الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: حقوق الزوجة على زوجها
المطلب الأول: النفقات
المراد بنفقة الزوجة:
ما تحتاج إليه من طعام وكسوة ومسكن وأثاث وخدمة وكل ما يلزمها بالمعروف.
دليل مشروعيتها:
قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
…
} الآية1، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله
…
ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم.
ولأنها محبوسة على الزوج مشغولة بمصالحه، مما يمنعها من التصرف والاكتساب، فوجبت نفقتها عليه ولو كانت ذمية من أهل الكتاب، عملًا بالأصل العام: كلُّ من حُبِسَ لحقِّ غيره ومنفعته فنفقته على من احتبس لأجله.
وقد أجمع علماء المسلمين على ذلك2.
1 سورة الطلاق الآية: 7.
2 كشاف القناع جـ5/ 460.
معيارها:
هي نفقة الكفاية بحسب ما يصلح لمثلها مع مثله بالمعروف، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديثه لهند زوجة أبي سفيان حين شكت شحَّه وبخله:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1، وهي تختلف باختلاف حال الزوجين يسارًا وإعسارًا.
واختلف هل يعتبر في تقديرها حال الزوج وحده من اليسار والإعسار، فيفرض له إن كان موسرًا نفقة الموسرين ولو كانت غنية؟ أم أن المعتبر حال الزوجين معًا، فإن كانا موسرين فنفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة أمثالهما من الفقراء، وإن كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا فنفقة الوسط؟ خلاف بين أهل العلم، والراجح هو القول الأول، وهو مقتضى قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ} ، ولأن الله تعالى فرَّق بين الموسر والمعسر في الإنفاق، ولم يبين ما فيه التفريق، فوجب الرجوع إلى العرف، وأهل العرف يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين أعلى من جنس نفقة المعسرين، ويعدون المنفق من الموسرين من جنس نفقة المعسرين بخيلًا2.
شروط وجوب النفقة على الزوج:
1-
صحة عقد الزواج، فليس على المسلم نفقة في زواج فاسد أو باطل.
2-
صلاحية الزوجة للمعاشرة الزوجية.
3-
أن لا يفوت على الزواج حقه في احتباس الزوجة بغير مبرر شرعي، وبسبب ليس من جهته.
1 متفق عليه.
2 كشاف القناع جـ5/ 460.
ما يراعى في حالة فرض النفقة:
1-
كفاية الزوجة مع مراعاة حال الزوج من اليسار والإعسار.
2-
مراعاة حال البلد الذي يقيمان فيه؛ من كونها حاضرة يعيش أهلها على الناعم من المطعم والكسوة، أو بادية يأكل أهلها الخشن من الطعام ويلبسون الغليظ من الثياب.
3-
غلاء الأسعار ورخصها حين العقد.
4-
إذا احتاجت الزوجة إلى من يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها ولا خادم لها، لزمه خادم لها لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وتلزمه نفقة الخادم وكسوته بقدر نفقة الزوجين الفقيرين.
5-
إن لم تكن الزوجة أهلًا للإخدام أو كانت أهلًا له، ولكن كان الزوج فقيرًا فعليها الخدمة داخل المنزل، ولو كانت غنية ذات قدر؛ من غسل ثياب وعجن وكنس وفرش وطبخ له لا لضيوفه، بخلاف الخياطة ونحوهما مما هو من التكسب عادةً فلا تجب عليها1.
نفقة المطلقة الرجعية أيام عدتها:
يحب للمطلقة الرجعية النفقة من مطعم وملبس ومسكن كالزوجة سواء لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 2 وكذلك ما لا بُدَّ منه من للنظافة العادية؛ إذ لا يمكن لأحد الاستغناء عنه.
وكذلك المطلقة طلاقًا بائنًا بفسخ أو طلاق إن كانت حاملًا لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 3 إذ الحمل ولده، والإنفاق عليه دونها متعذر، فوجبت لها النفقة كما وجبت لها أجرة الرضاع4.
