الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
40 - أبو عبد الله ابن شعيب
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، الإمام العالم، العامل الجليل الفاضل، المجتهد العابد الموفق، أبو عبد الله ابن شعيب من أهل العلم والعمل، له التفنن في العلوم، عالم بالأصلين والفقه والتصوف، محصل لمذهب مالك كما يجب. أصله من هسكورة من المغرب، وقرأ بالمغرب ثم ارتحل إلى المشرق. ولم يرتحل إلى المشرق حتى كان يدرس بالمغرب ويقرأ عليه.
وسمعت إنه كان يستظهر كتاب اللخمي قبل سفره إلى البلاد، وذكر لي إنه قال:"دخلت البلاد وحضرت دروس أهلها فلم يتبين لي ما يقولون لعدم معرفتي باصطلاحاتهم، فأقمت سنة لا أتحدث في شيء، وبعد السنة علمت الاصطلاح وشاركتهم وأربيت عليهم بالحفظ".
حج بيت الله الحرام ولازم الاشتغال والاجتهاد وأقام في البلاد ثلاثا وعشرين سنة بثغر الإسكندرية المحروسة، ثم رجع إلى حاضرة تونس حرسها الله تعالى وبها ظهر حاله، وعرف علمه وجلاله. وتبسط للإقراء ودرس عليه الناس وانتفعوا به. وكان أصحابه أفضل الطلبة وأنجبهم، وولي المدارس فزانها بنظره، وجملها بحميد أثره.
عرض عليه القضاء فامتنع منه، فشد عليه فيه، فأشار عليه بعض أصحابه أن يلي ويتصرف في أموره التصرف الشرعي، ليكون ذلك سببا لقوله فكان كذلك. ولي بلدة "القيروان" فوقعت معارضة بين المكاس وبين بعض أهلها فدعي إليه، وقال لهم: ليس في الشريعة مكس وضرب المكاس وطيف به، فنهى الأمر إلى الولاة بحاضرة افريقية فأمروا بعزله وقالوا هذا لا يصح للولاية، فوصل مرفعا مكرما وما زال عاكفا على العلم والعمل إلى أن مات رحمه الله.
دخل بجاية في مدة اجتيازه إلى المشرق، وذكر لنا صاحبنا الفقيه أبو عبد الله الحدميوتي (كذا) وفقه الله عنه إنه قال: وصلت وصحبني رجل من أعلام المتقين ومن عباد الله الصالحين من أهل المغرب، فلما حللنا بالجزائر عرضت له إقامة هناك فتقدمته إلى بجاية، فأقمت بها الذي أقمت وانفصلت عنها، ثم وصل الرجل المذكور بعدي فتلقاه الناس وأقبلوا عليه فاستضافه رجل من أهلها وأخذ في إكرامه، ولما حضر وقت صلاة المغرب: صلى الفرض وصلى بعده ركعتين ولم يزد على ذلك شيئا ولما حضر وقت صلاة العشاء صلى الرجل ركعتين قبل العشاء وأدى الفريضة والوتر بشفعه ولم يزد على ذلك، ولما أصبح الناس لزيارة الرجل والتبرك به، تلقاهم رب المنزل وهو يشير لهم إنه ليس هناك كبير عمل، فكوشف الشيخ بذلك وكان على قدم الحركة مستعجلا، فاستخار الله فصرف أصحابه وخدامه وطلب الإقامة عند الرجل الذي انزله، فأقام عنده ثلاثين يوما وليلة لم يأكل فيها طعاما ولا يشرب فيها ماء، ولا زاد في حال العبادة شيئا سوى أداء الفرائض، وإنما هو مجرد وصال، ولما تمت الثلاثون يوما قال للرجل: أنا أنصرف، وقال له: ما أقمت عندك هذه المدة إلا لئلا تزدري بأولياء الله تعالى إذا رأيتهم يؤدون الفرائض ويقتصرون عليها، وأي فضل أعظم من أداء الفرائض إذا فعلها الفاعل على حقيقتها وارتكب جميل طريقتها؟ وهذا الرجل إنما كان من أهل العرفان، وإنما كانت عبادته في فكرته، ولكن العامة ما يرون الفضل إلا لمن يكثر الركوع والسجود والصيام وإن كان جاهلا، وذلك لعدم تمييزهم وقلة علمهم.
ولقد ذكر لي بعض أصحابنا عن الشيخ الجليل الفاضل أبي محمد عبد الجليل صاحب "شعب الإيمان" إنه كان إذا ورد على طنجة لزيارة بعض أصحابه كابي العباس الفتجيري وغيره إنه لا يبيت إلا في الجامع ولا يبيت بمنزل احد، وإنه كان إذا دخل الجامع يضطجع، وإذا كان وقت صلاة الصبح يقوم فيصلي من غير تجديد طهارة، وان بعض المؤذنين بالجامع رآه على هذه الحالة وتكرر هذا منه، فتكلم فيه وقال إنه يصلي بغير طهارة، ونمى الخبر إلى أبي العباس الفتجيري فأمر المؤذن المذكور بالتوبة وقال له: ذلك رجل ورده في مضجعه، فاستغفر الله مما وقعت فيه. وسمعت أن المؤذن أصيب بمصاب بسبب وقوعه فيه، وسمعت أن الشيخ أبا محمد عبد الجليل كوشف بهذه القضية، وكان إذا عرض له المبيت بالجامع يقوم من آخر الليل ويقول: ائتوني برطل من الماء لأزيل الشك عن المرتاب، وسبب هذا أن العامة لا يدركون إلا الأحوال الظاهرة ولا علم لهم بالأسرار الباطنة، يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهو عن الآخرة هم غافلون، أعاد الله علينا من بركات أولياء الله بفضله.