كَوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ مَا مَرَّ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَتَدَبَّرْهُ وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ كَوْنُهُ عليه السلام صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخَذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ يَشْمَلُ الْعَرَبِيَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا.
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ كِتَابِيًّا عَدَمَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَيْثُ أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى عَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَهَؤُلَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ أَمَّا مَنْ صَارَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29] فَلَمْ يَشْمَلْهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ لِمُعَارَضَتِهِ لِلنَّصِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا نَصُّهُ وَفِي الْعِنَايَةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِي الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيِّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ وَلَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ» الْحَدِيثُ اهـ.
وَتَمَامُهُ لَكَانَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا
فَدَخَلَ الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الرَّاهِبِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالْجِزْيَةُ لِإِسْقَاطِهِ وَفِي الْبِنَايَةِ الزَّمِنُ مِنْ زَمِنَ الرَّجُلُ يَزْمَنُ زَمَانَةً وَهُوَ عَدَمُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعْطِيلُ قُوَاهُ اهـ.
وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فَلِأَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه لَمْ يُوَظِّفْهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا طَاقَةَ لَهَا فَإِنَّ الْخَرَاجَ سَاقِطٌ عَنْهَا وَغَيْرُ الْمُعْتَمِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَإِنْ مَرِضَ نِصْفَهَا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وُضِعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ وَالتَّكَرُّرِ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسْقِطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَكَذَا تَسْقُطُ إذَا عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَالْعُقُوبَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ فَلِذَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ سَقَطَتْ جِزْيَةُ السَّنَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ بِآخِرِهِ لِسَلَامَةِ الِانْتِفَاعِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَيَمْضِي شَهْرَانِ مِنْهَا قَيَّدَ بِالْجِزْيَةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْأُجْرَةَ وَالْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ وَمَوْتِهِ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي الْخَرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ بِالتَّدَاخُلِ فَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْعُشْرِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عُقُوبَةٌ بِخِلَافِ الْعُشْرِ.
(فُرُوعٌ) فِي الْجِزْيَةِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدًا وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ أُعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ اهـ.
أَوْ يَقُولُ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ لَهُ يَا كَافِرُ وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إنْ آذَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُصْفَعُ فِي عُنُقِهِ حِينَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا) أَيْ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا إخْصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهُمَا وَفِي الْبِنَايَةِ يُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي دِيَارِ مِصْرَ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْبِيعَةِ بَلْ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَفْظُ الدَّيْرِ لِلنَّصَارَى خَاصَّةً وَالْبِيَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَطْلَقَ عُمُومَ دَارِ الْإِسْلَامِ فَشَمِلَ الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» اهـ.
وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا وَفِي الْبِنَايَةِ قَبْلَ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً أَحَدُهَا مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ
ــ
[منحة الخالق]
الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هُوَ وَإِنْ شَمِلَ الْكِتَابِيَّ فَقَدْ خُصَّ بِالْكِتَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ
لِصَلَاتِهِمْ وَلَا صَوْمَعَةٍ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاتِّخَاذِ الْخِنْزِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ وَثَانِيهَا مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ شَيْءٍ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَثَالِثُهَا مَا فُتِحَ صُلْحًا فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجَ جَازَ إحْدَاثُهُمْ وَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَنَا وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ فَالْحُكْمُ فِي الْكَنَائِسِ عَلَى مَا يُوقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى شَرْطِ تَمْكِينِ الْإِحْدَاثِ لَا نَمْنَعُهُمْ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِحْدَاثِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِحْدَاثِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ بَيْتِ النَّارِ بِالْأَوْلَى وَالصَّوْمَعَةِ كَالْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَالصَّوْمَعَةُ بَيْتٌ مَبْنِيٌّ بِرَأْسٍ طَوِيلٍ لِيَتَعَبَّدَ فِيهَا بِالِانْقِطَاعِ عَنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ) مُفِيدٌ لِشَيْئَيْنِ الْأَوَّلُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي دَارِنَا وَالْمُرَادُ بِالْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتُهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ ضَرَبُوا النَّاقُوسَ فِي جَوْفِ كَنَائِسِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ. الثَّانِي جَوَازُ بِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ لَا تُهْدَمُ عَلَى الرَّاوِيَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ وَعَمَلُ النَّاسِ عَنْ هَذَا فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَلَّتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ إمَامٌ بِهَدْمِهَا فَكَانَ مُتَوَارَثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِّيَّةً فِيهَا دَيْرٌ أَوْ كَنِيسَةٌ فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّور يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّورِ فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا كَانَتْ فَضَاءً فَأَدَارَ الْعَبِيدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّوَرَ ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الضَّوَاحِي فَأُدِيرَ السُّوَرُ فَأَحَاطَ بِهَا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي الْأَمْصَارِ قَدِيمَةً فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَبَقُّوهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ بَقُّوهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوا فِي كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبُّوا فَأَمَّا أَنْ يُخْرِجُوا ذَلِكَ مِنْ الْكَنَائِسِ حَتَّى يَظْهَرَ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لِيَخْرُجُوا خُفْيَةً مِنْ كَنَائِسِهِمْ اهـ.
وَصَحَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة رِوَايَةَ كِتَابِ الْإِجَازَةِ مِنْ عَدَمِ هَدْمِ الْقَدِيمَةِ.
(قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الْبِنَايَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِحْدَاثِ وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ طَلَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الصُّلْحَ عَلَى شَرْطِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنْ اتَّخَذُوا مِصْرًا فِي أَرْضِهِمْ لَمْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ أَنْ يُحْدِثُوا فِيهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الدَّنِيَّةَ فِي الدِّينِ وَالِاسْتِخْفَافَ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا يَفِي بِهِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ اهـ.
(قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُهُ أَوْ يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْهَا وَإِنْ اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ مِصْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ الْمِصْرِ قُرًى لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فَعَظُمَ الْمِصْرُ حَتَّى مَلَكَ الْقُرَى وَجَاوَزَهَا فَقَدْ صَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمِصْرِ يَعْنِي تِلْكَ الْقُرَى لِإِحَاطَةِ الْمِصْرِ بِجَوَانِبِهَا فَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْقُرَى بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُحْدِثُوا فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْقُرَى بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ بَعْدَ مَا صَارَتْ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُهُ شَرْحُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا يَفْعَلُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِيهَا قَدِيمًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَأَبْقُوهُمْ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ
وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجُ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْأُكُفِ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُكَرَّمُ وَالذِّمِّيُّ يُهَانُ فَلَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُمَيِّزَةً فَلَعَلَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَأْمُرْهُمْ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ زِيٌّ عَالٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ بِمَا فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ لَازِمٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الدِّيوَانِ الزِّيُّ الزِّينَةُ وَالْكُسْتِيجُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ الزَّنَانِيرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُجْمَعِ بِالصُّوفِ وَقَيَّدَ بِالْخَيْلِ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا الْحُمُرَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى سُرُوجٍ كَهَيْئَةِ الْأُكُفِ وَهُوَ جَمْعُ إكَافٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالسَّرْجُ الَّذِي عَلَى هَيْئَتِهِ هُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَى مُقَدِّمِهِ شِبْهُ الرُّمَّانَةِ وَالْوِكَافُ لُغَةً وَمِنْهُ أَوَكَفَ الْحِمَارُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْإِكَافُ الْبَرْذَعَةُ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا خَرَجُوا إلَى قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَلَامَةُ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ بَلْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُهُ.
وَفِي بِلَادِنَا جُعِلَتْ الْعَلَامَةُ فِي الْعِمَامَةِ فَأَلْزَمُوا النَّصَارَى الْعِمَامَةَ الزَّرْقَاءَ وَالْيَهُودَ بِالْعِمَامَةِ الصَّفْرَاءِ وَاخْتَصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْبَيْضَاءِ اهـ.
لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُفِيدُ مَنْعَ الْعِمَامَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُ قَالَ وَكُسْتِيجَانِ النَّصَارَى قَلَنْسُوَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ اللِّبْدِ مُضَرَّبَةٌ وَزُنَّارٌ مِنْ الصُّوفِ وَأَمَّا لِبْسُ الْعِمَامَةِ وَزُنَّارُ الْإِبْرَيْسَمِ فَجَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَكْسَرَةٌ لِقُلُوبِهِمْ اهـ.
أَطْلَقَ الذِّمِّيُّ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَجِبُ أَنْ تَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ وَيُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيُمْنَعُونَ عَنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّفِيعَةِ قَالَ وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ خِلَافِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ اهـ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الذِّمِّيُّ الصَّغَارَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ اهـ.
فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ مَنْعِ الْخَيْلِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَلْحَقَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْبَغْلَ بِالْحِمَارِ فِي جَوَازِ رُكُوبِهِ لَهُمْ وَصَرَّحَ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَلَانِسِ الصِّغَارِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً مِنْ كِرْبَاسٍ مَصْبُوغَةٍ بِالسَّوَادِ مُضَرَّبَةٍ مُبَطَّنَةٍ وَيَجِبُ تَمْيِيزُهُمْ فِي النِّعَالِ أَيْضًا فَيَلْبَسُونَ الْمَكَاعِبَ الْخَشِنَةَ الْفَاسِدَةَ اللَّوْنِ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَشَرْطٌ فِي الْخَيْطِ الَّذِي يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ أَنْ يَكُونَ غَلِيظًا غَيْرَ مَنْقُوشٍ وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُ حَلْقَةً وَإِنَّمَا يَعْقِدُهُ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ وَشَرْطٌ فِي الْقَمِيصِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا وَأَنْ يَكُونَ جَيْبُهُ عَلَى صَدْرِهِ كَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُؤْخَذُ عَبِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْكُسْتِيجَانِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الظُّهُورُ عَلَيْهِمْ.
فَأَمَّا إذَا وَقَعَ مَعَهُمْ الصُّلْحُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُمْ يُتْرَكُونَ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تُشْتَرَطُ بِعَلَامَةٍ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَاحِدَةٍ أَوْ بِعَلَامَتَيْنِ أَوْ بِالثَّلَاثِ قَالَ بَعْضُهُمْ بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ الطَّوِيلَةِ الْمَضْرَبَةِ أَوْ عَلَى الْوَسَطِ كَالْكُسْتِيجُ أَوْ عَلَى الرِّجْلِ كَالنَّعْلِ وَالْمُكَعَّبُ عَلَى خِلَافِ نِعَالِنَا أَوْ مَكَاعِبِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي النَّصْرَانِيِّ يَكْتَفِي بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الْيَهُودِيِّ بِعَلَامَتَيْنِ وَفِي الْمَجُوسِ بِالثَّلَاثِ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُهُمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكُلِّ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ وَكَانَ الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ وَأَعْطَاهُمْ الذِّمَّةَ بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَأَمَّا إذَا فَتَحَ بَلَدًا عَنْوَةً وَقَهْرًا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ الْعَلَامَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إظْهَارُ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدَمُ تَعْظِيمِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ هَلْ يُبَاحُ لِلْخَادِمِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْدُمَهُ إنْ خَدَمَهُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ إنْ كَانَ لِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا أُدْخِلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ إنْ قَامَ طَمَعًا فِي مَيْلِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ وَبِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ مَا ذَكَرْنَا أَوْ قَامَ تَعْظِيمًا لِغِنَاهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ إنْ قَامَ تَعْظِيمًا لِذَاتِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَفَرَ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَكَيْفَ يَتَعَظَّمُ الْكُفْرُ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا فِي الْمِصْرِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَتْرُكُ الذِّمِّيُّ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْتَهُ صَوْمَعَةً فِي الْمِصْرِ يُصَلِّي فِيهِ اهـ.
وَفِي الصُّغْرَى وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَثُرَ فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى رِوَايَةٍ عَامَّةٍ الْكُتُب إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْصَارِ الْعَرَبِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْعُشْرِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ يُخْرَجُونَ مِنْ الْمِصْرِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا تَكَارَى أَهْلُ الذِّمَّةِ دُورًا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْكُنُوا فِيهَا جَازَ لِأَنَّهُمْ إذَا أُسْكِنُوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ رَأَوْا مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَمَحَاسِنَهُ وَشَرَطَ الْحَلْوَانِيُّ قِلَّتَهُمْ بِحَيْثُ يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِي أَمْصَارِ الْعَرَبِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ أَمَّا إذَا كَثُرُوا بِحَيْثُ تَعَطَّلَ بِسَبَبِ سُكْنَاهُمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَقَلَّلُوا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُأْمَرُونَ بِأَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ يُمَكَّنُونَ أَنْ يَسْكُنُوا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ وَفِي أَسْوَاقِهِمْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ فَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ مِنْهُ جَبْرًا وَالْإِبَاءُ الِامْتِنَاعُ وَأَمَّا الزِّنَا فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَفِي الْقَتْلِ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِنْهُ وَأَمَّا السَّبُّ فَكُفْرٌ وَالْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إذَا نَكَحَ مُسْلِمَةً وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَيُعَزَّرَانِ وَكَذَا السَّاعِي بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ مَذْكُورَةٍ وَفِي وَاقِعَاتِ حُسَامٍ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ وَيُقَاتَلُونَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ وَاخْتِيَارِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ فَلَا نَقُولُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَلَا بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا بَلْ يَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالضَّرَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ وَاخْتِيَارِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْتَقَضُ بِهِ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْإِيمَانَ فَالْأَمَانُ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاخْتِيَارِي هَذَا فَقَوْلُهُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى النَّقْضِ لَا إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْضِ عَدَمُ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرَّاوِيَةِ فَاسِدٌ إذَا صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ زَجْرًا لِغَيْرِهِ إذْ يَجُوزُ التَّرَقِّي فِي التَّعْزِيرِ إلَى الْقَتْلِ إذَا عَظُمَ مُوجِبُهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَدَمُ النَّقْضِ بِهِ كَمَذْهَبِنَا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الْوَالِدُ رحمه الله فِي كِتَابِهِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ اهـ.
كَلَامُ ابْنِ السُّبْكِيّ فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنْ لَا يُقْتَلَ وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَنْفِي قَتْلَهُ خُصُوصًا إذَا أَظْهَرَ مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ وَالِاسْتِخْفَافِ
أَنْ يُقْتَلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ هُنَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِأَبْحَاثِ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمُخَالِفَةِ لِلْمَذْهَبِ نَعَمْ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ تَمِيلُ إلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبِّ لَكِنَّ اتِّبَاعَنَا لِلْمَذْهَبِ وَاجِبٌ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِّهِ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّبِيَّ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ.
(قَوْلُهُ بَلْ بِاللَّحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مَعْنًى فَحِينَئِذٍ هِيَ ثَلَاثٌ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ هُنَا الذِّمِّيُّ إذَا وَقَفَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعُيُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَتَبَ إلَى مَكَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ حَرْبَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ وَجَعَلَ الْكِتَابَ فِي قَرْنِ امْرَأَةٍ لِتَذْهَبَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] فَبَعَثَ عَلِيًّا رضي الله عنه فَأَخَذَهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِحَاطِبٍ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا فَقَالَ إنَّ لِي عِيَالَاتٍ وَقَرَابَاتٍ بِمَكَّةَ فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَهُمْ عَهْدٌ وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاصِرُك وَمُمَكِّنُك وَلَا يَضُرُّك مَا صَنَعْتُ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه ائْذَنْ لِي حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَهْلًا يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنِّي غَفَرْت لَكُمْ» لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الذِّمِّيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَيُحْبَسُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا اهـ.
إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلِيعَةِ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ الطَّلِيعَةُ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ وَيَتَعَرَّفُونَهَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ طَلِيعَةً وَالْجَمِيعُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مَعًا وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ الطَّلِيعَةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَهِيَ فَوْقَ السَّرِيَّةِ اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِي الْفَتْحِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بَعَثُوهُ لِذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ بِوَاقِعَةِ حَاطِبٍ بَعِيدٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الذِّمِّيِّ وَحَاطِبٌ كَانَ مُؤْمِنًا وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الممتحنة: 1] إلَخْ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] وَلِذَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقْت وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله أَنَّ الْعَهْدَ لَا يُنْقَضُ بِالْقَوْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَقْدُ الذِّمَّةِ يُنْتَقَضُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِالْتِحَاقُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ وَأَمَانُ الْحَرْبِيِّ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ صَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالِالْتِحَاقِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ كَالْمُرْتَدِّينَ فِي قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَا لَهُمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ لِتَبَايُنِ الدَّارِ قَيَّدْنَا التَّشْبِيهَ فِي الشِّينِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ بَعْدَ الِالْتِحَاقِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَةٍ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُلْحِقَ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ كَالْمُرْتَدِّ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِمَا أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ
ــ
[منحة الخالق]
وَاسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمْ فَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ فِي النَّقْضِ مُسَلَّمٌ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا مَا بَحَثَهُ فِي الْقَتْلِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْعَيْنِيِّ وَالْفَتْحِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مِمَّا يَمِيلُ إلَيْهِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ خِلَافُ ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَنَا أَنْ نُؤَدِّبَ الذِّمِّيَّ تَعْزِيرًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَّارٌ كَمَا عُرِفَ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ حَدٍّ لَا شَيْءَ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ عليه الصلاة والسلام أَوْ نِسْبَتَهُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَتَمَامُهُ فِيهِ قُلْت وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ يَعْتَقِدُهُ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أَوْ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَمَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا أَوْ طَعَنَ فِي نَسَبِهِ يُنْتَقَضُ اهـ (قَوْلُهُ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قُلْت يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِمَفْهُومِ الدَّلَالَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ إلَخْ تَأَمَّلْ.
الْإِسْلَامِ بَعْدَ اللَّحَاقِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَا لَهُمْ بِاللَّحَاقِ الْأَوَّلِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُقَيِّدَ التَّشْبِيهَ بِالشِّينِ فَقَطْ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُونَ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَعَدَمُ الْجَبْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَالِ الَّذِي لَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَلِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ثُمَّ عَادُوا إلَى الذِّمَّةِ أَخَذُوا بِحُقُوقٍ كَانَتْ قَبْلَ النَّقْضِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ لِأَنَّهُ حَقٌّ الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِصَيْرُورَتِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَمْ يُؤْخَذُوا بِمَا أَصَابُوا فِي الْمُحَارَبَةِ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ لِأَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالرِّدَّةِ الْتَحَقُوا بِسَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا لَا يُؤَاخَذُونَ بِذَلِكَ مَتَى أَسْلَمُوا كَذَا هَذَا اهـ.
وَلِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَّفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا بَعْدَ الظُّهُورِ فَقَدْ اُسْتُرِقَّ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ جِزْيَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرًا وَإِذَا جَاءَ مِنْ نَفْسِهِ نَائِبًا عَادَتْ ذِمَّتُهُ كَمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ فَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا اهـ.
وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعُدْ تَائِبًا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ ضِعْفُ زَكَاتِنَا) أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَتَغْلِبُ بْنُ وَائِلٍ مِنْ الْعَرَبِ وَمِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوًّا بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ فَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَانِ وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَعَلَى هَذَا فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَفَادَ بِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً فِي الْمَعْنَى فَهُوَ وَاجِبٌ بِشَرَائِطِ الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا إذْ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْجِزْيَةِ مِنْ وَصْفِ اللُّقُطَاتِ فَتُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ وَيُعْطِي جَالِسًا إنْ شَاءَ وَلَا يُؤْخَذُ بِتَلْبِيبِهِ وَلَا يَهُزُّ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ وَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا بِخِلَافِ أَرْضِهِمْ فَيُؤْخَذُ خَرَاجُهَا لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ عِبَادَةً.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْحُجَّةِ لَوْ حَدَثَ وَلَدٌ ذَكَرٌ بَيْنَ نَجْرَانِيٍّ وَبَيْنَ تَغْلِبِيٍّ مِنْ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا وَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا مَعًا فَمَاتَ الْأَبَوَانِ وَكَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ إنْ مَاتَ التَّغْلِبِيَّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَإِنْ مَاتَ النَّجْرَانِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ بَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ مَاتَا مَعًا يُؤْخَذُ النِّصْفُ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفُ مِنْ ذَاكَ اهـ.
وَاقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا فِي السِّيَرِ وَالتَّغْلِبِيُّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ صَالَحَهُمْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) أَيْ وَمُعْتَقُ التَّغْلِبِيَّ وَمُعْتَقُ الْقُرَشِيِّ وَاحِدٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَصْلِ فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ عَلَى مُعْتِقِهِمَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِمُضَاعَفَةِ تَخْفِيفٍ وَالْمُعْتَقُ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ وَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهِ.
قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ كَالْهَاشِمِيِّ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَالْحَقُّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ بِهِ وَبِهِ بَطَلَ قِيَاسُ زُفَرَ مَوْلَى التَّغْلِبِيَّ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَكِنْ نُقِضَ بِمَوْلَى الْغَنِيِّ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى مَوْلَاهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ نَقَضَ عَهْدَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَوْلِ اهـ
(قَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَأُرِيته كَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قُرِّرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ
الْفَقِيرِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لِلصَّدَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْمُعْطِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَخُصَّ السَّيِّدُ أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ أَهْلًا لِهَذِهِ الصَّدَقَةِ أَصْلًا لِشَرَفِهِ وَلِذَا لَا يُعْطَى لَوْ كَانَ عَامِلًا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ فَالْحَقُّ مَوْلَاهُ بِهِ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ أَنْ لَا تُنْسَبَ إلَيْهِ الْأَوْسَاخُ بِنِسْبَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ عَدَمُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَهُ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيَّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يَطْمَعُ فِي إيمَانِهِ لَوْ رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ طَمِعَ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّ الذَّرَارِيَّ يُعْطَوْنَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ كَمَا يُعْطَوْنَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَشَايِخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَيَاةِ آبَائِهِمْ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ حَالَةَ الصِّغَرِ. وَالثُّغُورُ جَمْعُ ثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِحَافَةِ الْبُلْدَانِ وَالْقَنْطَرَةُ مَا لَا يُرْفَعُ وَالْجِسْرُ مَا يُرْفَعُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُمْ يَعُودُ إلَى الْكُفَّارِ فَيَشْمَلُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ وَأَفَادَ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ أَيْضًا هَذَا النَّوْعُ لِنَحْوِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْعُدَّةِ لِلْعَدُوِّ وَحَفْرِ أَنْهَارِ الْعَامَّةِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَدْ أَفَادَ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يُصْرَفُ إلَى أَرْزَاقِ الْوُلَاةِ وَأَعْوَانِهِمْ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُحْتَسِبِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَكُلِّ مَنْ تَقَلَّدَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَفِي التَّجْنِيسِ ذَكَرَ مِنْ الْمَصَارِفِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا يَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ هُنَا لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لِيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْخَطَرِ وَالْإِبَاحَةِ سُئِلَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا أَوْ قَاضِيًا وَلَيْسَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ إلَّا فَقِيهٌ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ الْفِقْهَ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ بِأَنْ صَرَفَ غَالِبَ أَوْقَاتِهِ فِي الْعِلْمِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّازِيّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ الْقَاضِي بَلْ أَشَارَ بِهِمَا إلَى كُلِّ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ الْجُنْدِيُّ وَالْمُفْتِي فَيَسْتَحِقَّانِ الْكِفَايَةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَيَبْدَأُ مِنْ الْخَرَاجِ بِأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَرِكَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْخَرَاجِ اهـ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَذَرَارِيِّهِمْ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِالْمُقَاتِلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا يَكْفِيهِمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقَلَ الشَّيْخُ عِيسَى الصَّفَنِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَفُرِضَ لَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفْرَضُ لِذَرَارِيِّ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَسْقُطُ مَا فُرِضَ لِذَرَارِيِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ اهـ.
قُلْت وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَلَعَلَّهُ الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَجَعَلَ الْمَقْدِسِيَّ إعْطَاءَهُمْ بِالْأَوْلَى قَالَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ سِيَّمَا إذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي سَلُّوك طَرِيقِ آبَائِهِمْ.
(قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ) صَوَابُهُ الْعَيْنِيُّ فَإِنَّ عِبَارَةَ مِسْكِينٍ نَصُّهَا أَيْ ذَرَارِيِّ
وَيَكْفِي أَعْوَانَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَعْدَ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا قَسَمُوهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَصَّرُوا فِي ذَلِكَ وَقَعَدُوا عَنْهُ كَانَ اللَّهُ حَسِيبًا عَلَيْهِمْ اهـ.
وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى لِكُلِّ قَارِئٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَتَا دِينَارٍ أَوْ أَلْفَا دِرْهَمٍ إنْ أَخَذَهَا فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا يَأْخُذُهَا فِي الْآخِرَةِ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْقَارِئِ الْمُفْتِي لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَمْ يُقَدِّرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَدْرَ الْأَرْزَاقِ وَالْأُعْطِيَةِ سِوَى قَوْلِهِ مَا يَكْفِيهِمْ وَذَرَارِيَّهِمْ وَسِلَاحَهُمْ وَأَهَالِيَهُمْ وَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لِحَافِظِ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُفْتِي الْيَوْمَ مِائَتَا دِينَارٍ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ زَادَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَمِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُسَوِّي فِي الْعَطَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهُ وَالْفَضْلُ وَالْأَخْذُ بِمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فِي زَمَانِنَا أَحْسَنُ فَتُعْتَبَرُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ اهـ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فِي الْحُكْمِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا جَعَلَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَرَكَهُ لَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَعَلَى هَذَا التَّسْوِيغِ لِلْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ وَلَوْ جَعَلَ الْعُشْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا يُخَالِفُهُ وَأَنَّهُ قَالَ وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ كَرْمِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا أَخَذَ مِنْ الْجَوَّالِيِّ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى مَنْ هُوَ لِذَلِكَ كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَالْجُنْدِيِّ وَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ إثْمٌ اهـ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْإِقْطَاعَاتِ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الرَّقَبَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْخَرَاجُ لِمَنْ أَقْطَعَ لَهُ فَلَا مِلْكَ لِلْمُقْطَعِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٍ فِي فَتَاوِيهِ وَأَنَّ لَهُ الْإِجَارَةَ تَخْرِيجًا عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِجَارَةِ الْعَبْدِ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا الرَّقَبَةَ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْجُنْدِيُّ أَوْ أَخْرَجَ السُّلْطَانُ الْإِقْطَاعَ عَنْهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ الثَّانِي وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهُمَا مَا بَيَّنَ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ مِنْ الزَّكَاةِ الثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَصْرِفُهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا مَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَيُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَيُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ فَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفَهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحَقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُحِيطِ وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا يَهْلِكُ لِضَعْفِهِ فَيُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حَرُمَ عَنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ فَلِهَذَا يُسَمَّى عَطَاءً فَلَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي وَالْمُرَادُ بِالْحِرْمَانِ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ لَهُ وُجُوبًا
ــ
[منحة الخالق]
الْمُقَاتِلَةِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْعَيْنِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ ذَرَارِيِّهِمْ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْمُقَاتِلَةِ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ القراحصاري كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْحَاوِي أَنَّهُ زَادَ فِيهِ بِدُونِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا يُخَالِفُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا نَقَلَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْعَامَّةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي سَقْطًا وَأَصْلُهَا لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّقُولَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْأَهْلِ