الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
87 - أبو الربيع سليمان الأندلسي المعروف بكثير
565 -
634هـ
1170 -
127م
ــ
ومنهم، الشيخ الفقيه، الأديب المحدث، الحامل المحصل المجيد المتقن، أبو الربيع سليمان الأندلسي المعروف بكثير، له علم بالحديث ومعرفة برجاله، حافظ لأسانيده، محصل لمعنيه، من أهل الضبط والحفظ. وأما الأدب فشأوه فيه لا يدرك، سبق فيه أهل الزمان وأربى، ولمثله في الفصاحة والبلاغة تحل الحبى. سمعت عن شيخنا أبي الحسن الحرالي رضي الله عنه إنه كان يقول: بلغ "كثير" في رتبة البلدان أن يكون كأوائل العرب يحتج بشعره، وذلك لما كان انتهى إليه من الفصاحة والبلاغة حتى صارت له طبيعة، وكان سريع البداهة يكتب
عنه ولا يقف، ويورد أحسن إيراد، وله في غير ما فن من الأدب، النظم والنثر. ولقد ذكر لي بعض الطلبة، إنه رأى قصيدة في نحو خمسمائة بيت على هذا الروي يصف فيها حاله ويعاتب وقته، ومطلعها يقول عن نفسه:
الحمد لله ليس لي بخت
…
ولا ثبات يضمها نحت
ومضى على هذا الإيراد بأجود لفظ وأحسن معنى، ولقد بحثت عنها كثيرا فلم أجدها.
وكان لسان نقد على المؤلفين والمصنفين والمتكلمين، ومن جملة نقوده ما كان يقوله على كتاب الإحياء لأبي حامد يقول: ومتى ماتت العلوم حتى تحيى علوم الدين؟ ما زالت حية ولا تزال " وكان إذا ذكر الشعر يقول: "شاعر أعم من شيء" يشير إلى أن الشعراء كثير والمرضى منهم قليل.
وكانت له همة ونزاهة على إقلاله، وضعف حاله.
سمعت أن بعض الأمراء في وقته عتبه عتابا أغلظ عليه فيه، ثم استرضاه فبعث إليه بثلاثمائة دينار، وبعث إليه بكتاب ابن عطية ليقابله له، وكانت نفسه قد تغيرت عليه، فاخذ في الارتحال وطلع في جفن قاصدا للرئيس أبي عثمان سعيد بن حكم ابن عمر بن حكم القرشي صاحب منورقة وترك الكتاب والثلاثمائة دينار وكتب معها رقعة وانفصل، ولم يشعر به أحد، ولم يرض بأخذ تلك الصلة وتركها مع الكتاب، واستحسن ذلك غاية الاستحسان منه وشكره
الناس عليه، ولما وصل الرئيس أبا عثمان أنزله خير منزل، وأحله منه خير محل، وبقي معه إلى أن مات رحمه الله.
قرأ بالأندلس، وارتحل إلى حاضرة مراكش ولقي أبا موسى الجزولي وغيره. وكان شيخنا أبو عبد الله الأديب يحكي عنه إنه كان يقول: لقيت أبا موسى الجزولي بمراكش، واتفق إنه ركب البحر في بعض الأسفار فألقته الريح في جزيرة صقلية، فدخلها مع أهل الجفن وطال مقامهم بها وفرغ زاده، فافتقر إلى الجلوس بها لكتب الرقاع للمسلمين الذين بها، فأتته امرأة تشكو للملك بشكوى فكتب لها رقعة لم يعد فيها عن لفظها، فوصلت الرقعة إلى الملك فرأى خطا لا يوافق اللفظ فقال: علي بهذا الكاتب، فحضر بين يديه فقال له: هذا خطك؟ قال نعم، قال له: هذا الخط لا يوافق اللفظ، فقال له: هي أمانة قلدتها والقصد تصوير الواقع بين يديك، والكاتب نائب عن حضور صورته، وأظهر ذلك أن يكون بعين لفظه، حتى يقدر أن صورته حاضرة بين يديك، وتزيين الكلام يرفع قريحة الرافع، فاستحسن ذلك منه وقال له: تقيم عندنا نحسن إليك وتكون ممن يحضر معنا، فقال له:"لو كان الشرع يحيز ذلك لفعلته، فأنك خير من يقام عنده" فزوده وانصرف، وهذا من عقله وفهمه.