الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) بَاب فِي الْإِيلَاءِ وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ وَتَخْيِيرِهِنَّ، وَقَوْلِهِ تعالى:{وإن تظاهرا عليه}
30 -
(1479) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حدثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ سماك أبي زميل. حدثني عبد الله ابن عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ. فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ. فقَالَ عُمَرُ فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فقالت: مالى ومالك
⦗ص: 1106⦘
يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَاللَّهِ! لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحِبُّكِ. وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَت: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ. فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ. مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ. وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَنْحَدِرُ. فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ! اسْتَأْذِنْ لِي عَنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اسْتَأْذِنْ لِي عَنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ. فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اسْتَأْذِنْ لِي عَنْدَكَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ. وَاللَّهِ! لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضَرْبِ عَنْقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عَنْقَهَا. وَرَفَعْتُ صَوْتِي. فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ ارْقَهْ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ. فَجَلَسْتُ. فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ. فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ. وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ
⦗ص: 1107⦘
الْغُرْفَةِ. وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ. قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ. قَالَ:
"مَا يُبْكِيكَ؟ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! " قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَمَا لِي لَا أَبْكِي؟ وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ. وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى. وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ. وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفْوَتُهُ. وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فقَالَ "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ، وَأَحْمَدُ اللَّهَ، بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. آيَةُ التَّخْيِيرِ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [66 /التحريم/5]{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [66 /التحريم/4] وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ "لَا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى. يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ "نَعَمْ. إِنْ شِئْتَ" فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وجهه. وحتى كثر فَضَحِكَ. وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا. ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلْتُ. فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ" فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ.
⦗ص: 1108⦘
وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [4 /النساء/83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آية التخيير.
(ينكتون بالحصى) أي يضربون به الأرض، كغعل المهموم المفكر. (عليك بعيبتك) المراد عليك بوعظ بنتك حفصة. قال أهل اللغة: العيبة، في كلام العرب، وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه. فشبهت ابنته بها. (خزانته) الخزانة مكان الخزن، كالمخزن. وما يخزن فيه يسمى خزينة. (المشربة) قال في الصباح: بفتح الميم والراء، الموضع الذي يشرب منه الناس. وبضم الراء وفتحها، الغرفة. (أسكفة) هي عتبة الباب السفلي. (مدل رجليه) أي مرسلهما. (نقير) أي على شيء من خشب نقر وسطه حتى يكون كالدرجة. قال النووي: هذا هو الصحيح الموجود في جميع النسخ. وذكر القاضي أنه بالفاء، بدل النون، وهو فقير بمعنى مفقور، مأخوذ من فقار الظهر، وهو جذع فيه درج. (أن أرقه) أي أشار إلي رباح بالصعود إلى المشربة بواسطة ذلك الجذع المنقور كالسلم. ف (أن) تفسيرية. و (ارقه) أمر من الرقي. والهاء في آخره للسكت. وفي الكلام حذف. تقديره فرقيت فدخلت. (قرظا) القرظ ورق السلم يدبغ به. (أفيق) هو الجلد الذي لم يتم دباغه. وجمعه أفق. كأديم وأدم. وقد أفق أديمه يأفقه. (فابتدرت عيناي) أي لم أتمالك أن بكيت حتى سالت دموعي. (تحسر الغضب) أي زال وانكشف. (كشر) أي أبدي أسنانه تبسما. ويقال أيضا في الغضب. قال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافتر، كله بمعنى واحد. فإن زاد قيل: قهقه وزهزق وكركر. (أتشبث) أي مستمسكا بذلك الجذع، الذي هو كالسلم للغرفة. (يستنبطونه) قال الزمخشري في الكشاف: أي الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم. والنبط الماء يخرج من البئر أول ما تحفر. وإنباطه واستنباطه إخراجه واستخراجه. فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم.
