الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد بن إبراهيم الازدي الاشبيلي
510 -
581هـ
1116 -
1185م
ــ
ومنهم الإمام الشيخ الفقيه الجليل، المحدث الحافظ المتقن المجيد، العابد الزاهد، القاضي الخطيب أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد بن إبراهيم الأزدي الأشبيلي رحل إلى بجاية وتخيرها وطنا وكمل بها خبرة، فألف التآليف وصنف الدواوين وولى الخطبة وصلاة الجماعة بجامعها الأعظم، وجلس للوثيقة والشهادة وولي قضاء بجاية مدة قليلة، ولم يشتهر ذلك من أمره ولا أطلعت على ذلك إلا من رسوم وجدتها مسجلا عليه فيها وكان
ذلك في مدة ابن غانية المعروف بالميورقي اللمتوني، سمعت إنه رحمه الله كان يقسم ليله أثلاثا، ثلثا للقراءة، وثلثا للعبادة، وثلثا للنوم. وكان مع ذلك متقللا من الدنيا، مقتصرا على أقل الكافي منها، وكان مصاحبا ومواليا للفقيه أبي علي المسيلي رحمه الله.
ومن نقل من أثق بنقله، ما نفله من كلام محيى الدين أبي بكر محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي وقد ذكر الشيخ أبا مدين رضي الله عنه فقال: كان الشيخ جمال الحافظ، زين العلماء، عماد الرواة، رأس المحدثين أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي الخطيب المحدث قد وأخاه في بجاية وأقر له بالسبق في طريق الحق، وكان إذا دخل سيدنا أبي مدين ويرى ما أيده الله تعالى به ظاهرا وباطنا، كان يجد في نفسه حالة سنية لم يكن يجدها قبل حضوره مجلسه، فيقول عند ذلك: هذا وارث على الحقيقة. انتهى. قلت: كمال حصل في الجانبين وجمال التقى من الطرفين.
وله رضي الله عنه تآليف جليلة نبل قدرها، واشتهر أمرها، وتداولها الناس رواية وقراءة وشرحا وتبينا. له "الأحكام الكبرى" في الحديث "والأحكام الصغرى" فيه، وله كتاب "العاقبة في علم التذكير" وله كتاب "التهجد" وله "اختصار الرشاطي" وهو أحسن من الأصل. وسمعت من شيخنا الفقيه أبي محمد ابن عبادة رحمه الله إنه ألف كتابا كبيرا في الأحكام
في الحديث وهو أضعاف الأحكام الكبرى، سمعت منه أن الكتاب المذكور اضمحل أمره بعد كمال تأليفه لكبيره، وسمعت من بعض الطلبة إنه ألف كتابا في اللغة سماه "بالحاوي" وهو في ثمانية عشر مجلدا ورأيت كتابا مجموعا من شعره كله في الزهد وفي أمور الآخرة رضي الله عنه. والذي كثر تداوله بين أيدي الناس من كتبه هو الاحكامان الكبرى والصغرى والعاقبة.
وقد كتب أبو عبد الله ابن القطان مزوار الطلبة بالمغرب على الأحكام الصغرى نكتا واستلحاقا، وكتب غيره عليها ردا وإصلاحا، وقد اشتهرت كتبه بالمشرق ووقع النقل منها، ونقل عنه صاحب الجواهر الثمينة في آخر كتاب الزكاة من كتابه فصلا نقله أبو محمد عبد الحق في كتاب الزكاة من كتاب الأحكام ونصه: قال المؤلف، وقال عبد الحق البجائي، وفي بعض نسخ ابن شاس وقال عبد الحق اليماني وهو غلط، وإنما نسبه إلى بجاية لاستيطانه بها وظهور حاله وتصانيفه فيها.
وكانت له أخلاق حسنة فاضلة، سمعت شيخنا الفقيه أبا محمد عبد الحق، يقول، كان الفقيه أبو محمد عبد الحق الاشبيلي متخليا عن الدنيا وكان كثيرا ما يجلس مع الفقيه أبي علي المسيلي رحمهما الله، فربما أتته الوصيفة من داره لقضاء
بعض مآرب منزله، فإذا أتته تطلب منه ما يقضي بالشيء اليسير يخرج لها، قال: أضعاف ذلك، وكان ذلك في مدة "البلكيني" فربما قال له بعض الحاضرين هذا أكثر من المطلوب أو من المحتاج إليه، فيقول لا أجمع على أهل المنزل ثلاث شينات، شيخ واشبيلي وشحيح، يكفي ثنتان، وهذا من لوذعته وطيب طينته مع ما هو عليه من جلال العلم وكمال الفهم رضي الله عنه. ولد في ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة، وارتحل إلى بجاية بعد الخمسين وخمسمائة، وتوفي بها في أواخر ربيع الثاني من عام اثنين وثمانين وخمسمائة وكان تاريخ وفاته مكتوبا في رخامه عند قبره.
وحكي أن بعض النصارى أخذ هذه الرخامة وسافر بها إلى بلاده ثم أعادها إلى مكانها لأنه تشاءم بها ثم سرقت بعد ولم تعد.
وقبره خارج باب المرسى وهو من القبور المزورة المتبرك بها، وكثيرا ما رأيت الطلبة يقرؤون تآليفه عند قبره رضي الله عنه، وأما الشيخ المبارك أبو علي الاركشي فاني ختمت قراءة العاقبة بين يديه على قبره رحمهما الله، ويتصل سندنا بالفقيه أبي محمد عبد الحق المذكور من طريق الفقيه المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن حسن الصدفي عن الفقيه أبي زكرياء بن عصفور عن أبي الحسن علي عن صاحب الصلاة عنه.