الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
86 - أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن دحية الكلبي
544 -
633هـ
1150 -
1235م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، المحدث الحافظ المتقن، النحوي اللغوي التاريخي، أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن دحية الكلبي من كبار المحدثين، ومن
الحفاظ الثقات الإثبات المحصلين. استوطن بجاية مدة أبي عبد الله ابن يرمور وكان ولده أبو علي يقرأ عليه، وروى بها واسمع، وكان معتنى به، وكان من أحفظ أهل زمانه باللغة، حتى صار حوشي اللغة عنده مستعملا غالبا عليه، ولا يحفظ الإنسان من اللغة حوشيها إلا وذلك أضعاف محفوظه من مستعملها، وكان قصده والله أعلم، أن ينفرد بنوع يشتهر به دون غيره من الناس، كما فعل كثير من الأدباء حيث تركوا طريق المعرب وانفردوا بالطريق الآخر، لأنهم انفردوا به واشتهروا فيه، ولو سلكوا طريق المعرب لكانوا فيه كآحاد الناس، وكذا الشيخ أبو الخطاب ابن دحية الكلبي.
رأيت من كلامه كثيرا في رسائل ومخاطبات، كلها مغلقات مقفلات، ومن جملتها، ما ذكر إنه كان له خديم يخدمه، واحتاج الوالي إلى تجهيز قطع في البحر يبعث فيها للمغرب، فأخذ خديمه في جملة الغزاة، فكتب لأبي علي ابن يرمور هذه الرسالة ينبهه على خديمه ليسرحه وهي: الشيخ الفقيه الأديب
الجحجاح الهرماس أبو فلان جحمظ الله قعثبان شفترته هذا الغطريس في اليم أخذ رجلا لا يملك حذر فوتا فيري الزبرقان فيخاله حوارى ويرى الجعل فيحسبه زعبجا وله قرحة أمحشت من الحر وتعطل كبرها فأبعث إلى هذا العثري من يخضد شوكته والسلام.
ولما وصلت هذه الرسالة لأبي علي ابن يرمور لم يفهم لغتها، فاستحضر كتب اللغة الصحاح وغيرها ليفك معماها، ويظهر له معناها. فلم تتضح له إلا بعد أيام، حتى سافرت الأجفان، فكتب كتابا في حق الرجل واشخص به رقاصا، فوصل قطع بوهران فصرف الرجل وزود، ولولا إبطاء الريح ما وصلت الشفعة إلا بعد خلاص مسألته، وهذا أقل عوارض الخروج عن العادة، وعدم سلوك السبيل الجادة. وكان رحمه الله إذا كتب اسمه فيما يجيزه أو غير
ذلك، يكتب ابن دحية ودحية معا المشبه بجبريل وجبريل ويذكر ما ينيف على ثلاث عشرة لغة المذكورة في جبريل ويقول عبد فاطر السموات والأرض، وهذا نوع أنفرد به عمن سواه من أهل العلم.
قد رأيت له تصنيفا في رجال الحديث لا بأس به.
وارتحل إلى المشرق في مدة بني أيوب فرفعوا شأنه، وقربوا مكانه، وجمعوا له علماء الحديث وحضروا مجلسا اقروا فيه بالتقدم، واعترفوا له إنه من أولي الحفظ والإتقان والتفهم. وسمعت أنهم ذكروا أحاديث بأسانيد حولوا متونها، وإنه أعاد المتون المحولة وعرف عن تعبيرها ثم ذكر الأحاديث على ما هي عليه من متونها الأصلية.
وأخبرني شيخنا أبو عبد الله الخطيب أن مثل هذه الحكاية اتفقت لأبي عمر ابن عات بمراكش في كتاب مسلم ببيت الطلبة منها.
ومن شعر أبي الخطاب ما وقعت عليه في ورقة بخط بعض المشارقة ونصه، قال الحسن بن أحمد بن عبد الرحيم البيساني، كتب إلي الفقيه الحافظ أبو الخطاب عمر ابن دحية، وأجازني الرواية عنه وشافهني بالإجازة، قال: كتب إلي السلطان الأجل الملك الكامل أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب هذه القصيدة:
مالي أسائل برق بارق عنكم
…
من بعد ما بعدت دياري منكم
وبمنحنى الأضلاع بل وادي الغضا
…
من مهجتي يا راحلين نزلتم
فمحلكم قلبي وأنتم بالحشا
…
لا بالعقيق ولا برامة أنتم
وأنا المقيم على الوفاء بعهدكم
…
يا مالكين، وفيتم أو خنتم
أظننتم إني سلوت وأنني
…
خنت العهود فخنتم وغدرتم
هيهات هل يسلو بذكر مالك
…
من حبكم من للغرام متيم
أمنازل الأحباب أين أحبتي
…
فهم إذا جن الظلام الأنجم
ولقد وقفت بربع عزة منشدا
…
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا
نزلوا الحطيم وماء زمزم أوردوا
…
نعم الحطيم بهم ورقت زمزم
وسروا وقد أسروا الفؤاد وحرموا
…
طيب الهجوع علي لما أحرم
ناديتهم وهم المنى بمنى وقد
…
ضربوا بها حمر القباب وخيموا
لم تسكنوا البلد الحرام وإنما
…
حرم الفؤاد المستهام سكنتم
هم في السواد وفي السويدا خيموا
…
ما أعرفوا ما أيمنوا ما اشأموا
وهم الذين إذا سئلت من الذي
…
تهواهم قلت الذين هم هم
أنا باخع نفسي على آثارهم
…
أسفا فلا خلت المنازل منهم
أحبابنا طال المطال بوعدكم
…
لي بالوصال وطال ليلى فيكم
عودوا يعود الليل صبحا مسفرا
…
والصبح بعدكم سناء مظلم
والذنب ذنبي في الهوى وخطيئتي
…
من دونكم وأنا المسيء المجرم
حكمتكم في مهجتي فحكمتم
…
فيها بما شاء الغرام وشئتم
ورحلتم بالقلب يوم رحلتم
…
وظعنتم بالصبر يوم ظعنتم
ولقد كتمت هواكم حتى وشى
…
سقمي بذاك ودمع عيني الملزم
والسقم يفصح بالصبابة والأسى
…
والدمع يكتب ما المعنى يكتم
حاشاكم من أن تجوروا في الهوى
…
ونعم ظلمتم بالعباد وجرتم
والعدل بالملك الهمام محمد
…
بادي المنار لكل من يتظلم
عز الملوك الكامل الشرف الذي
…
لعلائه السبع الكواكب تخدم
فالمشتري كالمشتري لسعوده
…
يمسي ويصبح حيث أم يؤمم
والقوس يرمي عن إرادة عزمه
…
غرض المقاصد والمقادير أسهم
فدع التحرش يا منجم واتئد
…
فالحكم عندي غير ما قد تحكم
ما كوكب المصباح ذو الترب الذي
…
في القرب من بعد الغروب يعتم
علم لما رحمت بل علم له
…
رفيع لا يرام معظم
وقعت له الأملاك منه سجية
…
ملك السماك الرمح وهو محرم
اوتاسل وافى ليخدم رامحا
…
فينال منه مكانة ويقدم
لما اعتدى في الجند يخدم سابعا
…
بهرام سياف النجوم الضيغم
ونسيت بل ملك أشار بأصبع
…
يوي إليه بل عليه يسلم
هذا الصحيح من المقالات التي
…
فيها بمكنون الغيوب يرجم
لذوي النهى والفهم سر حكومة
…
قد حار فيها كاهن ومنجم
واقصد مرادك حيث سرت مظفرا
…
فالله يكلأ والكواكب نوم
وليهنك الشهر السعيد تصومه
…
وتفوز فيه بالثواب وتغنم
فلأنت في الدنيا كليلة قدره
…
قدرا فقدرك في الملوك معظم
أثني عليك لأن شكرك واجب
…
إذ أنت في الخلق المغيث المنعم
وكذا الأيادي البيض سحب نوالها
…
تسري كما يسري السحاب المسجم
ولقد أسى مينا تقل لمثلها
…
مدحي الذي تقدم فيه أنظم
ولي السواري في علاك مدائحا
…
كالشهب تنجد في البلاد وتتهم
فبقيت ما بقيت حمامة أيكة
…
من فوق غصن يابس تترنم
تحمى فلا متهضم يسطو ولا
…
متحرم يشكو ولا متظلم
وكتب السلطان جوابا في ورقة عن القصيدة: الحمد لولي الحمد، وقف ولده على الأبيات التي حسن شعرها، وصفا درها. وليس من البديع أن يقذف البحر درا، وينظم الجليل شعرا. وقد اتخذت الورقة لا تنزه في معنيها واستفيد بما أودعه فيها. فالله لا يخلينا من فوائد فكرته. وصالح ادعيته.
قال الراوي، وأجازنا أيضا قصيدة يمدح السلطان بها أيضا:
شجتني شواج في الغصون سواجع
…
ففاضت هوام للجفون هوامع
وهيجن شوقا للأراجع باللوى
…
وأين اللوى مني وأين الاراجع
مرابع لو أن المرابع أنجم
…
لكان نجوم الأرض تلك المرابع
رعى الله أياما لها ليت أنها
…
إلي وقد ولى الشباب رواجع
ليالي لا ليلى إذا رمت وصلها
…
يلوح لها من صبح شيبي مواقع
وما محنتي في الحب غير عزيزة
…
هي البدر في ليل النوائب طالع
يقد فؤادي قدها وهو ذابل
…
على إنه غصن من البان يانع
وتجرح أحشائي بعين مريضة
…
كما لأن متن السيف والحد قاطع
خضمت لها في الحب من بعد عزة
…
وكل محب للأحبة خاضع
وماذا أجنت من أزاهر جنة
…
كمائم من ريط تسمى البدائع
وفوق شبيه الورد يلحظ عكسه
…
لواذع في قلبي لها ولواذع
وقالوا بدور والنجوم حنادس
…
وهن شمرس في الغصون طوالع
ودعت وديعة لدى حاكم الهوى
…
ولي للهوى قلب مطيع وسامع
ولا حاكم أرضاه بيني وبينها
…
سوى ملك دهري له اليوم طائع
يدافع عني الضيم قائم سيفه
…
إذا عز من للضيم عني يدافع
هو الكامل الأوصاف والملك الذي
…
تشير إليه بالكمال الأصابع
وبيض أياديه الكريمة في الورى
…
قلائد في الأعناق هن الصنائع
ويوماه يوماه اللذان هما هما
…
إذا جمعت غلب الملوك المجامع
فيوم بدا فوق السرير مرفع
…
ويوم ربا تحت اللواء براقع
بأسيافه في الأرض هدت كنائس
…
وشيد للإسلام فيها جوامع
كتائبه منصورة بكتائب
…
من الملأ الأعلى وجبريل وازع
يهيم بمقراه جلال وهمة
…
وتغني بمغناه نفوس نوازع
فلا تطمعن فيه العدى فل حدهم
…
ففي غير أمر الله يطمع طامع
ليهنك يا عز الملوك بشائر
…
توالى بها في المشركين وقائع
تدال بها أرض العدى بالعمى هدى
…
يكسر ناقوس وتبنى صوامع
وتفتح قسطنطينة وقلاعها
…
يتاح لها أمر من الله قالع
فيا ملك رقى المكارم ملكه
…
وما تبع إلا له اليوم تابع
وأمحى ملوك الأرض في أجمة الغضا
…
وأعداهم بالسيف حين يماسع
ومن نحوه يوم الجدال عوامل
…
خوافض للهامات منها روافع
به كل ثغر باسم برشاشه
…
عيون أعاديه دوام دوامع
شكرت أياديك الجسام اصطناعها
…
كما شكرت فعل السيوف المسامع
فما روضة غناء مر بها الصبا
…
بنشر شذاها الطيب النشر ذائع
له من شكير الدهر برد مفوف
…
أتيح له من ارض صنعاء صانع
فراقك منها أخضر الثوب ناضر
…
وشاقك منها أصفر اللون فاقع
وأحمر قان كالخدود مورد
…
وابيض كالثغر المفلج ناصع
بأحسن من توشيح مدحي الذي به
…
بدائع من وشى البديع رصائع
وما صائغ من نشر شكري الذي به
…
تأرجت الأرجاء عندك ضائع
ولو لم يقيدني نداك لكان لي
…
مجال فسيح في البسيطة واسع
فأنت الذي لي والأعادي كثيرة
…
فويق مكان النجم في الأفق دافع
ومن عجب يا من سما مجده
…
له في كدى العليا الرماح الشوافع
فإني وقد أعلنت بالجاه موضعي
…
بدار تحاكيها الديار البلاقع
وما لي إلا حسن رأيك وحده
…
لديك إذا ما كان للناس شافع
بقيت لعبد جده دحية الذي
…
يشابه جبريل له ويضارع
وجدته الزهراء بنت محمد
…
عليه السلام الدائم المتتابع
ولا عدمت منك الممالك مالكا
…
يقرب للآمال ما هو شاسع
فمنك عيون للمهمات يقظ
…
وعنك عيون الحادثات هواجع