الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: حكم الولاية وأدلته
حكم الولاية:
يذهب بعض العلماء إلى أن الولاية مندوبة في حق المرأة الحرة البالغة العاقلة، وذلك حتى لا تسمع في مجلس العقد ما يخدش حياءها، ولكنهم يوجبونها على الصغيرة والمجنونة فقط، ومعنى ذلك: أنه يحق للمرأة الحرة البالغة العاقلة أن تتولى عقدها بنفسها وفاتها الاستحباب فقط1.
واستدلوا بإضافة العقد إلى النساء في عدد من آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
…
} الآية2، وقوله جل شأنه: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
…
} 3 الآية، فدل على أنها تملك المباشرة.
وكذلك جعلها أحق بنفسها من وليها في السنة المطهرة: "لأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها"، وفي لفظ عند مسلم أيضًا "لبنت أحق" 4 والأيم اسم للمرأة إذا لم تكن ذات زوج، سواء كانت بكرًا أم ثيبًا، عند أهل اللغة.
وأيضًا استدل هذا الفريق بالمعقول حيث قال: "إنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة مميزة، ولهذا كان لها التصرف في المال، ولها اختيار الأزواج، وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة"5.
1 حاشية رد المحتار على الدر المختار جـ3/ 55.
2 سورة البقرة الآية 234.
3 سورة البقرة الآية 230.
4 صحيح مسلم بشرح النووي جـ9/ 204، والحديث سبق.
5 الهداية مع فتح القدير جـ3/ 158، 159.
بينما يذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الولاية على المرأة في النكاح، وعليه فلا يصح تولي المرأة عقد نكاحها بنفسها، كما روي هذا القول عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء1، ومن أدلتهم على ذلك ما يلي:
- قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
…
} الآية2، ومن أولى مهام القوامة على المرأة أن تمنع من مجالسة الرجال وترديد عبارات النكاح والتزويج والرضا والقبول ونحوها، مما يجب أن تصان عنه النساء لما فيه من خدش للحياء وابتذالٍ للكرامة بالنسبة للمرأة.
- وما نقل عن الشافعي رضي الله عنه في قوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} حيث قال: أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلّا لما كان لعضله معنى.
- وأيضًا قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
…
} الآية3، فإن الخطاب موجه إلى من بيده عقد النكاح وهو الولي.
ومن السنة المطهرة حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" 4 والولي لا يأذن لموليته أن تجلس مع الرجال لتعقد معهم عقد نكاحها مع وجوده.
- وما روي عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا نكاح إلا بولي" 5، وهذا أصرح نص في هذا الباب، وهو، وإن كان في سنده مقال، لكنه
1 المغني جـ6/ 449، ومغني المحتاج جـ3/ 147، وكفاية الطالب الرباني جـ2/ 34، 35.
2 سورة النساء الآية 34.
3 سورة البقرة رقم 221.
4 الترمذي جـ4/ 228، وقال حديث حسن مع اختلاف يسير في اللفظ، كما أخرجه أبو داود بلفظ قريب منه جـ6/ 98، 99 مع عون المعبود.
5 سنن أبي داود جـ6/ 102، مع شرحه عون المعبود.
يتقوى بما قبله من حديث عائشة رضي الله عنها.
- وأيضًا حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها" 1 فإن صيغة النفي أو النهي الواردة في الحديث كافية في الدلالة على ضرورة تولي الولي العقد.
ومن جهة المعقول: إن النكاح لا يراد لذاته بل لمقاصده من السكن والاستقرار ولتحصيل النسل، ولا يتحقق ذلك مع كل زوج، والتفويض إليهن مخل بهذه المقاصد؛ لأنهن سريعات في اتخاذ القرار، سيئات الاختيار، فيخترن مَنْ لا يصلح، لا سيما عند غلبة الشهوة2.
وقد ورد على أدلة كلا الطرفين كثير من المناقسات وإجابات عن المناقشات، مما لا يتسع المقام لعرضه.
هذا بالإضافة إلى رأي عدد من التابعين الذين يجعلون لها أن تعقد لنفسها؛ لكن بإذن وليها لمفهوم حديث عائشة المتقدم، وعليه فإن عقدت بدون إذنه وقفت إجازته على إذنه3.
وعلى أيِّ حال فإنه وإذا كان لكل رأي مما تقدَّمَ مميزاته العقلية والواقعية، فإن رأى الجمهور هو الأحوط لما يغلب على النساء من غلبة العاطفة وسرعة الانخداع بالمظاهر وسرعة التأثر بمعسول الكلام من غير تفكير فيما وراء ذلك، وهذا مشاهد في الواقع. نعم هناك بعض النساء اللاتي يتميزن بالتعقل والتفكير المتزن، والنظر إلى عواقب الأمور، ولكن ذلك ليس هو الغالب الأعم، بل هذا الصنف قليل نادر، والنادر لا حكم له.
1 رواه ابن ماجه 1882، والدارقطني جـ3/ 227، والبيهقي 7/ 110، وإسناده حسن وأخرجه البيهقي من وجه آخر فأوقفه على أبي هريرة.
2 قاله في فتح القدير -على لسان الجمهور جـ3/ 157، 158.
3 المغني جـ6/ 449، 450.