31 -
(1479) حدثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بلال). أخبرني يحيى. أخبرني عبيد ابن حُنَيْنٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ. فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ. حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ. فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أَزْوَاجِهِ؟ فقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ. مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عَنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِي عَنْهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ! إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا. حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ. وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَأْتَمِرُهُ، إِذْ قَالَت لِي امْرَأَتِي: لو صنعت كذا وكذا! فقلت لها: ومالك أنت ولما ههنا؟ وَمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فقَالَت لِي: عَجَبًا لَكَ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. قَالَ عُمَرُ:
⦗ص: 1109⦘
فَآخُذُ رِدَائِي ثُمَّ أَخْرُجُ مَكَانِي. حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فقَالَت حَفْصَةُ: وَاللَّهِ! إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ. يَا بُنَيَّةُ! لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي قَدْ أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا. وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا. ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ. لِقَرَابَتِي مِنْهَا. فَكَلَّمْتُهَا. فقَالَت لِي أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! قَدْ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ! قَالَ: فَأَخَذَتْنِي أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ. فَخَرَجْتُ مِنْ عَنْدِهَا. وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ. وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ. وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا. فَقَدِ امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ. فَأَتَى صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ. وَقَالَ: افْتَحِ. افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فقَالَ: أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ. ثُمَّ آخُذُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ. حَتَّى جِئْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مَشْرُبَةٍ لَهُ يُرْتَقَى إِلَيْهَا بِعَجَلَةٍ. وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ. فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ. فَأُذِنَ لِي. قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ. فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ. وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. وَإِنَّ عَنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا. وَعَنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً. فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ
⦗ص: 1110⦘
فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَكَيْتُ. فقَالَ:
"مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ. وَأَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تَرْضَى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة؟ ".
(الأراك) جاء في المعجم، للعلايلي: الأراك في وصف القدماء، شجرة طويلة خضراء ناعمة كثيرة الورق والأغصان، خوارة العود. يستاك بفروعها، أي تنظف بها الأسنان. وهو طيب النكهة، له حمل كحمل عناقيد العنب. ويعد اليوم من فصيلة الزيتونيات. (عدل إلى الأراك لحاجة) عدل عن الطريق المسلوكة الجادة، منتهيا إلى شجر الأراك لحاجة له، كناية عن التبرز. (أأتمره) معناه أشاور فيه نفسي وأفكر. ومعنى بينما وبيننا، أي بين أوقات ائتماري. (تراجع) مراجعة الكلام مرادته برجع جوابه، أي إعادته. (غسان) الأشهر ترك صرف غسان. (رغم أنف حفصة وعائشة) هو بفتح الغين وكسرها. والمصدر فيه بتثليت الراء. أي لصق بالرغام، وهو التراب. هذا هو الأصل. ثم استعمل في كل من عجز عن الانتصاف، وفي الذل والانقياد كرها. (بعجلة) قال النووي: وقع في بعض النسخ: بعجلها. وفي بعضها: بعجلتها. وفي بعضها: بعجلة. وكله صحيح. والأخيرة أجود. قال ابن قتيبة وغيره: هي درجة من النخل. كما قال في الرواية السابقة: جذع. (من أدم) هو جلد مدبوغ. جمع أديم. (مضبورا) وقع في بعض الأصول: مضبورا، بالضاد المعجمة. وفي بعضها بالمهملة. وكلاهما صحيح، أي مجموعا. (أهبا معلقة) بفتح الهمزة والهاء، وبضمهما. لغتان مشهورتان. جمع إهاب. وهو الجلد قبل الدباغ، على قول الأكثرين. وقيل: الجلد مطلقا. (ولك الآخرة) هكذا هو في الأصول: ولك الآخرة. وفي بعضها: لهم الدنيا. وفي أكثرها: لهما، بالتثنية. وأكثر الروايات، في غير هذا الموضع: لهم الدنيا ولنا الآخرة. وكله صحيح.
32 -
(1479) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حدثنا عَفَّانُ. حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ عُمَرَ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ: شَأْنُ الْمَرْأَتَيْنِ؟ قَالَ: حَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ. وَزَادَ فِيهِ: وَأَتَيْتُ الْحُجَرَ فَإِذَا فِي كُلِّ بَيْتٍ بُكَاءٌ. وَزَادَ أَيْضًا: وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا. فلما كان تسعا وعشرين نزل إليهن.
(وأتيت الحجر) يريد بيوت أمهات المؤمنين. (وكان آل منهن) معناه حلف لا يدخل عليهن شهرا. وليس هو من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء، ولا له حكمه. وأصل الإيلاء في اللغة، الحلف على الشيء. يقال منه: آلى يؤلى إيلاء. وتألى تأليا. وائتلى ائتلاء. وصار في عرف الفقهاء مختصا بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة.
33 -
(1479) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ) قَالَا: حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ (وَهُوَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ) قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَبِثْتُ سَنَةً مَا أَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا. حَتَّى صَحِبْتُهُ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ذَهَبَ يَقْضِي حَاجَتَهُ. فقَالَ:
⦗ص: 1111⦘
أَدْرِكْنِي بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ. فَأَتَيْتُهُ بِهَا. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَرَجَعَ ذَهَبْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرْتُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ فَمَا قَضَيْتُ كلامى حتى قال: عائشة وحفصة.
