المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌129 - باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة - صحيح سنن أبي داود ط غراس - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌100 - باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌101 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌102 - باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌103 - باب مواكلة الحائض ومجامعتها

- ‌104 - باب الحائض تُنَاوِلُ من المسجد

- ‌105 - باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌106 - باب في إتيان الحائض

- ‌107 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌108 - باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌109 - باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - من باب ما روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - من باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غُسْلًا

- ‌112 - باب من قال: تغتسل من طُهْرٍ إلى طُهْرٍ

- ‌113 - باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌114 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌115 - باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌116 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌117 - باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌118 - باب في المرأة ترى الصُّفْرة والكُدْرة بعد الطُّهْر

- ‌119 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌120 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌121 - من باب الاغتسال من الحيض

- ‌122 - باب التيمم

- ‌123 - باب التيمُّمِ في الحضر

- ‌124 - باب الجنب يتيمم

- ‌125 - باب إذا خاف الجُنُبُ البَرْدَ؛ أيتيمَّم

- ‌126 - باب المجروح يتيمم

- ‌127 - باب المتيمِّمُ يجد الماء بعدما يصلي في الوقت

- ‌128 - باب في الغسل للجمعة

- ‌129 - باب الرخصة في ترك الغُسْلِ يوم الجمعة

- ‌130 - باب الرجل يُسْلِمُ فيُؤْمَرُ بالغُسْل

- ‌131 - باب المرأة تَغْسِلُ ثوبَها الذي تَلْبَسُه في حَيْضِها

- ‌132 - باب الصلاة في الثوب الذي يُصيبُ أهلَهُ فيه

- ‌133 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌134 - بابُ الرُّخْصَةِ في ذلك

- ‌135 - باب المنيّ يُصيب الثوبَ

- ‌136 - باب بول الصبيِّ يصيبُ الثوبَ

- ‌137 - باب الأرض يُصِيبها البول

- ‌138 - باب في طُهُور الأرضِ إذا يَبِسَتْ

- ‌139 - باب الأذى يصيبُ الذَّيْلَ

- ‌140 - باب الأذى يصيبُ النَّعْلَ

- ‌141 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌142 - باب البُزَاق يصيبُ الثوبَ

- ‌1 - باب في المواقيت

- ‌2 - باب وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يصليها

- ‌3 - باب وقت صلاة الظهر

- ‌4 - باب وقت العصر

- ‌5 - باب وقتِ المغرب

- ‌6 - باب وقت العشاء الآخرة

- ‌7 - باب وقت الصبح

- ‌8 - باب المحافظة على الصلوات

- ‌9 - باب إذا أخَّر الإمام الصلاة عن الوقت

- ‌10 - باب من نام عن صلاة أو نَسِيَها

- ‌11 - باب في بناء المساجد

- ‌12 - باب اتخاذ المساجد في الدُّور

- ‌13 - باب في السُّرُج في المساجد

- ‌14 - من باب في حصى المسجد

- ‌15 - باب كنس المسجد

- ‌16 - من باب اعتزال النساء في المسجد عن الرجال

- ‌17 - باب ما يقول الرجل عند دخوله المسجد

- ‌18 - باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

- ‌19 - باب فضل القعود في المسجد

- ‌20 - باب في كراهية إنشاد الضالّة في المسجد

- ‌21 - باب في كراهية البُزاق في المسجد

- ‌22 - باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد

- ‌23 - باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة

- ‌24 - باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل

- ‌25 - باب متى يُؤْمَرُ الغلام بالصلاة

- ‌26 - باب بَدْءِ الأذان

- ‌27 - باب كيف الأذان

- ‌28 - باب في الإقامة

- ‌29 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

- ‌30 - باب رفع الصوت بالأذان

الفصل: ‌129 - باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

و 8)، والنسائي، والدارمي (1/ 362 و 363)، وابن ماجة (1/ 339)، وأحمد (2/ 280 و 239 و 259 و 282 و 457 و 483 و 491 و 505 و 512)

بنحوه مختصرًا ومطولًا.

‌129 - باب الرخصة في ترك الغُسْلِ يوم الجمعة

379 -

عن عائشة قالت:

كان الناسُ مُهَّانَ أنفسِهِم، فيَرُوحُون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم!

(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم في "الصحيحين").

