الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
67 - أبو الحسن علي بن عبد الله النميري الششتري
…
668هـ
…
1270م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، الصوفي الصالح العابد، الأديب المتجرد، أبو الحسن علي النميري الششتري من الطلبة المحصلين، ومن الفقراء المنقطعين. له معرفة بالحكمة ومعرفة بطريق الصالحين الصوفية، وله تقدم في علم النظم والنثر على طريقة التحقيق، وشعره في غاية الانطباع والملاحة، وتواشحيه ومقفياته ونظمه الهزلي الزجلي في غاية الحسن. وكان من الطلبة يرجحونه على شيخه أبي محمد ابن سبعين، وكان رحمه الله يقول: اذا ذكر هذا إنما ذلك لعدم اطلاعهم على حال الشيخ وقصور طباعهم، توفى رحمه الله بالشام بمدينة دمياط.
وأخبرني بعض الطلبة أصحابنا، إنه وصل إليها وهو بساحلها قال لهم: ما
اسم هذه البلدة؟ قالوا له الطينة، قال لهم: حنت الطينة إلى الطينة. وبها توفى رحمه الله. ومما يؤثر عنه، إنه كان في بعض أسفاره في البرية وكان رجل من أصحابه قد أسر، فسمعه الفقراء يقول: إلينا يا أحمد، فقال له أحدهم: يا سيدي من أحمد الذي ناديته في هذه البرية؟ فقال: من تسرون به غدا أن شاء الله فلما من الغد، ورد الشيخ وأصحابه بلدة "قابس" فعند دخولهم إذا بالرجل المأسور، فقال الشيخ للفقراء هنيئا لنا باقتحام العقبة صافحوا أخاكم المنادي.
ومن مناقبه نفع الله تعالى به، إنه لما نزل ببلدة قابس برباط البحر المعروف بمسجد الصهريج، جاءه الشيخ الصالح المبارك أبو إسحاق الورقاني نفع الله تعالى به وجميع أصحابه برسم الزيارة، فوافق وصوله وصول الشيخ الفاضل الصالح المبارك الوالي أبي عبد الله الصنهاجي نفع الله به مع جملة أصحابه للزيارة أيضا، فوجدوا الشيخ أبا الحسن، رضي الله عنه، قد خرج إلى موضع بخارج المدينة برسم خلوة، فجلسوا منتظرين إليه، فلم يمكث إلا قليلا إذا أقبل الشيخ على هيئة معتبرة متفكرا، فلما دخل الرباط سلم على الواصلين برسم الزيارة، وحي المسجد وأقبل على الفقراء -وأثر العبرة على وجنته- فقال ايتوني بمداد، فلما أحضر بين يديه تأوه تأوها كاد أن يحرق بنفسه جلساءه، وجعل يكتب في اللوح هذه الأبيات:
لا تلتفت بالله يا ناظري
…
لا هيف كالغصن الناضر
يا قلب واصرف عنك وهم النقا
…
وخل عن سرب حمى حاجز
ما السرب ما البان وما لعلع
…
ما الخيف ما ظبي بني عامر
جمال من سميته داثر
…
ما حاجة العقل بالداثر
وإنما مطلبه في الذي
…
هام الورى في جنسه الباهر
فالشعب والعبر لمثلي ألا
…
إني من أجل الأول الآخر
أفاد للشمس سني كالذي
…
أعاره للقمر الزاهر
أصبحت فيه مغرما حائرا
…
لله در المغرم الحائر
ومن ذلك، إنه كان يوما ببلدة "مالقة" حرسها الله، وكان كثيرا ما يجود عليه كتاب الله تعالى، فقرأ يوما طالب قوله تعالى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنيفقال معجلا رضي الله تعالى عنه وقد فهم من الآية ما لم يفهم، وعلم منها ما لا يعلم:
انظر للفظ أنا يا مغرما فيه
…
من حيث نظرتنا لعل تدريه
خل ادخارك لا تفجر بعارية
…
لا يستعير فقير من مواليه
جسوم أحرفه للسر حاملة
…
أن شئت تعرفه جرد معانيه
ومن ذلك، إنه كان ببجاية حرسها الله تعالى، فدخل عليه شخص من أهلها يعرف بابي الحسن ابن علال من أهل الأمانة والديانة، فوجده يذاكر بعض أهل العلم فاستحسن منه إيراده للعلم، واستعماله لمحاضرة الفهم، فاعتقد شياخته وتقديمه، ثم نوى أن يؤثر الفقراء من ماله بعشرين دينارا شكرا لله تعالى، ويأتيهم بمأكول، فلما يسر جميع ما اهتم به، أراد أن يقسمه فيعطيه شطره ويدع الشطر الثاني إلى حين انصراف الشيخ، ليكون للفقراء زادا، فلما كان في الليل، رأى مناما فيه "النبي صلى الله عليه وسلم" ومعه أبو بكر وعلي، رضي
الله تعالى عنهما، قال الرجل: فنهضت إليه بسرور رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ادع الله تعالى لي، فالتفت إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: يا أبا بكر، أعطه، فإذا به رضي الله عنه قسم رغيفا كان بيده وأعطاني نصفه، ثم أفاق الرجل من منامه وأخذه وجد من رؤية مثل هذه الرؤيا المباركة، فأيقظ أهله واستعمل نفسه في العبادة، فلما كان من الغد سار وأتى الشيخ ببعض الطعام ونصف الدراهم المحتسب بها، فلما قدمها للشيخ، قال له الشيخ: يا علي، أقرب، فلما قرب منه قال له: يا علي، لو أتيت بالكل لأخذت منه الرغيف بكامله.
توفي في يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر عام ثمانية وستين وستمائة.