الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - أبو طاهر عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني
…
بعد 585هـ
…
= 1189 م
ــ
وممن يجب أن يذكر مع هؤلاء الفضلاء الفقيه أبو الطاهر عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني، لعلمه وشرفه، هو عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني هكذا وجدته من خط يده رحمه الله، يكني أبا الطاهر، له علم وأدب وفضل ونبل، قضى في بعض النواحي ببجاية. كان متقدما في علم العربية والأدب، وله تأليف في علم الفرائض منظوم، وتواشيحه في نهاية الحسن وبها يضرب المثل، وكثيرا ما يقول الناس عندما يشطط الإنسان على الإنسان في الطلب فيجاوبه وأغني لك موشحا لعمارة.
وقد ذكر لي أن شعره قد جمع في ديوان، ولكني ما اطلعت عليه وقد رأيت بعض قطع مستحسنة من شعره وانا اذكرها واذكر سببها قبلها، وذلك أن بجاية كانت بلدة غزاة، وكان غزاة قطعها يدخلون إلى دواخل الجزر الرومانية وغيرها ويسوقون السبي الكثير منها. وينزل الناس لشرائه بحومة المذبح من جهة ربضها وهناك يخمس ويقع الفصل فيه، ولم يزل الحال على ذلك، وبلغ الحال من كثرة سبي الآدميين أن يباع بيضاوان من الروم بسوداء من الوخش، وكانت أجفان إسحاق بن غانية تصل أيضا من ميورقة كما تصل به أجفان
بجاية، وكان إسحاق ابن غانية بجزيرة ميورقة وهو بقية اللمتونيين، فوجه له من مراكش من قبل خليفتها من يطلبه بالبيعة والدخول تحت الطاعة، فامتنع من ذلك، وكان بين يديه ولداه علي ويحيى فقال للرسول أنا لا أراهم ولا يرونني، ولكن قل للموحدين يهيئون ما ينفقون على رأس هذين، وأشار إلى رأس ولديه، فانفصل الرسول عنه وتجهز الولدان بعد كبرهما في طرائد فيها بعض الفرسان ووصلا إلى شاطئ بجاية بمحل بيع السبي منها. وكانت البلدة شاغرة من الجيش، فتلقاهم الناس على عادة تلقيهم لأجل السبي، فنزلت الخيل معدة ولما وصلت له مستعدة، والناس ما عندهم من شأنهم خبر، فطلعوا على جبل الخليفة ودخلوا من باب "اللوز" إلى قصبة البلد وتملكوا البلد، ولم يكن فوق باب اللوز سور في ذلك الزمان، وطلبوا الناس بالبيعة فبايعوهم، وكان الشريف أبو الطاهر عمارة رحمه الله ممن امتدحهم وأنشد بين أيديهم وربما تعرض في بعض مقاله جريا على عادة الشعراء أمثاله، ثم أن الموحدين تجهزوا برا وبحرا من فورهم ليستأصلوا من البغاة شأفة أمرهم فانفصل علي بن غانية عن الحال وتبع الموحدون الناس بما ظهر منهم من مقال أو فعال، وكان من جملة الأمر إنه لما خطب لهم قال الخطيب في خطبته، والحمد لله الذي أعاد الأمر إلى نصابه، وأزاله من أيدي غصابه، فاشتدت وطأتهم على أهل العلم واعتقلوا أناسا منهم وكان من جملة من اعتقل الشريف أبو طاهر عمارة، ولما وصل الموحدون خرج إلى الجهة التي كان بها قاضيا فوجه إليه وجيء به مصفدا في الحديد، فبقي معتقلا مع أصحابه مدة من الزمان وهو يروم أن يقول فلا يجد للقول
سبيلا، إلى أن سمع منشدا ينشد سحرا لعلي بن الجهم.
عيون المها بين الرصافة والجسر
…
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فترك بلباله، وزال عن لسانه عقاله، فكتب بالقصيدة التي منها هذه القطعة للوالي فتلقاها بالقبول، وشفع فيه وفي أصحابه جده النبي الأمي خير شفيع وأكرم رسول، وهي هذه:
سلام كعرف المندل الرطب في الجمر
…
وإلا كما هب النسيم على الزهر
فلله در مقلتين بعبرة
…
تعبر فوق الخد عن كامن السر
وقد راعني ايماض برق بذي الغضا
…
كما ابتسم الزنجي عن بهج الثغر
بدا لي أن الليل أروى زناده
…
ولا نار إلا نور برق له يسري
ونار بأكبادي أكابد حرها
…
وقلب سليم قلب في لظى جمر
وما طائر فوق الغصون مسرح
…
كمن بات مقصوص الجناحين في وكر
فلم أنس توديع البنين مصفدا
…
وأصغرهم يجري وأدمعه تجري
أبا زيد إني بالحسين وسيلتي
…
وجدي شفيع الناس في موقف الحشر
وكانت له رحمه الله ابنة تسمى عائشة كانت أديبة أريبة، فصيحة لبيبة، وكان لها خط حسن، رأيت كتاب الثعالبي بخطها في ثمانية عشر جزءا، وفي خاتمة كل سفر منه قطعة من الشعر من نظم والدها رحمه الله، إذا ختم السفر وتم التأريخ يكتب بخط يده، وقال عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني، وتكتب ابنته القطعة بخطها، وهي نسخة عتيقة ما رأيت أحسن
منها ولا أصح، ولقد رأيت منه نسخا كثيرة منتقدة إلا هذه النسخة، ولقد يجب أن تكون هذه النسخة أصلا لهذا الكتاب حيث كان، ويقع التصحيح منها، وهذه النسخة من جملة الخزانة السلطانية ببجاية أبقاها الله وحفظها، ومن الغريب أني رأيت هذا الكتاب في سفر واحد، رأيته بحاضرة قسنطينة عند أمام جامع قصبتها المحروسة وهو المعروف بابن الغازي، وأكثر ما رأيته في ثمانية عشر سفرا وأقل ما رأيته في سفر، وهو بخط بين لا بأس به. ومن شعر الشريفة عائشة رحمها الله:
أخذوا قلبي وساروا
…
واشتياقي أودعوني
لا عدا أن لم يعودوا
…
فاعذروني أو دعوني
ويقال أنها بعثت بهما إلى ابن الفكون شاعر وقته، وقالت عارضهما أو زد عليهما، فكتب لها معتذرا عن الجواب، أن الاقتصار عليهما هو الصواب. ولها أيضا.
صدني عن حلاوة التشييع
…
اجتنابي مرارة التوديع
لم يقم خير ذا بوحشة هذا
…
فرأيت الصواب ترك الجميع
ولها في معنى المداعبة -وقد خطبها رجل من الأشراف كان أصلع- فلم تجبه إلى مراده، وقالت هذه الأبيات تداعب صاحبتها من الفتيات:
عذيري من عاشق أصلع
…
قبيح الإشارة والمنزع
يروم الزواج بما لو أتى
…
يروم به الصفع لم يصفع
برأس حويج إلى كية
…
ووجه فقير إلى برقع
ولها رحمها الله ظرائف أخبار، ومستحسنات أشعار، لكن هذا الموضع لم يقصد به هذا المعنى فيقع منه الإكثار، وإنما المقصود منه صورة التعريف بالرجال، وذكر بعض شواهد الحال.