الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحمد بن الوليد بن نويفع؛ ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الدارقطني: "يُعْتَبَرُ به". وقال الذهبي في "الميزان":
"ما روى عنه سوى ابن إسحاق".
قلت: لكن حديثه هذا مقرون مع سلمة بن كُهَيل، وهو ثقة من رجال الشيخين؛ كشيخهما كريب.
وأما ابن إسحاق؛ فقد صرح بالسماع، وهو حسن الحديث، كما سبق ذكره مرارًا.
والحديث أخرجه الحاكم (3/ 54 - 55)، وأحمد (1/ 250 و 264 - 265 و 265) من طرق أخرى عن ابن إسحاق: ثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب
…
به؛ ليس فيه: سلمة بن كهيل. وقال الحاكم:
"صحيح"، ووافقه الذهبي.
23 - باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة
506 -
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"جُعِلَتْ لي الأرض طَهورًا ومسجدًا".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وهو عندهما وكذا أبي عوانة من حديث جابر بن عبد الله).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وعبيد بن عمير: هو ابن قتادة الليثي.
والحديث أخرجه أحمد (5/ 148): ثنا عفان: ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش
…
به مطولًا؛ ولفظه:
"أعطيت خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي: بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود، وجُعِلَت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُحِلَّتْ لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قبلي، ونصِرْت بالرُّعْبِ فَيرْعَب العدو وهو مني مسيرة شهر، وقيل لي: سلْ تُعْطَه؛ واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي؛ فهي نائلة منكم -إن شاء الله تعالى- مَنْ لم يشرك بالله شيئًا".
وهذا على شرطهما أيضًا.
ورواه ابن إسحاق: حدثني سليمان الأ عمش
…
به؛ وزاد في آخره:
فكان مجاهد يرى أن الأحمر: الإنس، والأسود: الجن.
رواه أحمد (5/ 145)؛ وسنده حسن.
وقد خالفه واصل الأحدب فقال: عن مجاهد عن أبي ذر
…
فأسقط من بينهما: عبيد بن عمير.
أخرجه الطيالسي (رقم 472): حدثنا شعبة عن واصل
…
به.
وهكذا أخرجه أحمد (5/ 161) من طرق عن شعبة
…
به.
قلت: وواصل الأحدب ثقة ثبت، كما في "التقريب"؛ فلعل مجاهدًا سمعه عن عبيد أولًا، ثم سمعه من أبي ذر مباشرة؛ فإنه قد أدركه؛ فإن أبا ذر رضي الله عنه توفي سنة (32) في خلافة عثمان، وولد مجاهد سنة (18) -على قول يحيى
ابن بكير-، وسنة (21) -على قول ابن حبان-؛ فعليه كان عمره (11) سنة على الأقل حين وفاة أبي ذر؛ فكان له ممكنًا لقياه أو السماع منه. والله أعلم.
والحديث له شواهد كثيرة؛ منها: عن جابر بن عبد الله: عند البخاري (1/ 346 - 348)، ومسلم (2/ 62)، والنسائي (1/ 74 و 120)، وأبي عوانة أيضًا في "صحيحه"(1/ 395 - 396)، والدارمي (1/ 323)، والبيهقي (2/ 433)، وأحمد (3/ 304)، وصححه ابن حبان (6364).
507 -
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الأرض كلُّها مسجدٌ؛ إلا الحمَّامَ والمقبرةَ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان، وقوّاه ابن حزم وابن دقيق العيد وابن التركماني، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أسانيده جيدة").
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد. (ح) وحدثنا مسدد: ثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
…
قلت: وهذا إسناد صحيح عاس شرط الشيخين؛ وحماد: هو ابن سلمة.
وقد تابعه عبد الواحد -وهو ابن زياد-، وهو من رجالهما.
والحديث أخرجه أحمد (3/ 83): ثنا يزيد: أنا سفيان الثوري وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه -قال حماد في حديثه: عن أبي سعيد الخدري
…
-؛ ولم يجز سفيان أباه.
وهكذا أخرجه ابن ماجة (1/ 251 - 252)، والبيهقي (2/ 434 - 435)، عن
يزيد -وهو ابن هارون-.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(4/ 27) من طريق حجاج بن منهال: ثنا حماد ابن سلمة
…
به موصولًا.
وأخرجه البيهقي (2/ 435) من طريق أخرى عن مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد
…
به.
ثم أخرجه هو، وابن خزيمة (2/ 7 / 391)، وابن حبان (338 و 339)، والحاكم (1/ 251)، وابن حزم، وأحمد، (3/ 96) من طرق أخرى عن عبد الواحد.
وقد تابعهما عبد العزيز بن محمد الدراوردي: ثنا عمرو بن يحيى
…
به.
أخرجه الترمذي (1/ 323)، وابن خزيمة (792)، والحاكم أيضًا، والبيهقي.
وتابعهم محمد بن إسحاق؛ لكنه شذ في لفظه؛ فقال:
"كلُّ الأرض مسجد وطهور؛ إلا المقبرة والحمام".
أخرجه أحمد (3/ 83). وقال البزار:
"أسنده أيضًا عن عمرو بن يحيى: أبو طُوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري"؛ ذكره ابن حزم. ثم قال الحاكم:
"هذه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم"؛ ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقد أعله برواية الثوري المتقدمة مرسلًا! فقال:
"وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أثبت وأصح
…
مرسلًا"!
قلت: وهذا ترجيح عجيب! فكيف تكون رواية سفيان -وهو فرد- أصح من
رواية الجماعة وهم ثقات عدول ومعهم زيادة؟ ! ولو عكس ذلك؛ لكان أقرب إلى الصواب!
