الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]
قَدْ قَدَّمَ حَقِيقَةَ الزِّنَا وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَهَذَا الْبَابُ لِتَفَاصِيلِهِ ثُمَّ بَدَأَ بِبَيَانِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَبَيَّنَ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى شُبْهَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يَسْقُطُ أَيْضًا إلَّا الْإِكْرَاهَ خَاصَّةً لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَا حَدَّ بِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ ظَنَّ حُرْمَتَهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي جَارِيَةِ الْوَلَدِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِالْكِنَايَاتِ فِي بَيْنُونَتِهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَمَذْهَبُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَوَرَّثَ شُبْهَةً.
وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ قَوْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ الشَّارِحُونَ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلُ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ وَتَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَذَا فِي الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلِبَقَاءِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْهَا جَارِيَةُ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ، وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعَةِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَالشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرُ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ الرَّجُلِ مِنْ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ جَارِيَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ قَبْلَهُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهَا الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَقَعُ بِهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَصَارَتْ كَالْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي
ــ
[منحة الخالق]
بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)
أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ فِي الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ لِأُمِّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ يَدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدَّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ جَارِيَةً وَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ كَمَا يَذْكُرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيه اهـ.
رَجُلٌ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَقَالَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ، وَالشِّرَاءِ أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَمِلْكُ الْعَيْنِ فِي مَحَلِّ الْحِلِّ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْحِلِّ فَيُجْعَلُ الطَّارِئُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ كَمَا فِي بَابِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ، فَأَمَّا بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ مِلْكُ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعَقْرُ لَهَا فَلَا يُوَرِّثُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهَا فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَيْتهَا وَصَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ وَقَالَ مَوْلَاهَا كَذَبَ لَمْ أَبِعْهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَإِذَا جُنَّتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ قَتَلَتْ رَجُلًا عَمْدًا فَوَطِئَهَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ وَلَمْ يَدَّعْ شُبْهَةً، فَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً فَوَطِئَهَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى شَيْئًا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْجَارِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُحَدُّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَبِالِاسْتِحْسَانِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْكِنَايَاتِ فَشَمِلَ الْمُخْتَلِعَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَلِعَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا وَفِي جَامِعِ النَّسَفِيِّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي كَوْنِهِ بَائِنًا اهـ.
قَوْلُهُ (وَبِشُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ وَأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَالْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَطْءٍ هُوَ زِنًا سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذِهِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا لِعَارِضِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ كَمَا مُنِعَ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْأَذَى مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَدَّمَ عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ قَوْلِ الْمَتْنِ وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَلْ سَيَذْكُرُ آخِرَ هَذَا الْبَابِ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الْمُخْتَلِعَةَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَقَالَ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُلْعِ وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُرِفَ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرًا فَظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَ الْمُجْتَبَى يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَعْنِي شُبْهَةَ الْمَحَلَّ بَلْ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَالْكَرْخِيِّ لَمْ يُعَلَّلْ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ بَلْ بِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُخْتَلِعَةَ لَا عَلَى مَالٍ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي يَذْكُرُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ النَّسَفِيِّ أَيْضًا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهِ أَيْضًا كَاَلَّذِي عَلَى مَالٍ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) قَالَ فِي الشرنبلالية هَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا صَرِيحًا إمَّا لَوْ نَوَاهَا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعَتْ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهَذِهِ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثٌ وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا وَلَا يُحَدُّ وَهِيَ مَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِالْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ.
وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً عَنْ ظَنِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ أَطْلَقَ فِي الثَّلَاثِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَوْقَعَهَا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ «الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَانَ وَاحِدَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما حَتَّى أَمْضَى عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى النَّاسِ الثَّلَاثَ» ، وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ قَدْ أَجَابُوا عَنْهُ وَأَوَّلُوهُ فَلَيْسَ الدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعِيًّا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قُلْنَا قَدْ خَالَفَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْحِلِّ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ إشَارَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعِبَارَةُ كِتَابِ الْحُدُودِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا مُتَفَرِّقَةً لِمَا ذَكَرْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الزِّنَا بِأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ، فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا حَقَّ مِلْكٍ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْبُسُوطَةَ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ، وَالرِّضَا بِذَلِكَ عَادَةً وَهِيَ تُجَوِّزُ الِانْتِفَاعَ بِالْمَالِ شَرْعًا، فَإِذَا ظَنَّ الْوَطْءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ، وَالِاشْتِبَاهُ فِي مَحَلِّهِ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَمُرَادُهُمْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَقَدْ قَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اخْتَلَفُوا فِيهِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّبْهَةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا إذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ، فَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَوَطِئْتهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ الْحَدُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَفِي التَّبْيِينِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَالِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ إذَا وَطِئَهَا الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ الْمُتْعَةَ بِحَالٍ، وَالْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ التَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ لَمَا جَازَ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالرَّهْنِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْحُرْمَةَ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةً ثَالِثَةً أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا حَلَالٌ وَإِنَّ ظَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قِيَاسًا عَلَى وَطْءِ الْغَرِيمِ جَارِيَةَ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ.
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ فَكَجَارِيَةِ أَخِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُحَدُّ، وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ فِي ظَنِّ الْحِلِّ فَشَمِلَ ظَنَّ الرَّجُلِ وَظَنَّ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ ظَنَّاهُ فَلَا حَدَّ، وَإِنْ عَلِمَا الْحُرْمَةَ وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ ظَنَّهُ الرَّجُلُ وَعَلِمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا تَمَكَّنَتْ فِي الْفِعْلِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَتَعَدَّى إلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لَكِنْ الَّذِي فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا الْجَزْمُ بِأَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الْجَمْعِ فَذَاكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالْإِشَارَةُ لَا تُعَارِضُ الْعِبَارَةَ بَلْ الْعِبَارَةُ هِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ أَمَةً لِأَجْلِ أَنْ يَرْهَنَهَا فَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ.