الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
91 - أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري الاشبيلي
597 -
659هـ
1201 -
1261م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه المحدث، الحافظ المتقن المجيد، اللغوي التاريخي، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الاشبيلي. كذا رأيت نسبه بخط يده رحمه الله. وأصله من "أبدة" عمل "جيان" وهي وما والاها دار اليعمريين بالأندلس.
قرأ باشبيلية ولقي مشائخ، من جملتهم والده الفقيه أبو العباس، وأبو محمد عبد الرحمن بن علي بن أحمد الزهري وأبو العباس أحمد بن محمد بن
مقدام الرعيني وأبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر السلمي وأبو عمران موسى بن حسين القيسي الزاهد وأبو الحجاج ابن الشيخ وأبو ذر مصعب بن محمد الخشي وأبو الحسن ابن خروف النحوي وأبو الحسين ابن
جبير وأبو القاسم الملاحي وغيرهم، وأجاز له من أهل المشرق أبو محمد ابن يونس بن أبي البركات الهاشمي وأبو عمر عثمان ابن عبد الرحمن المعروف بابن الملاح وأبو اليمن الكندي وأبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري الحرستاني وأبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي وغيرهم.
كان رواية، حافظا بالحديث، عارفا برجاله وبأسمائهم وبتاريخ وفاتهم ومبلغ أعمارهم، وكان يقوم على البخاري قياما حسنا، وكان إذا قرأ الحديث
يسنده إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا انتهى الإسناد رجع إلى ذكر رجاله، فيبدأ من الصحابي رضي الله عنهم فيذكر اسمه ونسبه وصفته وتاريخ ولادته ووفاته وحكايته أن عرفت له، ثم يتلوه بالتابعي كذلك، ولا يزل يتبعهم واحدا فواحدا إلى أن ينتهي إلى شيخه فيقول، أما فلان شيخنا فيقول: ويذكر ما ذكر فيمن تقدم، ويزيد على ذلك بأنه لقيه وقرأ عليه كذا، وسمع منه كذا، وبعد الفراغ من ذلك يذكر لغة الحديث وعربيته، ويتعرض لما فيه من الفقه والخلاف العالي، ولدقائقه ورقائقه والمستفادات منه. كل ذلك بفصاحة لسان، وجودة بيان.
وله سعة علم ورواية، ومعرفة ثابتة ودراية. وهو في معرفة القراءات إمام، وولي صلاة الفريضة والخطبة بالجامع الأعظم ببجاية، وروى بها وأقرأ وأسمع، وكثر الآخذون عنه والسامعون منه والمقتدون به.
ولما اشتهر حاله وعلمه ونقل الناقلون ذكاءه وفهمه، نهى خبره إلى المستنصر بالله بحاضرة افريقية رحمه الله فاستدعاه، وقرب مثواه. ولما دخل عليه أمره أن يقرأ بين يديه آية من كتاب الله تعالى، فاستفتح بالاستعاذة وقرأفبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله أن الله يحب المتوكلين، فاستحسن المستنصر بالله قراءته وقصده، وكان ذلك سببا في حظوته فقرب منزله، وأجزل عطيته وجائزته، ووفر جرايته. وكان من اخص الحاضرين من الطلبة بمجلسه.
ويذكر إنه كان رحمه الله يستظهر عشرة آلاف حديث بأسانيدها
ويذاكر بأضعافها، خلاف ما يتبع ذلك من فنون اللغة وأوضاع النحاة وضروب المقالات، وسمعت عنه رحمه الله إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ومسح بيده المباركة على صدره، قال: فما حفظت شيئا فنسيته، وهذه من كراماته ومن دلائل فضله وعلاماته.
وكان يكتب جيدا وينظم نظما حسنا. ودفع لي ولده الفقيه الجل أبو الحسن يوما قطعة كاغد وفيها قصيدة على قافية الغين في قصد الحج، وذكر لي إنه سئل عنها في نظمها في ذلك الروي وعلى تلك القافية، وهي:
أيا سائرا نحو الحجاز وقصده
…
إلى الكعبة البيت الحرام بلاغ
ومنه إلى قبر النبي محمد
…
يكون له بالروضتين مراغ
فبلغت ما أملت كم ذا اراغه
…
أناس نسوا قصد السبيل فراغ
وقوم أولوا وجد وجد ونجدة
…
اراغهم الجد العثور فراغوا
فيا أسفى كم ذا تمنيت قصده
…
فأدفع عن قصدي له وأراغ
وقصر بي جدي إذا الأمر في يدي
…
جميع وعندي ثروة وفراغ
فالآن وقد خط المشيب بمفرقي
…
وكلل رأسي من حلى وصياغ
أعلل نفسي بالمنى وتصدني
…
ذنوب لها عند الفراق مصاغ
إذا ما أجلت الدهر فيه فكيف لي
…
يسوغ شراب أو يلذ مصاغ
عسى توبة قبل الممات وزورة
…
فينضح من شين الذنوب رداغ
وألقى شيوخا يؤنس المرء منهم
…
أحاديث صدق تجتلي وتصاغ
توفي رحمه الله بحاضرة تونس يوم الثلاثاء الثالث والعشرين لجمادي الأخيرة سنة تسع وخمسين وستمائة، ومولده في حدود سنة ستمائة.
وكان والده الفقيه أبو العباس هو سبط أبي الحسن ابن سليمان اللخمي روى عنه وعن أبي بكر ابن خير وأبي إسحاق ابن ملكون وأبي بكر ابن الجد وأبي عبد الله ابن زرقون وأبو بكر ابن صافي وأبي عمرو ابن الطفيل وأخذ عنهم القراءات. وروى أيضا عن ابن بشكوال
وابن حبيش والسهيلي وابن عبيد الله وأبي محمد ابن بونة وابن الفخار وأبي الحجاج ابن الشيخ وغيرهم، وأجاز له جماعة من أهل المشرق.
وكان معتنيا بالحديث، دءوبا على تقييده ولقاء رواته، مشاركا في القراءات وغيرها، واستفاد به بعض الأمراء لبنيه فأقرأهم القرآن والعربية ولم يتصدر لذلك.
مولده منتصف جمادى الأخيرة سنة أحدى وستين وخمسمائة، وتوفي منتصف جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وستمائة، وهو ابن ست وخمسين سنة واحد عشر شهرا.