الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - علي بن أبي نصر فتح بن عبد الله
606 -
652هـ
1209 -
1254م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، العالم العابد الورع المبارك، أبو الحسن علي بن أبي نصر فتح بن عبد الله، من أهل بجاية، ولد بها سنة ست وخمسمائة وتوفي بها ليلة التاسع والعشرين لجمادى الأخيرة، من عام اثنين وخمسين وستمائة.
كان له فضل وعلم ونسك وصلاح وديانة ووجاهة ونباهة، رحل إلى الأندلس وبعدها إلى المشرق، واستقر قراره ببجاية، وكان بها يروي ويسمع ويتفقه عليه، وله علو سند في الحديث. وانقطع في آخر عمره عن الناس وما زال رحمه الله منقطعا، وكان ملك الوقت يزوره في منزله ويغتنم مسرته، ويتلقى باليد والقبول حاجته.
وكان ممن ظهرت له الكرامات وعرف بالأحوال السابقات. أخبرني غير واحد عن الفقيه أبي يوسف الزواوي رحمه الله إنه قال "مشيت إلى الفقيه أبي
الحسن رحمه الله رسولا عن الفقيه أبي العباس ابن عجلان أسأله في مسألة القائل "الحلال علي حرام" فلما وصلت إلى المنزل قبل أن أضرب الباب قال الفقيه لمن حضره في المجلس افتحوا لأخيكم فلان، فإنه جاء يسأل في مسألة الحلال علي حرام، قال ففتح الباب، فدخلت فسلمت على الشيخ، فقال لي: أمرك الفقيه أبو العباس أن تسألني عن مسألة الحلال علي حرام، سلم عليه وقل له أنت أولى بهذا مني، فإنك أنت اليوم مشتغل وأنا تارك".
وهذه كرامات لا واحدة، وانظر إلى فضله رضي الله عنه، حيث أبي أن يفتي فيها وتورع عن ذلك الأمر إلى غيره، ولم يظهر إلا أن ذلك لاشتغال غيره وقصوره هو وذلك من فضله.
ومن كراماته رحمه الله إنه كان له بنات كن مستترات، فسأل الله تعالى أن لا يطلع عليهن أحد، فمتن في حياته.
وسمعت عنه، رضي الله عنه، إنه حج ثمان عشرة حجة، بعضها في آخر المائة السادسة، وبعضها في هذه المائة، نفعه الله بذلك.
وقبره بمقربة من قبر الفقيه أبي زكرياء الزواوي رحمهما الله، وله رابطة بخارج باب أمسيون وهي اليوم دائرة.
وشيوخه منهم أبو محمد ابن يونس بن يحيى الهاشمي سمع منه بمكة شرفها الله تعالى، وسمع ببيت المقدس من أبي الحسين ابن جبير وسمع بدمشق من أبي
القاسم عبد الصمد محمد المارستاني ومن أبي محمد عبد الواحد بن إسماعيل بن طاهر الدمياطي، وسمع بالإسكندرية من أبي القاسم الحسن بن عبد السلام، ويتصل سندنا بالفقيه أبي الحسن بن أبي نصر المذكور، من قبل الفقيهين أبي محمد بن ربيع، وابن كحيلة وغيرها.
وسنده في البخاري عن الشريف أبي محمد ابن يونس بن يحيى بن أبي الحسن ابن أبي البركات، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب عن أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن داود الداودي عن عبد الله بن أحمد ابن حمويه عن محمد بن يوسف عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري المذكور، وهذا السند عال وقد روى عنه الأندلسيون ببجاية، لقصور سندهم عن هذا السند.
روى عنه أبو بكر ابن محرز، فإن سند أبي بكر في البخاري، سند قاصر عن هذا السند، وهذا السند أعلى منه، وهو من أعلى الأسانيد ومن أحسن ما تلقى، وذكر الشيخ الصالح أبو عبد الله ابن القائد القصار رحمه الله، قال حضرت مع السيدين الصالحين، العالمين العاملين، أبي زكريا الزواوي، وأبي الحسن بن أبي نصر فتح بن عبد الله، نفع الله بهما ورضي عنهما، في عام خمسة وستمائة مجلسا، سأل فيه الشيخ أبو زكرياء الشيخ أبا الحسن عن رحلته إلى المشرق، وما رأى من الغرائب وما شاهد من العجائب، فقال له: حضرت بعض دروس العلم في عام اثنين وستمائة مع حفيد من حفدة سلالة الشيخ الطاهر المبارك عمار المعمر بما سبق له من بركة دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم، ورغبت منه يرينيه لأتبرك به ففعل، ودخلت معه إليه، رضي الله عنه، فوجدته في مهد ملفوفا بقطن وعيناه تتقدان كأنهما اليواقيت، ولحيته كحلاء وقد تجددت بعد سقوطها، فسلمت عليه فرد علي فقال له حفيده: يا جداه هذا طالب من المغرب يقرأ معي، ورغب مني أن يراك ويتبرك بك وتدعو له، قال: فدعا لي رضي الله عنه بصوت خفي مفهوم سمعته، وقلت له يا سيدي، أنت رأيت سيد الأولين والآخرين محمدا صلى الله عليه وسلم، فعساك تحدثني أرويه عنك وأرويه، فقال نعم، كان سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوصينا أن نكثر من القرآن بسور قلائل من
الكتاب العزيز، ويقول هي أمان من الفقر؟ قلت: هذه رتبة عظيمة حصلت لهذا العالم فإنه يعد بها من التابعين، وهذه القضية معلومة النقل عن الشيخ رحمه الله، وذكر أن سكنى هذا المعمر، بلدة "قطنة" وهي آخر بلاد الترك من
جهة اليمين عن يمين السد، سد اسكندر المحجوب، به ياجوج وماجوج. وهذا سد يعلي المتأخرين ويلحقهم بأكابر المتقدمين نفعنا الله بهم.