1 الشرح الكبير جـ2/ 511.
2 سورة البقرة الآية: 228.
3 سورة الطلاق الآية: 60.
4 كشاف القناع جـ5/ 464، 465.
بم تسقط النفقة؟
1-
لا نفقة لناشز: لا تجب النفقة للزوجة الناشز غير الحامل؛ لأن النفقة في مقابل الاستمتاع وما يتعلق بذلك من منافع متبادلة، والنشوز لا يتحقق معه ذلك، فإن كان لها ولد منه أعطاها نفقة ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو المرضعة له؛ لأن نفقته بسبب القرابة وهي موجودة مع نشوز أمه، ويعطيها أجرة رضاعها إن طالبت بها لقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 1.
والنشوز معصية الزوج والخروج على طاعته في غير معصية، ويكون ذلك بامتناعها من فراشة أو من انتقالها معه إلى مسكن مثلها، أو بخروجها من منزله بغير إذنه، أو بسفرها، أو انتقالها من منزله بغير إذنه، أو أبت السفر معه دون شرط سابق بعدمه2.
عسر الزوج بالنفقة:
إن أعسر الزوج بنفقتها -الشاملة للكسوة والمسكن- الواجبة أو ببعضها، وأمكنه تحصيل نفقة المعسر، أجبرت على البقاء معه، أما إذا أعسر عن نفقة المعسر أيضًا فإن لها أن ترفع أمرها للقضاء لفسخ العقد على التراخي عند الحنابلة، أو يطلق عند المالكية بعد أن يؤجله مدة لعله يستطيع تحصيل ما ينفقه عليها. ويزيد في مدة التأجيل إن كان مسجونًا أو مريضًا، إن رجي الخروج من السجن أو البرء من المرض قريبًا، وإلا طلق عليه كما يطلق على الغائب إذا لم يترك لزوجته نفقتها، فإن علم له موضع وكان قريبًا على أقل من عشرة أيام، فإنه يعطي فرصة باجتهاد الحاكم بعد محاولة الاتصال به وإعلامه، فإن لم يحضر ولم يبعث نفقتها طلقها عليه3.
1 سورة الطلاق الآية: 6.
2 الشرح الكبير جـ2/ 514، وكشاف القناع جـ5/ 467.
3 الشرح الكبير جـ2/ 514، وكشاف القناع جـ5/ 467.
فإن كان للغائب مال وحلفت أنها لم تتسلم نفقتها منه قبل سفره أنفق عليها الحاكم من ماله، ولها أن تطالبه بنفقتها مدة سفره ليدفعها لها معجلة حتى يقدم، أو يقيم لها كفيلًا يتولى الإنفاق عليها حتى يرجع1.
فائدة في نفقة الوالدين والولد مع المقارنة بنفقة الزوجة:
تجب نفقة الوالدين وإن علوا لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 2، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، ولقوله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} 3، ومن الإحسان القيام بكفايتهما عند حاجتيهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" 4 وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال لهما نفقتهما واجبة في مال الولد.
وتجب نفقة الولد وإن سفل لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 5 حتى يبلغ الذكر عاقلًا قادرًا على الكسب، والأنثى حتى يدخل بها.
وهذه النفقة بالمعروف بحسب ما يليق بهم -أي: الفروع والأصول- من الحلال إذا كانوا فقراء، ولكن هذه النفقة لا تجب في مال الشخص إلّا إذا فضلت عن نفقته ونفقة زوجته في يومهم الحاضر، وكذلك لا تجب نفقة أصوله وفروعه -فضلًا عن غيرهما من أقاربه- من ثمن البضاعة التي يتاجر بها، ولا من ثمن ما يملكه من عقاره ولا من
1 الشرح الكبير جـ2/ 520.
2 سورة الإسراء الآية 23.
3 سورة لقمان الآية: 15.
4 وهو صحيح، أبو داود 3528، الترمذي 1358، النسائي 7/ 240، ابن ماجه 2290 وقال الترمذي: حسن صحيح.
5 سورة البقرة الآية: 233.