الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - أبو الفضل ابن محمد بن علي بن طاهر بن تميم القيسي
حوالي 540 - 598هـ
= 1135 - 1202م
ــ
ومنهم الشيخ الفقيه الجليل، العالم الصدر النبيل، النبيه الذكي السني القدر، الكاتب البارع أبو الفضل ابن محمد بن علي بن طاهر بن تميم القيسي من أهل بجاية، واصله قد اشتهر ويعرف بابن محشرة، يكنى أبا الفضل وأبا العلى، كان أبوه قاضيا ببجاية. له علم متسع المدى، وتخصص ووقار بما سبيله فيما يقتدى. كان متمكن المعرفة، حسن الشارة والصفة، له الهمة السنية، والأخلاق المرضية، وكان وجيها مكرما، ومشرفا معظما. استدعاه الخليفة ابن عبد المؤمن إلى حضرتهم بمراكش فارتحل من بجاية وهو كاره لارتحاله، مع علمه إنه استدعاه لمنصب يسمو به على أمثاله، ولكن عزة العلم أغنته عن الناس، وحصبت له من المزية في الأنفس أزيد مما يقاس.
أخبرنا شيخنا الفقيه أبو محمد عبد الحق بن ربيع أن سبب استدعائه أن كاتب سر الخليفة في ذلك الزمان توفى، واهتم أمير المؤمنين لذلك غاية الاهتمام،
وكان مسعود بن سلطان الرياحي المعروف بمسعود البلطي، وفد على أمير المؤمنين من هذه البلاد، وكانت له عنده مزية، وكان يحضر معه أكثر الأوقات في الخلوات. قال: فدخلت عليه يوما فوجدته مغتما وقد ظهر التغير في وجهه، فقلت له يا سيدي يا أمير المؤمنين ما الذي أهمكم لا أهمكم الله؟ فقال لي أن كاتب سرنا فلانا قد مات، وقد احتجنا إلى من نقيمه مقامه وما وجدنا، لأنه يحتاج في كاتب السر أن يكون على صفة كذا وعلى نعت كذا. فقلت له بشراك يا سيدنا يا أمير المؤمنين، هذا الرجل ببجاية أبو الفضل ابن محشرة، ووصف له من صفاته ما وقع منه موقع القبول، فكتب إليه أمير المؤمنين من حينه، وأمر والي بجاية أن يحتفى به ويحمله خير محمل، فلم يمكنه بعد وصول الأمر إلا طاعة أمير المؤمنين ولم يمكنه التخلف، ولما وصل إلى حضرة مراكش ومثل بين يدي الخليفة رأى من حسن سيمته وروائه ووقاره، ما أغناه عن اختباره، فأكرم نزله، ورفع منزلته ومحله، ولما وقع الاطلاع على ما عنده من فنون العلم علم أن الكتابة التي وقع الاستدعاء بسببها إنما هي بعض صفاته، وإحدى آلاته وأدواته. وكان عادته إنه إذا وجه إليه أمير المؤمنين ليأتي محله، يتأنى ويتربص، ويأتي على التؤدة والتأني والوقار وإصلاح الهيئة واستكمال الزينة، ولم يزل ذلك دأبه إلى أن وشى به عند الملك من غص منه، فقال إنه لا يأتي إلا على قعود عن الخليفة، وقال ما شاء الله أن يقول. فوقع في نفس الملك من ذلك شيء، فاستدعاه واعجله، فتأنى وجرى على عادته، ولما حضر بين يديه عاتبه وقال له: يا فقيه كثيرا ما تبطئ علينا إذا استدعيناك فما هذا منك؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أنت إمام المسلمين، وما أحسب أن محل الإمامة إلا كمحل الصلاة، فكما آتي إلى الصلاة آتي إلى هذا المحل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها تمشون وعليكم السكينة، فما
أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فاستحسن ذلك منه أمير المؤمنين وزاد في تقريبه، وتركه على حاله، وحاجة الخليفة كانت إليه أكثر من حاجته. وله رواية عن أبي القاسم السهيلي رضي الله عنه وأبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي وسمع منه. قال أنشدني أبو محمد عبد الحق لنفسه:
قالوا صف الموت يا هذا وشدته
…
فقلت وامتد مني عندها الصوت
يكفيكم منه أن الناس لو وصفوا
…
أمرا يروعهم قالوا هو الموت
توفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وولد سنة أربعين وخمسمائة أو قبلها بيسير. فهؤلاء الفضلاء هم الذين رأيت أن ألحقهم بعلماء هذه المائة السابعة لأنهم كانوا في أواخر المائة السادسة، وقد بقي خلق كثير من أهل المائة السادسة ممن لهم جلال وكمال، ولكن شرط الكتاب منع من ذكرهم، وقد مضى من قول الشيخ أبي علي المسيلي رضي الله عنه إنه قال: أدركت ببجاية ما ينيف على تسعين مفتيا ما منهم من يعرف أبا علي الحسن بن علي المسيلي من يكون، وإذا كان من المفتين تسعون فكم يكون من المحدثين ومن النحاة والأدباء وغيرهم ممن تقدم عصرهم ممن لم يدركه، كان الناس على اجتهاد، وكان الأمراء لأهل العلم على ما يليق ويراد، وها أنا أذكر مشيختي وأعلام إفادتي رضي الله عنهم.