الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"قال الخطَّابيُّ: وقد ترك بعض العلماء الاحتجاج بهذا الحديث؛ لأن راويه عبد الله بن محمد بن عقيل ليس بذاك.
قلت: هذا الذي قاله هذا القائل؛ لا يقبل؛ فإن أئمة الحديث صححوه كما سبق! وهذا الراوي وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه؛ فقد صحح الحفاظ حديثه هذا؛ وهم أهل هذا الفن، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن: أنه إذا كان في الراوي بعض الضعف انجُبر حديثه بشواهد له أو متابعة؛ وهذا من ذلك".
قلت: كأنه يشير إلى ما سيأتي (رقم 306 و 307 و 308)؛ فإن فيها الغُسْل للثلاث صلوات جميعًا.
وقد ذهل عن هذا كلِّه النوويُّ؛ فأنكر -فيما بعدُ (2/ 536) - ثبوت شيء من الأحاديث في الأمر بالغُسْلِ لكل صلاة؛ مع أنه ثابت فيما صححه هو! !
ومما ينبغي التنبيه عليه: أنَّ جميع من روى الحديث عن ابن عقيل؛ رواه مرفوعًا كله؛ إلا عمرو بن ثابت؛ فإنه أوقف الجملة الأخيرة منه:
"وهذا أعجب الأمرين إليَّ"! رواه المصنف معلقًا!
ولما كان (عمرو) هذا ضعيفًا؛ فقد أوردنا حديثه في الكتاب الآخر (رقم 49)، ولبعضه شاهد من حديث فاطمة بنت أبي حبيش عند أحمد (6/ 464)، وفيه جملة الركضة.
110 - من باب ما روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
294 -
عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش -خَتَنَة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن ابن عوف- استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم:
"إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عِرْقٌ فاغتسلي وصَلِّي".
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِرْكَنٍ في حجرة أختها زينب بنت جحش؛ حتى تعلو حمرة الدم الماء".
(قلت: قد سبق هذا (رقم 283)؛ دون قوله: قالت عائشة
…
إلخ.
والإسناد واحد، وهو صحيح على شرط مسلم! ).
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن.
قلت: قد مضى هذا الإسناد بهذا الحديث مع الكلام عليه وتخريجه؛ فراجعه (283).
295 -
وفي رواية عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة
…
بهذا الحديث؛ قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: الحديث صحيح؛ لكن الصواب فيه أنه من (مسند عائشة) كما في الرواية التي قبلها وكما يأتي بعدها).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عنبسة: نا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال البخاري؛ لكن اختلف فيه على يونس:
فرواه عنه عنبسة -وهو ابن خالد- هكذا؛ جعله من (مسند أم حبيبة) برواية عمرة عنها، وأسقط من بينهما عائشة.
وقد تابعه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كما يأتي في الكتاب (رقم 297).
وخالفه القاسم بن مبرور -كما علقه الصنف بعد هذه الرواية- فقال: عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة
…
فأدخل بينهما عائشة.
وهذا هو الصواب: أنه من رواية عمرة عن عائشة، لكن هو من (مسندها) لا من (مسند أم حبيبة)؛ كذلك رواه الثقات الحفاظ من أصحاب الزهري؛ منهم عمرو بن الحارث وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد وسفيان والأوزاعي؛ كلهم قالوا: عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة
…
وقد سبق تخريج أحاديثهم عند الحديث (رقم 283).
296 -
قال أبو داود: "قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت جحش".
(قلت: لم أجد من وصله! والصواب فيه أنه عن عائشة أن أم حبيبة
…
كما سبق).
297 -
وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة. وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة
…
بمعناه.
(قلت: هذه الرواية الأخيرة وصلها أحمد (6/ 434): ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن الزهري عن عمرة عن أم حبيبة
…
والصواب رواية معمر الأولى؛ فقد تابعه عليها جماعة؛ وقد أشار إلى ذلك المصنف بقوله:
298 -
"وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة
…
وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل".
(قلت: وصله عن إبراهيم بن سعد: مسلم وغيره. وأما رواية ابن عيينة؛ فقد وصلها أبو عوانة وغيره كما ذكرنا عند رواية ابن عيينة؛ وقد علقها المصنف فيما مضى (رقم 275)، لكن ليس عندهم هذه الزيادة التي ذكرها المصنف هنا:"ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل". وكأنه: يعني عند كل صلاة؛ وإلا فإن مطلق الغسل قد قاله ابن عيينة عن الزهري؛ لكن قد ثبت أمر المستحاضة بالغسل عند كل صلاة، فانظر الأحاديث الآتية:(رقم 301 - 303). كما ثبت الغسل لكل صلاتين كما يأتي (رقم 306 و 308)).
