الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - أبو العباس أحمد بن عيسى بن عبد الرحمن الغماري
…
682هـ
…
1283م
ــ
ومنهم شيخنا الشيخ الفقيه، القاضي الجليل النبيل، أبو العباس أحمد بن عيسى ابن عبد الرحمن الغماري رحل إلى المشرق وقرأ وجد واجتهد، وحصل وأتقن، ولقي جملة مشائخ منهم الشيخ عز الدين ابن عبد السلام وغيره، له علم بأصول الفقه، وحظ من أصول الدين، ومشاركة في علم الأدب.
وكان ممن يستفاد بالنظر إليه، والمثول بين يديه، وكانت دروسه منقحة الإيراد، عذبة المورد بقريب ما يستفاد، حضرت دروسه وشاهدتها، كان
يبدأ بين يديه رحمه الله بقراءة الرقائق أولا وبعد ذلك بالفقه وأصول الفقه، وكان يقرأ التهذيب عليه ويقرأ الجلاب فيكثر البحث وتحتد القرائح ويجيء بالمسألة الخلافية فيرتضي أحد وجهيها، فيبحث عليه إلى أن يظهر الرجحان ويقع التسليم، ثم يأخذ الطرف الآخر ويلزم أصحابه ما كان هو يناظر عليه، فلا يزال إلى أن يظهر الرجحان في ذلك الطرف ويقع التسليم أيضا، وهذا من حدة فكره وجودة نظره، وكان له لسان يستنزل به العصم، وكان جادا طلبا، مناصبا لهم، وسيوسا مع ذلك لهم. كان قاضيا بذات العلمية، وولي المنصب مع ذلك في بلاده وفي بجاية كرتين، وتوجه رسولا إلى ملك المغرب مرارا من المستنصر بالله وما زال ناجح السعي، سديد الرأي. وكان سريع البديهة بالجواب، يطبق المفصل بموافقة الصواب.
ومن ملح جوابه إنه كان ببجاية في ولايته الثانية، ونزل أمير المؤمنين المستنصر على قسنطينة، وجه عنه واعتنى به وسأله عن بجاية وأهلها، فأجاب بما يليق به الجواب، ثم قال له الملك: يا فقيه سمعنا أن والي بجاية لو أراد أن يبنيها لبنة فضة ولبنة ذهبا لفعل فقال له مبادرا، يا مولانا، يكون ذلك بالتفاتكم إليها وعطفكم عليها، فسكت. وهذا جواب حسن، مانع لمقصد الملك بسهولة مأخذ.
وسأله في مجلسه ذلك عن المشرف بالبلد فقال له: سمعنا إنه مسرف
…
فقال مجاوبا: إنما رأيته إذا وقع الحضور في النهار لا يزال ناعسا ونائما، فأشار له بذلك إلى سهره بالليل فيما يعرف. وأجوبته كلها مستحسنة مستعذبة ملخصة مهذبة، ولقي من أصحاب فخر الدين جملة من فضلائهم واستفاد بهم، وكان رحمه الله يحكي عن بعضهم إنه كان يقول له لما رأى من نبله وفضله، والله لو رآك مولانا الفخر لأحبك، وكان رحمه الله يثني على الفخر كثيرا ولا يرى له نظيرا وكان يؤثر قراءة كتبه على غيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين.