الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) بَاب تَخَوُّفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا
121 -
(1052) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ:
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: "لَا وَاللَّهِ! مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ! إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ "كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ. أَوَ خَيْرٌ هُوَ. إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. أَكَلَتْ. حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ. ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ. فَعَادَتْ. فَأَكَلَتْ. فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ
⦗ص: 728⦘
لَهُ فِيهِ. وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كمثل الذي يأكل ولا يشبع".
(أيأتي الخير بالشر) أي أيستجلب الخير الشر. يعني أن ما يحصل لنا من الدنيا خير إذا كان من جهة مباحة، فهل يترتب عليه شر؟ (إن الخير لا يأتي إلا بخير) أي أن الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير. ولكن ليست هذه الزهرة بخير لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال على الآخرة. (أو خير هو) معناه أن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة. (إن كل ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم) معناه أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل، أو يقارب القتل. إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر. وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن، تطلبه النفوس وتميل إليه. فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه، غير صارف له في وجوهه، فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه. ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا ييسيرا، وإن أخذ كثيرا فرقه في وجوهه، كما تثلطه الدابة، فهذا لا يضره. هذا مختصر معنى الحديث. (حبطا) أي تخمة. وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل. (و يلم) أي يقارب الإهلاك. (إلا آكلة الخضر) أي إلا الماشية التي تأكل الخضر، وهي البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها. قال في النهاية: الخضر نوع من بقول ليس من أحرارها وجيدها. (امتلأت خاصرتاها) أي امتلأت شبعا وعظم جنباها. (استقبلت الشمس) أي بركت وقعدت مستقبلة عين الشمس. (ثلطت) ثلط البعير يثلط، إذا ألقي رجيعا سهلا رقيقا. (اجترت) أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه، تستمرئ بذلك ما أكلت وقال ابن الأثير في النهاية. ضرب في هذا الحديث مثلين: أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها. فقوله: إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم. فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا بغير حقها. وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الإحتمال فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك. وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في الآخرة بدخول النار، وفي الدنيا بأذى الناس له، وحسدهم إياه، وغير ذلك من أنواع الأذى. وأما قوله: إلا أكلة الخضر. فإنه مثل للمقتصد. وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي الأمطار فتحسن وتنعم. ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها، حيث لا تجد سواها. فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمريها. فضرب أكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو بنجوة من وبالها كما نجت آكلة الخضر. ذلك أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمري بذلك ما أكلت وتجتر وتثلط. فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط. وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول، فتنتفخ أجوافها، فيعرض لها المرض فتهلك. وأراد بزهرة الدنيا حسنها وبهجتها. وبركات الأرض ثمارها وما يخرج من نباتها.
122 -
(1052) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب. قال: أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ
" أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا " قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ " بَرَكَاتُ الْأَرْضِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ قَالَ " لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا تَأْكُلُ. حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ وَبَالَتْ وَثَلَطَتْ. ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ. إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ. فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ. وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يشبع ".
(إن هذا المال خضرة حلوة) قال الحافظ في الفتح: وقال ابن الأنباري: قوله المال خضرة حلوة، ليس هو صفة المال، وإنما هو للتشبيه. كأنه قال: المال كالبقلة الخضراء الحلوة.
123 -
(1052) حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بن أبي كثير، عن هلال ابن أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ:
⦗ص: 729⦘
جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ. وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. فَقَالَ " إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا " فَقَالَ رَجُلٌ: أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُكَلِّمُكَ؟ قَالَ: وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ. وَقَالَ " إِنَّ هَذَا السَّائِلَ "(وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ) فَقَالَ " إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ. وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا أَكَلَتْ. حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ. ثُمَّ رَتَعَتْ. وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ. وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلَ (أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغيرحقه كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ. وَيَكُونُ عَلَيْهِ شهيدا يوم القيامة ".
(الرحضاء) أي العرق، من الشدة. وأكثر ما يسمى به عرق الحمى. (إن هذا السائل) هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها: أبن. وفي بعضها: أنى، وفي بعضها أي، وكله صحح. فمن قال: أن وأنى فهما بمعنى. ومن قال: إن فمعناه، والله أعلم، إن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن. ولهذ قال: وكأنه حمده. ومن قال: أي فمعناه أيكم. فحذف الكاف والميم.