الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
102 - أبو محمد عبد الله بن نعيم الحضرمي القرطبي
…
636هـ
…
1239م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه الجليل، الكاتب المحصل، الفاضل الأديب، أبو محمد عبد الله بن عبد الله بن نعيم الحضرمي القرطبي، نشأ بتونس وتوفي بقسنطينة عام ستة وثلاثين وستمائة.
أحد الأشياخ المنتصبين للتدريس والرواية، قرأ عليه ناس وسمعوا منه، منهم شيخنا أبو عبد الله التميمي وغيره.
وأخبرني أبو عبد الله المذكور، إنه شرع في شرح "مقامات الحريري" وإنه كتب على خطبتها نحوا من خمسة عشر كراسا بالقالب الكبير، وكان يذكر عنه إنه كان في علم الأدب مستبحرا، وكان مشرفا ببجاية في مدة السيد ابن عمران من بني عبد المؤمن، وكان المشارف في ذلك الزمان على سنن العدل، والتزام طرق الفضل. ولما أخذت البلاد من يد السيد ابن عمران من بني عبد المؤمن على ما عرف وأخذت حاشيته معه، فكان الفقيه أبو محمد أحد المأخوذين ومن جملة المعتقلين، ولما كان بعد ليلة أو ليلتين من اعتقاله، رأى محل الإمارة العلية برد الله ضريحه، النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام وأمره أن يسرح أبا
محمد ابن نعيم من اعتقاله، فاستيقظ وبعث إليه الفتيان في بقية ليله، فارتاع كل من كان في الثقاف في ذلك الموضع واستشعروا شرا، فاستدعى أبو محمد ابن نعيم من بينهم وسيقت له بغلة وكسوة وسرح وأحسن إليه. فسئل رحمه الله عن السبب في ذلك فقال: إنه لم يكن له سبب سوى إنه خمس القصيدة الجيمية عند دخوله السجن، وهي المعروفة بالشيخ أبي الفضل بن النحوي رحمه الله، وهو تخميس حسن لا بأس به، وها هو يذكر مع القصيدة التماسا لبركاتهما وإظهارا لمزيتهما رضي الله عنهما ونفعنا بهما وبأمثالهما آمين:-
لا بد لضيق من فرج
…
والصبر مطية كل شج
وبدعوة أحمد فأبتهج
…
اشتدي أزمة تنفرجي
فد آذن ليلك بالبلج
يا نفس رويدك لا حرج
…
وثقي بالله عسى فرج
وكذا ما ضاق له فرج
…
وظلام الليل له سرج
حتى يغشاه أبو السرج
فلكل محاولة قدر
…
وقضى لا يدفعه حذر
ورجوعك عن هذا غرر
…
وسحاب الخير لها مطر
فإذا جاء الإبان تجي
في لطف الله لنا أمل
…
لا يدني مطلبه عجل
ولكل محاولة أجل
…
وفوائد مولانا جمل
لسروج الأنفس والمهج
ما أن خلق الإنسان سدى
…
والعقل بذاك لنا شهدا
وإذا هبت أرواح هدى
…
ولها أرج محي أبدا
واقصد محيا ذاك الأرج
وتلاف هديت حيا حيا
…
أن أنت ظفرت به تحيا
واقصد بالجد لما أحيا
…
فلربتما فاض المحيا
ببحور الموج من اللجج
فعليك بصافي مورده
…
لتكون الفائز في غده
والله مصرف مقصده
…
والخلق جميعا في يده
فذوو سعة وذوو حرج
خطت في اللوح جموعهم
…
وأصولهم وفروعهم
ونزيلهم ورفيعهم
…
ونزولهم وطلوعهم
فعلى درك وعلى درج
قد حاز الخير مراقبهم
…
ونجا في الحشر مصادقهم
واستقلت فيه مناقبهم
…
ومعائشهم وعواقبهم
ليست في المشي على عوج
فهناك معان قد كتمت
…
ولقد كشفت حتى فهمت
لعقول صافية سلمت
…
حكم نسجت بيد حكمت
ثم انتسجت بالمنتسج
وانظر لأمور قد وشجت
…
لما مزجت ثم امتزجت
وبأول عنصرها لهجت
…
فإذا اقتصدت ثم انعرجت