على أننا نقول: لعل عمرو بن يحيى أو والده كان أحيانًا يرسله؛ فرواه الثوري كذلك؛ فذلك لا ينفي صحة الموصول؛ بل كلاهما صحيح ثابت. وقال ابن حزم:
"قال بعضهم: هذا حديث أرسله سفيان الثوري، وشك في إسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة. قال علي [يعني: ابن حزم]: فكان ماذا؟ ! وأي منفعة لهم في شَكّ موسى ولم يَشُكَّ حجاج؟ ! وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه! أو في إرسال سفيان؛ وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق؛ وكلهم عدل؟ ! ". وقال صاحب "الإمام":
"حاصل ما عُلِّلَ به: الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة؛ فهو مقبول. وأفحش ابن دِحْيَة، فقال في كتاب "التنوير" له: هذا لا يصح من طريق من الطرق. كذا قال؛ ولم يصب"؛ كذا في "التلخيص"(4/ 39).
قلت: على أن الثوري قد اختلف عليه فيه:
فرواه يزيد بن هارون عنه مرسلًا؛ كما تقدم.
ورواه أبو نعيم وقَبِيصة: ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد
…
به موصولًا.
رواه الدارقطني في "العلل "قال: حدثنا جعفر بن محمد المؤذن -ثقة-: ثنا السرِيُّ بن يحيى: ثنا أبو نعيم وقبيصة
…
به، وقال:
"المرسل المحفوظ".
وقد أشار إلى هذا البيهقي؛ حيث قال عقب رواية يزيد بن هارون:
"حديث الثوري مرسل؛ وقد روي موصولًا؛ وليس بشيء. وحديث حماد بن سلمة موصول؛ وقد تابعه على وصله: عبد الواحد بن زياد والدراوردي". وتعقبه ابن التركماني بقوله:
"قلت: إذا وصله ابن سلمة، وتوبع على وصله من هذه الأوجه؛ فهو زيادة ثقة؛ فلا أدري ما وجه قول البيهقي: ليس بشيء؟ ! "!
قلت: وهذا التعقُّب لا شيء! فإن قول البيهقي هذا إنما أراد به حديث الثوري خاصة لا أصل الحديث؛ كأنه يقول: وقد روي حديث الثوري موصولًا وليس بشيء؛ فهو بمعنى قول الدارقطني المتقدم: "المرسل المحفوظ"؛ يعني: المرسل عن الثوري هو المحفوظ، لا الموصول عنه.
ويدل على ما ذهبنا إليه؛ قول البيهقي عقب ذلك:
"وحديث ابن سلمة موصول
…
" إلخ؛ فإنه كالصريح على أنه أراد بذلك الكلام حديثَ الثوري وحده. ولذلك لا يمكن القول -كما فعل الحافظ في "التلخيص"-:
"إن البيهقي رجح المرسل أيضًا"! والله أعلم.
وثَمَّ وهَمٌ آخر يجب التنبيه عليه أيضًا؛ فقد قال الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 133) -إثر قول البيهقي المذكور آنفًا-:
"ولا أدري كيف يزعم الترمذي ثم البيهقي أن الثوري رواه مرسلًا؛ في حين أن روايته موصولة أيضًا؟ ! ثم الذي وصله عن الثوري: هو يزيد بن هارون، وهو حجة حافظ، وأنا لم أجده مرسلًا من رواية الثوري؛ إنما رأيته كذلك من رواية سفيان بن عيينة؛ فلعله اشتبه عليهم سفيان بسفيان"! !
قلت: لو وقف الأستاذ الفاضل على رواية أحمد المتقدمة عن يزيد بن هارون
عن الثوري؛ لما قال ما قال، ولما رمى الأئمة بالوهم! ذلك لأنها صريحة في أنها مرسلة.
ثم إن رواية سفيان التي زعم أنها موصولة؛ إنما عنى بها رواية البيهقي عن يزيد، فهي ليست صريحة فيما ادعى؛ بل هي تحتمل الوصل والإرسال؛ حيث إن سياقها هكذا:
…
ثنا يزيد بن هارون: أبَنا سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه. وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
حديث الثوري مرسل وقد روي موصولًا
…
إلخ.
فهذا -كما ترى- محتمل للوجهين الذين ذكرنا؛ لكن قول البيهقي: "حديث الثوري مرسل" دليل على أنه وقع عنده كذلك؛ وإلا فمن غير المعقول أن تكون الرواية عنده موصولة، ثم يقول: إنها مرسلة دون أن يبين وجه ذلك!
ويؤيد ذلك تصريح أحمد بأنها مرسلة كما سبق.
ثم إن الفاضل المذكور قد وقع في وهم آخر؛ حيث قال عند تخريج الحديث:
"ورواه أبو داود (ج 1 / ص 184)، والشافعي في "الأم" (ج 1 / ص 79) عن سفيان بن عيينة عن عمرو
…
مرسلًا"!
وهذه الرواية ليست عند المصنف رحمه الله! وقد أشار بالجزء والصفحة إلى موضعها من النسخة التي عليها شرح "عون العبود"، والتي منها ننقل، وعليها نعتمد في هذا الكتاب، وليس في هذه الصفحة ولا في غيرها منها هذه الرواية؛ فهو وهم واضح! نسأل الله تعالى التوفيق.
ثم إن للحديث طريقًا أخرى هو في منجى من ذلك الاختلاف؛ فقد أخرجه الحاكم، ومن طريقه البيهقي: عن عُمَارة بن غَزِية عن يحيى بن عمارة الأنصاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا
…
به.