قد سبق أن علق المصنف رواية ابن عيينة (رقم 275)؛ وقد ذكرنا من وصله هناك.
وأما رواية ابراهيم بن سعد؛ فقد خرجتها عند الكلام على الحديث المتقدم (رقم 283)، لكن ليس عند الذين خرجوه قول ابن عيينة: "ولم يقل
…
" إلخ؛ بل عند أبي عوانة ما نصه:
فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، تقول: ثم يأمرها أن تغتسل لكل صلاة.
وهذا ظاهره خلاف ما نقل المصنف عن ابن عيينة!
وفي معناه قول الليث بن سعد -عقب روايته للحديث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن معًا:
قال ابن شهاب: لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل عند كل صلاة؛ إنما فعلته هي.
أخرجه مسلم والترمذي والطحاوي، وأحمد (6/ 82).
وقد أخرج الطحاوي -إثر هذه الرواية- رواية إبراهيم بن سعد سمع ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها
…
مثله، ولم يذكر قول الليث.
ثم ساقه من طريق سفيان، فقال فيه: عن عائشة
…
مثله.
فهذا يدل على أن حديث سفيان ليس فيه ما ذكره المصنف رحمه الله فلعل؛ ذلك وقع في رواية له! !
299 -
عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: إسناده صحيح. وقد أخرجه البخاري في "صحيحه").
إسناده: حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيِّبِيُّ: ثني أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجالهم كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسحاق المُسَيِّبِيُّ، وهو ابن محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجالهم كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسحاق المُسَيِّبِيُّ، وهو ابن محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:
"صالح الحديث". وقال الحافظ:
"صدوق؛ فيه لين".
قلت: وقد تابعه مَعْنٌ عند البخاري. وغيرُه عند غيرِه؛ وقد ذكرنا مَنْ خَرَّجَهُ عن ابن أبي ذئب قريبًا، وعند الحديث (رقم 283).
300 -
وكذلك رواه الأوزاعي أيضًا
…
قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: وصله أبو عوانة وغيره؛ وقد سبق معلقًا أيضًا (رقم 284)).
301 -
عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمرها بالغُسْلِ لكل صلاة
…
وساق الحديث.
(قلت: وتمامه: فإن كانت لَتَدْخُلُ المِرْكنَ مملوءًا ماءً؛ فتغتمس فيه ثم تخرج منه؛ وإن الدم لَغَالِبُهُ، فتخرج فتصلي. وهو حديث صحيح).
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ عن عَبْدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه أخرج لابن إسحاق مقرونًا؛ ثم هو مدلس، وقد عنعنه.
لكن الحديث صحيح؛ لأن له متابعًا وشواهد يأتي ذكرها.
وعبدة: هو ابن سليمان الكِلَابي أبو محمد الكوفي.
والحديث أخرجه الدارمي (1/ 200)، والطحاوي (1/ 59)، وأحمد (6/ 237) من طرق عن ابن إسحاق
…
به.
وأخرجه البيهقي (1/ 350) من طريق المؤلف، وابن حزم (2/ 212) من طريقه أيضًا ومن طريق أحمد بسند آخر له عن ابن إسحاق.
وقد تابعه سليمان بن كثير؛ وهو:
302 -
قال أبو داود: "ورواه أبو الوليد الطيالسي -ولم أسمعه منه- عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
"اغتسلي لكل صلاة
…
" وساق الحديث".
(قلت: حديث صحيح، لكن قوله: (زينب بنت جحش) وَهَمٌ من سليمان ابن كثير؛ فإنه ضعيف في روايته عن الزهري خاصة، والصواب:(أم حبيبة بنت جحش)، كما في الرواية التي قبل هذه، وفي غيرها مما سبق. وقد قيل: إن أم حبيبة اسمها (زينب) وقيل: (حبيبة)، قال الدارقطني:"وهو الصواب". والله أعلم).
علَّقه المصنف، ولم أجد من وصله! وقد رواه البيهقي (1/ 350) من طريق المؤلف.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهم تكلموا في سليمان بن كثير في روايته عن الزهري خاصة، فقال النسائي:
"ليس به بأس؛ إلا في الزهري؛ فإنه يخطيء عليه". وقال العقيلي: "مضطرب الحديث عن ابن شهاب، وهو في غيره أثبت".
وقال الذهلي نحو ذلك قبله. وقال ابن حبان:
"كان يخطيء كثيرًا، فأما روايته عن الزهري؛ فقد اختلطت عليه صحيفته، فلا يحتج بشيء ينفرد به عن الثقات". وقال الحافظ في "التقريب":
"لا بأس به في غير الزهري".
قلت: ومما وهم فيه على الزهري قوله: (زينب بنت جحش)؛ فإنه لم يتابعه على قوله هذا أحد من أصحاب الزهري؛ اللهم إلا ابن أبا ذئب في رواية الطيالسي عنه (رقم 1439 و 1583).
وخالفه معن -وهو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم-، وحسين المَرْوُرُّذي؛ وأسد -وهو ابن موسى- ويزيد -وهو ابن هارون- كلهم قالوا عن ابن أبي ذئب:(أم حبيبة بنت جحش).
وهذا هو الصواب! وأبو داود الطيالسي -مع جلالة قدره وكثرة حفظه-؛ فقد نسب إلى الخطأ!
وهكذا على الصواب رواه سائر أصحاب الزهري: عمرو بن الحارث والأوزاعي وابن عيينة، وقد مضت أحاديثهم في الكتاب (رقم 275 و 283 و 284)، والليث ابن سعد: عند أحمد (6/ 82)، وإبراهيم بن سعد، وقد علقها المصنف قريبًا (رقم 298).
وقد قال ابن القيم في "التهذيب":
"وقد رد جماعة من الحفاظ هذا، وقالوا: زينب بنت جحش زوجة النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لم تكن مستحاضة، وإنما المعروف أن أختيها أم حبيبة وحمنة هما اللتان استحيضتا. وقال أبو القاسم السُّهَيْلي: قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن نجاح: أم حبيبة كان اسمها زينب؛ فهما زينبان، غلبت على إحداهما الكنية، وعلى الأخرى الاسم. ووقع في "الموطأ": أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، واستشكل ذلك بأنها لم تكن تحت عبد الرحمن، وإنما كانت عنده أختها أم حبيبة. وعلى ما قال السهيلي عن ابن نجاح؛ يرتفع الإشكال".
قلت: لكن الروايات عن مالك لم تتفق على هذا؛ ففي بعض الروايات عنه قال: (ابنة جحش؛ لم يُسَمِّها)؛ وقال القاضي عياض:
"وهذا هو الصواب"(1). كما في "تنوير الحوالك"؛ ونقل عن الدارقطني أن الصواب في اسمها: (حبيبة). والله أعلم.
ثم إن الحديث قد أعله البيهقي بالمخالفة، فقال:
"ورواية أبي الوليد أيضًا غير محفوظة؛ فقد رواه مسلم بن إبراهيم عن سليمان ابن كثير، كما رواه سائر الناس عن الزهري
…
".
قلت: ثم ساق إسناده إليه بذلك مثل الرواية الأولى في الباب (رقم 294)، ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة؛ ثم قال:
"وهذا أولى؛ لموافقته سائر الروايات عن الزهري، ورواية محمد بن إسحاق عن الزهري غلط؛ لمخالفتها سائر الروايات عن الزهري"! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
"قلت: المخالفة على وجهين: مخالفة ترك، ومخالفة تعارض وتناقض. فإن
(1) قلت: وهكذا -على الصواب- أخرجه الدارمي (1/ 221) من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة.
أراد مخالفة الترك؛ فلا تناقض في ذلك. وإن أراد مخالفة التعارض؛ فليس كذلك؛ إذ الأكثر فيه السكوت عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بالغسل عند كل صلاة، وفي بعضها أنها فعلته هي. وقد تابع ابنَ إسحاق: سليمانُ بن كثير، كما ذكره البيهقي قريبًا؛ وخبر ابن الهاد المتقدم شاهد لذلك".
قلت: وخبر ابن الهاد المشار إليه؛ قد سبق تخريجه عند الكلام على الحديث (رقم 284)، وهو يرويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة:
أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت لا تطهر، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليست بحيضة؛ لتنظر قدر قرئها التي كانت تَحَيضُ له، فتترك الصلاة، ثم تنتظر -ما كان- بعد ذلك، وتغتسل لكل صلاة".
وهذا شاهد قوي لرواية ابن إسحاق وسليمان بن كثير؛ فقد ذكرنا هناك أن إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما البيهقي؛ فقد أعله بمجرد الدعوى؛ فقال:
"قال أبو بكر -يعني: الفقيه-: قال بعض مشايخنا: خبر ابن الهاد غير محفوظ"! ! وقد رد عليه ابن التركماني، فقال:
"قلت: إن أراد غير محفوظ عنه؛ فليس كذلك؛ فإن البيهقي أخرجه فيما مَرَّ من طريق ابن أبي حازم عنه. وأخرجه النسائي من طريق بكر بن نصر عنه.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" من طريق عبد العزيز الدراوردي عنه. فهؤلاء ثلاثة رووه عنه. وإن أراد أنه غير محفوظ منه؛ فليس كذلك أيضًا؛ لأن ابن الهاد من الثقات المحتج بهم في "الصحيح"
…
".
قلت: ويشهد لذلك أيضًا الحديث الآتي:
303 -
عن زينب بنت أبي سلمة:
أن امرأة كانت تُهْرَاقُ الدَّمَ -وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلِّي.
(قلت: حديث صحيح؛ وإسناده مرسل صحيح. وصححه ابن حزم، وقوَّاه ابن القيم والحافظ).
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر: نا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة
…
قلت: فذكر الحديث، ثم قال إثره: وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت
…
قلت: فذكر الحديث المذكور بعده (رقم 304).
وإسناد الأول صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكنه شبه المرسل؛ وبذلك أعله ابن القطان، فقال ابن القيم في "التهذيب":
"وقد أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل، قال: لأن زينب ربيبةَ النبي صلى الله عليه وسلم معدودةٌ في التابعيات، وإن كانت ولدت بأرض الحبشة، فهي تروي عن عائشة وأمها أم سلمة، وحديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ إلا على زوج"؛ ترويه عن أمها وعن أم حبيبة وعن زينب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم -مما لم تذكر بينها وبينه أحدًا- لم تذكر سماعًا منه، مثل حديثها هذا، أو حديثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحَنْتَم، وحديثها في تغيير اسمها". قال ابن القيم:
"وهذا تعليل فاسد؛ فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمها وأم حبيبة وزينب، وقد أخرج النسائي وابن ماجة هذا الحديث من روايتها عن أم
سلمة، والله أعلم. وقد حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت عليه وهو يغتسل، فنضح في وجهها؛ فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كَبِرَتْ".
قلت: والحق أن أحاديث زينب هذه مرسلة كما ذهب إليه ابن القطان؛ فإننا لم تجد لها رواية فيها التصريح بسماعها منه صلى الله عليه وسلم، وهي وإن كانت ثبت لها رؤية، فهي -من هذه الحيثية- صحابية في أصح الأقوال، ولكنها من حيث الرواية تابعية؛ لأنها لم تكن قد بلغت سن التمييز حين وفاته عليه السلام، فقد كان عمرها آنئذٍ بين السادسة والسابعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تزوج أمها أم سلمة في السنة الرابعة من الهجرة على الصحيح، كما في "التهذيب"، وكانت زينب حينئذ لا تزال ترضع، كما روى الحاكم (4/ 16 - 17)، وأحمد (6/ 295 و 313 - 314) من طريق عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة في قصة وفاة زوجها أبي سلمة، ثم تَزَوَّجِ النبي صلى الله عليه وسلم بها؛ قالت:
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها وهي ترضع زينب، فكانت إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخذتها فوضعتها في حجرها ترضعها
…
الحديث. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، والحافظ في "التهذيب".
وله طريقان آخران عن أم سلمة: أخرجهما أحمد (6/ 307 و 320 و 321)، ولفظه في أحدهما:
قالت: فلما وضعتُ زينبَ؛ جاءتي النبي صلى الله عليه وسلم فخطبني
…
(1) الحديث نحوه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فقول ابن القيم:
أنها "قد حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم"! مع أنه مما لا دليل عليه؛ لا تساعده هذه
(1) وهذا الحديث يرد قول الواقدي أن زينب بنت أبي سلمة ولدت بأرض الحبشة.
الرواية الصحيحة؛ ثم هو معارض بقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة": "وأظنُّ أنها لم تحفظ".
ولذلك ذكرها العجلي في "ثقات التابعين". قال الحافظ:
"كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأظن أنها لم تحفظ". قال:
"وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، وروى عن أزواجه".
وأما دخول زينب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل؛ فقد أشار ابن عبد البر في "الاستيعاب" إلى ضعف الرواية بذلك. وقد ذكره الحافظ من طريق عَطَّاف بن خالد عن أمِّه عن زينب.
وأم عطاف هذه؛ لم أعرفها، ولم أجد من ذكرها! والله أعلم.
ثم إن قول ابن القيم: إن "النسائي وابن ماجة أخرجا هذا الحديث من رواية زينب عن أم سلمة"!
