الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ اهـ
(قَوْلُهُ وَمَنْ
قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ
يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَدْ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا «تَعْزِيرُهُ عليه السلام رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ» «وَحَبَسَ عليه السلام رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ مِنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَمَسٍّ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَأَكْلِ رِبًا ظَاهِرٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِسْكِينَةٌ أَخَذَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ مِنْ خَبَّازٍ فَضَرَبَهَا حَتَّى صَرَعَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُعَزَّرُ. اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالَ أَحَدٍ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لِقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَلِكَوْنِهَا مِسْكِينَةً وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمِنْهُ الْمُسْلِمُ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ التَّقْدِيمِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ الضَّرْبُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاحِدٌ مَسْتُورٌ وَفَاسِقٌ بِفَسَادِ شَخْصٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا وَلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ. اهـ.
وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْحَبْسِ رَاجِعَةٌ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ، وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا وَمَنْ مَعَهُ رَكْوَةُ خَمْرٍ وَالْمُفْطِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَالْمُسْلِمُ يَأْكُلُ الرِّبَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَكَذَا الْمُغَنِّي وَالْمُخَنَّثُ وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً وَكَذَا مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ يَا كَلْبُ. اهـ.
وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اقْتَصَرَ عَلَى مَسَائِلِ الشَّتْمِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قَذْفًا مَجَازًا شَرْعِيًّا وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ تَعَالَى {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - دُحُورًا} [الصافات: 8 - 9] وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ رَمْيُهُنَّ بِالْفُجُورِ، وَالْقَذْفُ بِالْغَيْبِ الرَّجْمُ بِالظَّنِّ قَالَ تَعَالَى {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} [سبأ: 53] وَقَذَفَ قَذْفًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَأُطْلِقَ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بِالشَّتْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَعْجِزَ الْقَائِلُ عَنْ إثْبَاتِ مَا قَالَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا لِصُّ وَالْمَقُولُ لَهُ فَاسِقٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ لِصٌّ لَا يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي أَخْبَارِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلْحَاقُ الشَّيْنِ بِهِ بَلْ الشَّيْنُ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّمَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ اتِّصَافُهُ، فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ فِسْقَهُ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ
ــ
[منحة الخالق]
يَا خَبِيثُ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ بِهِ فَيَحْصُلُ التَّكَافُؤُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ أَمَّا الضَّرْبُ فَلَا تَكَافُؤَ فِيهِ لِتَفَاوُتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
[قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ]
(قَوْلُهُ: وَيُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ) أَيْ إمَارَتَهَا إذْ لَا وُقُوفَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحَبْسِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْمُدَّةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ إذْ قَدْ تَحْصُلُ فِيهَا التَّوْبَةُ، وَقَدْ لَا تَحْصُلُ وَلَا تَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْحُصُولِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِمَا قُلْنَا أَوْلَى وَأَيْضًا التَّقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ سَمَاعِيٌّ لَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَقَرَّهُ وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ ابْنُ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ) وَقَعَ قَبْلَهُ فِي نُسْخَةٍ أَيْ فَاءَ وَفِي أُخْرَى أَيْ رَمَاهُ وَفِي أُخْرَى بِدُونِ ذَلِكَ
فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ رَشَوْته بِكَذَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذِهِ. اهـ.
وَهَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى فِسْقِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنُوهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْعَبْدِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ فَلَمَّا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ خَلَا بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَسُقُوطِ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّعْزِيرُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحَدِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ التَّعْزِيرِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ بِمِثْلِهِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاتِمَ عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ، فَإِنْ يُبَيِّنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا طَلَبَ مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا.
فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ تَرْكَ الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ عَلَى النِّدَاءِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ فَاسِقٌ أَوْ فُلَانٌ فَاسِقٌ وَنَحْوَهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لَهُ يَا مُنَافِقُ أَوْ أَنْت مُنَافِقٌ يُعَزَّرُ. اهـ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ الْقَاضِي سَرِقَةً وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إثْبَاتُ الْمَالِ لَا نِسْبَتُهُ إلَى السَّرِقَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا وَإِنْ قَصَدَ إقَامَةَ الْحِسْبَةِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا فَكَانَ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى الزِّنَا وَفِي الْمَالِ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ إلَى السَّرِقَةِ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى السَّرِقَةِ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ زَنَيْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ زَنَى أُحْلِفَ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ الْحَدُّ لِلْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى شَخْصٍ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ أَوْ الِانْتِقَاصِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. اهـ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُسْلِمًا فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ اتِّفَاقًا إذْ لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْلَالِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّتْمِ يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ مِنْهُ يَا يَهُودِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَكْفُرُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ كَفَرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيَا رَافِضِيُّ بِمَنْزِلَةِ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُبْتَدِعُ فَيُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ كَافِرٌ إنْ كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَمُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ سَبٍّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفَادَ بِعَطْفِهِ يَا فَاجِرُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا إلَخْ) قُلْت قَدْ ذَكَرُوا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبًا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَخْ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ
(قَوْلُهُ: هَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْإِشَارَةُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ جَمِيعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَالزِّنَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ وَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَبِعَهُ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَشَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَلَامُ الْقُنْيَةِ خَاصٌّ بِذِكْرِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِغَيْرِهِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ يَلْحَقُ مَا عَدَا السَّرِقَةَ بِالزِّنَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالزِّنَا وَأَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَالُ حَيْثُ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ لِلسَّرِقَةِ يَصِيرُ بِدَعْوَاهَا ظَاهِرًا قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهَا وَإِلَّا لَعَدَلَ عَنْهَا إلَى دَعْوَى الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ طَرِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهِ ظَاهِرًا تَأَمَّلْ. اهـ.
وَقَدْ خَطَرَ لِي هَذَا قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وُرُودُ النَّصِّ فِي الزِّنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُجْلَدُ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ. اهـ.
قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ إلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ لَكِنَّا الْتَزَمْنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَهُ أَنْ لَا نُؤْذِيَهُ. اهـ.
قُلْت وَيُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُ الْفَتْحِ الْمَارِّ آنِفًا لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً
عَلَى يَا فَاسِقُ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا.
وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَقَامَ مُدَّعِي الشَّتْمِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاجِرُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ.
وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ يَا لُوطِيُّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيلَ فِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ وَالْقَبِيحِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّيُّوثَ وَالْقَرْطَبَانَ فَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَالْقَرْطَبَانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ عَنْ اللَّيْثِ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ الْبَوَادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ وَمِنْهُ مَا فِي قَذْفِ الْأَجْنَاسِ كَشَحَّاتٍ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْقَرْطَبَانَ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعَهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ بِلَفْظِ مُعَرِّصٍ؛ لِأَنَّهُ الدَّيُّوثُ فِي عُرْفِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا شَتَمَ أَصْلَهُ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ بِخِلَافِ يَا رُوسْبِيُّ، فَإِنَّهُ قَذْفٌ يُحَدُّ بِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رُوسْبِيَّ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا بِخِلَافِ الْقَحْبَةِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُحَابُ وَهُوَ السُّعَالُ وَكَانَتْ الزَّانِيَةُ فِي الْعَرَبِ إذَا مَرَّ بِهَا رَجُلٌ سَعَلَتْ لِيَقْضِيَ مِنْهَا وَطَرَهُ فَسُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ قَحْبَةً لِهَذَا. اهـ.
وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَمِنْهَا يَا خَائِنُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْهَا يَا سَفِيهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَلَوْ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهُ يَجُوزُ وَلَوْ أَجَابَ مَعَ هَذَا فَقَالَ بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا وَعَنْ الشَّيْخِ الْجَلِيلِ الْمُتَكَلِّمِ أَنَّ مَنْ شَتَمَ غَيْرَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَالذَّهَابُ إلَيْهِ فِي الِاسْتِحْلَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهِ. اهـ.
وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ الْمَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ سَوَاءٌ حَالَلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْإِثْمُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْإِبْرَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ وَإِنَّمَا فِي قُدْرَتِهِ طَلَبُ الْمُحَالَلَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ إلَخْ) قَالَ شَارِحُ الْوِقَايَةِ قِيلَ الْقَحْبَةُ تَكُونُ هِمَّتُهُ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ أَقُولُ: الْقَحْبَةُ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا أَوْ تَأْنَفُ مِنْهُ وَالْقَحْبَةُ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ. اهـ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ الْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ يَعْنِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ لِمَنْ قَذَفَ بِهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الظَّهِيرِيَّةِ الْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ وَالْإِنْصَافُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ فِي دِيَارِنَا إذْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ أَحَدٌ إلَّا فِي الزَّانِيَةِ سِيَّمَا حَالَةُ الْغَضَبِ فَكَأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى اهـ.
قُلْت: وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مُنْلَا خُسْرو فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُمَّ لَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَذَفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَمَا إذَا قَالَ: لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ يَا ابْنَ فُلَانٍ أَبِيهِ فِي الْغَضَبِ كَمَا مَرَّ وَلَفْظُ الْقَحْبَةِ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَى الزَّانِيَةِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَعْدَ وَضْعِهِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِضَاءٌ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِشِهْبَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةٌ لَهُ إلَى الزِّنَا اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَكِنَّهُ بَعْدَ مَوْضِعِ تَأَمُّلٍ. اهـ.
كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَكَانَ وَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً صَارَ مَدْلُولُهُ الزِّنَا حَقِيقَةً بِالْوَضْعِ الْحَادِثِ وَدَلَالَةُ الْوَضْعِ أَبْلَغُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ لَفْظٌ صَرِيحٌ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ كَالْفَارِسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَقُدِّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي مَعْرِضِ الْعُرْفِ وَقَالَ فِي الشرنبلالية نُقِلَ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَمِنْ الْمُضْمَرَاتِ. اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْقَحْبَةِ وَابْنِ الْقَحْبَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ يَا زَانٍ وَعَكَسَ حُدَّا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَخَالَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا بِأَنْ أَجَابَهُ بِيَا فَاسِقُ مَثَلًا تَأَمَّلْ
وَالْإِبْرَاءِ، وَقَدْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ التَّعْزِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَّهُ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالنُّكُولِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ.
فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي فِيهَا مِنْ إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ مَا قُلْت مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُنَاقَصَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ يَعْنِي بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ حِينَئِذٍ بِالضَّرْبِ وَيُمْكِنُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ مِنْ الشَّتْمِ وَهُوَ مِمَّنْ تَعْزِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتُمُ النَّاسَ إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وُعِظَ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ وَإِنْ كَانَ سِبَابًا ضُرِبَ وَحُبِسَ يَعْنِي الَّذِي دُونَ ذَلِكَ وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ. اهـ.
مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا زِنْدِيقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت هَذَا لَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي ذِكْرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْلَالِ وَفِي الْقُنْيَةِ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ وَإِقَامَةُ التَّعْزِيرِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعَفْوُ إلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ الْعَفْوَ ثَابِتٌ لِلَّذِي جَنَى عَلَيْهِ لَا لِلْإِمَامِ قَالَ رضي الله عنه وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ إلَى الْإِمَامِ فَذَاكَ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَشْرُوعٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إنْسَانٍ وَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ. اهـ.
مَا فِي الْقُنْيَةِ فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ وَبِيَا كَلْبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ حَصَرَتْ التَّعْزِيرَ بِحَقِّ الْعَبْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهَا بِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ التَّعْزِيرُ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَدْخُلُ فِيهِ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ يَكُونُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالشَّتْمِ أَوْ الضَّرْبِ مَعْصِيَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ أَيْ التَّعْزِيرُ لَهُ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَتَعْزِيرِ الصَّبِيِّ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَلَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ جَرَّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى وَتَعْزِيرَهُ لَهُ لِكَوْنِهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَا مُنَاقَضَةَ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ أَيْ ذَا دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ كَمَا يَأْتِي لَا يَصْدُرُ مِنْهُ مُوجِبُ التَّعْزِيرِ غَالِبًا إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ أَوْ الْغَفْلَةِ نَادِرًا وَلِذَا لَوْ عَادَ يُعَزَّرُ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارَ فَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَلِذَا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُوعَظُ فَلَعَلَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ اسْتِثْنَاءُ مَا إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت إلَخْ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ (قَوْلُهُ: فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ) قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ هُوَ الِانْزِجَارُ فَعَفْوُ الْإِمَامِ عَنْهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُ الْعَفْوَ إذَا رَأَى حُصُولَ الِانْزِجَارِ بِدُونِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّاتِمُ ذَا مُرُوءَةٍ وَعَظَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ لِحُصُولِ الِانْزِجَارِ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَهَذَا فِي الشَّتْمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ عَبْدٍ وَاكْتَفَى فِيهِ بِالْوَعْظِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ بَعْدَ مُجَانَبَةِ هَوَى نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ كَالْحَدِّ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ.
يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بَغَّاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ وَيَا ضُحْكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوِسُ لَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِي يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا تَيْسُ يَا ذِئْبُ يَا قِرْدُ فَلِظُهُورِ كَذِبِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَبٍّ عَادَ شَيْنُهُ إلَى السَّابِّ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ الشَّيْنُ فِيهِ إلَى الْمَسْبُوبِ عُزِّرَ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلشَّتِيمَةِ فِي عُرْفِنَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي يَا كَلْبُ لَا يُعَزَّرُ قَالَ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ شَتِيمَةٌ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ قَطْعًا. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهُ شَتِيمَةً وَلِهَذَا يُسَمُّونَ بِكَلْبٍ وَذِئْبٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ فِي يَا خِنْزِيرُ يَا حِمَارُ يُعَزَّرُ ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يُعَزَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ اسْتَحْسَنَ التَّعْزِيرَ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَا حَجَّامُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَدَمِ التَّعْزِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّبْيِينِ فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ دُونَ يَا حَجَّامُ كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فَالسَّامِعُونَ لَا يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ فَلَحِقَهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهُ يَا حَجَّامُ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ صَنْعَتَهُ.
وَأَمَّا بَغَّا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ الْمَأْبُونُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُقَالُ بَاغًّا وَكَأَنَّهُ اُنْتُزِعَ مِنْ الْبِغَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَهُوَ بِمَعْنَى يَا مَعْفُوجُ وَهُوَ الْمَأْتِيُّ فِي الدُّبُرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ فِي الْعُرْفِ عَيْبٌ شَدِيدٌ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ بِسَبَبِ دُودَةٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُؤَاجِرُ، فَإِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْجِيمِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ لِلشَّيْءِ وَلَا عَيْبَ فِيهِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْمُؤَجَّرِ بِالْفَتْحِ يُقَالُ آجَرَهُ الْمَمْلُوكَ فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مُؤَجَّرٌ وَمُؤَاجَرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَقَدْ نَسَبَهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ وَلَا عَيْبَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا وَلَدُ الْحَرَامِ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا وَلَمْ يَجِبْ الْقَذْفُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، وَقَدْ أَبْدَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِيَا وَلَدَ الْحِمَارِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
وَأَمَّا الْعَيَّارُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْإِنْسَانِ ظَاهِرًا مِنْ التَّرَدُّدِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ لَمْ يَلْحَقْ الشَّيْنُ بِهِ فَلِذَا لَمْ يُعَزَّرْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ فَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مِنْ بَابِ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ النَّكِسُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ وَمِنْ بَابِ فَعَلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: ثَلَاثُ مَذَاهِبَ) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالثَّانِي مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالثَّالِثُ مَا يَأْتِي عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَعْزِيرِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ أَبِيهِ اهـ.
قُلْت وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ فِيهِ نِسْبَةٌ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومَ الْحَدِّ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْخِسَّةُ وَالدَّنَاءَةُ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَبْقَى التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ أَوْ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّبْيِينِ هَكَذَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ.
فَقَوْلُهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُسْتَاقِيٍّ وَلَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَلَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ (قَوْلُهُ: يَا مَعْفُوجُ إلَخْ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ عَفَجَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي الدُّبُرِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَفِي الْقَامُوسِ عَفَجَ يَعْفِجُ ضَرَبَ وَجَارِيَتَهُ جَامَعَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَا مَعْفُوجُ وَقَوْلُهُ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً أَيْ لَفْظُ بَغَّا بِمَعْنَى الْمَأْبُونِ قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَفِي تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ لَوْ قَالَ يَا بَغَّا يَا مُؤَاجِرُ يَا جِيفَةُ فِي عُرْفِنَا فِيهِ التَّعْزِيرُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَا نَاكِسُ إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى نَاكِسٌ وَمَنْكُوسٌ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