الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 - أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الخزرجي الشاطي
…
691هـ
…
1292م
ــ
ومنهم شيخنا، الشيخ الفقيه القاضي العدل، الصدر المحصل المتقن المجيد، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يحيى بن حزب الله بن محمد بن خلف الله بن عبد الرحمن بن يعقوب الخزرجي، الأنصاري ثم الشاطبي، وجده يعقوب هو الداخل هكذا اخبرني رحمه الله، لقيته ببجاية في مدة اجتيازه عليها إلى المشرق، ولقيته بعد ذلك في مدة قضائه بها.
له علم محكم، وعقد صحيح مبرم، رحل وحج، وكانت رحلته بعد تحصيله فزاد فضلا إلى فضله، ونبلا كثيرا إلى نبله.
كان له علم بالعربية وأصول الفقه، وله مشاركة في أصول الدين وفي قوانين الطب.
له شرح على الجزولية سمعت عنه ولم أره، والذي يقع في النفس إنه جيد وكثيرا ما كانت المذاكرة تقع معه فيما يعد إنه من مشكلات القانون، فيجيد في الجواب عليه، وكان بحثه في أصول الفقه جيدا، وكان متأنيا في
فقهه لا يستحضر من النقل الكثير ولكنه يستحضر ما يحتاج إليه.
وكانت له ديانة متينة، وكان سري الهمة رفيع القدر، تخطط بخطة القضاء في غير ما بلد، وكان أبوه قاضيا وبيتهم بيت علم وقضاء وتوارث سؤدد، ثم قضى ببجاية فكان في قضائه على سنن الفضلاء وطريق الأولياء والعقلاء، قائما بالحقوق، وقافا مع الصدق، معارضا للولاة فيما يخالف طريق الشرع ومبائنا لهم.
ثم أنصرف عن بجاية فولى قضاء حاضرة أفريقية، فكان له فيها الظهور في أحكامه، والمضاء في قضائه ما اشتهرت آثاره، وتواترت أخباره. ولما توفى رحمه الله، عجز القضاة بعده هنالك على سلوك منحاه، واقتفاء سننه الذي اقتفاه، وكان رحمه الله، كثير التشديد في أمر الشهادة والشهود، يرى التنصل عنها عملا وتقديما، ولقد أخبرني رحمه الله، إنه ما شهد قط إلا شهادة واحدة دعته الضرورة إليها، وكان لا يرى أن يقدم الشهود إلا عند الحاجة، وأما إذا كان من تقع به الكفاية فلا يقدم، ويرى أن الكثرة مفسدة، وقلما كان يقدم رحمه الله. ولقد ذكر لي إنه عرض عليه في مدة ولايته بحاضرة أفريقية، أن يقدم رجلا من أهلها، ووقعت العناية به حتى بلغ الأمر إلى عناية الملك به، إلى أن شابه فيه فتمنع من ذلك وقال له: إذا شئتم أن تقدموه اخبروني وقدموا من تقدمونه، فقبلوا قوله فأقروه ولم يقدم الرجل، وكان إذا جرى الأمر في تحرير معنى الشهادة ويجري فيه ما قاله القاضي أبو بكر ابن العربي وغيره، من أنها قول قبول الغير على الغير دليل، يرى أن هذا من الأمر العظيم الذي لا يليق أن يمكن منه إلا الآحاد، الذي تبين فضلهم في الوجود، وكان يرى أن جنايات الشاهد إنما هي في صحيفة من يقدمه من باب قوله، عليه السلام، من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة، وهذا كله باب احتياط وديانة، والشهادة أولى ما وقع التحوط عليه والنظر في أمره، ومنصب الشهادة من الأمر العظيم والخطب الجسيم.
وقد سئل الجنيد رحمه الله ورضي عنه، من أولياء الله؟ فقال شهود القاضي لأنهم لا يأتون كبيرة ولا يواظبون على صغيرة، والشهادة إذا كانت صفة فلا شيء أجل منها، وإذا كانت خطة لا صفة، فلا شيء أنجس منها.
توجه من قبل ملك أفريقية رسولا إلى صاحب الديار المصرية، فحمد مسعاه وشكر منحاه. وأخبرني رحمه الله، إنه لما كانت وقعة بني مرين بطنجة، عرض عليه أهلها أن يقدم وان يبايعوه، وكان قادرا على ذلك ومتمكنا بمعرفته ودهائه، فتمنع من ذلك وقال:"والله لا أفسد ديني ودنياي" وهذا من دينه وفضله وعقله ونبله، جازاه الله خيرا. توفي بتونس في الثامن عشر لصفر عام أحد وتسعين وستمائة.