فبمقصد وبمنعرج
لا يصحب ذا علم لجج
…
والعلم تفيض له لجج
فلكم مرت لهم حجج
…
شهدت لعجائبها حجج
قامت بالأمر على الحجج
تفويضك للرحمن رجا
…
كم جاء صباح بعد دجا
ويكون الصبر له درجا
…
ورضى بقضاء الله حجى
فعلى مركوزته فعج
فتحر بما تلقى رشدا
…
لا يمضي عمرك عنك سدى
واقطع أيامك مجتهدا
…
وإذا انفتحت أبواب هدى
فأعجل لخزائنها ولج
وتلق بعزم رايتها
…
واقرأ وتدبر آيتها
فلعلك تبلغ غايتها
…
وإذا حاولت نهايتها
فاحذر إذ ذاك من العرج
لا تلف لعين الدين قذا
…
فتكون بظهر منتبذا
فأصدع بالحق إذا نفذا
…
لتكون من السباق إذا
ما جئت إلى تلك الفرج
قامت في العالم حجته
…
وبدت للخلق محجته
فإذا انفتحت لك فرجته
…
فهنالك العيش وبهجته
فلمبتهج ولمنتهج
طوبى لنفوس قد سعدت
…
فعلت وزكت لما زهدت
فأتهم آمالك أن فقدت
…
وهج الأعمال إذا ركدت
فإذا ما هجت إذا تهج
ظلمات النفس محاجتها
…
احذر تغشاك لجاجتها
فتغشى النور زجاجتها
…
ومعاصي الله سماجتها
تزدان لذي الخلق السمج
فحذار تلم بساحتها
…
فتكون رهينة راحتها
والله يمن براحتها
…
ولطاعته وصباحتها
أنوار صباح منبلج
لا تقرب أمرا مشتبها
…
ودع الدنيا لتقلبها
واضرب عن لذة مشربها
…
من يخطب حور العين بها
يظفر بالحور وبالغنج
فاجعل مهرا الحورآ أرقا
…
بقيام الليل وزد فرقا
واسلك بالجد لها طرقا
…
وكن المرضي لها بتقى
ترضاه غدا وتكون نجي
يلج الأنوار على نفذ
…
فلها عوذ أسنى العوذ
وتحر مقالة كل بذي
…
واتل القرآن بقلب ذي
حزن وبصوت فيه شجي
تأخير التوبة آفتها
…
وتميت القلب سلافتها
وحياة النفس مخافتها
…
وصلاة الليل مسافتها
فاذهب فيها بالفهم وجي
فإذا أبصرت مبانيها
…
فانظر إذ ذاك معانيها
واذكر بالفكر غوانيها
…
وتأملها ومعانيها
تأت الفردوس وتنفرج
ومتى ما فزت بمنظرها
…
فاستنشق ريح معطرها
وأعجب لجمال معصفرها
…
واشرب تسنيم مفجرها
لا ممتزجا وبممتزج
أنفاسك قد ذهبت صعدا
…
وذنوبك لا تحصى عددا
بجيوش العقل اجعل مددا
…
مدح العقل الآتية هدى
وهو متول عنه نهج
ألهوى أسبتك عضاضته
…
وظننت تقيك مفاضته
حتى عضتك مضاضته
…
وكتاب الله رياضته
لعقول الخلق بمندرج فالخلق جرت عاداتهم = يدعون بهم ساداتهم وهم في الحشر لذاتهم = وخيار الخلق هداتهم وسواهم من همج الهمج
خذها من قول من احتفلا
…
ودعا لنصيحته الجبلا
واحذر من نجمك أن أفلا
…
وإذا كنت المقدام فلا
تجزع في الحرب من الرهج
دع عنك أخا يبدي لذذا
…
أجرى في الغي لغير مدى
واصحب من فازو من رشدا
…
فإذا أبصرت منار هدى
فاظهر فردا فوق الثبج
بأبي نفسي لما انفردت
…
فعلى الرحمن قد اعتمدت
وحداها الشوق لما قصدت
…
وإذا اشتاقت نفس وجدت
ألما بالشوق المعتلج
أيام العمر مماحكة
…
وثغور الحق مضاحكة
وليالي الغفلة حالكة
…
وثنايا الحسنى ضاحكة
وتمام الضحك على الفلج
أعلام الدين قد ارتفعت
…
ونجوم العلم به طلعت
وحمام الموت لنا سجعت
…
وعياب الأسرار اجتمعت
بأمانتها تحت الشرج
العجب يطيش براكبه
…
فتجنب ذروة غار به
والصبر عليك بلا حبه
…
والرفق يدوم لصاحبه
والخرق يصير إلى الهرج
فاصدع لإلهك بالحمد
…
فيما تخفيه وما تبدي
فلقد أذكى سرج السعد
…
صلوات الله على المهدي
الهادي الناس إلى النهج
وعلى السادات وعترته
…
وعلى الأنصار وعشرته
وعلى من فاز بعشرته
…
وأبي بكر في سيرته
ولسان مقالته اللهج
ومن استهدى بإماماته
…
وغدا في ظل غماماته
وجنى من زهر كماماته
…
وأبي حفص وكراماته
في قصة سارية الخلج
وعلى من جاء على بين
…
يبغي الإسلام بلا مين
خوفا من غاسية الحين
…
وأبي عمرو ذي النورين
المستحي المستحيا البهج
وعلى من بمقالتهم أخذا
…
وتحامى الهدى حين حذا
ومعالي نثرته نبذا
…
وأبي حسن في العلم إذا
وافى بسحائبه الخلج
وما زالت هذه القصيدة معلومة الإفادة، ظاهرة الزيادة. وهذا التخميس قد ظهر من أمره ومن العناية بمنشئه ما دل على خلوص نيته، وصلاح طويته. وهذه القصيدة التي هي الأصل مع وصيته رحمه الله، أرويها عن الشيخين أبي عبد الله ابن رحيمة الباني وأبي العباس ابن خضر الصدفي رحمهما الله، والوصية هي:-
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الحفيظ، هذا ما أروع العبد يوسف الرب الذي خلق الأشياء، ورزق الأحياء، وملك العالمين، وحفظ السموات والارضين، أودعه جميع ولد أبيه، وأهله وأهل أخيه، وجميع ما خولهما من نعمه، وملكهما من قسمه، ظاهرا وباطنا، وصير ذلك إلى أمانته، وأسلمه إلى رعايته، واستحفظه في ذلك كله، وتبرأ إليه من حوله وقوته، ولم يلج سوي فضله وطوله، هو الحفيظ الذي لا يهمل، الوكيل الذي لا يغفل، العليم الذي لا يجهل، الجواد الذي لا يبخل، الأول الذي ينعم ويتطول، هو الأخير الذي لا يزال ولا يتحول، السالم من سلمه، والغانم من عصمه، والمفلح من كرمه، قد رضيه مستودعا، ووثق به مستحفظا، ولم يحتج معه إلى ما يحتاج إليه من الأمانات، وتحصيل التقبيضات، وانتقال المآلات، في ضروب التصريفات،
فإن الكل تحت قبضته، والخلق عبيد ربوبيته، فالتبرؤ تفويض، والثقة تسليم، والركون إليه إقرار بالملك، والرجاء إيذان بالنجح، وذلك بعد أن ثبت لديه الشهادات الصادقة، واتضحت لديه البراهين الصادعة، على ألسنة الدلالات، وفي أمكنة الاحتجاجات، بحضرة العدول، من صحة العقول، ولما كشفت عن وجهها مسفرة، وتبدت ضاحكة مستبشرة، قبلها بقلبه، ونفذ قضيتها بعزمه، وأمكن وثيقتها بحزمه، ومن المودع المحمود، أول الخير وآخره، وباطن الجود وظاهره، بصدق جميل جزائه، ويلحق جزيل عطائه، لم يشارك في جود، ولم يماثل في الوجود، ومن التجأ إليه فقد رشدت مساعيه وسعدت أمانيه، واستحكمت تدبيراته، واستكملت تمييزاته، وحسن النظر لنفسه، وبلغ العرض بحسه، اشهد العبد يوسف المذكور على هذا الإيداع الموصوف الرب المودع وحده، فلا شاهد بعده، وأمضى على نفسه حكمه، فلا يخاف أحد ظلمه، قد رضيه ربا، وعبده عبدا. وذلك بعد أن قرأ ما سطره، وعرف سره وجهره. وهو صحيح العقل، جيد النقل، نافذ الميز في تاريخ لا ينساه المودع، ولا يتعداه في ساعة المراد، من يوم الرشاد، في شهر التوفيق، من عام التحقيق، وحسب المودع في وديعته من أودعه، وعليه أوقف رغبته وتضرعه، ولم يشارك أحدا معه، بل افرده وصرف إليه الهم أجمعه. أسأل الله أتم الصلاة وأزكاها، واعم البركة وأنماها، لرسوله محمد المصطفى وآله وسلم تسليما.