الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92 - أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن محمد بن حسين بن عميرة المخزومي
582 -
658هـ
1186 -
1260م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه المجيد المجتهد، العالم الجليل الفاضل، المتقن المتفنن، أعلم العلماء، وتاج الأدباء، أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي، من أهل جزيرة "شقر" سكن بلنسية مدة وكتب عن ولاتها، وفاق الناس بلاغة وأربى على من قبله، وتهادته الدول وولى القضاء بأريولة وشاطبة من الأندلس، وسلا ومكناسة من العدوة، وقسنطينة وقابس من بلاد افريقية وغيرها.
استوطن بجاية مدة طويلة وأقرأ بها ودرس، له علم بالفقه وأصوله، وحديث حسن في معقوله ومنقوله، وله أدب هو فيه فريد دهره، وسابق أهل عصره. والكثير من الطلبة بعتقدون، أن الفقيه إنما هو أديب ليس إلا لاشتهار أدبه اشتهارا غطى على ما عداه من طلبه. والناس يتداولون كتبه ويستحسنونها ويؤثرونها على كتب غيره ويفضلونه، وبالواجب علم الله، أن يكون ذلك لسلوكه حسن منهجه الذي هو فيه أول سالك.
وما رأيت من الكتاب ما أعجبني مثل كتب الفقيه أبي المطرف إلا كتب أبي جعفر ابن عطية، والكتاب كثير وكتب هذين الرجلين عندي مقدم على غيرهما، ولقد بلغني إنه كتب عن المستنصر باستدعاء أبي عبد الله الابار من بجاية بما نصه:-
على قدر حبي قد أتتك بشارتي
…
وحسبك ما أجملته من إشارتي
هنيئا هنيئا قد رفلت من المنى = بأفخر ملبوس وأجمل شارة أنعمت الخلافة العزيزة العليا المنصورة أيد الله أوامرها، وأخلد مفاخرها، بقدومكم على حضرتها السعيدة المباركة التي هي مركز راية الحق، ومجتمع وفود الخلق أمرت عبدها، أعلى الله جدها، وأمضى حدها، أن نخاطبكم بذلك، فاعزموا بحول الله على الحركة، وبادروا إليها على الخيرة والبركة. فقد تعين لكم الزاد الكريم، واستقبلكم من خير النظر ما به يبرأ السقيم، ويسعد الظاعن والمقيم والله يوزعنا معشر عبيد المقام الكريم، شكر نعم لولا
فضله لم نكن أهلها، ويحمل عنها حقوقها فانا لا نستطيع حملها، وهو تعالى يديم عزتكم، ويحفظ مودتكم بمنه، والسلام الكريم يخصكم به مجل قدركم، وموجب بركم، أخوكم الحافظ لعهدكم، المقيم على ودكم، ابن عميرة، ورحمة الله وبركاته. كتب بتاريخ كذا سنة سبع وخمسين وستمائة.
ومما خاطب به أيضا أبو المطرف الفقيه أبا بكر ابن خطاب: المحل العلى العلمي شكر الله طوله، وأعلى فعله وقوله، علو المقاصد، والحنو على المقاصد، فسؤاله شرف، ونواله معترف، وحسب بني الرجاء، ولو كانوا ملء الأرجاء، من التفاته طرف، وحامل الخوبة فلان من أهل بلنسية وممن له فيهم أصل نابه، ونسب في الحسب متشابه، إلى حظ من الطلب أحرزه، ومكان من الصون والذكاء ميزه، وقصد تلكم الجهات المباركة يرجو أن يكون له عند أهل الاتصال تعرف، وفي بعض الأشغال تصرف، وفي سعة الرأي الكريم أدنى من ظله، واعتاه لا شيء له كمثله، أبقى الله فخره على الأيام مخلدا، ومجده بحسام العلياء مقلدا بمنه، والسلام.
والذي أوجب تقدم الفقيه أبي المطرف في كتابته، إنما هو الرجل من أهل بلنسية من أهل العلم، فكتابته علمية أدبية وكتابة غيره مقتصرة
على نوع من الأدباء، فكتابته جامعة بين كتابة العلماء والأدباء، وكتابة غيره مقتصرة على نوع الأدباء، وهذا المعنى هو الذي تميز به عمن سواه.
وقد رأيت له تعليقا على كتاب "المعالم في أصول الفقه" لا بأس به، وهو جواب لسؤال سائل، وهو مكمل لعشرة أبواب حسبما سأل السائل، وكان الطلبة مدة كونه ببجاية يقرءون عليه تلحيقات السهروردي وهي من مغلقات أصول الفقه عند طائفة ممن لم يمارس علم الأصول ولا يتعرض لإقرائها إلا من له ذهن ثاقب، وكذلك كان قبل ظهور ما اخترعه المتأخرون من الطرق المقفلة والقوانين المغلقة في أصول الفقه.
رحل إلى حاضرة أفريقية واتصل بالخليفة المستنصر واستقضاه "قابس" ورأيت بينه وبين شيخنا الفقيه أبي محمد عبد الحق مراسلة قل أن يوجد مثلها في الزمان، ولولا الإطالة لأثبتها. ثم استدعاء المستنصر وصار من خواص الحاضرين بمجلس حضرته ومن فقهاء دولته.
توفي رحمه الله بتونس، ليلة الجمعة الموفى عشرين لذي الحجة من عام ثمانية وخمسين وستمائة ومولده بجزيرة شقر في شهر رمضان المعظم سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
ويتصل إسنادي عنه من طريق الشيوخ الثلاثة الفقيه أبي محمد عبد الحق والخطيب أبي عبد الله ابن صالح والمقرئ أبي جعفر ابن محمد الصدفي رحم الله جميعهم آمين.