(مولى العباس) هكذا هو في جميع النسخ: مولى العباس. قالوا: وهذا قول سفيان بن عيينة. قال البخاري: لا يصح قول ابن عيينة هذا. وقال مالك: هو مولى آل زيد بن الخطاب. وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير: هو مولى بني زريق. قال القضي وغيره: الصحيح عند الحفاظ وغيرهم، في هذا، قول مالك. (على عهد) هكذا هو في جميع النسخ: على عهد. قال القاضي: إنما قال على عهده، توقيرا لهما. والمراد تظاهرتا عليه في عهده. كما قال تعالى: وإن تظاهرا عليه. وقد صرح في سائر الروايات بأنهما تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (مر الظهران) في القاموس: هو واد قرب مكة.
34 -
(1479) وحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ)(قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حدثنا. وقَالَ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنا عبد الرزاق). أخبرنا معمر عن الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [66 /التحريم/ 4]. حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ. فَتَبَرَّزَ. ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ. فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صغت قلوبكما؟} قَالَ عُمَرُ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! (قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَرِهَ، وَاللَّهِ! مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ) قَالَ: هِيَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ. قَالَ: كُنَّا، مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، بِالْعَوَالِي. فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي. فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعَنِي. فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فقَالَت: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ! إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ. وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حفصة. فقلت: أتراجععين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نَعَمْ. فَقُلْتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ؟ قَالَت: نَعَمْ. قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ. أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ. لَا تُرَاجِعِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا. وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ. وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمَ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ (يُرِيدُ عَائِشَةَ).
⦗ص: 1112⦘
قَالَ: وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا. فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ. وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ؛ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا. فَنَزَلَ صَاحِبِي. ثُمَّ أَتَانِي عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي. ثُمَّ نَادَانِي. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ. فقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَاذَا؟ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا. بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَطْوَلُ. طَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا. حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي. ثُمَّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي. فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقَالَت: لَا أَدْرِي. هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ. فَأَتَيْتُ غُلَامًا لَهُ أَسْوَدَ. فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ. فقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ. فَإِذَا عَنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ. فجللست قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ. ثُمَّ أَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ. فقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي. فقَالَ: ادْخُلْ. فَقَدْ أَذِنَ لَكَ. فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ على رمل حصير. قدأ فِي جَنْبِهِ. فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ! نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَقَالَ "لَا" فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ! لَوْ رَأَيْتَنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكُنَّا، مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا. فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعَنِي. فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فقَالَت: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ! إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ. وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ. أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ دَخَلْتُ
⦗ص: 1113⦘
عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ مِنْكِ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقُلْتُ: أَسْتَأْنِسُ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ "نَعَمْ" فَجَلَسْتُ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ. فَوَاللَّهِ! مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ، إِلَّا أُهَبًا ثَلَاثَةً. فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ. فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ. وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ. فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ " أَفِي شَكٍّ أَنْتَ؟ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي. يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ. حتى عاتبه الله عز وجل.
(بالعوالي) موضع قريب من المدينة. (أن كانت) أي بأن كانت. (جارتك) أي ضرتك. (أوسم) أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال. (فكنا نتناوب النزول) يعني من العوالي إلى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى. (تنعل الخيل) أي يجعلون لخيولهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا. (على رمل حصير) هو بفتح الراء وإسكان الميم. وفي غير هذه الرواية: رمال، بكسر الراء. يقال: رملت الحصير وأرملته، إذا نسجته. (أستأنس يا رسول الله) الظاهر من إجابته صلى الله عليه وسلم أن الاستئناس، هنا، هو الاستئذان في الأنس والمحادثة. ويدل عليه قوله: فجلست. (من شدة موجدته) أي غضبه.
35 -
(1475) قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَت: لَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. بَدَأَ بِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا. وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ:
"إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" ثُمَّ قَالَ "يَا عَائِشَةُ! إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". ثُمَّ قَرَأَ علي الآية: يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ. حَتَّى بَلَغَ: أَجْرًا عَظِيمًا. قَالَت عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ، وَاللَّهِ! أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَت فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَت: لَا تُخْبِرْ نِسَاءَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي مُبَلِّغًا وَلَمْ يُرْسِلْنِي مُتَعَنْتًا". قَالَ قَتَادَةُ: صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، مَالَتْ قُلُوبُكُمَا.