الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
89 - أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن محمد الزهري ويعرف بابن محرز
569 -
655هـ
1173 -
1258م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، الحافظ اللافظ، المحدث المتقن، اللغوي التاريخي، الأديب الكامل، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن
محمد الزهري، من أهل بلنسية ويعرف بابن محرز، قرأ بالأندلس ولقي بها أفاضل من أهل التحصيل. جمع بين الرواية وعلو المنصب وبعد الهمة. وله مكارم هو بها أولى وأطلق، وبها قمره المنير أحق. لقي جماعة من العلماء الفاضل منهم والده وخالاه أبو بكر وأبو عامر، ولدا أبي الحسن علي بن هذيل المقرئي وابو عبد الله محمد بن خلف بن مرزوق وأبو عبد الله بن نوح وأبو العطاء وهب بن لب بن نذير الفهري وأبو الخطاب ابن واجب
وأبو بكر ابن حمزة وأبو محمد ابن حوط الله ورحل إلى أبي محمد عبد الله بن عبد الله الحجري فسمع منه ومن أبي عبد الله ابن غاني بسبتة وأجاز له أبو جعفر ابن مضا وأبو جعفر ابن حكم وأبو محمد ابن
مليح وأبو الحسن ابن نقرات وغيرهم، ومن أهل المشرق أبو القاسم البصير وأبو عبد الله الكركيسي وأبو الحسن ابن المفضل ووفد على حاضرة مراكش ولقي بها الفقيه أبا الحسن علي بن عبد الملك بن القطان. ثم ارتحل إلى بجاية بعد الأربعين وستمائة واستوطنها، وكان معظما عند أهلها محترما وكان عند الملك بها حظيا مكرما، وروى بها عن الشيخ العالم العابد أبي الحسن علي بن أبي نصر رحمه الله، وروى عنه بها كثير واشتغل عليه اشتغال التحصيل والتعليم. والتبيين والتفهيم.
كانت تقرأ عليه الكتب الفقهية، وكتب الحديث وكتب اللغة والأدب. كان محصلا لهذه الفنون مجيدا فيها، ولا يخلو له وقت عن الاشتغال بالعلم أما الرواية وإما التدريس وإما المقابلة وإما عرض المسائل على سبيل المذاكرة. وكان أحسن الناس خلقا وألينهم للطلبة جانبا محبا في علم الأدب.
ورأيت له نظما ونثرا لا بأس بهما، ورأيت له خطبا في عقود النكاح حسنة. وقيد أصحابه عنه كثيرا. وذكر لي بعض أصحابنا أن له "تقييدا" على "التلقين" صغير الحجم. وجميع ما طالعته من الكتب التي يوجد عليها خطه في غاية الجودة تقييدا وإصلاحا وتطريرا، وقد رأيت له هذا في فنون كثيرة من الفقه والخلافيات والحديث والأدب واللغة، وكل ذلك يدل على مشاركته وتحصيله. وهو كان رأس الجماعة الأندلسية ببجاية. كل كان يأتي إلى منزله وعنده مجتمعهم، أبو عبد الله الابار وأبو المطرف ابن عميرة وأبو بكر ابن سيد الناس وأبو عبد الله الجنان وغيرهم. كان هو شيخ الجماعة وكبيرهم.
توفي رحمه الله ببجاية يوم الأحد الثامن عشر لشوال سنة خمس وخمسين وستمائة، ومولده في آخر شهري جمادى سنة تسع وستين وخمسمائة، وصلى عليه على شفير القبر تلميذه أبو الحجاج ابن أيوب بوصيته بذلك، وكان يوم وفاته مشهدا عظيما كأنه يوم عيد ولم يبق من لم يحضره.
ولقد اتفق في وقت الحضور للصلاة عليه أن الإمام المذكور تأخر وتقلق الناس، وكان شيخنا أبو محمد عبد العزيز بن كحيلة أحد الحاضرين والخاصين به من طلبته، فقال: ننظر من يصلى ينصرف الناس " فقال له بعض الحاضرين: الحق في هذا لوليه أبي عامر وأبي جعفر وكانا بالحضرة، فقال الفقيه أبو محمد عبد العزيز ما تكلمت إلا بألسنتهما، فقال له أبو عبد الله الأبار: يا فقيه ويجوز بلسانيهما -منكتا عليه في إنه أورد الجمع محل التثنية- فقال الفقيه أبو محمد مجاوبا: نطقت بما نطق الله به في القرآن، قال الله تعالى {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} وهذا هو الصواب وغيره خطأ. وبعد انقضاء الصلاة وانصراف
الناس اجتمع الفقيهان وتراضيا. رحم الله جميعهم.
وحكى لي بعض الطلبة عنه إنه قال: كان بالزنقة التي كنت ساكنا بها ببلنسية مسجد، وكنت اصلي فيه خلف إمامه الراتب، فلما حضر وقت طلوعنا من بلنسية إلى حاضرة مراكش على جري العادة في كل عام، ووقع العزم على السفر، ووصل إلى إمام المسجد المذكور وسألني في أن أتوسل له في ظهير بزيادة في مرتبه من قبل أمير المؤمنين على الإمامة بالمسجد المذكور، وكتب لي رقعة يذكرني بها حاجته، فأخذتها منه وجعلتها في خرج فيه أسبابي، فلما وصلت إلى حاضرة مراكش وأردت الرجوع رفعت مسائلي وأردت قضاء حوائجي، فقضيت ووادعت من يجب وداعه وعدت إلى منزلي بمراكش، ألفيت رقعة الإمام فتذكرت حاجته بعد أن كنت أنسيتها فخرجت من الغد على هيئة السفر وتعرضت إلى الشيخ أبي محمد عزون صاحب الأشغال بمراكش فسلمت عليه فقال لي: ما هذا؟ أليس قد وادعتني بالأمس؟ فقلت له بقيت لي حاجة، فقال لي: وكذا تكون أنت بحوائجك. وأنشدته هذه الأبيات:
عذرا بإلحاحي عليك مؤملا
…
لا غرو أن تلقى الكريم فتسألا
ألقاك مزدادا لكونك باذلا
…
ومعاودا وردي لكونك منهلا
ومكثرا من قول هات لأنني
…
أبدا أراك مقللا من قول لا
فاستحسنها والتفت إلى كاتبه وقال له: انزل بموضعك ويبقى الفقيه راكبا على هيئته واكتب له ظهيرا عن أذن أمير المؤمنين بزيادة ستة دنانير للإمام وبزيادة مدين من القمح في كل يوم. فانصرفت له شاكرا ولأياديه ذاكرا.