إسناده: حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة.

قلت: هذا إسناد صحيح على شرط البخاري.

والحديث أخرجه أحمد (6/ 62) عن سفيان -وهو الثوري-، ومحمد في "الموطأ"(ص 75)، والبخاري (2/ 309) -عن عبد الله بن المبارك-، ومسلم (3/ 3) -عن الليث- كلهم عن يحيى بن سعيد

به نحوه.

ثم أخرجه مسلم من طريق أخرى عنها

أنم منه.

والنسائي (1/ 204) من طريق ثالث عنها.

والحديث أخرجه الطحاوي (1/ 70) أيضًا من طرق عن يحيى.

ص: 181

380 -

عن عكرمة:

أن أناسًا من أهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عباس! أترى الغُسْلَ يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا؛ ولكنه أطهر وخيرٌ لمن اغتسل، ومَنْ لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبِرُكُم كيف بدأ الغُسْلُ:

كان الناسُ مجهودينَ، يلْبَسُونَ الصُّوفَ، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيِّقًا مقَارِبَ السقْفِ؛ إنما هو عَرِيشٌ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حارٍّ، وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصُّوف، حتى ثارَتْ منهم رياحٌ آذى بذلك بعضُهُم بعضًا، فلما وَجَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تلك الريحَ قال:

"أيها الناس! إذا كان هذا اليومُ؛ فاغتسلوا، ولْيَمسَّ أحدُكم أفضلَ ما يجد مِنْ دهنهِ وطِيبِه".

قال ابن عباس: ثم جاء الله تعالى بالخير، ولبسوا غَيْرَ الصوف، وكُفُوا العمل، وَوُسِّعَ مسجدُهم، وذهب بعضُ الذي كان يُؤْذي بعضُهم بعضًا من العَرَقِ.

(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي والعسقلاني، وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط البخاري"! يوافقه الذهبي").

إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: نا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة.

قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح". وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 289):

ص: 182

"إسناده حسن"(1).

والحديث أخرجه الطحاوي (1/ 69 - 70) من طريق القَعْنَبِي، ومن طريق ابن أبي مريم: أنا الدراوردي

به.

وأخرجه الحاكم (1/ 280)، وأحمد (1/ 268) من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو

به. وقال الحاكم:

"حديث صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي.

وهو كما قالا.

ثم استدركت فقلت: إن الحديث إسناده حسن؛ لأن مداره على عمرو بن أبي عمرو، وهو وإن كان قد خُرِّجَ له في "الصحيحين" محتجًّا به؛ فقد تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه؛ فقال ابن معين:

"في حديثه ضعف؛ ليس بالقوي". وقال أبو زرعة:

"ثقة". وقال أبو حاتم:

"لا بأس به". وقال النسائي:

"ليس بالقوي". وقال ابن عدي:

"لا بأس به". وقال ابن حبان في "الثقات":

"ربما أخطأ".

فيتلخَّص من أقوالهم هذه أنه في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفًا. ولذلك قال الحافظ في "التقريب":

(1) وكذا قال النووي (4/ 536).

ص: 183

"ثقة، ربما وهم".

فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يظهر خطؤه، ولذلك حسن النووي والحافظ حديثه هذا كما سبق. وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان" -بعد أن ذكر بعض الأقوال المتقدمة فيه-:

"حديثه صالح حسن، مُنْحَطٌ عن الدرجة العُليا من الصحيح"! قال الحافظ: "كذا قال! وحق العبارة: أن يحذف (العُليا) ".

381 -

عن سَمُرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ توضأ؛ فبها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغتسل؛ فهو أفضلُ".

(قلت: حديث حسن، وكذا قال الترمذي، ووافقه النووي. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه". وقوّاه البيهقي لكثرة طرقه).

إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكن الحسن -وهو البصري- مدلس، وقد عنعن.

وأبو الوليد الطيالسي: اسمه هشام بن عبد الملك.

وقد اختلفوا في سماع الحسن من سمرة، ويأتي تحقيق الحق من ذلك إن شاء الله تعالى.

وهذا الإسناد -وإن كان معلولًا-؛ فالحديث صحيح؛ لأن له شواهد كثيرة، سنذكرها قريبًا إن شاء الله.

والحديث أخرجه الطحاوي (1/ 71): حدثنا فهد قال: ثنا أبو الوليد

به.

ص: 184

ثم أخرجه هو، والدارمي (1/ 362)، وأحمد (5/ 8 و 11 و 16 و 22) من طرق عن همام

به.

وكذلك أخرجه البيهقي (1/ 295).

ثم أخرجه هو، والنسائي (1/ 204 - 205)، والترمذي (2/ 369)، والخطيب في "تاريخه"(2/ 352) من حديث شعبة عن قتادة

به.

وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث؛ بسبب اختلافهم في سماع الحسن من سمرة بن جندب؛ فقال النسائي عقيب هذا الحديث:

"الحسن عن سمرة؛ كتاب، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة"! وكذا قال ابن حزم في "المحلى"(2/ 12):

"ولا يصح للحسن سماع من سمرة؛ إلا حديث العقيقة وحده".

وهو قول البزار والدارقطني، كما في "نصب الراية"! وقال الحافظ في "التلخيص" (4/ 614):

"وقال في "الإمام": من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث. قلت: وهو مذهب علي بن المديني؛ كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم". قال الزيلعي:

"والظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول، فإنه صحح في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة. واختار الحاكم هذا القول، فقال في كتابه "المستدرك" -بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان

الحديث-: ولا يُتَوَهَّمْ أن الحسن لم يسمع من سمرة؛ فإنه سمع منه. وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، وقال في بعضها: على شرط البخاري".

ص: 185

قلت: وهذا الحديث من الأحاديث التي صححها الترمذي، فقال:

"حديث حسن صحيح"؛ في نقل الزيلعي عنه. والذي في نسخة "جامعه" -التي صححها المحقق أحمد محمد شاكر-:

"حديث حسن"؛ فقط، ليس فيها:"صحيح"؛ ولم يشر المحقق أن هذه الزيادة وردت في شيء من النسخ التي وقف عليها! والله أعلم.

فهذان قولان متقاربان: أنه سمع منه مطلقًا، وأنَّه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في "الأضاحي"(رقم 2527 و 2528)، وسنذكر هناك الحجة في سماعه لهذا الحديث منه.

وثمة قول ثالث مباين لهذين القولين، وهو أنه لم يسمع منه شيئًا! واختاره ابن حبان في "صحيحه"! وقال في "التنقيح":

"قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من سمرة"!

وهذا القول غير صحيح؛ ففي "صحيح البخاري"(9/ 487) وغيره -كما سيأتي هناك- تصريح الحسن بسماعه لحديث العقيقة من سمرة.

وأيضًا؛ فإن في "مسند أحمد"(5/ 12): ثنا هشيم: ثنا حميد عن الحسن قال:

جاءه رجل فقال: إن عبدًا له أبق، وإنه نذر -إن قدر عليه- أن يقطع يده؟ فقال الحسن: ثنا سمرة قال:

قلّما خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة؛ إلَّا أمر فيها بالصدقة؛ ونهى فيها عن المُثْلَةِ.

قال الحافظ:

ص: 186

"وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة".

قلت: لكن رواه قتادة عن الحسن فقال: عن الهَياح بن عمران:

أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه: لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني لأسأل، فأتيت سمرة بن جندب فقال

فذكر الحديث نحوه.

أخرجه المصنف في "الجهاد"، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- (رقم 2393).

قد أدخل قتادة بين الحسن وسمرة: الهياج بن عمران؛ وهذا يخدج فيما ادّعاه الحافظ رحمه الله، وسيأتي تحقيق الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى!

فتبين مما تقدم صحة القول الأول، وبطلان القول الأخير، وبقي النظر في القول الثاني -وهو أنه سمع منه مطلقًا-وهو أيضًا غير صحيح عندي؛ وذلك لأمرين:

الأول: أننا لم نجد تصريح الحسن بالسماع من سمرة في غير ما سبق من الحديث.

ثانيًا: أنه قد ثبت أن بينه وبين سمرة -في بعض الأحاديث- واسطة كما تقدم.

ومن ذلك ما رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(ص 18) من طريق قتادة أيضًا عن الحسن عن سعد بن هشام عن سمرة بن جندب مرفوعًا:

"خير أمتي؛ القرن الذي بعثت فيهم

" الحديث.

فإذ الأمر كذلك -وكان الحسن معروفًا بالتدليس، كما سبق مرارًا-؛ فلا يكفي في تصحيح مطلق حديثه عن سمرة: أنه سمع منه بعض الأحاديث؛ لاحتمال أن يكون بينهما في الأحاديث الأخرى بعض الرواة ممن دلسهم! ألا ترى أن الحاكم قد روى (4/ 367) بهذا الإسناد -الحسن عن سمرة مرفوعًا-:

ص: 187

"من قتل عبده قتلناه

" الحديث، ثم حكم بصحته؛ فقال:

"صحيح على شرط البخاري"! ووافقه الذهبي!

وليس كما قالا؛ فإن الحسن لم يسمع هذا الحديث من سمرة؛ كما صرح بذلك قتادة أيضًا في رواية عنه، كما أخرجه أحمد (5/ 10) عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة -ولم يسمعه منه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

فذكره.

لذلك؛ كان الصواب من الأقوال الثلاثة القول الأول.

وعليه؛ فكل حديث تفرد بروايته الحسن عن سمرة معنعنًا غير مصرح بالتحديث؛ فهو في حكم الأحاديث الضعيفة، وسيكون من نصيب الكتاب الآخر؛ ما لم نجد له متابعًا أو شاهدًا معتبرًا، كهذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه؛ فإن له شواهد تقويه، وكالحديث المشار إليه آنفًا، فسيأتي في "الدِّيَاتِ".

والحديث قال النووي في "المجموع"(4/ 533):

"حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنة"!

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"؛ كما في "الجامع الصغير".

وأما شواهد الحديث؛ فكثيرة؛ فمنها:

عن أنس.

وله عنه طرق:

1 -

عن يزيد الرقاشي عنه: أخرجه الطيالسي (رقم 2110): حدثنا الربيع عن يزيد

به.

ص: 188

وأخرجه البيهقي (1/ 296) من طريقه، ومن طريق أخرى عن الربيع

به.

وبهذا الإسناد: أخرجه الإمام محمد في "الموطأ"(ص 73) وفي "كتاب الحجج"؛ إلا أنه زاد فقال: عن أنس بن مالك وعن الحسن البصري كلاهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم!

وكذلك أخرجه الطحاوي (1/ 71) من طريق يعقوب الحضرمي قال: ثنا الربيع ابن صَبِيحٍ عن الحسن وعن يزيد الرقاشي عن أنس.

ثم قال الطحاوي: حدثنا أحمد بن خالد البغدادي قال: ثنا علي بن الجعد قال: أنا الربيع بن صبيح وسفيان الثوري عن يزيد الرقاشي عن أنس

به مرفوعًا.

وهذا إسناد صحيح إلى الرقاشي، رجاله كلهم ثقات معروفون.

والربيع بن صبيح ثقة، ولكنه سيئ الحفظ؛ لكن قد تابعه -كما ترى- سفيان الثوري.

وتابعه أيضًا إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرقاشي.

أخرجه ابن ماجة (1/ 339).

وإسماعيل هذا ضعيف؛ فالعمدة على رواية الثوري.

ومدار الحديث على يزيد الرقاشي، وهو ضعيف لسوء حفظه، لا لتهمة في صدقه، فقد قال الآجُري عن المصنف:

"هو رجل صالح، سمعت يحيى يقول: رجل صدق". وقال ابن عدي:

"له أحاديث صالحة عن أنس وغيره، وأرجو أنه لا بأس به؛ لرواية الثقات

ص: 189

عنه". وقال أبو حاتم:

"كان واعظًا بكَّاءً، كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، وفي حديثه ضعف".

لكنه لم يتفرد به؛ فقد فال الحافظ في "التلخيص"(4/ 614):

"ورواه الطبراني من حديثه -يعني: أنسًا- في "الأوسط" بإسناد أمثل من ابن ماجة".

2 -

قلت: وإسناده في "الأوسط" هكذا -كما في "نصب الراية"(1/ 92) -: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المروزي: ثنا عثمان بن يحيى القرساني (*): ثنا مُؤَمَّل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس

فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن عبد الرحمن المروزي وعثمان بن يحيى القرساني فإني لم أجد من ترجمهما!

وهذا هو الطريق الثاني عن أنس.

3 -

والطريق الثالث: أخرجه الطحاوي (1/ 71)، والبزار في "مسنده" من طريق الضحاك بن حُمْرَة الأُمْلُوكي عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن المهاجر عن الحسن بن أبي الحسن عن أنس.

وهذا إسناد رجاله موثقون؛ فهو إسناد لا بأس به؛ لولا عنعنة الحجاج والحسن ابن أبي الحسن -وهو البصري-.

والضحاك بن حمرة سيئ الحفظ.

(*) كذا في أصل الشيخ! ! وليس في الرواة من هذه نسبته! وإنما هو (عثمان بن يحيى القرقساني)؛ وهو في "ثقات" ابن حبان (8/ 455) و "أنساب" السمعاني. ثم رأيت الشيخ يوثقه في "الصحيحة"(6/ 293). (الناشر).

ص: 190

ومنها: عن جابر:

أخرجه الطحاوي (1/ 71) من طريق عُبَيْدٍ بن إسحاق العَطَّار قال: أنا قيس ابن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.

وهذا إسناد رجاله موثقون؛ غير عبيد بن إسحاق العظار؛ ضعفه يحيى والبخاري والدارقطني.

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! وقال:

"يُغْرِب". ورضيه أبو حاتم فقال:

"ما رأينا إلا خيرًا، وما كان بذاك الثبت، في حديثه بعض الإنكار". وقال الهيثمي في "المجمع"(2/ 175):

"رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري، وضعفه جماعة"!

قلت: إعلال الحديث بـ (عبيد بن إسحاق) أولى؛ لكنْ لعل البزار رواه من طريق أخرى عن الربيع، فلذلك لم يعله الهيثمي به! والله أعلم.

وله طريق أخرى؛ فرواه عبد بن حميد في "مسنده": حدثنا عمر بن سعد عن الثوري عن أبان عن أبي نضرة عن جابر مرفوعًا.

ورواه عبد الرزاق في "مصنفه": أخبرنا الثوري عن رجل عن أبي نضرة

به.

وأبان: هو ابن أبي عياش، وحاله كحال يزيد بن أبان الرقاشي في الضعف.

وأما قول الزيلعي (1/ 92): "والحسن لم يسمع من أنس؛ كما قال البزار"؛ فوهم منه وذهول؛ فقد نقل هو قبل صفحة (ص 90) كلام البزار في سماع الحسن من الصحابة، وفيه أن البزار قال:

ص: 191

"فأما الذين سمع منهم؛ فهو أنس بن مالك

" إلخ.

وقد جزم بسماعه منه أحمد وأبو حاتم، ولكن علته أنه معنعن، كما سلف.

وفي الباب: عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري: عند البيهقي.

وهذه الأحاديث وإن كانت أفرادها ضعيفة؛ فمجموعها مما يعطي الحديث قوة، ويرقِّيه إلى درجة الحسن على أقل الدرجات. وقد حسنه الترمذي والنووي كما سبق، وقوّاه البيهقي؛ فقال الزيلعي (1/ 93):

"قال البيهقي: والآثار الضعيفة إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض؛ أحدثت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم. انتهى".

لكن الحديث ليس نصًّا فيما بوب له المصنف؛ لأن غاية ما فيه: أن الوضوء نِعْمَ العملُ، وأن الغسل أفضل، وهذا مما لاشكَّ فيه، وقد قال الله تعالى:{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} . قال ابن حزم رحمه الله (2/ 14):

"فهل دلَّ هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضًا؟ ! حاشا لله من هذا! ".

قال:

"ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نصٌّ على أن غسل الجمعة ليس فرضًا؛ لما كان في ذلك حجة؛ لأن ذلك كان يكون موافقًا لما كان الأمر عليه قبل قوله عليه السلام غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم". و "على كل مسلم". وهذا القول منه عليه السلام شرع وارد، وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ".

قلت: والحق أن غسل الجمعة واجب؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب قبله صريحة في ذلك لا تقبل التأويل إلا بتكلف واضح؛ لكنها لا تفيد الشرطية، فمن اغتسل يوم الجمعة؛ فقد أدى الواجب الذي عليه، ومن تركه فقد أثم؛ لكن صلاة

ص: 192