الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الأموي
…
674هـ.
…
1275م.
ــ
ومنهم شيخنا، الشيخ الفقيه الحكيم الحاذق الفاضل، أبو القاسم محمد بن أحمد ابن محمد الأموي المعروف بابن اندراس من أهل مرسية، ورد على بجاية في عشر الستين وستمائة مستوطنا، وتبسط للطب طبيبا باحثا جيدا، وله معرفة بعلم العربية وله شركة في أصول الدين جيدة، ويشارك مع هذا في فنون غير هذه مشاركة حسنة، وكانت له حدة ذهن وجودة فكر. تبسط لإقراء الطب والعربية، وكان حاذقا في عربيته، حضرت لإقرائه قانون أبي موسى الجزولي فكان بحثه فيه جيدا ونظره فيه حسنا، ولقد جرت مسألة علم الجنس عند ذكرى أبي موسى لها في قوله العلم ضربان، ضرب للفرق بين الأشخاص وضرب للفرق بين الأجناس، فكان فيه من الحديث معه ما يعجز عن تصوره حذاق النحاة، لأن هذه المسألة مما يعتقد كثير ممن يتعاطى العربية إنه يعرفها وهو لا يعرفها ولا يعرف إنه لا يعرفها. قرأت عليه أرجوزة ابن سينا قراءة إتقان وجودة بيان، وكان يحضر لذلك نبهاء الطلبة ويجري فيها من الأبحاث ما يعجز الكتب عنه، وحضر لمجالس من القراءة عليه القاضي الجليل أبو عبد الله ابن يعقوب في المرة التي اجتاز فيها على بجاية حين وصوله من طنجة، والفقيه الحكيم أبو بكر ابن القلاس، وقرأت جملة من كليات القانون
بعد قراءة الأرجوزة، وكانت الأبحاث في كل ذلك جارية على القوانين النظرية والاستدلالات الجلية.
وكان رحمه الله إذا سئل عن المسألة الطبية كثيرا ما يتوقف عن الجواب إلا بعد نظر، ورأيت غيره من الأطباء ممن يقصر عن معرفته إذا سئل ساعة ما يسأل يجيب، وربما اعتقد هذا المسرع في الجواب أو غيره من الأغبياء أن سرعة المسرع هي لمعرفته وان إبطاء المبطئ هو لتقصيره، وهذا هو اعتقاد الأغبياء في أمثال هذا، وإنما الإبطاء في الجواب دليل العلم لأنه بين السائل للطبيب الغرض العارض للعليل، ولابد أن يقع له النظر في الأسباب وتمييزها والحدس على السبب الفاعل أن تعارض وينظر أنسب الأودية، وحينئذ يقع الجواب، وهكذا هو حال حذاق الأطباء، وأما عوامهم ومن يعد منهم في أعداد القوابل، فعندما يسأل يجيب بغير علم، ولقد رأيت بعض من كان مبخوتا في الطب يعالج المرضى فتخفى عليه الشكاية فيعالجها بالحار تارة وبالبارد تارة أخرى، بحيث ينظر فان انجح فيها احدهما استمر عليه، ويحرم على الإنسان أن يمكن نفسه ممن حاله مثل هذه الحال ويحرم على من هذه صفته أن يطب، وهذه الصناعة هي أشد الصنائع ضياعا في بلاده لأنه يتعرضها الغث والسمين، ولا يقع بينهما التمييز إلا عند القليل من الناس.
وكان رحمه الله متوليا لطب الولاة ببجاية هو وبعض خواص الأطباء بها، ورحل إلى حاضرة أفريقية باستدعاء أمير المؤمنين المستنصر له بعد أن سمع به وعرف خبره، فحضر مجلسه وسئل فأجاب ووافق طريق الصواب، وانتظم في سلك أطبائه، وكان من جملة جلسائه.
وله "رجز" نظم فيه بعض الأدوية واستكمله وهو ببجاية، وكان رحمه الله شرع في نظم الأدوية المفردة من القانون، وكلفني بنظم بعض الأدوية على سبيل التعاون فنظمت له بعضها وما علمت استكملها بعد أم لا، وتوفي بتونس حرسها الله في عام أربعة وسبعين وستمائة.