المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … أهمية الأسرة وعناية الإسلام بها: ينبثق نظام الأسرة من معين الفطرة - فقه الأسرة

[أحمد علي طه ريان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الخطبة وما يتعلق بها

- ‌الفصل الأول: الترغيب في الزواج وما يراعى في اختيار الزوج الصالح

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الترغيب في الزواج وبيان الفوائد المترتبة عليه

- ‌المبحث الثاني: مدى كون النكاح من العبادة

- ‌المبحث الثالث: ما ينبغي لكلٍّ من طرفي الزواج أن يراعيه عند اختيار الطرف الآخر

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الثاني: معنى الخطبة والنظر إلى المخطوبة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المراد من الخطبة، وصيغتها، وحكمها

- ‌المطلب الأول: المراد من الخطبة

- ‌المطلب الثاني: صيغة الخطبة وحكمها

- ‌المبحث الثاني: النظر إلى المخطوبة

- ‌المطلب الأول: حكم نظر الرجل إلى المخطوبة ومدى الحاجة إلى إذنها في ذلك

- ‌المطلب الثاني: المواضع التي شرع النظر إليها مع بيان الوقت المناسب لذلك

- ‌المطلب الثالث: حق المرأة في النظر إلى من يريد خطبتها

- ‌المطلب الرابع: هل من حق الولي أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الثالث: الخطبة على الخطبة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: في بيان حكم الخطبة على الخطبة

- ‌المطلب الأول: حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر

- ‌المطلب الثاني: هل تجوز الخطبة على خطبة الفاسق

- ‌المبحث الثاني: الركون إلى الخاطب، وما يتعلق به من أحكام

- ‌المطلب الأول: في بيان معنى الركون إلى الخاطب

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الرابع: خطبة المعتدة أو المستبرأة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: حكم خطبة المعتدة أو المستبرأة ومواعدتها

- ‌المطلب الأول: حرمة التصريح بالخطبة للمعتدة أو المستبرأة

- ‌المطلب الثاني: المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح بعد انقضاء العدة

- ‌المطلب الثالث: كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة، وحكمه، وبعض صيغه

- ‌المبحث الثاني: حكم النكاح الواقع بعد التصريح أو التعريض المحرمين أو بعد العدة منهما

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌المراجع المساعدة:

- ‌الباب الثاني: عقد النكاح

- ‌الفصل الأول: تعريف النكاح وحكمه وأركانه

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تعريف النكاح

- ‌المبحث الثاني: حكم النكاح

- ‌المبحث الثالث: أركان عقد النكاح

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الثاني: صيغة عقد النكاح

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المراد بصيغة العقد، والألفاظ التي تصلح لذلك

- ‌المطلب الأول: بيان المراد بالصيغة

- ‌المطلب الثاني: ما يصح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح

- ‌المبحث الثاني: انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة

- ‌المطلب الأول: في انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة وغير ذلك

- ‌المطلب الثاني: انعقاد النكاح بغير العربية، وما يشترط في المترجم

- ‌المطلب الثالث: بيان الحكم فيما إذا ادعى أحد العاقدين الهزل

- ‌المبحث الثالث: تعليق النكاح وتأقيته وانعقاده بلفظ واحد

- ‌المطلب الأول: تعليق النكاح وتأقيته

- ‌المطلب الثاني: انعقاد النكاح بلفظ واحد

- ‌المبحث الرابع: في بيان العقد وما يتعلق به

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الثالث: الولى وما يتعلق به

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الولاية في عقد النكاح، وأنواعها وحكمها ودليلها، والحكمة منها

- ‌المطلب الأول: المراد بالولي والولاية وأنواعها

- ‌المطلب الثاني: حكم الولاية وأدلته

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح

- ‌المبحث الثاني: أحق الناس بالولاية في عقد النكاح، وهل هناك ولاية لغير العصبات

- ‌المبحث الثالث: شروط الولي

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الرابع: الإشهاد على النكاح

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: مشروعية الإشهاد على عقد النكاح

- ‌المبحث الثاني: ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح

- ‌المبحث الثالث: شهادة الأعمى على عقد النكاح

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الخامس: الصداق

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تعريف الصداق ودليل مشروعيته

- ‌المبحث الثاني: تسمية الصداق وما يتعلق بها

- ‌المبحث الثالث: ما الحكم إذا كان المسمى منفعة

- ‌المبحث الرابع: بم يثبت المسمى

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل السادس: الزوج والزوجة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: مدى صلاحية الزوجين للعلاقة الزوجية

- ‌المطلب الأول: أهلية الزوجين

- ‌المطلب الثاني: الموانع بسبب اختلاف الدين

- ‌المطلب الثالث: الموانع الصحية

- ‌المطلب الرابع: الموانع الشرعية أو المحرمات

- ‌المبحث الثاني: الخلو من الموانع الاجتماعية أو "الكفاءة

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌المراجع المساعدة:

- ‌الباب الثالث: الحقوق المترتبة على العقد مدة الحياة الزوجية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الحقوق التى يقتضيها العقد

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌المطلب الأول: النفقات

- ‌المطلب الثاني: المعاشرة بالمعروف

- ‌المطلب الثالث: ولاية التوجيه

- ‌المطلب الرابع: العدل في معاشرة الزوجة أو الزوجات

- ‌المبحث الثاني: حقوق الزوج

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌الفصل الثاني: الاشتراط في العقد

- ‌مدخل

- ‌القسم الأول: ما يصح معه العقد والشرط

- ‌القسم الثاني: ما لا يصح معه الشرط

- ‌الخلاصة:

- ‌أسئلة التقويم الذاتي:

- ‌المراجع المساعدة:

- ‌الباب الرابع: انتهاء عقد النكاح وما يترتب عليه من آثار

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهم أسباب انتهاء عقد النكاح

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أحكام الطلاق

- ‌المبحث الثاني: أحكام الخلع

- ‌المبحث الثالث: الرجعة

- ‌المبحث الرابع: أحكام الإيلاء

- ‌المبحث الخامس: أحكام الظهار

- ‌المبحث السادس: أحكام اللعان

- ‌المبحث السابع: أحكام الرضاع

- ‌الفصل الثاني: أهم الآثار المترتبة على انتهاء عقد النكاح

- ‌المبحث الأول: العدد

- ‌المبحث الثاني: أحكام زوجة المفقود

- ‌المبحث الثالث: الإحداد

- ‌المبحث الرابع: نفقة المعتدة وسكناها

- ‌المبحث الخامس: المتعة

- ‌المبحث السادس: الحضانة

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌مقدمة … أهمية الأسرة وعناية الإسلام بها: ينبثق نظام الأسرة من معين الفطرة

‌مقدمة

أهمية الأسرة وعناية الإسلام بها:

ينبثق نظام الأسرة من معين الفطرة وأصل الخلقة وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعًا وللمخلوقات كافّة، قال جل شأنه:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 1، وقال سبحانه:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} 2.

إن النظام الإسلامي يجعل الأسرة هي العمود الفقري الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وقد أحاطها الإسلام برعايةٍ عظيمةٍ في كل مراحل تكوينها، وقد استغرق تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية جهدًا كبيرًا، وأحاطها كذلك بكلِّ المقومات اللازمة لإقامة هذه القاعدة الأساسية الكبرى للمجتمع المسلم.

ونظرًا لأهمية هذه القاعدة في تكوين النظام الاجتماعي ربطها الإسلام بجاذبية الفطرة بين الجنسين؛ حيث أودع في كل طرف رغبة ملحة للطرف الآخر لتحقيق المودة والسكينة التي يبحث عنها كل منهما لدى الآخر، وما ذاك إلّا لتتجه إلى إقامة الأسرة القوية، وتكوين البيت الصالح الذي يتكون من مجموعهما المجتمع الصالح، قال جل شأنه:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 3، وقال عز من قائل:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} 4.

إن الأسرة هي الوضع الفطري الذي ارتضاه الله تعالى لحياة الناس منذ فجر الخليقة وفضله لهم، واتخذ من الأنبياء والرسل مثلًا، فقال سبحانه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} 5.

1 سورة الذاريات الآية 49.

2 سورة يس الآية 36.

3 سورة الروم الآية 21.

4 سورة النحل الآية 80.

5 سورة الرعد الآية 38.

ص: 3

ويبحث عنها لدى الطرف الآخر، وتلك السكينة التي تظلل هذه الخلية الناشئة، وهذه المرحمة التي تغمر قلبي طرفيها، هذه المعاني كلها تجعل الرجل يندفع للارتباط بأنثاه، مضحيًّا من أجلها بماله، ومغيرًا طريقه حياته، مستبدلًا بروابطه السابقة روابط أخرى.. وهي التي تجعل المرأة تقبل الانفصال عن أهلها ذوي الغيرة عليها، وتترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها لترتبط بالزواج برجل غريب عنها، تقاسمه السرّاء والضرّاء، وتسكن إليه ويسكن إليها، ويكون بينهما من المودة والمرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي القربى، وما ذلك إلّا لثقتها بأن صلتها به ستكون أقوى من أيِّ صلة، وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة، وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق وأشدها إحكامًا.

من أهم المقاصد التي أرادها الإسلام من تكوين الأسرة:

1-

تنظيم الطاقة الجنيسة:

هذه الطاقة خلقت في الإنسان سواء كان ذكرًا أم أنثى لتحقيق غاية جليلة، وهي التناسل والتوالد والتكاثر بغرض استمرار الجنس البشري لتتحقق العمارة التي أرادها الله تعالى للأرض.

وإنما شرع الزواج والأسرة ليكون الزواجُ أداةً، وتكون الأسرة وعاءً شرعيًّا نظيفًا لاستقبال هذه الطاقة وتوظيفها في المحل الصحيح.

ولولا الزواج الذي هو تنظيم لتلك الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية هذه الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، وعندئذ لن يكون هو الإنسان الذي كرَّمه ربه ونفخ فيه من روحه، ثم منحه العقل والتفكير، وفضَّله على كثير من خلقه مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ

ص: 4

مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} 1.

إن الإسلام لا ينظر إلى هذه الطاقة كمجرد أمر واقع، ولكنه يعاملها بالتقدير باعتبارها وسيلة لغاية جليلة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إن في بضع أحدكم صدقة" -أي: إن الرجل يثاب على العمل الجنسي الذي يأتيه مع زوجته- قيل يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر

" 2.

وإن ذكر الله تعالى قبل بدء الاتصال بين الرجل وزوجته، وهو ما أدّب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على فعله؛ ليدل دلالة قاطعة على مدى نظافة الجنس في نظر الإسلام، وعلى مدى رغبته في تأصيل هذه النظافة في حس المسلم3.

2-

بقاء النوع الإنساني:

الإنسان مجبول على حب البقاء، وإذا كان الإنسان لا سبيل إلى بقائه بذاته، فإن سبيله إلى البقاء إنما هو النسل المعروف نسبته إليه، حيث يراه امتداد في بقائه واستمرارًا لذكراه وخلودًا لحياته.

وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على طلب النسل وحبَّبَ إليه، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وأنها لا تلد فأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال:"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" رواه أبو داود والنسائي4.

3-

حسن التربية للأجيال القادمة:

إن الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الفراخ الناشئة ورعايتها

1 سورة الإسراء الآية 70.

2 مسلم، كتاب الزكاة، باب: بيان اسم الصدقة على كل نوع من المعروف.

3 الزواج في الإسلام أمام التحديات ص116.

4 أبو داود "2050"، والنسائي "6/ 65"، والحاكم، وصححه وهو صحيح.

ص: 5

وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة، وتفسر الحياة، وتتعامل مع الحياة.

ونظرًا لأن الطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولةً؛ إذ هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب منه في الحياة في باقي حياته، لذا كانت حاجته لملازمة أبويه أشد من حاجة أيّ طفل لحيوان آخر، وكانت الأسرة المستقرة الهادئة ألزم للنظام الإنساني وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة.

وقد أثبتت التجارب العملية أن أيَّ جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوّض عنها ولا يقوم مقامها، بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته، ولاسيما نظام دور الحضانة الجماعية التي أرادت بعض النظم المتعسفة أن تستعيض بها عن نظام الأسرة.

ومن أعجب العجب أن نجد كثيرًا من الفلسفات المعاصرة بدأت تشجع عمل المرأة وتركها للمنزل أكبر فترة ممكنة تاركةً أبناءها إما للحاضنات أو للخادمات، وهي تضحية كبيرة بأعلى رصيد للمستقبل وهم الأطفال، في مقابل ما يسمى بزيادة دخل الأسرة أو تكوين شخصية المرأة وغير ذلك من الدعاوى1.

4-

عمارة الأرض:

إن الأسرة هي العماد الذي يقوم عليه كل ما ينشأ في هذه الحياة من مظاهر التحضر والعمران، لذلك شاءت إرادته تعالى حينما أزف رحيل آدم عليه السلام من الجنة ليهبط إلى الأرض ليبدأ الحياة والعمران -كما سبقت بذلك الإرادة- أن خلق له من نفسه من تشاركه في هذه الحياة وفي إقامة هذا العمران؛ حيث يتولى هو بما أوتي من قدراتٍ عقلية وبدنية تهيئة الأسباب المادية لهذا العمران، وتتولى هي تهيئة ما

1 المرأة في ظلال القرآن ص12، 13 بتصرف.

ص: 6

يحتاجه هذا الإنسان الكادح من راحةٍ نفسيِّة واحتياجات بدنية في منزله، ثم تنجب له الأولاد الصالحين والبنات الصالحات لتستمر الحياة وتتواصل الأجيال، كل يحاول بحسب قدراته أن يضيف إلى ما وجد من أسباب العمارة والازدهار، وهكذا كانت الأسرة ولا تزال هي محور عمارة هذه الأرض ومصدر حضارتها وتقدمها المستمر.

5-

حفظ الأنساب:

قال جل شأنه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} 1 فلا بُدَّ للإنسان السويِّ أن يكون منتسبًا إلى أسرة مكونة من أب معروف وجَدٍّ معروف وأم وجدة كذلك، ومن عوامل الاستقرار النفسي لدى الإنسان كذلك أن يشعر بأن له أبناء وأحفادًا ينتمون إليه ويحملون اسمه ولقبه.

وبناءً على ذلك تتقرر الحقوق والواجبات داخل الأسرة من تربية وحضانة ونفقة وإرث، وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي لولا البناء السليم للأسرة لما أمكن ترتيب هذه الحقوق أو توفيتها2.

من مظاهر عناية الإسلام بالأسرة:

لم يحظَ تشريع إسلامي -فضلًا عن غيره- باهتمام واسع من الشريعة الإسلامية بمثل ما حظي به تشريع الأسرة؛ فقد تناول كل مراحل تكوين الأسرة وقيامها، ثم المحافظة على بنيانها قويًّا متماسكًا حتى تستطيع الوفاء بالرسالة الإنسانية والحضارية التي أرادها المولى سبحانه منها، وقد أوصى بحسن اختيار عن رغبة حقيقية ورضى قلبي غير مشوب بأيِّ عاملٍ من العوامل التي تؤثر في إرادة الإنسان، ورسم الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه هذا البنيان، فجعل الدين هو الأصل في الاختيار.

1 سورة النحل الآية 72.

2 أضواء على نظام الأسرة للدكتورة سعاد صالح ص21، 22.

ص: 7

ولهذا جعل بناء الأسرة يتم على مراحل متعددة تبدأ من حسن الاختيار إلى الخطبة إلى العقد إلى الدخول

كل ذلك حتى يتأكَّدَ طرفاها من متانة البنيان وقوته ليستطيعا مواجهة أعاصير الحياة.

ثم رتَّبَ لكل طرف حقوقه وواجباته لدى الطرف الآخر، وأخذ عليهما الميثاق الغليظ للوفاء بهذه الحقوق، والقيام بتلك الواجبات.

ووزَّعَ كذلك بينهما الأعباء التي يجب على كلٍّ منهما أن يتحمَّلها في الأسرة؛ حيث يتولى أحدهما عمل كل الأسباب التي توفر الحياة الكريمة لأفراد الأسرة، وعلى الطرف الآخر أن يوفر عوامل الاستقرار والسكينة لأفراد الأسرة داخل المنزل.

كذلك رسم الطريق الصالح الذي تعالج به المشكلات التي قد تنشأ بين طرفي الأسرة، وجعلها على مراتب متعددة حسب نوع المشكلة وظروف كل أسرة.

فإذا تعقَّدت الأمور وصعُبَ حلّها، جعل لها مخرجًا كريمًا لكلٍّ منهما، ثم رتَّبَ لكلٍّ منهما الحقوق التي يجب عليه الوفاء بها، والتي يقتضيها التسريح بالمعروف حفاظًا على ما كان من ودٍّ وحسن عشرة، لعل الله أن يحدث بعد ذلك في القلوب ما يجمعها بعد تنافر، ويؤلف بينهما بعد شتات.

رسم الإسلام هذا وغيره من التشريعات الحكيمة، والتوجيهات السديدة التي سيأتي الكلام عليها بالتفصيل في ثنايا هذا المنهج -إن شاء الله تعالى.

ص: 8