الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حسن ابن الغماز الأنصاري
609 -
693هـ
1212 -
1294م
ــ
ومنهم شيخنا، الشيخ الفقيه، الفاضل الجليل، القاضي الكبير الشهير، العدل الرصن، أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن، ابن الغماز الأنصاري من أهل بلنسية، ورحل إلى بجاية واستوطنها، ولقي المشائخ بها كأبي بكر ابن محرز وأبي المطرف ابن عميرة وأبي الحسن ابن أبي نصر وغيرهم وتخطط بها بالعدالة وهو بها حقيق، وجلس للوثيقة وكان ممن يشار إليه بالنباهة والرياسة والسياسة.
ثم ارتحل إلى حاضرة أفريقية واستوطنها، وثبتت له بها خطة العدالة والشهادة، واستمر على التصدي للوثيقة فظهر وأشهر ونبل قدره وكبر.
ثم ولي قضاء بجاية وولي إقامة صلاة الفريضة بجامعها الأعظم، فظهر من
نبله في القضاء ومعرفته بوجوه الرد والإمضاء، ما عجز عنه من تقدمه من القضاة، وكان مقدما في فصل الأحكام وعارفا بمواقعها على التمام، وكانت له صلابة وسياسة ووقوف مع الحق، وكان في مدة ولايته ببجاية بعض ظلمة العمال، وكان يوافقه الموافقة التي تحمد، ويسلك من سبيل السياسة ما يعينه على حصول المقصد؛ ولما انفصل جيش بجاية مع جيش افريقية لحصار مليانة وبقيت البلاد شاغرة، عاث المفسدون في الخارج وأفسدوه وامتدت الأيدي ووقع هرج عظيم، فقام بأمر الناس، ووقف خير موقف، وحفر الحفير على البلاد وشيد ما احتاج إلى التشييد من الأسوار، وظهر من عقله وفضله ونبله وجده واجتهاد ما حمد به أمره وجل به قدره، وبعد انقضاء هذا العارض ورجوع الجيش إلى الوطن، استدعى لحاضرة أفريقية وقدم للقضاء بها، فظهر من أمره بها أضعاف ما ظهر ببجاية، وفصل من الأحكام ما كان متلبسا في المدة الطويلة قبله، وظهر قاضيا عمليا محكما، وسما عند المستنصر بالله وجاوز الحد والقياس، ولم يزل يخلع ولاية القضاء بحاضرة افريقية ويلبسها خلعا أحسن من لبس، ولبسا أحسن من خلع، لأنه كان لا يخلعها إلا لمثلها وما هو أسنى منها، ولم يكن الخلع لشيء أصلا.
توجه إلى المغرب لبعض ملوكه عن المستنصر بالله، فكان يوصف من رياسته وعلو همته ما دل على فضيلته وانتخاب طينته، وكان محبوبا عند الناس لقربه منهم.
تخلى في آخر عمره، رحمه الله، وجلس للرواية والتصحيح إلى أن مات رحمه الله. ولقد أخبرني بعض الطلبة، إنه كان يروي عنه وبقي عليه قدر يسير من الكتاب الذي كان يرويه، فحضه رحمه الله على تكميله وقال له: انك قد لا تجدني بعد هذه الأيام، قال: ولم يقعد بعدها إلا قدر ثمانية أيام وتوفي رحمه الله.
رأيته ببجاية ولقيته بها ورأيته أيضا بتونس رؤية جيدة، واستفدت من أخلاقه ومن الاطلاع على أحكامه بحضوري مجلسه، ما انتفعت به كثيرا، ولد
بتاريخ يوم عاشوراء عام تسعة وستمائة، وهو يوم العقاب وكان يوم الاثنين الرابع عشر لصفر من عام تسعة وستمائة المذكور من ناحية جيان، وتوفي بتونس في يوم عاشوراء من عام ثلاثة وتسعين وستمائة.
ومن نظمه بالزهد رحمه الله.
هو الموت فاحذر أن يجيئك بغتة
…
وأنت على سوء الفعل عاكف
وإياك أن تمضي من الدهر ساعة
…
ولا لحظة إلا وقلبك واجف
وبادر بأعمال تسرك أن ترى
…
إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
ولا تيأسن من رحمة الله إنه
…
لرب العباد بالعباد لطائف
وله رحمه الله:
أما أن للنفس أن تخشعا
…
أما أن للقلب أن يقلعا
أليس الثمانون قد أقبلت
…
فلم تبق في لذة مطمعا
تقضى الزمان ولا مطمع
…
لما قد مضى منه أن يرجعا
تقضى الزمان فواحسرتي
…
لما فات منه وما ضيعا
ويا ويلتاه لذي شيبة
…
يطبع هوى النفس مهما دعا
وبعدا وسحقا له إذ غدا
…
يسمع وعظا ولن يسمعا