فخطأ بيِّن؛ فليس عندهما هذا الحديث البتَّة من رواية زينب عنها؛ بل ولا هو عند غيرهما من هذا الوجه؛ وإنما لأم سلمة حديث آخر في الاستحاضة، وليس فيه الغسل لكل صلاة، وهو الذي أخرجه النسائي وابن ماجة؛ وهو من طريق سليمان بن يسار عنها -وأدخل بعضهم بينهما رجلًا-، وقد مضى في الكتاب أيضًا (رقم 265 - 269).
وأدخل آخر بينهما مرجانة. أخرجه البيهقي (1/ 350).
فالظاهر أن هذه الرواية هي منشأ خطأ ابن القيم رحمه الله ظن أنها من رواية زينب عن أم سلمة، والمعصوم من عصمه الله!
وبعد هذا كله؛ فإني أرى جازمًا أن الحديث صحيح على كل حال؛ لأنه مرسل صحيح الإسناد، وقد جاء موصولًا من وجوه أخرى كما سبق.
ثم أرى أن زينب أخذت الحديث من صاحبة القصة أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن هشام بن عروة روى عن أبيه عنها:
أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
أخرجه مالك (1/ 81)، وإسناده صحيح على شرطهما.
وزينب بنت جحش: هي أم حبيبة؛ أخطأ بعض الرواة في تسميتها، كما سبق بيانه عند الكلام على الحديث السابق، فلا يبعد أن تكون أم حبيبة قد حدثتها بقصتها، وأَمْر الرسول صلى الله عليه وسلم إياها بالغسل لكل صلاة.
ويؤيد ذلك:
الأمر الآخر: وهو أن أم حبيبة قد حدثت بالحديث، فرواه عنها جماعة؛ منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، الذي روى هذا عنها بواسطة زينب هذه كما يأتي.
ثم استدركت فقلت: إن أبا سلمة لم يسمعه منها، كما سنذكره، فالاعتماد على الوجه الأول فقط.
ولذلك قوَّى الحافظ في "الفتح"(1/ 339) هذا الحديث، وجعله شاهدًا للرواية التي قبله، واستدرك به على من ضعفها، ثم قال: فيحمل الأمر -يعني: بالغسل لكل صلاة- على الندب؛ جمعًا بين الروايتين: هذه ورواية عكرمة؛ يعني: الآتية
(رقم 324).
والحديث أخرجه البيهقي (1/ 351) من طريق المصنف.
ثم أخرجه هو وابن حزم (2/ 211) من طرق أخرى عن أبي معمر. ثم قال ابن حزم (2/ 213): إنه في غاية الصحة.
ثم أخرجاه من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم حبيبة
…
به. وأعله البيهقي بالإرسال -يعني: الانقطاع-. وقد قال أبو حاتم:
"إن أبا سلمة لم يسمع من أم حبيبة". والله أعلم.
وأخرجه الدارمي أيضًا (1/ 221).
304 -
عن عائشة قالت:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر-: "إنما هي -أو قال: إنما هو- عِرْقٌ -أو قال: عروق-".
(قلت: حديث صحيح).
قال أبو داود: "في حديث ابن عقيل الأمران جميعًا، قال: "إن قويت فاغتسلي لكل صلاة؛ وإلا فاجمعي"؛ كما قال القاسم في حديثه".
(قلت: يعني: حديث القاسم بن عبد الرحمن الآتي في الباب الذي يلي. وحديث ابن عقيل مضى (رقم 293)؛ لكن ليس فيه الغسل لكل صلاة، وإنما فيه الجمع).
إسناده: هو مقرون مع إسناد الحديث السابق؛ وهو من رواية عبد الله بن عمرو
ابن أبي الحجاج أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أم بكر؛ قال الذهبي والعسقلاني:
"لا تعرف".
قلت: لكن حديثها هذا صحيح؛ فقد تابعها عليه: عروة عن عائشة، وهو وعمرة عنها أيضًا، وقد تقدم في الكتاب حديثهما (رقم 280 - 282) بأتم من هذا.
والحديث أخرجه أحمد (6/ 71): ثنا عبد الصمد قال: ثني أبي: ثنا حسين
…
به.
ثم أخرجه هو (6/ 279)، وابن ماجة (1/ 223)، والبيهقي (1/ 337)، من طرق أخرى عن يحيى بن أبي كثير
…
به.
وقال صاحب "الزوائد".
"إسناده صحيح، ورجاله ثقات"!
كذا قال! وقد اغتر بتوثيق ابن حبان لأم بكر هذه، وقد عرفت حالها.
305 -
وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس.
(قلت: وصله الطحاوي بإسناد صحيح بلفظ: اغتسلي عند كل صلاتين مرة وصلِّي).
وصله الطحاوي (1/ 61): ثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو معمر قال: ثنا عبد الوارث قال: ثنا محمد بن جَحَادة عن إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير