الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حكم النكاح
أولًا: حكم النكاح في حال الاعتدال
والمقصود بالاعتدال القدرة على الوطء والنفقة وعدم خشية العنت.
والذي عليه جمهور الفقهاء أن النكاح في هذه الحالة مستحب، ما دام قادرًا على الوطء، ومالكًا للمهر والنفقة، وغير خائف من الزنا والجور، وترك السنن، والفضائل1.
ويذهب الحنابلة إلى استحبابه ولو كان الرجل فقيرًا عاجزًا عن الإنفاق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم زوج رجلًا لم يقدر على خاتم من حديد، ولا وجد إلّا إزاره2.
والمرأة في ذلك كالرجل، فإن كانت محتاجة إلى النكاح بأن كانت تتوق إليه أو محتاجة للنفقة، أو خائفة من اقتحام الفجرة، أو لم تكن مشغولةً بالعبادة، استحب لها أن تتزوج لما في ذلك من تحصين الدين، وصيانة الفرج، والترفه بالنفقة، وغير ذلك3.
ودليل الجمهور في القول بالاستحباب أو السنية حديث: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 4 لأنه صلى الله عليه وسلم خيَّرَه بين النكاح والصوم بالاتفاق، ولو كان النكاح واجبًا لما خيره بينهما، قال سلطان العلماء: أقام الصوم مقام النكاح، والصوم ليس بواجب، ولأن بعض الصحابة لم تكن له زوجة ولم ينكر عليه5.
1 الخرشي جـ3/ 165، كشاف القناع جـ5/ 6، ومغني المحتاج جـ3/ 125.
2 صحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 94.
3 مغني المحتاج جـ3/ 125.
4 متفق عليه.
5 بدائع الصنائع جـ3/ 1325.
وذهب داود الظاهرى إلى وجوبه، وهناك قول للحنفية: بأن النكاح واجب في حال الاعتدال -ومعلوم أن الواجب عند الحنفية غير الفرض؛ إذ الواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، وبذلك تقترب السنة المؤكدة من الواجب عند الحنفية؛ إذ تارك أيٍّ منهما يأثم عندهم، غير أن الإثم أيسر في ترك السنة المؤكدة منه في ترك الواجب1.
ودليل القائلين بالوجوب في حال الاعتدال:
- الأمر الوارد في الحديث السابق بالزواج، والأمر إذا أطلق يستفاد منه الوجوب، وقد سبقت مناقشة هذا الاستدلال في معرض الحديث عن دليل الجمهور.
- ثم حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا2.
ثانيًا: حكمه في حال خشية العنت
يذهب جمهور الفقهاء إلى فرضية النكاح إذا خشي على نفسه العنت -أي: الزنا3، ومقابله عدم الوجوب4، وأضاف بعضهم إلى هذه الحالة -أي: الفرضية، مَنْ أمره والداه أو أحدهما بالزواج، أو كان قد نذره وهو قادر على النكاح5.
ثالثًا: حكمه في حق من عدم القدرة على القيام بواجباته
واجبات النكاح في الجملة: القدرة على الجماع، والقدرة على المهر،
1 حاشية ابن عابدين جـ3/ 7، المحلى جـ11/ 3.
2 متفق عليه: البخاري في "النكاح" باب: ما يكره من التبتل والخصاء، ومسلم في "النكاح"، التبتل ترك لذات الدنيا والانقطاع للعبادة.
3 حاشية ابن عابدين جـ3/ 6، فتح القدير جـ3/ 100، كشاف القناع جـ5/ 7، 8، والخرشي وعليه حاشية العدوي جـ3/ 165. بل ذهب المالكية إلى الوجوب في هذه الحالة، ولو أدى إلى الإنفاق عليها من حرام. المرجع السابق.
4 مغني المحتاج جـ3/ 125.
5 كشاف القناع جـ5/ 7، 8.
والنفقة، والكسوة، والمسكن.
ذهب بعض الفقهاء إلى كراهة النكاح لمن فقد مؤن النكاح، ولم يحتج له بأن لم تتق نفسه له من أصل الخلقة، أو لعارض مرض أو عجز، وذلك لما يترتب على النكاح في هذه الحالة من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة1.
وذهب فريق آخر إلى تحريم النكاح لمن لم يخش العنت ويضر بالمرأة لعدم قدرته على النفقة أو الوطء أو يتكسب من حرام لينفق عليها2.
رابعًا: حكمه في حق من قَدِرَ على مؤن النكاح غير الجماع
يذهب بعض الفقهاء إلى كراهة التزوج لمن يملك القدرة على النفقة، ولكن به علة تمنعه من الجماع؛ كهرمٍ أو مرض دائمٍ أو تعنينٍ دائمٍ، وذلك لعدم الحاجة إليه مع منع المرأة من التحصين، ويذهب آخرون إلى إباحة التزوج في هذه الحالة لعدم منع الشارع منه3.
والقول بالكراهة أقرب؛ لأنه سيترتب على الزواج الاشتغال بما ليس في حاجة إليه، وحبس المرأة عن زواجها بمن تتحصن به، وانشغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.
خامسًا: حكمه في حق من قدر على مؤن الزواج، ولم يحتج إلى النكاح، وليست به علة تمنعه منه
فمن قدر على النكاح ولكن لم يحتج إليه، ويملك القدرة على المهر والنفقة على الزوجة، وليس لديه مقصد شرعي من ورائه؛ كرجاء نسل أو رغبة في تعفف أو اقتداء، ولم يقطعه عن عبادة غير واجبة، فإن الزواج يباح في هذه الحالة، وأما إذا
1 المحلى على المنهاج جـ3/ 165.
2 شرح الخرشي على المختصر جـ3/ 165.
3 مغني المحتاج جـ3/ 126.
كان له مقصد شرعي مما تقدَّمَ، فإنه يندب أو يسن في حقه، بحسب سموِّ هذا المقصد1.
سادسًا: حكمه في حق من لا يصح منه الزواج وليس في حاجة إليه
هذه الحالة فرع عن الحالة السابقة، ولكنها خاصة بالمولى عليه لجنون أو عته ونحو ذلك، والحكم في هذه الحالة هو التحريم؛ لأنه من إضاعة المال فيما لا فائدة من ورائه، إلى جانب ما سيترتب عليه من التزامات عائلية2.
1 مغني المحتاج جـ3/ 126، شرح الخرشي مع حاشية العدوي جـ3/ 165، وحاشية رد المحتار جـ3/ 7، وبدائع الصنائع جـ3/ 1326، 1327.
2 حاشية العلامة عمير على المحلى جـ3/ 206، ومغني المحتاج جـ3/ 126.